تماشيا مع حدة انتشار الأزمات المالية والمصرفية على مستوى الاقتصاد العالمي خاصة بعد الأزمة المالية التي شهدها الاقتصاد العالمي سنة 2008 ظهرت العديد من المنتجات المالية الجديدة بأشكال مختلفة كنتيجة حتمية لتطور مخرجات الهندسة المالية الاسلامية ، ولعل الشيء الملفت للانتباه هو تنامي الاقتصاد الاسلامي في كثير من بلدان العالم بما فيها البلدان الغربية التي تعتبر منبت الرأسمالية ومهد اقتصاد السوق حيث بدى الاهتمام جليا بالصيرفة الاسلامية والمالية الاسلامية على وجه العموم والتي أصبحت تطبيقاتها في كثير من بلدان العالم سواء اسلامية أم علمانية فظهرت الصيرفة الاسلامية على سبيل الذكر لا الحصر في ماليزيا والسودان وبعض دول الخليج العربي والتي أحرزت تقدما كبيرا في الصناعة المالية الاسلامية وتبين ذلك من خلال نجاعة منتجات المالية الاسلامية وتحوطها من المخاطر نظير إرسائها على أسس سليمة، كما امتد تطبيق الصيرفة الاسلامية في كثير من الدول العلمانية غير الاسلامية كألمانيا وإنجلترا وفرنسا...الخ. وهذا ليس حبا في المالية الاسلامية بل في طبيعة منتجاتها من جهة وكنتيجة حتمية للدراسات السوقية التي اثبتت وجود مبالغ مالية كبيرة خارج دائرة البنوك والاسواق المالية ، تلك الاموال تعود لفئة المسلمين الذين يرفضون فكرة الربا الموجود في البنوك التقليدية شكلا ومضمونا ومن هنا تم فتح شبابيك ونوافذ مالية اسلامية في بنوكها، كما تم الاهتمام بها من قبل الجامعات والمعاهد حيث اصبحت الصيرفة الاسلامية تخصصا قائما بذاته و يدرس في كبريات الجامعات العالمية بما فيها الجامعات الاوربية مثل الجامعة العالمية بماليزيا وجامعة ستراسبوغ ....الخ . هذا الاهتمام بالصيرفة الاسلامية جاء نظير لمساهمة منتجاتها في الحفاظ على السلامة المالية لنظمها المالية خاصة بعد ازمة 2008 .
الجزائر وبشكل متأخر جدا عن العالم العربي والاسلامي وحتى الغربي تم طرح فكرة المصرفية الاسلامية في أول تنظيم في نوفمبر 2018 من خلال النظام 18 - 02 المتعلق بنظام الصيرفة التشاركية غير أنه لم يطبق نهائيا ولم يعمر طويلا من خلال الغائه وتعويضه بالنظام رقم 20 – 02 الصادر بتاريخ: 23 مارس 2020 ليؤسس لنظام الصيرفة الاسلامية في الجزائر وهذا النظام يتعلق بآليات تطبيق الصيرفة الاسلامية في الجزائر، و تطبيقا لمضمون هذا النظام تم بتاريخ 01 أبريل 2020 تأسيس الهيئة الوطنية للرقابة الشرعية وصدرت بعض التنظيمات التي تفسر محتوى التنظيم 20 – 02 السالف الذكر وبهذا يرى نظام المصرفية الاسلامية في الجزائر النور وسيكتمل مستقبلا من خلال بعض التعديلات الضرورية التي ستبرز مع ملامح التطبيق، فمن خلال محاور هذا المقياس ركزنا على أبجديات العمل المصرفي الاسلامي وفق مقاربة منهجية تدرس آليات التمويل والتقنيات المستخدمة في البنوك الاسلامية بشكل أكبر اهتمام .
