مقدمة
يعتبـــر العــمـــل مصدر كل تطور اجتماعي، وعاملٌ أساسيٌ للإنتاج، يــــــهـــــــــــدف إلى إشباع الحاجات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية إذ ما دعت الحاجة إليه لتحقيق الاستقرار الاجتماعي.
لكن هذه الحياة العمالية لابد لها من ضوابط تحكمها، ومنه تدخلت الدولة لـتحديد وتوجـيــه هذا النوع من العلاقات ضمن أطر قانونية وتنظيمية محددة وهو ما يصطلح عليه "بقانون العمل". اعتمدت من خلاله أنماطاً وأساليبٍ تنظيمية موحدة ومستقـــــرة قــصد ضمان المساواة في الحقوق والالـــــــتــــزامــات لــكــــل مــن الــعـــمــــال وأصــــحــــاب الـــــعــمــل والمحافظة على استقرار علاقات العمل و اتقاء الخلافات التي قد تنشأ عنها، و مما لا شــــــــك فـــــيــــــه أن تــــثـــــيــــر علاقات العمل إشكالات عديدة، بل وإن أثر حدوثها غير مستبعد ومتوقع وحتمي الوقوع أحيانــــــــا، سواء كان ذلك أثناء تنفيذها أو سريانها أو انتهائها لسبب أو لأخر وترتبط كلها بالإخلال بالتزام أو تقصير في تطبيق نص قانوني أو اتفاقي وهو ما يجعل المنازعة الجماعية في العمل تختلف عن المنازعة الفردية.
وسنتطرق إلى الموضوع من خلال المحورين التاليين:
ü منازعات العمل الفردية (تعريفها وأنواعها ومضمونها، إجراءات تسوية منازعات العمل الفردية (التسوية الودية داخل الهيئة المستخدمة، التسوية الخارجية، مكاتب المصالح، نتائج اتفاقات الصلح وتنفيذ اتفاقات عدم الصلح أو عدم الصلح)
ü منازعات العمل الجماعية (مفهومها وأنواعها وإجراءات الوقاية ثم طرق تسوية المنـــــازعات الجماعية في العمل والمصالحة والوساطة والتحكيم ووســــائل الضغـــط لحـــل المنــــازعــــات الجمــــــاعية في العمل، الإضراب، للمفــــــاوضـــــات كحل للنزاعـــات الجمـــــاعية وغلق المؤسسة وموقف المشرع الجزائري منه.
إن للموضــــوع أهــمـيـة كـبـيـرة خــــاصة فهو يـــــمـــــس تــــلـــــك فـــئة العمال، وأهمية العلاقــات بـــــيـــــن الــــعــــمـال وأصحاب العمل التي كثيرا ما يشوبها التوتر الأمر الذي يستوجب الاهتمام بدراستها وتنظيم عمليـــــــات معالجتهــــا وخصوصـــــا فيمـــــا يتعلق بتسوية هذا النوع من المنازعات بالطرق الودية، لما لهذا الإجراء من فعالية في تفادي تـــــأزم الــــخلاف قــبــــل إخــضـــــاعــــه لــــقضاء العمل، الأمر الذي يؤدي إلى بتر العلاقـــــة الوديــة لا محالة في حال وصولها إلى القضاء لاســـــيمـــا الوقـــت الطويل الذي يأخذه إجراء التسويـــــــة بالطرق القضــائية وبالتـالي الإضرار بمصلحة العمال ورب العمل على حد سواء.
ونظراً لتعدد نزاعات العمل الفردية والـــــجــــــمــــاعية واختلاف أسبـــــابهـــا من حـــالة إلى أخرى بمـــا ينشــــأ عنه إخلال باستقرار علاقــــــات الـــعـــمــل ومساس بالحقوق والواجبات، فإن نزاعـــــات العمـــل غـــالبــا مـــا تثور بين العــــامل و صــــاحب العمــــل، أو مجموعة من العمـــــــــــال أو التنظيم النقابي الممثل لهم وصـــاحب العمل أو أصحــــــاب العمل بسبب أو بمنــــاسبة تنفيذ علاقــة العمـــل كـــإخلال أو خرق أحدهما لالتزاماته التـعاقدية أو الاتـــــــفــاقــيــة أو الـــــتـنـظيمية أو القانـونــية ومنه سيكون موضوع دراستنــــــا هذه التي تنصب حول التسويـــــــــــــــــة الداخلية الودية و الخـــــارجية لنزاعـــــــــــــــات
وتنصب الدراسة على القانـون الـجزائـري ولا سيما القانون المتعلق بعلاقات العمل 90/11 والقانون 90-02 والقانون 90-04 المتعلقين بتسوية المــنازعـات الفردية والجماعية في العمل، وأمام وجود نـــوعــــيـــن من المنازعات في العمل الــفـــرديـــة منها والجماعية خصها الــمشرع الجزائري بعناية خاصة وألــــزم بــــذلك الأطـــراف إتــبـــاع إجــــراءات كفيلة لاتقـــــاء تـــــأزم الخلاف وهو مـــا يعرف بالتسوية الودية سواء فيمـــــا تعلق الأمر بالنــــــزاع الفردي أو الجماعي وتسمى بالتسوية الداخلية و الخارجية .
I. منازعات العمل الفردية
إن التنظيم الجديد لعلاقــــــات العمل قد بين ووضح مختلف الإجراءات التي يجب إتباعها عند كل خلاف في علاقة العمل سواء كانت علاقة العمل فردية أو جماعية، وذلك بضرورة المرور ببعض الإجراءات الهــــــادفة إلى تسويـــــة النــــزاع بطريقة ودية أو سلمية قـــــــبل إخضاعها لقضـــاء العمـــل، هذه الإجراءات تعتبر شرطاً جوهرياً قبل الفصل في أي منازعة قصد تسهيل حلهــــا و المحـــــافظة على العلاقــة الوديـــة بين العــــــامل والـهـيـئـة المستخــــــدمــــــة وهو ما تعمل على تكريسه القوانين الصادرة في إطار الإصلاحات الاقتصادية لاسيمــــــــا القانون 90_04 المتعلق بتسوية النزاعـــــات الفردية في العمل.
