المحاضرة 03: المماليك (648-923هـ/1250-1517م).

الأصل والنشأة: المماليك جمع "مملوك"، سميت في كتب التاريخ بالدولة المملوكية، ودولة المماليك أو سلطنة المماليك، وعرفت بهذا الاسم بنسبة إلى الأمراء الذين تربوا تربية عسكرية، وكانوا مملوكين وخدم لدى السلاطين والخلفاء، وكان ظهورهم الأول في عهد الدولة الأموية ، ثم تطورت طرق تربيتهم وتنظيماتهم في عصر المعتصم بالله العباسي[1]، وكانوا من العناصر التركية، ثم توسعت لتشمل بقية الأجناس والأعراق؛ فكان منهم الشراكسة والروم والأكراد، ومع تطور نظام النخاسة وتجارة الرقيق أصبح مصطلح       " المماليك" يطلق عند المسلمين على فئة من الرقيق الأبيض والأشقر ممن تربوا تربية صارمة، ودربوا على الانضباط والطاعة والولاء لأسيادهم[2].

    في العهد الزنكي استكثر نور الدين محمود الزنكي من شراء المماليك الأتراك، وفي العصر الأيوبي أطلق عليهم "المماليك الصالحية"، ومماليك أسد الدين شيركوه "المماليك الأسدية"، وهكذا كلما ظهر أمير متغلب تسمى المماليك باسمه (المماليك العادلية والأشرفية والكاملية)، وفي عهد نجم الدين أيوب المعروف بالملك الصالح (ت647هـ) اشترى من الأتراك أعدادا كبيرة لم يسبقه إليها أحد، وجعل منهم مماليك يشكلون غالبية جيوشه[3]، وهم من أسسوا عند انهيار الدولة الأيوبية ما عرف تاريخيا بالمماليك البحرية نسبة إلى سكناهم بجزيرة الروضة في بحر النيل، وقيل بل لأنهم جلبوا من مختلف البحار العالمية كالبحر الأسود وبحر قزوين وغيرها[4].

تربى المماليك تربية عسكرية صارمة، ولما حالفهم الحظ وجدوا أنفسهم في سدة الحكم بحكم خبرتهم العسكرية، وقربهم من الخلفاء والسلاطين فاغتنموا فرصة السطو على الحكم في فترات الضعف التي كانت تمر بها الدول القوية، وكانت بدايتهم مع سقوط الدولة الأيوبية سنة 648هـ/1250م، واستمر حكمهم إلى غاية سنة 923هـ حينما تمكن السلطان العثماني سليم الأول[5] من هزيمتهم في معركة الريدانية سنة 923هـ/1517م[6]، وقد فرق المؤرخون والباحثون بين المماليك بحسب مناطق انتشارهم وتاريخ ظهورهم إلى:

1-المماليك البحرية: (648-784هـ/1250-1382م)

   يعود ظهور المماليك البحرية إلى السلطان نجم الدين أيوب المؤسس الأول للمماليك البحرية، وسبب تسميتهم بالبحرية نسبة إلى اتخاذهم لموضع قريب من جزيرة الروضة في النيل[7]، ومعظم عناصر المماليك البحرية كانوا من الأتراك.

 وعند وفاة نجم الدين أيوب أخفت خبر وفاته زوجته التركية شجر الدر بسبب الأوضاع التي كانت تمر بها مصر وحصار الصليبين للمدن المصرية، فاضطرت للزواج من أحد أبرز قادتها من المماليك وهو عز الدين أيبك التركماني، وأن تتنازل له عن الحكم[8]، وقد شكل تركيبة جيوش المماليك البحرية ثلاثة فرق أساسية:

أ-المماليك السلطانية: ويعرفون بالجلبان أو الأجلاب، وهم الأعظم شأناً في الجيش، ومننهم معظم القادة والأمراء.

ب- جند الحلقة: هم من أولاد المماليك الذين احترفوا وظائف آبائهم ونشئوا عليها، وكانوا يعرفون عند المؤرخين بأولاد الناس، ولهم درجات ورتب مختلفة.

ج- مماليك الأمراء: منهم تتكون الوحدات الحربية، ولهم أسبقية في ترتيب المعمول به في نظم الجيوش المملوكية بحكم قربهم من المماليك السلطانية[9].

