الدكتورة: صورية بوكلخة محاضرات في المدارس اللِّسانية أستاذة محاضرة "ب" السَّنة الثانية ليسانس قسم اللُّغة والأدب العربي الشعبة اللُّغوية، الأدبية، النَّقدية كلِّية الآداب واللُّغات
المحاضرة 4: ثنائيات دو سوسير: ( مفهوم العلامة اللِّسانية: ثنائية الدَّال والمدلول):
يرى دوسوسير أنَّ حد الكلمة لا يربط شيئاً باسم، ذلك التعريف الَّذي يراه بسيطاً جداً وبعيداً عن الحقيقة، ولذلك عمد إلى تقديم تعريف بديل يرى فيه أن العلامة اللِّسانية لا تربط شيئاً باسم، بل مفهوماً أو تصوراً بصورة سمعية، وليس المراد بالصُّورة السَّمعية هو الصَّوت المادِّي الَّذي هو شيء فيزيائي صرف، وإنَّما تمثُّلات هذا الصَّوت في ذهن المتكلِّم أو السَّامع، أي ذلك التمثُّل الَّذي تهبنا إيَّاه شهادة حواسنا.
وإتماماً لهذا التصور الجديد عن العلامة، يرى دوسوسير أنَّها كيان نفسي ذو وجهين، وهما: التصور: Concept، ويضع له دوسوسير مصطلح الدَّال: Signifiant، والصورة السمعية: Image acoustique، ويضع لها مصطلح المدلول: Signifié.
ويقصد دوسوسير بمصطلح تمثلات الصَّوت في تفسيره للصورة السمعية هو بصمة الصوت الفيزيائي، أو ذلك الصوت الداخلي الذي نتحدث به إلى أنفسنا من دزن أن يستمع إلينا الآخرون، ويمكننا أن نمثل له بعدة أمثلة كحديثنا مع أنفسنا تحضيرا لمقابلة عمل مع مدير مؤسسة معينة، حيث نطرح على أنفسنا الأسئلة التي نتوقع أن يطرحها علينا هذا المدير ولكن من دون أن نستخدم صوتنا الفيزيائي، أو كاستحضارنا لأغنية معينة في أذهاننا بصوت مطرب معين، أو لسورة من سولر القرآن الكريم بصوت مقرءِ معين حيث أننا احتفطنا بصورة عن أصواتهم يمكن اعتبارها بصمة لأصواتهم في أذهاننا.
وبهذا التحديد الدَّقيق تصبح العلامة اللسانية مثالا نموذجيا مصغراً لبنية اللغة الصورية، تلك البنية التي ينظر إليها دوسوسير من حيث هي مخزون كبير من التصورات الذهنية والصور السمعية، ومن هنا لا يصبح الصوت في هيئته المادية جزءاً من العلامة، بل هم مكون من مكونات الكلام، وجزء خارج عن اللُّغة.
2- اللُّغة والكلام: Langue / Parole:
يقول دوسوسير: " وتشمل دراسة اللِّسان Langage جانبين: الأوَّل جوهري غرضه اللُّغة Langue ذلك الجانب الذي يتميز بكونه اجتماعيا في ماهيته ومستقلاً عن الفرد، وهذا الجانب من الدِّراسة هو نفسي [1] فحسب، والثاني: ثانوي، وغرضه الجزء الفردي من اللِّسان، ونعني به الكلام Parole، بما فيه التصويت، وهذا الجزء هو نفسي فيزيائي.
نفهم من هذا الكلام أنَّ دوسوسير يفرِّق بين ثلاثة مواضيه في الدراسة اللّْسانية، هي:
1- اللِّسان بوصفه الظَّاهرة اللُّغوية العامَّة الَّتي يصعب تصنيفها، وتتجلى – من حيث هي غير قابلة للوحدة ولا للتَّصنيف في أي فئة من فئات الوقائع الإنسانية، فهو ملكة بشرية، ووقائع خارجية وداخلية تشمل الفردي والجماعي، ويعود إلى قدرة طبيعية ( الدماغ وجهاز التَّصويت)، وإلى قوَّة طبيعية فطرية.