وقد تبنت منظمة العمل الدولية مصطلح << قانون العمل>> وأخذت كل التشريعات بهذا الاصطلاح، ومهما اختلفت التسميــــــات فإن هذا القــــــانون يهدف إلى تحقيق العدالـــــة الاجتماعية في محيط العمل، وينظم هذا التشريع علاقة العمل من انعقـــــــادها الى ما يترتب عنها من آثـــــار حيث تنص المادة 08 تحت باب العلاقــات الفردية: <<... و تــــقـــــــوم هــــــذه العـــــلاقة على أية حــــــــال بمجرد العمل لحســــــــاب مستخدم مـــا...>>.
تعريف منازعات العمل الفردية
المنازعة العمالية هي الخلاف القائم بين عامل ورب العمل بسبب تنفيذ أو تفسير عقد العمل أو عقد تمهين وتــكويــن أو قـــطــع عــــلاقـــة عــــمـــل، ومن ثم يمكن أن يتعلق النزاع بقيام علاقة العمل أو سريـــانها أو تعديلهــــا أو وقفها أو إنهائها ، فمن الخصائص المميزة للنزاع الفردي للعمل أنه بالرغم من خضوعه لاختصاص قضاء العمل إلا أنه يستوجب المرور على بعض الإجراءات الهادفة إلى تسويته بطريقة ودية، هذه الإجراءات التي تعتبر شرطاً جوهريا لقبول الدعوى القضائية شكلاً، وهو ما نصت عليه قوانين العمل المتعلقة بطرق وكيفيات تسوية المنازعات الفردية وكذلك بعض الأحكام القضائية الصادرة عن المحكمة العليا، وذلك بهدف تسهيل حل هذه المنازعات بسرعة من جهة، والتخفيف عن المحاكم كثرة القضايا التي لا تحتاج لتسوية قضائية لبساطة أسبابها وسهولة حلها داخلياً، مما يحافظ على العلاقة الودية بين العامل وصاحب العمل، التي كثيراً ما تكون ضرورية لاستمرار علاقة العمل، إذ كثيراً ما تتلخص في سوء تفـــــــــاهم أو خلاف في الـــــــرأي أو في التفسير بين العامل وصاحب العمل حول مسألة قانونية
أو تنظيمية أو اتفاقية يكفي تبادل الآراء بشكل جدي ومسؤول للوصول إلى اتفاق حولها هذا الأســــلوب الـــــــذي من شأنه أن يـــنــــمي تـــقاليد الاتصال والحوار المبــــــاشر بين الأطراف لـتـفـادٍي مـا قـد يـنـجـر عـن هـذه الـخـلافـــــــــات مـن مـضـــــاعـفـــــــات تـؤدي إلى الإضــــــرار بمصالح الطــــرفــيـــن، بــالإضــــافــــة إلى أن هـذه المحــاولات الودية التي تتميز بالســـــــــرعة والبــــســـاطـــة في إيجاد الحلول، من شأنها أن تســـــاهم في كسر الحواجز النفسية والاجتمـــــــاعية بين الطرفين، يعرف فقهاء القانون المنازعة الفردية في العمل على أنها " ذلك النزاع الخاص بالعامل أو بعض العمال يكون محله حق يدعيه هؤلاء وينكره رب العمل أو يعترف به و لكنه يمتنع عن تنفيذه " ويعرف الفقيه ريغير المنازعة الفردية بأنها " الخلاف الذي يثار بين العامل ورب العمل بمناسبة تنفيذ علاقة العمل بسبب إخلال أحدهما بالتزاماته المدونة في نص تشريعي أو تنظيمي أو اتفاقي أو عقدي مما ينتج عنها إلحاق الضرر بالطرف الآخر
وقد حاول المشرع الجزائري تعريف منازعة العمل الفردية في نص المادة الثانية (2) من القــــــــــانون 90-04[1] على أنها : << يعد نزاعــــاً فرديــــاً في العمل بحكم هذا القانون، كل خلاف في العمل قائم بين عامل أجير ومستخدم بشأن تنفيذ علاقة العمل التي تربط الطرفين إذا لم يتم حله في إطار عمليات تسوية داخل الهيئات المستخدمة. ومن هذا التعريف نستخلص إنه لا تعد منازعة فردية إلا التي عجز الأطراف على إيجاد تسوية لهــــــــا داخل الهيئة المستخدمة بالآليات الداخلية والتي تعتبر من قبيل التسويــــة الودية و هكذا فإن منازعة العمل الفردية هي : " الخلاف الفردي المثار بين طرفي علاقة العمل" أو النــــــزاع المتعـــلـــق بــعـــلاقـــة الــــعمل والـــــناتـــــج عن انــتهاك أحد الطرفين وغالباً ما يـــكون رب العمل لأحد الــــتزامـاته الــقانـــونـــيـــة أو الــتــعــاقــديــة بـــما يـــتسبـب في إلحاق الضرر بالعامل ويــــحتاج إلــــى تـــسويـة وديـة أو قــضـائيــــة، والـــتــعــريـف الأصلح الـذي يــمكن الاعتماد عــــليه في تعريف المنازعة الفردية في العمل هو انه كل خلاف يقوم بين العامل أو العامل المتدرب من جهة
وصــــــاحب العمل أو ممثله من جهة ثـــــانية، بمنـــــاسبة بسبب تنفيذ علاقة العمل لإخلال أحدهما بالتزام من الالتزامات المحددة في العقد أو لخرقه أو عدم امتثاله لنص قــــــــــانوني أو تــــنظـــيــمي أو اتفـاقي، بما يسبب ضرراً للطرف الآخر".