لم يختلط جند المماليك بعامة الناس، وحافظوا على عزلتهم ونظامهم الخاص، ولم يكن لهم أي اتصال بأهل المدن والأسواق والحياة المدنية عموما، وهو ما مكنهم من السيطرة على الأوضاع[10]، وقد روى المقريزي نصاً في غاية الأهمية عن طبيعة التربية العسكرية للمماليك بقوله: " إن أول المراحل في حياة المملوك هي أن يتعلم اللغة العربية قراءة وكتابة، ثم بعد ذلك يدفع إلى من يعلمه القرآن الكريم، ثم يبدأ في تعلم مبادئ الفقه الإسلامي وآداب الشريعة...ويراقب المملوك مراقبة شديدة من مؤدبيه ومعلميه"[11]، وعندما يصل سن البلوغ يتدخل معلمو الفروسية ومدربو القتال فيعلمونهم فنون الحرب والمبارزة وركوب الخيل، ومختلف الفنون القتالية، وهنا تبدأ مرحلة تميز اختصاصاتهم الحربية[12].

معركة عين جالوت: (25 رمضان 658هـ/3سبتمبر1260م).

بعد سقوط مدينة بغداد بيد المغول فيسنة 656هـ/1258م بقيادة القائد "هولاكو"اتجهت أنظار المغول إلى ما بقي من بلاد المسلمين في بلاد الشام، واستطاع القائد المغولي"كتبغا" فرض سيطرته على مدن فلسطين وما جاورهاعدا المدن التي كانت في يد الصليبيين، ثم اتجهت أنظاره إلى مصر؛ وهو ما تنبه له المماليك، فأعلن النفير العام، ودعى العلماء وعلى رأسهم العز بن عبد السلام إلى الجهاد وتحريض المسلمين في مصر وبلاد الشام على صد المغول، ورأى حاكم مصر السلطان المملوكي سيف الدين قطز أن تكون مواجهة المغول خارج مصر وبالتحديد في تخوم فلسطين، والتقى الجيشان في سهل عين جالوت (بين بيسان ونابلس)[13].

كان قطز قد خبأ كتيبة كبيرة من جيشه خلف التلال، وكانت المقدمة بقيادة الظاهر بيبرس، ومع بداية المعركة تفاجئ المغول بظهور جيش التلال الذي شردهم وأنهى شوكتهم، فلم يكن أمام "كتبغا" إلا الفرار بمن بقي معه من الجند، وكانت هذه المعركة هي الأولى التي يهزم فيها المغول؛ بل وعملت على انحسار وجودهم بحيث عاد قطز ودخل دمشق فاتحا[14].

أشهر سلاطين المماليك البحرية:

-المعز عز الدين أيبك.

- المنصور نور الدين علي بن أيبك.

- المظفر سيف الدين قطز.

- الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري.

- السعيد ناصر الدين أبو المعالي محمد بركة خان.

- العادل بدر الدين سلامش.

- الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون.

- الناصر محمد بن قلاوون[15].

   تعتبر فترة حكم هؤلاء السلاطين من أقوى مراحل حكم المماليك، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى التنظيمات السياسية والإدارية والعسكرية التي اتبعها سلاطينهم بالرغم من ظهور الصراعات الداخلية والمؤامرات الخارجية، ودليل ذلك انتصاراتهم على الصليبيين والمغول في أكثر من مواجهة، غير أنخلفاءهم من الأحفاد والذين بلغ عددهم (18) سلطاناً مملوكيا لم يكونوافي مستوى أجدادهم إلى غاية آخر سلطان مملوكي هو الصالح صلاحالدين حاجي (ت هـ/1412م)، وبوفاته بدأ حكم سلاطين المماليك البرجية أو الجراكسة[16].

 

 

 

2- المماليك البرجية:الشراكسة (784-923هـ/1382-1517م).

هم مؤسسو الدولة البرجية أو الشركسية، وأول سلاطينهم هو الظاهر برقوق، ويعود سبب تسميتهم بهذا الاسم إلى كونهم كانوا يسكنون أبراج قلعة الجبل، وقيل بل لانتسابهم لقبيلة "برج" الشركسية، والشركس هم سكان المرتفعات الجنوبية في بلاد القبجاق؛ وهي منطقة بين البحر الأسود وبحر قزوين[17].

حكم المماليك البرجية (25 سلطاناً)، وقد تخلل هذه الفترة ظهور أطفال صغار ورثوا ولاية العرش عن آبائهم، وتسمى هذه الفترة بفترة حكم الأوصياء وهي الفترات التي عرفت اضطرابات خطيرة في مصر وبلاد الشام، وشهد حكمهم تهديدات من المغول بقيادة تيمورلنك[18]، الذي استولى على حلب ودمشق، ثم تنازل عن حكمهما بسبب انشغاله بمحاربة العثمانيين وحماية بلاد ما وراء النهر[19].