2- اللُّغة من حيث هي قواعد نحوية وقوانين اجتماعية مستقرة بشكل تواضعي Conventionnel في أدمغة الناطقين باللِّسان الواحد، فهي نظام داخلي وقواعد تواضعية ذهنية موجودة بالقوَّة، ونتاج اجتماعي لملكة اللِّسان، وممارسة اتِّفاقية تخضع لقدرة تنسيقية تواضعية يكتسبها الدماغ من المجتمع، كما أنَّها قابلة للتَّصنيف لكونها ذات بنية واحدة، وتؤخذ من الكلام، إلاَّ أنَّها نظام يضبط قواعد الكلام ويوجهه، وهي متموضعة خارج إرادة الفرد، ودراستها غاية في ذاتها.
3- الكلام من حيث هو إنجاز فردي لقواعد اللُّغة، وهو خاضع لآليتين متمازجتين: حركة الصَّوت الفيزيولوجية الفيزيائية، والحركة النَّفسية الذهنية للمتكلم للتَّعبير عن فكره الشَّخصي، فالكلام خارجي وداخلي، وتجسيد آلي فعلي لنظام اللُّغة، ونتاج فردي لملكة اللِّسان، وهو موجود بالفعل، يخضع للآلية النفسية الفيزيائية، والكلام سابق عن اللُّغة، ودراسته وسيلة تساعد على اكتشافها، وهو مرتبط بإرادة الفرد [2].
5- المحاضرة: 05: المدارس اللِّسانية الأوربية: حلقة براغ اللٍّسانية:
تنتمي هده الحلقة إلى تيار اللسانيات الوظيفية، أو ما يعرف بالبنيوية الوظيفية Structuralisme fonctionnel، أو Le fonctionnalisme، والوظيفية هي درس لغوي ينطلق من مبدأ البحث عن الوظائف الَّتي يمكن أن تؤديها اللُّغة، وقد انطلق اللُّغويون في دراستهم لها من خلال هذا المبدأ – وهو مبدأ بارز من المبادئ السوسيرية- والَّذي يرى في اللُّغة دوراً يجعلها وسيلة للتواصل، بينما رآه اللُّغويون المقارنون سبباً للانحطاط.ذ
ويتحدَّد مصطلح الوظيفة عند البنويين بكونه ذلك العمل أو الدَّور الَّذي تؤدِّيه وحدة ما في البنية النَّحوية للعبارة، بحيث أنَّ كل عنصر من عناصر هذه العبارة ينظر إليه على أنَّه عنصر مشارك في معناها العام.
1- حلقة براغ اللِّسانية: Cycle de Prague (1):
تأسست هذه الحلقة على يد اللِّساني التشيكي فلم ماتيسيوس V. Mathesius سنة 1926، بمدينة براغ التشيكية، وذلك بمساعدة بعض طلابه ومجموعة من اللسانيين التشيكيين ومنهم: ب ترنكا، وج. فاشك، وب. هافرانك، وت. موكارفسكي، وك. هورالك، وف. سكاليكا، وج. م. كورينك، الذين اجتمعوا حوله تحذوهم الرغبة في مقاومة الطروحات الآلية Mécanistes، للنُّحاة المحدثين.
وقد كانت بداية ظهور علامات البروز والشهرة لهذه المدرسة حينما انضم إليها، سنة 1928، ثلاثة لسانيين روس فروا من روسيا خلال الثورة البلشفية أو بعدها، وهم: رومان جاكبسون، الذي عمل أستاذا في برنو، ثم بأمريكا في جامعات كولومبيا ونيويورك وهارفارد، ونيكولاي تروبتسكوي، الذي غادر وطنه خلال الثورة ليصبح أستاذاً بقيينا، وسيرج كرسفسكي، الذي ظل يعمل أستاذا بجنيف إلى غاية وفاته، وكان تلميذا لدى دوسوسير.
إنَّ أهم ما يتميَّز به هؤلاء اللِّسانيون الثلاثة – وهو ما قاد الحلقة بعد انضمامهم إليها إلى منعطف كبير جعل منها مدرسة هي من أكبر المدارس اللِّسانية الحديثة وأشهرها- بالإضافة إلى ما جاء به بودوان دي كورتوناي، وتلميذه كروسفسكي، وأوتو جسبرسن- من المفاهيم المتعلقة بالفونيم، والتي تعد القاعدة التي قامت عليها مبادئ مدرسة براغ الفونولوجية.