أنواع النزاعات الفردية في العمل
تختلف منازعات العمل الفردية من حالة إلى أخرى، وذلك حسب طبيعة كل خلاف يثور بشــــأن تــنــفـــيـــذ عــلاقــة الــعــمـــل وسريــانهــا، وحتى الآثــار المترتبة على انتهائها لسبب او لآخر، إذ نجد أن منازعات العمل الفردية تتعلق في معظمها بعدم الالتزام بمضامين القوانين أو خرق لبنود واردة في العـــقـــــود أو أحكــــــام واردة في النظــــام الداخلي للمؤسسة نفسها.
1. النزاعات المتعلقة ببنود العقد
يعتبر عقد العمل ترجمة لإرادة الأطــــــــراف المتعــــــــاقدة في ضبط وتحديد حقوق والتزامات كل طرف فيه ليضمّنوه ما يرونه مناسباً في ذلك من بنود اتفاقية إلى جانب البنود القـــانونية والتنظيمية، إذ لم يعط لـــها المشـــرع الجزائري أي تعريف، بل اعتبرها مجرد أداة شكلية لإبرام علاقة العمل حسب ما أوردته المــادة الثـــامنة (8) من قانون علاقات العمل رقم 90 – 11. وتخلف بند من البنود الأساسية قد يخل بالتزامات الطرفين لاسيما تلك البنود المتعلقة ببيان هوية الأطراف المتعـاقدة، وتحديد منصب العمل، وكذلك رتبته في السلم الوظيفي إضافة إلى الصلاحيــــات والالـــتـــزامـــات المترتبة عنه، ونوع العـــمل، وبداية سريــان ونهـاية عقد العمل، وتحديد الأجر وتوابعه، عكس البنود الثانوية و التكميلية التي لا يؤثر تخلفها على صحة العقد و بناء على ذلك فإن كل إخلال بالالتزامات التعــــــــاقدية تنتج عنه نزاعــــــــــات تتعلق ببنود العقد تتخذ مظهر خلاف أو نزاع بسبب عدم مطـــــابقة بند أو شرط لطبيعة العمــــل المنجز أو المتفــــــق عليه أو بسبب تغير أوضاع اقتصادية أو اجتماعية، أو بسبب مطالبة أحد الطرفين بإجراء تعديل بما يمس الطرف الآخر، بحكم خضوع عقود العمل الفردية للاتفاقيات والاتفـــاقـــــــات و التزام الموقعين عليها بما ورد بها خاصة إذا كان ذلك أنفع بالنسبة للعمال.
2. نزاعات متعلقة بخرق نص اتفاقي
يجب أن يخضع كل عقد عمل لما تتضمنه الاتفــــاقيـــات والاتفــــاقــــات الجماعية للعمل من شروط لتشغيـــل الواردة في المــــــــــــادة 120 من قـــــــانون علاقـــــــــات العمل كـــــــالتصنيف المهني لمقـــاييس العمل والأجور القــــاعـدية الدنيــا التعويضـــات والمكـــافـــآت النفقـــات المصرفيـــة، فترة التجريب والإشعـــار المسبـــق، مدة العمـــل، التغيبات الخاصة وإجراء المصالحة، فالإخلال ببند من بنود الاتفاقية هذه يثير نزاعاً متعلقــاً بحقوق منبثقة عن نص اتفــــاقي، يضع المستخدم في مواجهة مع العمــــال المتضررين ويلزمه تطبيق الأحكام الأكثر نفعاً للعمال.
3. نزاعات متعلقة بخرق النظام الداخلي
يعتبر النظام الداخلي ميثاق المؤسسة، تلتزم بإعداده كل مؤسسة تستخدم على الأقل عشرين عاملاً، يعرض على أجهزة المشاركة أو ممثلي العمال فيها لإبداء الرأي فيه قبل تطبيقه، وكذلك المؤسسة التي تشغل أقل من عشرين عاملا، حسب خصوصيات الأنشطة الممـــــــــارسة، تــودع نــســخــة مــنــه لـــدى مــفــتــشــيــة الــعــمــل وكتابة ضبط المحكمة لفحص مدى مشروعيته بمدى مطـــابقته للتشريع والتنظيم الخـــــاصين بالعمل، وهو مـــا أوردتــه المــادة 77 من القــانون 90 -11 المتعلق بعلاقــات العمل بنصهــا على أن: << النظام الداخلي وثيقة مكتوبة يحدد فيها المستخدم لزوماً القواعد المتعلق بالتنظيم التقني للعمل و الوقـــــــاية الصحية والأمــن و طــب الــعــمــل و الانـضباط... و يحدد طبيعة الأخطاء المهنية، ودرجات العقوبات المطابقة و إجراءات التنفيذ >>.
4.نزاع ناتج عن خرق أحكام قانونية وتنظيمية
بالرغم من أن المشرع سمح للأطراف المتعاقدة في العقود الفردية والاتفـــاقيــــات الجمـــاعيــة للعمل بتنظيم مختلف جوانب علاقـــــات العمـــل التـــي تــربــطــهــم، إلا انه احتفظ بــحــق تنظيم وتأطير المسائل الأساسية والجوهرية في ذلك من خلال قواعد قـــانونية آمـــرة، لــيــعــتـبـر كـــل شــــرط أو بــنــد مخالف لهذه القواعد، أو أبرم خرقاً لها، باطلاً وعديم الأثر ويعرض موقعيهــــا إلى عقوبــــات تختلف باختلاف درجة الخرق أو المخـــــالفة المرتكبة مما يثير خلق نزاع بين العامل والمستخدم بشأنها.
وسواء تعلق الخرق بالقواعد الخاصة المتضمنة في قانون العمل أو القواعد العـــامة الموجودة في القـــانون المـــدني فـــإن ذلك يستوجب إبطال الشرط المخالف في العقد أو الاتفـــــاقية، والإبقــــــــــــاء على باقي البنود المطابقة للتشريع والتنظيم.
مضمون منازعات العمل الفردية
إن الاجتهاد القضـائي في مجـــــــــال علاقة العمل الفردية يكتسي في المرحلة الراهنة أهمية بالغة، نظراً للنقائص التي ظهرت على المستوى التشريعي إثر صدور وتطبيق قوانين سنة 1990 الخـــاصة بالعمل، فقد وضع القضـــاء بعض المبـــادئ والحلول لبعض الحـــالات الغـــامضة أو التي لم يفصل فيها التشريع صراحة أو بصفة واضحة.