فتح قبرص: ( 829هـ/1426م).

   كانت جزيرة قبرص في يد الصليبيين، والتي اتخذوا منها مكاناً بحرياً مهما لشن غاراتهم البحرية على السفن والمدن الإسلامية (القرصنة)، وفي أحد الأيام بلغ السلطان المملوكي"برسباي" إغارة الصليبيين القبارصة على سفن تابعة للمسلمين وأغرقوها فأمر بغزو قبرص وتأديب الصليبيين، وخرج جيش المماليك بقيادة "الأميرتغردي المحمودي" و"إينال الجكمي"، من ميناءالإسكندرية نحو قبرص، فأغاروا وغنموا[20]، ثم خرجت حملة أخرى كبيرةمن مدينة "رشيد" في 26 شعبان829هـ/1426م، وكان الجيش القبرصي بقيادة ملك قبرص "يانوس بن جاك بن بيدرو"، وفي شهر رمضان كان النصر حليف المسلمين، وتم أسر ملك قبرص "يانوس" والآلاف من الأسرى[21]، وعرفت هذه الفترة انتشار مرض الطاعون والمجاعة؛ وساءت أحوال الناس؛ وهو ما نعكس سلبا على أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية[22].

من أشهر سلاطين المماليك البرجية:

-الظاهر سيف الدين برقوق.

- الناصر فرج.

- المؤيد شيخ.

- سيف الدين برسباي.

- سيف الدين جقمق.

- الأشرف إينال.

- الظاهر خشقدم.

- الأشرف قايتباي.

- قانصوه الغوري[23].

ثم خلفهم (16) سلطاناً مملوكياً حكموا لمدة 09 أعوام تخللتها اضطرابات وصراعات داخلية وخارجية استغلها العثمانيون فهاجموا الشام ثم اتجهوا إلى مصر ودخلوها، وبوفاة السلطان "قانصوه الغوري" و"طوفان باي" حاكم مصر سقطت دولة المماليك البرجية على يد السلطان سليم الأول، وبدأت فترة الحكم العثماني[24].



[1]- إيناس حسني البهجي، دولة المماليك البداية والنهاية، دار التعليم الجامعي، الإسكندرية، ط1، 2015م، ص 31.

[2]- قاسم عبده قاسم، عصر سلاطين المماليك، دار الشروق، ط1، 1994م، ص 17.

[3]- السيد الباز العريني، المماليك، دار النهضة العربية، بيروت، ط1، 1967م، ص ص 55-56.  

[4]- نفسه، ص 56.

[5]- هو السلطان سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح الغازي، اشتهر بلقب القاطع، وهو تاسع سلاطين الدولة العثمانية، وأول من تلقب بأمير المؤمنين، تولى سنة 915هـ، وفي عهده عرفت الدولة العثمانية توسعات كبيرة، توفي سنة 924هـ وخلفه ابن سليمان القانوني. ينظر عن حياته ياوز بهادر أوغلو، السلطان سليم ياوز، ترجمة مصطفى حمزة ومحمد قفص، مؤسسة المعارف، بيروت، ط1، 2017م، ص ص 33-51.

[6]- وقعة هذه المعركة بقرية الردانية في المنطقة الصحراوية بالقرب من القاهرة، ينظر عن تفاصيل هذه المعركة ابن إياس الحنفي الذي عاصر هذه الأحداث، بدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق محمد مصطفى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط1، 1989م، ج5، ص ص 123-133.

[7]- السيد الباز العريني، المرجع السابق، ص 56.

[8]- خالد علي عبد القادر، المماليك البحرية في مصر، دراسة مجتمعية تاريخية، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 2014م، ص 49.

[9]-السيد الباز العريني، نفسه، ص 54.

[10]-قاسم عبده قاسم، المرجع السابق، ص 18.

[11]- المقريزي، الخطط، المصدر السابق، ج3، ص 346.

[12]- علي إبراهيم حسن، تاريخ الممالك البحرية،مكتبة النهضة المصرية، مصر، ط1، 1944م، ص 36.

[13]- بليدة من أعمال فلسطين، كان الناصر صلاح الدين الأيوبي قد استنقذها من الروم سنة 579هـ، وتسمى اليوم عين حرود بالقرب من الضفة الغربية، ينظر عن تاريخها في هذه الفترة ياقوت الحموي، المصدر السابق، ج4، ص177.