ومنذ 1930 ازداد توسع المدرسة لينضم إليها لفيف من اللسانيين هم: الفرنسيون أندري مارتيني، وإميل بنفنيست، وتنيير، والنييرلنديان ف.جينكين، ودي قروت والدانماركي ل. يلمسليف.
1- الوظيفية الفونولوجية:
لقد انتهج الباحثون داخل هذه الحلقة منهجين أساسيين في مجال التحليل الوظيفي للتراكيب اللسانية، هما الوظيفية الفونولوجية بزعامة نيكولاي تروبتسكوي، والوظيفية التركيبية بزعامة اللِّساني الفرنسي أندري مارتيني و ل. تينيير.
وتبرز أعمال هؤلاء اللِّسانيين –أساسًا- في ميدان الفونولوجيا Phonologie ، وهو الميدان الَّذي تجلَّت فيه أكثر آثار نظرية دوسوسير البنوية، كما يعدُّ من أهمها من النَّاحية التاريخية، ويعتبر كتاب ن. تروبتسكوي ( أسس الفونولوجيا) أهم عمل يرتبط بهذه المدرسة. والواقع أن ما قدمه كل من جاكبسون، وتروبتسكوي، وكرسفسكي في المؤتمر العالمي الأول للِّسانيين بلاهاي في أفريل من سنة 1928 إجابة على سؤال قدَّمته اللَّجنة المنظمة للمؤتمر، والسؤال هو: ما هي المناهج الأكثر ملائمة في عرض كامل وعملي لنحو لغة ما؟ ، حيث تم وضح كلمة فونولوجيا بدل كلمة نحو.
ولم يستمر نشاط هذه الحلقة سوى 10 سنوات ولكن أفكارها واصلت ازدهارها في في أمريكا ( نيويورك وهارفارد ...) ممثلة في أعمال رومان جاكبسون المتأخرة، وفي فرنسا ممثلة في أعمال أ. مارتيني، ومن أهم المبادئ التي نادت بها هذه المدرسة:
- الاهتمام بالمنهج التزامني في الدراسة اللغوية
- استثمار مفاهيم دوسوسير في الدراسة الوظيفية للصوت اللغوي مثل الثقابل، والنظام، والعلاقات التركيبية والاستبدالية، وثنائية اللغة والكلام، وغيرها ..
- الاهتمام بتحليل البنية الأولية البسيطة للغة وهي الفونيم من أجل العثور على سماتها الوظيفية.
- تصنيف الوحدات الصوتية في اللغة الواحدة ووضعها في نظام اندراجي يسمح بالنظر إليها من حيث هي وقائع صوتية ذات زظائف وسمات مميزة.
- الكشف عن العلاقات التي تنطوي على وظيفة في النظام الفونولوجي للغة الواحدة مثل علاقات التقابل بين مجموعة الحروف الشفوية ( م.ب. و. ف) أو بين الحروف الصفيرية ( س. ز. ص) في اللسان العربي.
- التمييز بين التنوعات Variations الصوتية التي هي مجرَّد تحقيقات نطقية لفونيم واحد، والتغيرات التي تصيب الفونيمات بحيث تقتضي تغير الوظيفة الدلالية للكلمة وذلك عند تبديل فةنيم مكان فونيم آخر في السياق ذاته.