النزاعات المتعلقة بإنشاء وتنفيذ علاقة العمل الفردية
لقد نصت المادة الثامنة (8) من القانون 90 – 11 المتعلق بعلاقات العمل على أن علاقة العمل تنشأ بعقد كتابي أو غير كتابي، وتقوم هذه العلاقة على أية حال بمجرد العمل لحساب مستخدم ما، كما نصت المادة 10 من القانون 90-11 على أنه يمكن إثبات عقد العمــل أو عــلاقة العمل بــأية وسيلة كــانت من خلال نص المــادتين الســـالـفـتـيـن الـــذكـــــر، والملاحظ هو أن المشرع حاول تبسيط الإجراءات، ولم يشترط الكتابة لإثبات عقد العمل، بل أجاز إثبات ذلك بجميع الطرق الممكنة قانوناً لأن عبء الإثبات يقع على العامل.
كما سمح المشرع بابرام عقود العمل محدد المدة لأكثر من مرة، فــــالتشريع الحـــالي لا يشير لهذه الحـــالة فـــالمـــادة 12 من القـــــانون 90-11 المتعلق بعلاقـــــات العمــــل تنص عــلى أنـه يـمـكـن إبـرام عـقـد الـعـمـل لـمـدة مـحـدودة بــــالـتـوقـيـت الكــــامل أو الجزئي في بعض الحـــــالات المنصوص عليهـــــا صراحة، وهي الحــــــالات التي تقتضي عقود محددة المدة.
النزاعات الناتجة عن ارتكاب الأخطاء الجسيمة
أولا: في حالة ارتكاب العامل لأخطاء جسيمة أثناء العمل فإن المستخدم يملك حق معاقبته وقد تصل العقوبة للتسريح التأديبي، زيادة على ذلك يجب على المستخدم أن يـــــأخذ بعين الاعتبــــار الظروف المخــفـــفــــة أو المشددة عند تحديد وصف الخطأ الجسيم الذي يرتكبه العـــــامل طبقــــــاً للمـــــــــــادة 73 الفقرة الأولى (1) من القانون 90 /11 المتعلق بعلاقات العمل التي تنص: << يجب أن يراعي المستخدم على الخصوص، عند تحديد ووصف الخطــــأ الجسيم الذي يرتكبه العــــــامل، الظروف التي ارتكب فيها الخطـــــأ ومدى اتساعه ودرجة خطورته والضرر الذي لحقه وكذلك السيرة التي كــــــان يسلكهـــا العمل عند تاريخ ارتكابه الخطأ نحو عمله و نحو ممتلكات المستخدم>>.
ثانيا: الإجراءات التأديبية
الإجراء التأديبي هو أداة تنظيمية وتأديبية في يد المستخدم تمكنه من تطبيق أحكامه واتخاذ كل إجراء ردعي ضد كل عامل في المؤسسة يرتكب خطأ مهنياً ليكون هذا الإجراء ذو طـــابع معنوي كالإنــذار والتوبيـخ أو ذا طـابع مـادي أو مالي كحرمـان العامل من بعض الامتيـــازات والمكـافـــآت المـالية أو ذا طابع مهني بحت كالنقل التـأديبي أو حرمانه من الترقية، أو الطرد في حـــالة تحقق خطر جسيم، بمـــــــــا يؤثر على الحيــــــاة المهنية للعـــــامل تدفعه إلى مواجهة هذا الوضع، خــاصة إذا كان هناك تعسف في استعمــــال السلطة من طرف صاحب العمل، ومبـالغة في تطبيق إجـــراءات ردعية تفوق جســـــامة الخطأ المرتكب.
النزاعات الناتجة عن توقيف وإنهاء علاقة العمل الفردية.
تختلف نزاعات العمل الجماعية من حيث مضمونها، بحيث نجد أنه هناك نزاعات متعلقة بتوقيف علاقة العمل وتعليقها إلى حين إنتهاء الأسباب التي أدت إلى حدوث التوقيف ونجد أنه هناك نوع ثان من النزاعات وهي إنهاء علاقة العمل الفردية:
أولاً: النزاعات الناتجة عن توقيف علاقة العمل
هي النزاعات التي تكون في حالات محددة قانوناً كالإضراب غير القانوني الذي يقوم به العامل دون اشعار مسبق لصاحب العمل، وهناك كذلك نزاعات متعلقة بالعقوبات التأديبية والتي يسلطها عليه صاحب العمل بسبب إخلال العامل بالتزاماته التعاقدية أو التشريعية أو الاتفاقية، كحالة عرض العامل على المجلس التأديبي وهو في عطلة مرضية.
ثانياً: النزاعات الناتجة عن انهاء علاقة العمل
وهي محددة في قانون علاقات العمل 90/11 طبقاً للمادة 66 ، والتي تتمثل عـــــادة في الاستقـــــالة، التقـــــاعد، الوفــــاة، التسريح لأسبــــاب اقتصـــــادية، العجز الكــــامل عن العمل، انقضاء عقد العمل، انقضاء مدة عقد العمل، البطلان، أو الإلغاء القانوني.
إجراءات التسوية الداخلية لنزاعات العمل الفردية
هذه الإجراءات التي تعتبر شرطاً جوهرياً قبل الفصل في أية منازعة قصد تسهيل حلهــــا والمحــــــافظة على العـــــلاقة الودية بين العـــــــامل والمستخدم أو العمــــــال والهــيـــئـــات المستخــدِمـة، وهــــو ما تـعـمــل على تحـقـيـقــه وتـكـريسـه قـوانـيـن العـمــل لاسيمــــا القانـــون 90-04 المؤرخ في 06/02/1990 المتعلق بتسوية المنــــــازعات الفردية في العمل.