[14]- المقريزي، السلوك لمعرفة دول الملوك، تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1997م، ج1، ص ص 516-517.

[15]- تنظر أسماء وتواريخ هؤلاء المماليك عند المقريزي، المصدر السابق، ج2، ص ص 136-251، والسيد الباز العريني، المرجع السابق، ص ص 267-268.

[16]-نفسه، ص ص 64-71.

[17]- شفيق توفيق إسماعيل، المماليك الشراكسة، دار رسلان، دمشق، ط1، 2009م، ص ص 59-68.

[18]- هو تيمور طرغاي بركل، الشهير بتيمورلنك، ومعناها الحديد الأعرج أو الأعوج، والظاهر أنه كان يعاني من عرج في ساقه بسبب إصابته بسهم في صغره، من أحفاد جنكيز خان من أمه، غير أنه من المغول الذين اعتنقوا الإسلام في الفترة التي أعقبت سقوط مدينة بغداد، تولى الحكم سنة 771هـ، وكان طاغية سفاكا للدماء، استطاع تأسيس إمبراطورية عظيمة في آسيا من العراق إلى تخوم الهند، ودخل في حروب طويلة مع العثمانيين، لقيه ابن خلدون عندما عين سفيرا لمصر في العصر المملوكي فاحتفى به وأكرمه، وتوفي تيمورلنك سنة807هـ/ 1227م، ينظر عن حياته وغزواته جاسن مروذي، تيمورلنك قاهر الملوك والسلاطيسن وغازي العالم، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 2011م، ص ص 1-26-54.

[19]- محمد سهيل طقوش، تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشام، دار النفائس، بيروت،ط1، 1997م، ص ص 423-433.

[20]- محمود شاكر، المسلمون في قبرص، منشورات العصر الحديث، دار النفائس، بيروت،1974م، ص ص 22-23.

[21]-محمود شاكر، المرجع السابق، ص 23.

[22]- محمد سهيل طقوش، المصدر السابق، ص459.

[23]- السيد الباز العريني، المرجع السابق، ص ص 267-268.

[24]- محمد سهيل طقوش، نفسه، ص 596.


المحاضرة 03: المماليك (648-923هـ/1250-1517م).

الأصل والنشأة: المماليك جمع "مملوك"، سميت في كتب التاريخ بالدولة المملوكية، ودولة المماليك أو سلطنة المماليك، وعرفت بهذا الاسم بنسبة إلى الأمراء الذين تربوا تربية عسكرية، وكانوا مملوكين وخدم لدى السلاطين والخلفاء، وكان ظهورهم الأول في عهد الدولة الأموية ، ثم تطورت طرق تربيتهم وتنظيماتهم في عصر المعتصم بالله العباسي[1]، وكانوا من العناصر التركية، ثم توسعت لتشمل بقية الأجناس والأعراق؛ فكان منهم الشراكسة والروم والأكراد، ومع تطور نظام النخاسة وتجارة الرقيق أصبح مصطلح       " المماليك" يطلق عند المسلمين على فئة من الرقيق الأبيض والأشقر ممن تربوا تربية صارمة، ودربوا على الانضباط والطاعة والولاء لأسيادهم[2].

    في العهد الزنكي استكثر نور الدين محمود الزنكي من شراء المماليك الأتراك، وفي العصر الأيوبي أطلق عليهم "المماليك الصالحية"، ومماليك أسد الدين شيركوه "المماليك الأسدية"، وهكذا كلما ظهر أمير متغلب تسمى المماليك باسمه (المماليك العادلية والأشرفية والكاملية)، وفي عهد نجم الدين أيوب المعروف بالملك الصالح (ت647هـ) اشترى من الأتراك أعدادا كبيرة لم يسبقه إليها أحد، وجعل منهم مماليك يشكلون غالبية جيوشه[3]، وهم من أسسوا عند انهيار الدولة الأيوبية ما عرف تاريخيا بالمماليك البحرية نسبة إلى سكناهم بجزيرة الروضة في بحر النيل، وقيل بل لأنهم جلبوا من مختلف البحار العالمية كالبحر الأسود وبحر قزوين وغيرها[4].