6- المحاضرة: 6: حلقة براغ اللِّسانية: Cycle de Prague (2):
2- الوظيفية التَّركيبية عند أندري مارتيني:
أندري مارتيني لغوي فرنسي وأحد مؤسسي اللسانيات البنيوية في أوربا، وقد كان من بين إسهاماته في هذا المذهب اللساني الكبير مفاهيمه ونظرياته الَّتي أسس بها اللسانيات الوظيفية على المستوى التركيبي للغة، وذلك في العديد من مؤلَّفاته، نذكر منها: اللسانيات الآنية ( 1970)، ومبادئ اللسانيات العامَّة ( 1960)، واللُّغة والوظيفة ( 1970)، ويمكننا متابعة أبرز الأفكار الَّتي تنطوي عليها الدراسة الوظيفية عند أ. مارتيني في المبادئ التَّالية:
أ- وظيفة اللُّغة:
يعتقد أ. مارتيني أن الوظيفة الأساسية للِّسان البشري هي ما يسمح لكل إنسان أن يبلغ تجربته الشخصية لغيره من النَّاس، وسمِّيت هذه الوظيفة بوظيفة التَّبليغ والتَّواصل بين أفراد المجتمع، ويرى مارتيني أنَّها موجودة إلى جانب وظائف أخرى تؤديها اللغة لكنَّها ثانوية – مثل وظيفة التَّعبير عن الأفكار، ووظيفة التعبير عن المشاعر دونما الحاجة إلى التواصل، والوظيفة الجمالية في النًّصوص الأدبية، وغيرها، وهذا يعدُّ امتداداً لمقولة دوسوسير الَّتي يرى فيها أنَّ اللُّغة نتاج اجتماعي، وبالتَّالي فمارتيني يرى أنَّ وظيفة العناصر اللُّغوية أمر ضروري لكونها أداة التواصل بين البشر، ومن هنا لا يكفي معرفة أنَّ اللغة تتشكَّل عناصرها في صورة بنى متراصة؛ بل لابدَّ من معرفة وظائف هذه البنى.
ويتجلى المطهر الوظيفي للُّغة عند مارتيني بشكل عام في اعتقاده أنَّ اللُّغات ليست مجرَّد نسخ للأشياء كما هي في الواقع، إنَّما هي بنى منظَّمة تعكس كلٌّ منها نظرة تحليلية متميِّزة لعالم الأشياء والأحاسيس، بحيث يتصل بها تنظيم خاص لمعطيات التجربة الإنسانية [3]، متأثراً في ذلك بنظرية رؤية العالم لصاحبها الألماني فيلهلم فون همبوليت، الذي يرى أنَّ الاختلافات بين اللٌّغات لا تتوقف فقط على أصوات الكلام المختلفة الَّتي تستعملها تلك اللُّغات، ولكنها تشتمل على اختلافات في تفسير المتكلمين وفي فهمهم للعالم الَّذي يعيشون فيه.
ب- مبدأ التقطيح المزدوج للُّغة:
يعتبر هذا المبدأ من المبادئ المهمَّة في مجال التَّحليل اللُّغوي، والَّذي يمكِّن من تحليل اللغة إلى وحدات محدودة ونهائية في كلِّ لغة، وتنقسم هذه الوحدات – حسب هذا المبدأ- إلى مجموعتين أو إلى مستويين من التقطيع أو التمفصل وهما:
الأوَّل: ويتعلَّق هذا المستوى من التَّقطيع بالوحدات التـي أطلق عليها أ. مارتيني مصطلح المونيمات Les monèmes ( ويقابل هذا المصطلح في الاستعمال التقليدي: الكلمات Les mots)، ويسمى هذا المستوى بمستوى التقطيع الأوَّل الَّذي يتعلَّق بتحليل الوحدات إلى أصغر مكوناتها، والتي تتحدَّد بكونها وحدات غير قابلة لأن تجزأ إلى وحدات أصغر ذات معنى، فمثلا نحلل جملة: '' قرأ الطالب كتابين '' إلى خمس مونيمات هي: / قرأ / ال ( تدل على التعريف) / طالب / كتاب / ين ( تدل على التَّثنية ) /
ولا يمكن أن يتجاوز التَّحليل هذا الحد إذ لا يمكن أن تحلَّل كلمة كتاب، مثلاً، إلى '' كتا '' فقط أو '' تاب '' فقط، لأنهَّما وحدتين غير دالَّتين.
الثَّاني: و يسمى هذا المستوى بالتقطيع الثاني، ويختصُّ بالتَّحليل إلى وحدات صغرى ولكن غير دالة، وهي الفونيمات، إذ يتم التَّحليل داخل الوحدات الدَّالة، ونعطي مثالاً على ذلك: كلمة كتاب تعتبر وحدة دالة في ظلِّ خضوعها للتَّقطيع الأوَّل من حيث إنَّها أصغر وحدة دالة في الجملة، أمَّا في ظل التلفُّظ الثَّاني فإنَّ الوحدة '' كتاب '' يتمُّ تحليلها بتجزيئها إلى وحدات غير دالة تسمى الفونيمات Phonèmes وعددها خمسة هي: / ك / -ِ/ ت/ -َ/ ـــــــــــاَ / بْ.