تفرض خصوصية النـــــــــــــزاع الفــــــــردي للعمل أنه يستوجـــب المرور على الإجــراءات الهـــــادفة إلى تسويته بطريقة ودية، هذه الإجراءات التي تعتــــبر شــرطـاً جوهرياً لقبول الدعوى القضائية شكلاً طبقاً لما نص عليه القانون 90-04 وذلك بهــــدف تسهيــــل حـــل هذه المنازعات بسرعة من جهة أو التخفيف على المحاكم كثرة القضايا والمحافظة على العلاقة بين العامل وصاحب العمل واستمراريتها، إذ كــثــيراً ما تـــتــــلخص في سوء تــــفــاهم أو خلاف في الــــرأي أو في تــفسير مــســألـــة قــانـــونـــيـــــة أو تنظيمية أو اتــفـــاقيـــة يـكــفــي تبـــادل الآراء حـــولهــــا للـــوصول إلــى اتـــفــــاق. هـــــذا الأسلـــــــوب الــــذي من شــــأنــــه أن يـنـمـي الاتــصـــال والـــتـــشــــاور بــيــن الأطـــراف.
و تتمثل إجراءات التسوية الودية في مرحلتين منفصلتين من حيث الأجهزة التي تقوم عليها ومن حيث الإجراءات المتبعة فيها وهو ما يستوجب عرض كل مرحلة منفصلة عن الأخرى:
التسوية داخل الهيئة المستخدمة.
لقد أفرز التنظيم الجديد لعلاقات العمل عدة إجراءات يجب إتباعها في كل خلاف ناتج عن تنفيذ أو بسبب علاقة العمل بين العامل و المستخدم و مما لا شك فيه أن مساعي أطراف النزاع لإيجـــاد حل لهذا الخلاف لا بد أن تكون قـــــــائمة و موجودة، و هذا مـــــــا يلاحظ في جل النزاعات، إلا أن طبيعة المنازعة الفردية في العمل تقتضي هذا الإجراء الجوهــري وذلك بــــإلزامية اللجوء إلى نظــــام الـتـظـلـم الـمـعـمــول به لسحب أو مراجعة أو تعديل القرارات الإدارية وفقاً للقانون 90-04 المتعلق بتسوية منازعــــــات العمل الفردية مع احترام إتبــــــاع الـسـلـم الإداري أو الـهـــــــــرم الـتـنـظـيـمـي لـلـمـؤسـسـة نفسهــــــــــــا و ذلك بعرض الخـــــــلاف في أول الأمــــر على بعض الأجــهــــزة الإداريـــــة المشرفة على قطاع العمل.
نظام التظلم الداخلي
إن إجراء التظلم الداخلي يعتبر أول مرحلة لمحـاولـة تسوية الخلاف ودياً بين طرفي علاقة العمـل لسحب القرار أو مراجعته أو تعديله قصد التوصـل بسرعة لوضع حــد لهذا الخلاف والحفـاظ على استمرارية علاقة العمل دون تدخل طرف أجنبي وذلك وفق ما هو محدد ومتضمن في الاتفـــــــاقيـــــــات والاتفـــاقـــات الجمـــاعية للعمـــل، فـــإذا كـــانت المـــادة 120 من قانون علاقات العمل 90-11 لم تتضمن الإشارة إلى إجراءات التسوية الودية للخلافات الفردية كعنصر هام في محتوى الاتفاقيــــــات الجمـــــــاعية للعمـــــــل، رغـــم نصهــــا على ذلك فيما يتعـــــلق بالخلافـــــات الجمـــــاعية إلا أن القــــــانون 90-04 المتعلـــــق بتسويـــة منازعــــات العمـــــــل الفــــردية لم يغفــــل هذا الجانب إذ نص في المادة الثالثة (3) منه على إمكانية تحديد الإجــــراءات الداخلية في المعاهدات والاتفاقات الجماعية للعمل لمعالجة النزاعات الفردية في العمـــل داخل الهيئة المستخدمة إلا أنه يعتبر ضرورياً لتسهيل معالجة كل ما من شأنه أن يعكر صفو العلاقة بينهما، غير أنه في غياب هذه الإجراءات فـــــــــــإن المادة الـــرابعــــة (4) بعدهــا تــوجـــب على العامل أن يرفع أمره إلى رئيسه المباشر الذي يتعين عليه تقديم جواب في ظرف ثمانية (8) أيام من تاريخ إخطاره، ففي حالة عدم رضى العـــــــــامل بردّ رئيسه المباشر، يرفع العـــــــامل أمره ثــــانية إلى الهيئة المكلفة بتسيير المستخدمين أو المستخدم نفسه ليلتــــــزم هذا الأخير بالردّ كتــــابيــــاً عن أسبـــاب رفض كــل أو جـزء من موضـوع الشكوى، في اجل خمسة عشر يوماً من تــاريخ الإخطـــــــــــار.
لكن لا يوجد ما يجبر القــــائم بتسيير المستخدمين أو حتى المستخدم نفسه على الرد كتابياً أو على تسبيب رده، ولا توجد إجراءات رادعة ولا عقوبات تجبر صاحب القرار في المؤسسة على الالتزام بالآجال والمضامين المحددة في جلســــــات الصلح، بالرغم من أن هذا إجراء جوهري وشرط لحل المنـــــــازعة الفردية في العمل، وهذا من أجل المحــــافظة على العلاقة الودية بين العــــــــــــــــــامل والهيئـات المستخدمة إلا إنهـــــــا كثيراً مـــــــا تفشل في ذلك أيضاً خاصة إذا تمسك صاحب العمل أو ممثله برأيه أو قراره أو كــــــان قبوله بالحــــــــل الودي مشروط ببعض الشروط التي لا يقبلها العـــــامل وفي هذه الحــــالات لا يبقى أمام هذا الأخير سوى عرض النزاع على مفتش العمل أو لجنة المصـــــــــــالحة
التسوية الخارجية لمنازعات العمل الفردية.