تربى المماليك تربية عسكرية صارمة، ولما حالفهم الحظ وجدوا أنفسهم في سدة الحكم بحكم خبرتهم العسكرية، وقربهم من الخلفاء والسلاطين فاغتنموا فرصة السطو على الحكم في فترات الضعف التي كانت تمر بها الدول القوية، وكانت بدايتهم مع سقوط الدولة الأيوبية سنة 648هـ/1250م، واستمر حكمهم إلى غاية سنة 923هـ حينما تمكن السلطان العثماني سليم الأول[5] من هزيمتهم في معركة الريدانية سنة 923هـ/1517م[6]، وقد فرق المؤرخون والباحثون بين المماليك بحسب مناطق انتشارهم وتاريخ ظهورهم إلى:

1-المماليك البحرية: (648-784هـ/1250-1382م)

   يعود ظهور المماليك البحرية إلى السلطان نجم الدين أيوب المؤسس الأول للمماليك البحرية، وسبب تسميتهم بالبحرية نسبة إلى اتخاذهم لموضع قريب من جزيرة الروضة في النيل[7]، ومعظم عناصر المماليك البحرية كانوا من الأتراك.

 وعند وفاة نجم الدين أيوب أخفت خبر وفاته زوجته التركية شجر الدر بسبب الأوضاع التي كانت تمر بها مصر وحصار الصليبين للمدن المصرية، فاضطرت للزواج من أحد أبرز قادتها من المماليك وهو عز الدين أيبك التركماني، وأن تتنازل له عن الحكم[8]، وقد شكل تركيبة جيوش المماليك البحرية ثلاثة فرق أساسية:

أ-المماليك السلطانية: ويعرفون بالجلبان أو الأجلاب، وهم الأعظم شأناً في الجيش، ومننهم معظم القادة والأمراء.

ب- جند الحلقة: هم من أولاد المماليك الذين احترفوا وظائف آبائهم ونشئوا عليها، وكانوا يعرفون عند المؤرخين بأولاد الناس، ولهم درجات ورتب مختلفة.

ج- مماليك الأمراء: منهم تتكون الوحدات الحربية، ولهم أسبقية في ترتيب المعمول به في نظم الجيوش المملوكية بحكم قربهم من المماليك السلطانية[9].

لم يختلط جند المماليك بعامة الناس، وحافظوا على عزلتهم ونظامهم الخاص، ولم يكن لهم أي اتصال بأهل المدن والأسواق والحياة المدنية عموما، وهو ما مكنهم من السيطرة على الأوضاع[10]، وقد روى المقريزي نصاً في غاية الأهمية عن طبيعة التربية العسكرية للمماليك بقوله: " إن أول المراحل في حياة المملوك هي أن يتعلم اللغة العربية قراءة وكتابة، ثم بعد ذلك يدفع إلى من يعلمه القرآن الكريم، ثم يبدأ في تعلم مبادئ الفقه الإسلامي وآداب الشريعة...ويراقب المملوك مراقبة شديدة من مؤدبيه ومعلميه"[11]، وعندما يصل سن البلوغ يتدخل معلمو الفروسية ومدربو القتال فيعلمونهم فنون الحرب والمبارزة وركوب الخيل، ومختلف الفنون القتالية، وهنا تبدأ مرحلة تميز اختصاصاتهم الحربية[12].

معركة عين جالوت: (25 رمضان 658هـ/3سبتمبر1260م).

بعد سقوط مدينة بغداد بيد المغول فيسنة 656هـ/1258م بقيادة القائد "هولاكو"اتجهت أنظار المغول إلى ما بقي من بلاد المسلمين في بلاد الشام، واستطاع القائد المغولي"كتبغا" فرض سيطرته على مدن فلسطين وما جاورهاعدا المدن التي كانت في يد الصليبيين، ثم اتجهت أنظاره إلى مصر؛ وهو ما تنبه له المماليك، فأعلن النفير العام، ودعى العلماء وعلى رأسهم العز بن عبد السلام إلى الجهاد وتحريض المسلمين في مصر وبلاد الشام على صد المغول، ورأى حاكم مصر السلطان المملوكي سيف الدين قطز أن تكون مواجهة المغول خارج مصر وبالتحديد في تخوم فلسطين، والتقى الجيشان في سهل عين جالوت (بين بيسان ونابلس)[13].

كان قطز قد خبأ كتيبة كبيرة من جيشه خلف التلال، وكانت المقدمة بقيادة الظاهر بيبرس، ومع بداية المعركة تفاجئ المغول بظهور جيش التلال الذي شردهم وأنهى شوكتهم، فلم يكن أمام "كتبغا" إلا الفرار بمن بقي معه من الجند، وكانت هذه المعركة هي الأولى التي يهزم فيها المغول؛ بل وعملت على انحسار وجودهم بحيث عاد قطز ودخل دمشق فاتحا[14].