ويرى مارتيني أنَّ مبدأ التقطيع المزدوج يعدُّ سمة بارزة من شأنها أن تميز وحدات اللِّسان البشري ( القطع الصَّوتية) عن أصوات الحيوان وعن سائر الأنظمة الإبلاغية الأخرى الَّتي تعتمد على وحدات ذات دلالات محدَّدة ونهائية، ذلك أنَّه '' لا وجود لظاهرة من ظواهر اللُّغة إلاَّ حينما يتم المرور من تجربة متجانسة غير محلَّلة إلى تقليصها في صورة مجموعة من القطع الصوتية المحددة بحيث أن كلا من هذه القطع يمكن أن يستعمل لتبليغ تجارب أخرى مختلفة '' [4]
7- المحاضرة: 07: حلقة كوبنهاجن:
- الاتِّجاه الفلسفي المنطقي في اللِّسانيات البنيوية:
تمثِّل هذه المدرسة أقصى درجات التَّجريد الصُّوري في اللِّسانيات البنيوية، وقد تأسَّست هذه الحلقة سنة 1931 حاملة مشعل اللِّسانيات البنوية، ومتبنية أفكارها مع قدر كبير من الحسم والدِّقة، ولكن انطلاقاً من اعتبارات ذات طابع منطقي، وتتمثَّل مبادئ هذه الحلقة، بشكل خاص، في أعمال الدانماركيين: فيجو بروندال ( 1887- 1942)، ولويس يلمسليف ( 1899- 1965)، ويعدُّ هذان اللسانيان رائدين من رواد اللِّسانيات البنوية، لم يمنعهما تبنيهما للمنهج البنيوي من أن يكونا مؤسسين للسانيات الفلسفية المنطقية، أمَّا فيجو بروندال فقد كان من أبرز أعماله البنوية:
- اكتشافه لأهمِّية استخدام التَّقابل في التحليل الصرفي والدلالي للظواهر اللِّسانية.
- استطاع أن يجمع بين تأثره بمبادئ دوسوسير من جهة وبين تعلقه القوي بالمنطق القديم والحديث من جهة ثاني، فهو يؤكد على أنَّه يستطيع أن يعثر في اللِّسان البشري على مفاهيم المنطق مثلما صاغها الفلاسفة منذ أرسطو إلى غاية المناطقة المحدثين.
- أحيا العلاقة بين اللُّغة والفكر وحاول أن يعرف منطق اللُّغة مركزاً اهتمامه على ملاحطة الطرق التي تكشف بها مقولات المنطق عن نفسها من خلال الحقائق اللُّغوية معتبراً هذه المقولات مفاهيم أساسية بحيث يمكن تعميم تطبيقها على كل النظم الممكنة في اللُّغات.
هذا عن فيجو بروندال، أمَّا لويس يلمسليف فقد ارتكزت إسهاماته اللِّسانية، ضمن الحلقة، على بعض النَّظريات والمفاهيم الَّتي جمعها في توجه لساني مميَّز سمَّاه بالجلوسيمية، وتعدُّ مفاهيمه اللِّسانية امتداداً مباشراً لحلقة كوبنهاجن.
8- المحاضرة: 08: المدرسة التَّوزيعية:
- البنيوية التَّوزيعية عند زيليغ هاريس: Le distributionnalisme:
ولد ويليغ هاريس سنة 1909 في روسيا، ثمَّ رحل إلى أمريكا وهو في سن الطفولة، تلقى علومه الجامعية بجامعة بنسلفانيا، درس بجامعة فيلادلفيا وجامعة بنسلفانيا، من أعماله كتابه الَّذي شرح فيه نظريته التَّوزيعية وعنوانه: '' طرق في اللِّسانيات البنيوية'' وتقوم نطرية هاريس على إضافات أدخلها على ما جاء به من سبقه من اللِّسانيين خاصَّة أستاذه بلومفيلد، ومن جملة هذه الإضافات المشكلة لنظريته التوزيعية نذكر ما يلي:
- إسناده للأصوات اللُّغوية وظيفة لتمييز معاني المباني الصرفية، فهو يرى أنَّ الأصوات لا تتمايز إلاَّ مع التطبيق [5]، ويبدو هذا الموقف شبيهاً بما قام به صوتيو ( Les phnologue) مدرسة براغ في قولهم بالدِّراسة الوظيفية للأصوات اللُّغوية من خلال تقابلها التمييزي.