على خلاف التسوية الودية داخل المؤسسات فإن المصـــــالحة إجراء يستوجب تدخل الغير، أي طرف ثالث لمحــــــــاولة التقريب والتوفيق بين وجهـــات نظر مختلفة بغرض الوصول إلى حل أو تسوية ترضي طــــرفي الخلاف
المصالحة
هي إجراء يقوم به طرف ثالث بهدف التقريب أو التوفيق بين وجهات نظر أطراف النزاع قصد الوصول إلى تسوية ترضي الطرفين، نص عليها المشرع في القانون 90 – 04 المؤرخ في 06-02-1990 المعـــــدل و المـــتــــمــــــــم بالقانون 91-28 المؤرخ في 14 جمادي الثانية عام 1412 الموافق لـ 21 ديسمبر 1991 المتعلق بتسوية النزاعـــات الفردية في العمل، هذا القــــــانون الذي أنشأ هيئة مصــــالحة متساوية الأعضاء نصفها من العمال والنصف الآخر من أصحاب العمل.
إن مســـــاعي التسوية الودية عن طريق المصـالحة المنوطة بمكاتب المصالحة تهدف أســاسـاً إلى إيجاد حل سلمي ودي يرضي الطرفين المتنازعين كـآخر إجراء ودي يلجآن إليه لالتماس حلٍ للخلاف القــائم بينهما، لأن إخفـــاق مكــــــاتب المصــــــالحة في التوصل إلى تسوية للخـــــــــــــــــلاف المعروض أمــامهـــا سيؤدي حتمـــاً إلى إحــــالته على قضاء العمل للبت فيه وذلك وفق مـــــــــــــــا تقرره القواعد الإجرائية الخاصة بالفصل في منازعات العمل، فإجراء المصالحة يعتبر شرطــاً شكليـــاً جوهريـــاً قبــــل إحــالة كــل خلاف على المحاكــم المختصة بقضـــــايــــا العمل.
يتعين على مفتش العمل في إخطـــــار مكتب المصالحة، وينتهي الاجتماع إلى إحدى النتيجتين إمــا الوصـول إلى اتفاق بشــــــأن كـــــل أو بعض نقــــــاط الخلاف وهنا يقوم مكتب المصالحة بتحرير محضـر مصـــــالحة، يتفق الطرفان فيه على كيفيات وشروط تنفيذه والآجال القانونية المرتبطة به وتكون المصالحة واجبة التنفيذ في أجل لا يتجاوز الثلاثون (30) يوما من تـــــاريخ الاتفـــــاق فان انقضى هذا الأجل دون تنفيذه فمن حق العامل اللجوء إلى رئيس المحكمة الفاصلة في النظر في المسائل الاجتماعية .
أمــــا إذا فشل الطرفــــــان في التوصـل إلى اتفــــــاق، فيتم تدوين ذلك في محضر عدم مصــالحة مع إحــــالــة الــخــلاف إلـى الجهة القضـــائية المختصة غير أنه وبعد استنفــــــــاذ كل إجراءات المعـــالجة الداخلية لنزاعات العمل الفردية داخل الهيئــــــــــــــة المستخدمة، فإنه يمكن للعـــامل في هذه الحـــالة أن يقوم بإخطـــار مفتش العمل المختص إقليميـــــــــاً، وذلك بواسطة عريضة مكتوبة أو بحضوره شخصياً، يقوم على إثرها مفتش العمل بتحرير محضر بتصريحـات المدعي شخصيـــــاً فيقوم بتقديم هذا الإخطــــــار خلال ثلاثة أيـــــــــام من تبليغه إلى مكتب المصـــــالحة، ثم استدعــــــــــــــــــــاء الأطراف للمصالحة، حسب برنامج عمل وتاريخ معدّين مسبقـــــــــــاً لـذلك، عـلى أن يكون الاستدعـــــــــاءً بثمــانية أيــــــام على الأقل قبل حضور أطراف النزاع، أملاً في التوصل الاتفاق حول تسوية نقـــــــــــــاط الخلاف بينهما، ولكن هناك حالات يتغيب فيها أصحاب العمل والعمال ويحضر بدلا عنهما ممثليهما أو محاميهما اللذان يعتبران غريبين عن موضوع النــــــــــــــــــــــزاع.
وهو ما تم ملاحظته في حالات كثيرة و متعددة هو تخلف أصحاب العمل في القطاع الخاص والمسيرين الرئيسيين في المؤسسات العمومية الإقتصادية عن الحضور وتكليف ممثلين عنهم قــــانونــــا لـــتـــمـــثــــيـــلهم فـــــيهـــا، مما يسمح لمكتب المصالحة بشطب القضية من جدول أعماله، وتحرير محضر بعدم المصالحة، وبناء على ذلك يقوم مفتش العمل المشرف على أمانة مكتب المصالحة بعرض تصريحات المدعي المقدمة في الشكوى، يسمح بعدها لطرفي الخلاف بعرض وتقديم وجهات نظرهما ليتمكن أعضاء هيئة المصالحة من النظر في الموضوع و الإلمام بجميع جوانب القضية و تقديم اقتراحاتهم حول الخلاف المعروض على ضوء المعطيات، وتقريب وجهات النظر حول نقاط الخلاف ليقبلها الطرفان المتنازعان أو يرفضاها، وفي كلتا الحالتين يقوم المكتب بتحرير محضر، يسمح به للطرف المتضرر من مباشرة إجراءات التسوية القضائية أمام المحاكم المختصة بالمواد الاجتماعية. وهذا ما نصت عليه المادة 31 من القانون 90 – 04: < في حالة اتفاق الأطراف على كل أو جزء من الخلاف يعد المكتب محضراً بالمصالحة على ذلك، في حالة عدم الاتفاق بين الأطراف يعد المكتب محضراً بعم المصالحة>.
