إن مقياس " تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء" يغطي الفترة الممتدة ما بين القرن الثاني إلى القرن الثالث عشر الهجريين/ القرن الثامن إلى القرن التاسع عشر الميلاديين، بدأ انتشار الإسلام في هذه المنطقة بداية من القرن الثاني الهجري، بفضل جهود الدعاة والفقهاء والتجار إذ شهدت هذه المنطقة دخول الإسلام إليها وتأسيس العديد من الممالك الإسلامية حتى نهاية هذه الفترة المدروسة التي شهدت هجمة استعمارية أوربية شرسة تمكنت في نهاية المطاف من فرض سيطرتها عليها.
هذا المقياس هو وحدة تعليم استكشافية، موجه لطلبة السنة الثالثة ليسانس تاريخ عام السداسي الخامس، وهو مادة سداسية، يتم من خلاله التعرف على تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء أو ما يعرف بإفريقيا السوداء، وسنتعرض من خلاله مختلف الشعوب الافريقية وأهم الممالك السودانية التي قامت فيه ومظاهرها الحضارية، كما سنتطرق إلى مسألة انتشار الاسلام، والحركات الاسلامية الاصلاحية التي عرفتها المنطقة.
لذا سنحاول من خلال هذه المحاضرات إعطاء صورة واضحة عن أهم الأحداث التي شهدتها المنطقة خلال الفترة المحددة أعلاه، وهي فترة مهمة من تاريخ إفريقيا الإسلامية كما ذكرت من قبل. والتي يمكن من خلالها نستطيع فهم المتغيرات والتطورات التي شهدتها المنطقة في العصر الوسيط والحديث صعودا ونزولا لمسلمي هذه المنطقة ودورهم في نشر وتكريس مبادئ الإسلام بين شعوب المنطقة، إلى جانب ذلك أردت في ذات الوقت جعلها مدخلا يلج من خلاله الطالب في أعماق هذا التاريخ عبر الوصول السريع إلى ما متوفر من مصادر ومراجع تخص موضوع المقياس.
يتطلب هذا المقياس إلمام الطلبة بمجموعة من المفاهيم والمعلومات القبلية السابقة حتى يتمكنوا من فهم و متابعة هذا المقياس خاصة وأنعم لم يدرسوه في مراحل التعليم الأولى (الابتدائي، المتوسط، الثانوي)، ومن بين أهم هذه المكتسبات:
1. الالمام بلغة أجنبية على الأقل إلى جانب اللغة العربية، لأن معظم الدراسات كتبت باللغات الأجنبية (الفرنسية الانحليزية والبرتغالية).
2. معرفة مصطلحات معينة مثل إفريقيا ودولها، الزنج، السودان، البيضان، بلاد النوبة والحبشة والسينيغامبيا وغيرها.
3. معرفة أهم المصادر المشهورة مثل ابن حوقل، البكري، ابن بطوطة، الحسن الوزان، عبد الرحمن السعدي، محمود كعت، البرتلي، أحمد بابا التنبكتي.
4. الاطلاع المسبق بشكل عام و سطحي على الاقل على الطرق الصوفية والحركات الإصلاحية و دورها في إفريقيا.
5. معرفة بخريطة القارة الافريقية.
وجاء تركيزنا في هذه المحاضرات على أهم التطورات التاريخية التي شهدها منطقة إفريقيا جنوب الصحراء. مع الأخذ بعين الاعتبار المحاور المحددة للمقياس. فتم تسليط الضوء من خلال صفحات السند على عدة مواضيع، ففي المحور الأول المعنون بـ: (المجال الجغرافي والبشري لإفريقيا جنوب الصحراء وأقسام السكان) حاولنا استعراض أهمية الموقع الجغرافي والخارطة السكانية فضلا عن أصول سكان المنطقة وانتماءاتهم الاثنية وكل ما يتعلق بهذين الأمرين.
بينما جرى التركيز في المحور الثاني (ممالك السودان الغربي) على الممالك الإسلامية التي نشأت في منطقة السودان الغربي، وبيان دورها السياسي والثقافي والاقتصادي في المنطقة. وهي ممالك (غانة، تكرور، مالي، سنغاي). أما المحور الثالث (ممالك السودان الأوسط) فقد ركز على دراسة التطورات التي شهدتها ممالك (كانم-برنو، ممالك الهوسا) وبيان مدى تأثيرها في نشر الدين الاسلامي والحراك السياسي والاقتصادي الذي كانت تشهده المنطقة. في حين تناول المحور الرابع (ممالك السودان الشرقي) أهم التطورات والإحداث السياسية التي شهدها هذا الإقليم بشرق إفريقيا ونقصد به الهضبة الحبشية والسودان، ولاسيما ما تتعلق بدوله الإسلامية (النوبة، الفونج، دارفور، ممالك الحبشة)، ومملكة أكسوم التي تعتبر مملكة مسيحية بدأت في الأفول أمام انتشار الإسلام، والممالك الإسلامية التي قامت في الشرق والجنوب الشرقي للحبشة مكانها هي ما يعرف بممالك الحبشة، منها: مملكة شوا الإسلامية التي قامت بقلب الهضبة الحبشية، وسبع ممالك أخرى تأسست في شرق الحبشة سميت بـ"ممالك الطراز الإسلامي" لأنها على جانب البحر كالطراز له، وهي عبارة عن إمارات صغيرة حكمت جزء كبيرا من بلاد الحبشة وساهت بشكل كبير في نشر الدين الإسلامي، منها: مملكة داورو، مملكة شرخا، مملكة هدية، مملكة بالي.
والمحور الخامس والأخير يتعلق بـ: (انتشار الإسلام في إفريقيا جنوب الصحراء) قد ركزنا من خلاله على بيان دور الفقهاء والتجار المسلمين في نشر الإسلام وتوعية سكان منطقة إفريقيا جنوب الصحراء (بلاد السودان على العموم)، وكذلك جرى الحديث عن الهجرات العربية والبربرية ودور الطرق الصوفية في ترسيخ مفاهيم الدين الإسلام في صفوف السودانيين، وختمنا حدثنا في الإشارة إلى الحركات الإسلامية الحديثة التي شهدتها المنطقة خلال القرن 19م.
وفي الختام أتمنى أن أكون قد وفقنا في تقديم عمل يساهم في توسيع الدراية التاريخية لطلبتنا الأعزاء بخصوص تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء، فنحن نعلم بأن هذه المحاضرات لن تغطي كل تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، لكن على الأقل توجههم للطريق الصحيح لمن أراد التعمق في دراسة تاريخ المنطقة والأثر الذي تركه انتشار الإسلام بها، والتغييرات التي عرفتها التركيبة الاجتماعية للساكنة.
- معلم: tayeb boudjemaa naima