- قوله بمبذأ الربط البنوي بين العناصر اللُّغوية بدءاً بالفونيم ثمَّ بالمورفيم ( أو المونيم)، ثمَّ الجملة، ثمَّ النَّص المؤتلف واكتشافه لفكرة النَّواة الَّتي تربط بين جملتين [6].
- شرح النظرية التَّوزيعية:
يعرَّف التوزيع Distribution على أنَّه الموقع الَّذي يحتله العنصر اللِّساني ضمن محيطه ( Environnement ) المألوف، بحيث يكون للعناصر نفس التَّوزيع إذا كان لهما نفس التواتر في السِّياق نفسه، فهي بذلك بدائل توزيعية [7]، ففي المثال التَّالي:
أعطى علي السَّائل درهماً
نجد الفعل: أعطى يشترك مع مجموعة من الأفعال ( وهي الأفعال الماضية والمتعدية لمفعولين ...) في نفس الموقع ( أي نفس التَّوزيع ) [8].
- يتمثَّل التَّوزيع عند هاريس في أدنى حالاته، في توزيع الفونيمات في المباني الصَّرفيه لإبراز القيمة الخلافية بينها مثل ما بين: قال، وجال، وطال، وسال ( على أساس التَّقابل التَّصنيفي)، أو ما بين صار، وسار، وزار ( على أساس التَّقابل الوظيفي).
- خالف هاريس أستاذه بلومفيلد في مسألة إقصائه المعنى، حيث يعتبر أن المعنى وثيق الصلة بالتَّركيب.
- استفاد هاريس في عملية التحليل التَّوزيعي من مبدأ التحليل إلى المكونات الَّذي جاء به بلومفلد، بحيث ينطلق التَّحليل من كون الجملة تتألَّف من طبقات بعضها أكبر من بعض، ويتمُّ الانتقال من طبقة إلى طبقة إلى أن يتم الوصول إلى العناصر الأوَّلية من المورفيمات الَّتي لا يمكن تحليلها إلى ما هو أدنى منها، وفي المثال التّالي توضيح لذه العملية:
- صنع أجدادنا الحضارة.
يمكن تحليل المثال إلى ثلاثة مكوِّنات:
/ صنع / / أجدادنا / / الجضارة /
1 2 3
والمكونات الثلاثة يمكن تحليل كل منها كالتّالي:
/ صنع / / أجداد / /نا / / ال / / حضارة /
4 5 6 7 8
وهكذا يمكننا أن نستنتج ما يلي:
المكونات: 1 ، 2، 3 هي مكونات مباشرة [9].
المكونات: 4، 5، 6، 7، 8 هي مكونات نهائية [10].
وهناك طريقة أخرى للتحليل التوزيعي تسمَّى عند التَّوزيعيين بصندوق هوكت (Hoket) نمثلها كاتَّالي:
صنع |
أجداد |
نا |
ال |
حضارة |
|
|
صنع |
أجدادنا |
الحضارة |
||||
|
صنع أجدادنا الحضارة |
|
||||
9- المحاضرة: 09: اللسانيات التَّوليدية التحويلية (1):
أ- تعريف صاحب النظرية: نوام تشومسكي:
ولد في بنسلفانيا من أصل يهودي ( يهود أوربا الشرقية)، تتلمذ على يد والده الباحث اللِّساني، ومن أساتذته هاريس، درس الفلسفة والرياضيات، من كتبه: التحليل التحولي للُّغة ( 1955)، والبنى النحوية ( 1957)، وأوجه النظرية النحوية ( 1965).
- موقف تشومسكي من اللسانيات البنيوية:
يتمثل موقف تشومسكي من البنيوية في اعتراضه عليها من حيث جملة من القضايا لعلَّ أبرزها:
- اعتراضه على موقف البنوية في اقتصارها على النَّاحية الشَّكلية للُّغة [11].