وعلى اعتبار أن المصالحة ما هي إلا وسيلة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة، و أنه في ظل القانون الحالي فإن هذه المهمة قد انتزعت من مفتشية العمل بمقتضى القانون 90 – 04، هذا القانون الذي أنشأ هيئة مصالحة متساوية الأعضاء نصفها من العمال والنصف الآخر من أصحاب العمل وأصبح دور مفتش العمل في هذا القانون مجرد وسيلة اتصال بين العمال وهذه اللجنة وبالتالي انتزع منه اختصاص معترف له به في مختلف تشريعات العمل المقارنة، إذ كان من الأجدر بالمشرع الجزائري أن يدعم مهمة مفتش العمل ويجعل عملية المصالحة تتم على درجتين أو مرحلتين، على مستوى مفتش العمل، فإذا فشل ينتقل النزاع الى مكتب المصالحة، مما يعطي أهمية معتبرة لهذه الوسيلة في حل المنازعة بدلاً من أن يجعل منه مجرد صندوق بريد أو كاتب لمكتب المصالحة، حيث تتأكد هذه الصفة بما لا يدع أي مجال للجدل والغموض في نص المادة السادسة و العشرون 26 من هذا القانون التي جاءت كتكملة للمادة الخامسة 5 من نفس القانون
وربما هذا ما جعل المصالحة لم تنجح في التخفيف عن المحاكم، فالإحصائيات التي تقدمها المفتشية العامة للعمل في ما يخص حجم الشكاوى المقدمة إلى مصالحها على المستوى الوطني المقدرة سنوياً بأربعين ألفً شكوى (40.000) سنوياً منذ 1991 إلى يومنا هذا، والتي لا ينجح مفتش العمل، ومكاتب المصـــــــالحة في تسوية سوى ثلثهــــا أو رُبعهــــا فقط بــــالطريـــقـــة الــــوديـــــة ( المعـــروفـــة بـــــالتسويــــة القـــــــانونية على مستوى مكاتب المصــــــالحة).
تشكيل مكاتب المصالحة.
تلعب مكاتب المصالحة دوراً هاماً في تسوية النزاعات الفردية في العمل، وبخلاف بعض التشريعـــــات التي تعتبر إجراء المصـــــالحة جـــــزءاً من الدعـــــوى القضائية يدخل ضمن اختصاص المحاكم المختصة بمنازعات العمل، يستوجب فيها وجود مكاتب مصالحة في كل قسم من أقسام محاكم العمل، يتولى القيام بحل ودي للخلاف القــــــائم بين الطرفين قبل دخولهما حيز التقاضي، فإن التشريع الجزائري يعتبرها إجراء شكلياً جوهرياً قبل دخول المنازعة وعرضها على القضاء، فمكاتب المصالحة تعتبر لجـــانــــــاً متساوية الأعضاء بموجب المادة السادسة (6) من القــانون 90 – 04 تتشكل من عضوين ممثلين عن العمـــــــال وعضوين ممثلين عن أصحـــاب العمل، على أن تكون رئاسة المكتب متداولة بينهما لفترة ستة (6) أشهــــر وأن يكون لكــــل فــئــة مـنـهــمـــا ممثــلون احتيـــاطيين بضعــف عــدد الممثليـــــــن الأصليين بهدف استخلافهم في حـــــالة غيــــابهم أو وقـــوع مـــــانع لحضورهــــم يــتــم اختيــــــارهــــــــــم عن طريق الاقتراع السري المباشر لمدة ثلاث سنوات، من قبل عمال ممثلين عن المؤسسات والشركـــــــــات الواقعة في دائرة الاختصـــــاص المحـــلي، أو الإقليمي، للجهة القضـــائية المختصة ويتم تعيينهم بصفة رسمية من قبــــل رئيـــــس المجلس القضائي المختص إقليمياً بناءاً على نتائج الانتخابات التي يتم تنظيمها لذلك وفـــــق الترتيب التنــــازلي للأصوات المحصل عليهـــــا، وهي نفس شروط ممـــارسة أية مهمة نقـــــــــــابية أو تمثيلية.
وقد أصدر المشرع المرسوم التنفيذي رقم 91 – 273 مؤرخ في 29 محرم عام 1412 الموافق لـ 10 أوت سنة 1991، الذي يتعلق بكيفيات تنظيم انتخاب المساعدين و أعضاء مكتب المصالحة، المعدل والمتمم بالقانون 92_88 المؤرخ في 06/07/1992، الذي ينص في المادة الثانية (2) منه على كيفية إنتخاب مساعدو و أعضاء مكاتب المصالحة، وحسب المادة 12 من القانون 90 – 04 كما يلي: << تتشكل الهيئة الانتخابية للعمال، من أعضاء تنتدبهم أكثر الهياكل النقابية تمثيلا على مستوى أماكن العمل الواقعة في الدائرة الإقليمية المعنية.
تشكيلة ممثلي العمال و أصحاب العمل
تخضع تشكيلة انتخاب ممثلي العمال وممثلي أصحاب العمل لنسب محددة في المراسيم التنفيذية حسب عدد العمال العاملين بالمؤسسة.
أولاً: تشكيلة ممثلي العمال:
تنص المادة الثالثة (3) من المرسوم التنفيذي رقم 91_273 المعدل و المتمم المتعلق على كيفيات انتخاب المساعدين وأعضاء مكاتب المصالحة، على أنه:<< تتشكل الهيئة الانتخابية للعمال، من أعضاء تنتدبهم أكثر الهياكل النقابية تمثيلا على مستوى أماكن العمل الواقعة في الدائرة الإقليمية المعنية على النحو التالي:
_ مندوب واحد (1) في أماكن العمل من 20 إلى 500 عامل،
_ مندوبان اثنان (2) في أماكن العمل من 501 إلى 1000 عامل،
_ ثلاثة (3) مندوبين لأماكن العمل من 1001 إلى 2000 عامل،
ويعين مندوب إضافي لكل مجموعة من 1000 عامل فيما يخص الأماكن التي يفوق عدد عمالها 2000 عامل، ويكون تمثيل العمال في الهيئات المستخدمة، التي تتوفر على عدة أماكن عمل، في الدائرة الإقليمية الواحدة، بالنسبة للعدد الإجمالي المشغول من العمال في الدائرة الإقليمية المعينة حسب النسب المحددة أعلاه.