في بداية المطبوعة تضمن المحور الأول عرض بعض المفاهيم الاساسية المرتبطة بالوساطة المالية الاسلامية ، على اعتبار أن البنك الاسلامي هو وسيط مالي بين أصحاب الفائض المالي وأصحاب العجز المجال وهو الحقل الذي تطبق فيه هذه المعاملات المالية مع احترام تام لقواعد الشريعة الاسلامية . لتليها المحاضرة الثانية والتي تضمنت بعض المفاهيم الأساسية المرتبطة بالبنوك الاسلامية وتحديد خصائصها ومميزتها الاساسية وكذا الفروقات الجوهرية في طريقة ومبادئ عملها مقارنة مع البنوك التقليدية ، أما المحور الثالث من المطبوعة فخصص لدراسة مختلف مصادر التمويل التي تعتمد عليها البنوك الاسلامية في نشاطها سواء الداخلية أو الخارجية ومحاولة دراسة آليات استقطاب الموارد المالي الخارجية بشكل جيد حتى تتمكن البنوك الاسلامية من تأدية دورها على الوجه الكامل ، بينما المحور الرابع خصصناه لدراسة آليات التمويل والاستثمار في البنوك الاسلامية وقصد تفصيل أكثر للمحور قسمناه إلى ثلاثة أجزاء أساسية في الجزء الأول ركزنا على أسلوب التمويل والاستثمار المباشر في البنوك الاسلامية وفق أسلوب المشاركات وحددنا بنوع من التفصيل كلا من اساليب المشاركة والمضاربة والتقنيات الاكثر استخداما في القطاع الفلاحي ممثلتا في المزارعة ، المغارسة ، المسقاة ، بينما الجزء الثاني من المحور الرابع تضمن دراسة حول التمويل عن طريق أسلوب البيوع بداية من بيع المرابحة تم السلم والاستصناع والاجارة والبيع بالتقسيط مع زيادة الثمن مع تحديد ودراسة كل اسلوب على حدى وتحديد معاييره بنوع من التفصيل ، بينما في الجزء الثالث من نفس المحور الرابع تطرقنا إلى تقنيات تمويل وصيغ استثمار مختلفة تضمنت كلا من الاعتماد المستندي ، خطابات الضمان، بطاقة الائتمان وكذا التورق المصرفي بنوع من التفصيل ، لنتطرق في المحور الخامس من هذه المطبوعة إلى موضوع الخدمات المقدمة في البنوك الاسلامية وقصد تسهيل طريقة إيصال المعلومة للطالب تم تقسيم المحور إلى ثلاثة أجزاء تضمن الجزء الأول عرض عام عن الخدمات المرتبطة بالأوراق المالية من خلال دراسة بعض المفاهيم الاساسية المرتبطة بالصكوك المالية الاسلامية بمختلف أنواعها وتبيان الضوابط الشرعية التي تحكمها ، بينما الجزء الثاني تطرقنا من خلاله إلى أهم الخدمات المستحدثة في المصارف الاسلامية وتبيان دور الهندسة المالية في تطوير نشاط المصرفية الاسلامية وتطرقنا إلى المشتقات المالية بمختلف أنواعها بالإضافة إلى إبراز البدائل التي تحل محل هذه المشتقات وعلى رأسها العقود الموازية وبيع العربون، لنتطرق في الجزء الثالث من نفس المحور إلى دراسة الخدمات الاجتماعية التي تقدمها المصارف الاسلامية ممثلتا على وجه الخصوص في القروض الحسنة والتي تعتبر كأداة يستخدمها البنك في الاعمال الخيرية التي يقوم بها نظير مسؤوليته الاجتماعية تجاه المجتمع كما تم التأكيد على أن القرض الحسن يمنح من أموال البنك ولا علاقة له أصلا بأموال الزكاة كما أشارت المطبوعة إلى أننه بالإضافة إلى الابعاد الاجتماعية والخيرية للقرض الحسن فيمكن إعطائه الابعاد التسويقية من خلال ما يحققه هذا النمط من القروض بالنسبة للبنك، أما المحور السادس تطرقنا من خلاله إلى موضوع مهم في الصيرفة الاسلامية هو هيئة الرقابة الشرعية في البنوك الاسلامية ودورها في مراقبة المعاملات المالية الاسلامية فالهيئة تعتبر بمثابة السمة البارزة في البنوك الاسلامية والتي تعطي الضوء لمدى شرعية المعاملات التي تقوم بها البنوك الاسلامية ، بعدها في المحور السابع عرجنا لدراسة الصيرفة الاسلامية في الجزائر وفق ما تم استحداثه من نظم وقوانين وتطرقنا إلى اساليب تفعيلها في الجزائر وابرز العوائق التي تقف أمام تطبيقها، وفي المحور الثامن تطرقنا إلى علاقة البنوك الاسلامية بالبنك المركزي من خلال تحديد طبيعة هذه العلاقة وتبيان أدوات السياسة النقدية المباشرة وغير المباشرة في البنوك الاسلامية، ليتم في المحور التاسع والاخير ابراز مختلف المشاكل التي تقف أمام المصارف الاسلامية سواء تلك المرتبطة بالجانب القانوني أو المتعلقة بالمورد البشري أو مختلف المشاكل التشغيلية والمؤسسية وحتى التكنولوجية وفي كثير من الاحيان تكون صعوبة وشكل مرتبط بطبيعة تركيبة العقود المالية . فمن خلال هذا المقياس نسعى لنضع الطالب في الصورة بالنسبة للتقنيات المستخدمة في البنوك الاسلامية حتى يكون على دراية تامة للتمييز بين مختلف أنواع المعاملات المستخدمة في البنوك الاسلامية ومبدأ عملها الأساسي مقارنة بما هو موجود في البنوك التقليدية ، بالإضافة إلى معرفة الأحكام الشرعية التي تضبط المعاملات المالية الاسلامية .
في نهاية تدريس هذه المحاضرات نأمل أن تسهم هذه المحاضرات في إعطاء تكوين جيد لطلبتنا ، على اعتبار أن طالب اليوم هو مشروع صيرفي المستقبل لذلك تكوينه الجيد يعتبر حلقة مهمة في إرساء أسس الصيرفة الاسلامية.
- معلم: Berber Noureddine