- اعتراضه على فكرة الاعتماد على الوصف وحده، فهو يرى أنَّ اللُّغة بحاجة إلى الشرح والتعليل إلى جانب الوصف [12].
- اعتراضه على الانطلاق من الواقع اللُّغوي ( الاستعمال) لاستخلاص النظرية اللِّسانية، فهو يرى أن البحث اللساني يجب أن ينطلق من الذهن البشري ( الملكة) لشرح وتعليل الواقع اللغوي والحكم عليه [13].
- اعتراضه على بلومفيلد في قوله بآلية اللُّغة وسلوكيتها، ويرى أنَّ في ذلك قتلا للُّغة وغفلة عن طاقتها الحقيقية الكامنة في الاستعداد الذِّهني اللُّغوي الكامنة في العقل البشري [14].
- كشفه لعجز طريقة التحليل المعتمدة لدى التوزيعيين ( التحليل إلى مكونات مباشرة ونهائية)، واستبدالها بطريقة جديدة تعتبر نواة نظريته التوليدية التحويلية؟
ب- أسس النظرية التَّوليدية التحويلية:
- تأثر تشومسكي بالمنهج الذهني المعتمد على علم النَّفس في الدراسة اللغوية.
- تأثره بمدرسة بور روايال في انطلاقها من الموقف المعياري في دراسة اللُّغة، وفي اعتمادها على الدراسة الذهنية، وفي تبنيها لمبدأ التفسير للظواهر اللغوية إلا أنَّ هناك فرقاً منهجيا كبيرا بينه وبينهم، ذلك أنَّه لا ينطلق من رؤية تعسفية ومن أحكام وافتراضات منطقية مسبقة خارجة عن طبيعة اللُّغة بل هو ينطلق من الملاحظة العلمية الموضوعية التي يحكم بها على اللُّغة ( الواقع اللغوي) بمعيار الملكة ( الاستعداد الذهني على إنتاج اللغة وتفسيرها).
ج- مراحل النظرية التوليدية والتحويلية:
لقد بلغت نظرية تشومسكي عدة أشواط حتى تبلورت ونضجت وتحدد مسارها، ويمكن حصر هذه الأشواط والمراحل كالتالي:
1- المرحلة الأولى: تمثَّلت في كتابة البنى التركيبية ( 1957) وقد طرح في هذا الكتاب ثلاثة أنماط من قواعد التحويل:
- قواعد الحالات المحدودة Etats finis.
- القواعد التركيبية Regles syntagmatique .
- القواعد التحويلية R. tra,sformationnelles.
وهو يرى أن النمطين الأوَّلين غير صالحين لوصف كل الجمل الإبداعية الممكنة، وأن نمط القواعد التحويلية هة الوحيد الذي يصلح لدراسة وتحليل الجمل الجديدة والنتناهية.
2- المرحلة الثانية: تتمثل في كتابة '' أوجه النظرية النحوية '' وتتميز بشيء من النضج والإضافات والتحسينات للنظرية التوليدية والتحويلية.
3- المرحلة الثالثة: تتمثل في أعمال بعض التوليديين أمثال كاتز وفودور وبوستال، وتكمن مساهمة هذه الأعمال في أنها دفعت تشومسكي لكي يعدل في نظريته فيما سماه – فيما بعد- بالمنهج المعياري المعدل.
4- المرحلة الرابعة: تتمثل في أعمال تشومسكي خلال سنة 1977 التي سعى من خلالها إلى ضبط القواعد التوليدية التحويلية.
5- المرحلة الخامسة: تتمثل في اهتمامه ببعض المسائل النحوية الخاصة مثل: نطرية العامل أو الرابط الإحالي.
10- المحاضرة: 10: اللسانيات التَّوليدية التحويلية (2):
1- مفاهيم النظرية التَّوليدية التَّحويلية:
1-1- ثنائية البنية العميقة والبنية السطحية: Structure profonde/ structure de surface:
البنية السطحية هي الجملة الظاهرة في المستوى الصةتي الصرفي محولة عن بنية عميقة ... والبنية العميقة هي ما يمثل القواعد الأساسية المتحكمة في إنتاج البنية السطحية.