ثانياً: تشكيلة ممثلي أصحاب العمل
تتشكــل الهيئة الانتخـابية لأصحاب العمــــل من خمسيـــن (50) عضــواً، يمثـلون أكثر المؤسسات أهمية من حيث عدد عمالها في دائرة اختصاصها الإقليمي، بواقع ممثل واحد لكل مؤسسة، ويمكن أن يكون عضوا في الهيئة الانتخـابية لأصحـاب العمل من له حصص اجتماعية في المؤسسات الخاصة، وأعضاء مجالس الإدارة أو المراقبة ويُسلِم هذا الهيكل النقابي قائمة بأسماء ممثليهم مصحوبة بكل العناصر المبررة لمفتشية العمل المختصة إقليمياً، والتي أوكلت لها بموجب المادة الثالثة (3) من المرسوم التنفيذي 11/261 المؤرخ في 30/07/2011 المتضمن القانون الأساسي الخاص بالموظفين المتنمين لسلك مفتشي العمل "مهمة مراقبة تطبيق الأحكام القانونية والتنظيمية لاسيما تلك المتعلقة بالعلاقات الفردية والجماعية للعمل وظروف العمل والتشغيل والوقاية الصحية والأمن وطب العمل داخل الهيئات المستخدمة التابعة لاختصاصهم المحلي".
نتائج اتفاقات الصلح أو عدم الصلح
1- التنفيذ من طرف الأطراف
إن اتفاق الصلح الذي يتوصل إليه الطرفان المتنازعان عن طريق مكتب المصالحة لا يعتبر أمراً ولا حكماً، وإنما مجرد اتفاق على وضع حد للنزاع القائم بينهما، ليبقى تنفيذ محتواه بما اتفق عليه الطرفان فالمادة 33 من قانون 90_04 اكتفت بالنص على أن الأطراف ينفذون اتفاق المصالحة وفق الشروط والآجــــــال التي يحددونها، فإذا لم توجـــد، ففي أجل لا يتجــاوز 30 يوما من تاريخ الاتفاق.
2- التنفيذ بواسطة القضاء
المادة 34 وما بعدها حاولت إصباغ صفة الحكم القضائي على هذه الاتفاقات بإحاطتها بضمانات تنفيذية بفرض غرامات تهديدية، تضفي عليها صبغة الحكم القضائي، و تُعَجِل بتنفيذها حيث نصت على انه في حالة عدم تنفيذ اتفاق المصالحة من طرف الأطراف وفق الشروط والآجال المحددة في المادة 33 يأمر رئيس المحكمة الفاصلة في المواد الاجتماعية بالتنفيذ المعجل لمحضر المصالحة مع تحديد غرامة تهديدية يومية لا تقل عن 25 % من الراتـــــــب الشــــــهـــــــــري الأدنـــــــى المـــــضمون، غير أن هذه الغرامة لا تنفذ إلا عندما تنقضي مهلة الوفاء التي لا تتجــــاوز 15 يومـــــاً، ويكون لهــذا الأمر التنفيذ المعجــــل رغم ممــــارسة أي طريق من طرق الطعن.
نتائج عدم الصلح
شرط الصلح هو إجراء شكلي جوهري وفق ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 31 من القانون 90_04 ففي حالة عدم المصالحة، يمكن للطرف الذي له مصلحة أن يرفع دعوى أمام المحكمة الفاصلة في المواد الاجتماعية ويعتبر محضر عدم المصالحة شرطاً جوهريا لقبول الدعوى أمام القسم الاجتماعي، كما يعد محضر عدم المصالحة وثيقة قانونية تصدرها جهة رسمية لها حجة الإثبات، حيث يتضمن ملخصا عن المسائل المتنازع حولها والمطالب المراد تحقيقها، عادة ما تكون حول تأخر دفع الأجور ومنح العطلة السنوية والمطالبة بتسليم كشوف الرواتب تأتي مطالب التأمين في الدرجة الأولى من حيث عدد تحرير محاضر عدم المصالحة
التنفيذ بواسطة القضاء
إذا فشل الطرفــــــان أمــــــــام مكتب المصالحة من تسوية النزاع يلجـــــأ في هذه الحالة الطرف المتضرر الذي غالباً ما يكون العامل، بعدما يتحصل على محضر عدم مصالحة من مفتشية العمل المختصة إقليمياً، يرفقه بعريضة موجهة إلى المحكمة
II. منازعات العمل الجماعية
اهتمت مختلف التشريعات العمالية بوضع إجراءات وآليــــــات وميكانزمات تُسوى بها نزاعات العمل الجماعية، يشترك في وضعها وتنظيمها أطراف علاقة العمل، مستعينين في ذلك بالصلاحيات الواسعة المخولة لهم قانونا من خلال هيئات مكونة خصيصاً لهذا الغرض وعليه ابتدءاً من التسعينــــات، بدأت عملية تكييف القوانين التي تحكم علاقـــــات العمــــــل مع التوجه الاقتصادي الجديد، باعتمـــــــاد الاتفـــــاقيـــــــات والاتفاقــــات الجمــــــــاعية في العمل في ظـــل احتـــرام النصوص القـــانونية والتنظيميـــة بقواعــــد آمرة تفرض إتبـــــــــاع إجــــــراءات مــعــيــنــة وفي هذا الإطار تم إصــدار القـــــــــــانون رقم 90/02 المعدل و المتمم بالقانون رقم 91/27 المؤرخ في 21 ديسمبر1991 المتعــــلــــق بالوقاية من الخلافــــات الجمـــــاعية في العمل و تسويتهـــــــــا، وممـــــــــــارسة حق الإضراب الذي تضمن طرق وإجراءات تسوية هذه النزاعات.
[1] المؤرخ 06 فبراير 1990 المتعلق بتسوية النزاعـــــــــات الفردية في العمل، ج رعدد ستة (6) السنة الســــــابعة و العشرون المؤرخة في 7 فبراير 1990
- Enseignant: Leila BENAOUDA