1-2- ثنائية الملكة أو الكفاءة اللغوية والأداءالكلامي: Competence / Performance:
تعرف الكفاءة عند تشومسكي بأنَّها تلك المعرفة التي تستقر في الذماغ بعد أن يسلك مجموعة من المراحل الإدراكية للغة ةتتمثل هذه المعرفة في شكل نظام من المبادئ والقوانين الموافقة لما يسميه تشومسكي بنظرية النحو الكلي، وهو النحو الذي يعبر عن الملكية الفطرية للغة الإنسانيى، أما الأداء الكلامي فهو يمثل تجليات المعرفة الذهنية للغة على مستوى الفرد، ومنه تنظلق ملاحطات تشومسكي لمعاينة الآلية الذهنية ( الملكة) المنتجة للكلام ( الأداء).
1-3- المعيار النحوي N/ Syntagmatique ومعيار السلامة اللغوية:
تفريقه بين التفسير النحوي والتفسير الدلالي، فقد توصل إلى أن المعيار النحوي لوحده لا يكفي لتفسير كل الجمل، ووضعمثالا يبين فيه ضرورة التماس المعيار الدلالي إلى جانب المعيار النحوي، ونص المثال هو: ( إنَّ الأحلام الخضراء التي لا لون لها تنام بعنف)، وقد سمى المعيار الدلالي بمعيار السلامة اللغوية ( Acceptbility).
1-4- خاصية الإبداعية في اللغة:
يعرف تشومسكي اللغة على أنها عملية توليدية فعالة في الطذهن البشري تبرز مهارة الإنسان في استعمال اللغة من جهة، وقدرته على استخدام جمل جديدية لم يسبق أن استخدمها غيره من قبل من جهة ثانية، وهو ما لا يمكن ملاحظته أو دراسته بعيدا عن الدراسة الذهنية للملكة.
2- مكونات العملية اللغوية:
يعنقد تشومسكي أن العملبية اللغوية تتكون من ثلاثة مكونات هي:
1- المكون التوليدي المركبي: وهو أهم مكون في العملية اللغوية وهو توليدي لأنه ينتج عددا غير محدودا من الجمل النحوية، ومركبي لأن هدفه تنظيم الوحدات تنظيما تركيبيا نحويا.
2- المكون التحويلي: هدفه تحويا الجمل الأساسية إلى جمل اشتقاقية ( استفهامية، شرطية، تعجبية ..إلخ)
3- المكون الصوتي الصرفي: هو إنتاج جمل صحيحة على مستوى الجملة المنطوقة أو الجملة المكتوبة [15].
[1] - أي ما ينطبع في النفس من صور الأصوات التي يسمعها الإنسان بعد أن تعود على سماعها في بيئته.
[2] - ينظر : الطيب دبة، مبادئ اللسانيات البنوية – دراسة تحليلية ابستمولوجية، دار القصبة للنشر، ط: 01، 2001، الجزائر.
[3] - ينظر : الطيب دبة، مبادئ اللسانيات البنوية.
[4] - ينظر المرجع نفسه.
[5] - المراد بالتطبيق الخطاب المنجز المجسد لمبدأ التقابل بين الأصوات.
[6] - ينظر: أحمد عمايرة، في نحو اللُّغة وترااكيبها، ص: 50.
[7] - ينظر للتفصيل: أحمد حساني، مباحث في اللسانيات العامة، ص: 104.
[8] - يبدو هذا شبيها بمبدأ العلاقات الترابطية عند دوسوسير، ص : .152
[9] - المكونات المباشرة يمكن تحليلها إلى مكونات أصغر.
[10] - المكونات النهائية لا يمكن تحليلها إلى مكونات أصغر منها.
[11] - ينظر : وفاء كامل، البنيوية في اللسانيات، ص: 149.
[12] - ينظر: N ; Chomesky, le langage et la pensée, T/L cnvalet, Payot, Paris, pp : 45, 46.
[13] - ينظر نفسه، ص: 45، 46.
[14] - ينظر: ماون الوعر: قضايا أساسية في علم اللسانيات الحدسث، ص: 108.
[15] - ينظر : ماون الوعر، قضايا أساسية في علم اللسانيات الحديث، ص: 93.
- معلم: Soraya Boukelkha