أشهر سلاطين المماليك البحرية:

-المعز عز الدين أيبك.

- المنصور نور الدين علي بن أيبك.

- المظفر سيف الدين قطز.

- الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري.

- السعيد ناصر الدين أبو المعالي محمد بركة خان.

- العادل بدر الدين سلامش.

- الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون.

- الناصر محمد بن قلاوون[15].

   تعتبر فترة حكم هؤلاء السلاطين من أقوى مراحل حكم المماليك، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى التنظيمات السياسية والإدارية والعسكرية التي اتبعها سلاطينهم بالرغم من ظهور الصراعات الداخلية والمؤامرات الخارجية، ودليل ذلك انتصاراتهم على الصليبيين والمغول في أكثر من مواجهة، غير أنخلفاءهم من الأحفاد والذين بلغ عددهم (18) سلطاناً مملوكيا لم يكونوافي مستوى أجدادهم إلى غاية آخر سلطان مملوكي هو الصالح صلاحالدين حاجي (ت هـ/1412م)، وبوفاته بدأ حكم سلاطين المماليك البرجية أو الجراكسة[16].

 

 

 

2- المماليك البرجية:الشراكسة (784-923هـ/1382-1517م).

هم مؤسسو الدولة البرجية أو الشركسية، وأول سلاطينهم هو الظاهر برقوق، ويعود سبب تسميتهم بهذا الاسم إلى كونهم كانوا يسكنون أبراج قلعة الجبل، وقيل بل لانتسابهم لقبيلة "برج" الشركسية، والشركس هم سكان المرتفعات الجنوبية في بلاد القبجاق؛ وهي منطقة بين البحر الأسود وبحر قزوين[17].

حكم المماليك البرجية (25 سلطاناً)، وقد تخلل هذه الفترة ظهور أطفال صغار ورثوا ولاية العرش عن آبائهم، وتسمى هذه الفترة بفترة حكم الأوصياء وهي الفترات التي عرفت اضطرابات خطيرة في مصر وبلاد الشام، وشهد حكمهم تهديدات من المغول بقيادة تيمورلنك[18]، الذي استولى على حلب ودمشق، ثم تنازل عن حكمهما بسبب انشغاله بمحاربة العثمانيين وحماية بلاد ما وراء النهر[19].

فتح قبرص: ( 829هـ/1426م).

   كانت جزيرة قبرص في يد الصليبيين، والتي اتخذوا منها مكاناً بحرياً مهما لشن غاراتهم البحرية على السفن والمدن الإسلامية (القرصنة)، وفي أحد الأيام بلغ السلطان المملوكي"برسباي" إغارة الصليبيين القبارصة على سفن تابعة للمسلمين وأغرقوها فأمر بغزو قبرص وتأديب الصليبيين، وخرج جيش المماليك بقيادة "الأميرتغردي المحمودي" و"إينال الجكمي"، من ميناءالإسكندرية نحو قبرص، فأغاروا وغنموا[20]، ثم خرجت حملة أخرى كبيرةمن مدينة "رشيد" في 26 شعبان829هـ/1426م، وكان الجيش القبرصي بقيادة ملك قبرص "يانوس بن جاك بن بيدرو"، وفي شهر رمضان كان النصر حليف المسلمين، وتم أسر ملك قبرص "يانوس" والآلاف من الأسرى[21]، وعرفت هذه الفترة انتشار مرض الطاعون والمجاعة؛ وساءت أحوال الناس؛ وهو ما نعكس سلبا على أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية[22].

من أشهر سلاطين المماليك البرجية:

-الظاهر سيف الدين برقوق.

- الناصر فرج.

- المؤيد شيخ.

- سيف الدين برسباي.

- سيف الدين جقمق.

- الأشرف إينال.

- الظاهر خشقدم.

- الأشرف قايتباي.

- قانصوه الغوري[23].

ثم خلفهم (16) سلطاناً مملوكياً حكموا لمدة 09 أعوام تخللتها اضطرابات وصراعات داخلية وخارجية استغلها العثمانيون فهاجموا الشام ثم اتجهوا إلى مصر ودخلوها، وبوفاة السلطان "قانصوه الغوري" و"طوفان باي" حاكم مصر سقطت دولة المماليك البرجية على يد السلطان سليم الأول، وبدأت فترة الحكم العثماني[24].



[1]- إيناس حسني البهجي، دولة المماليك البداية والنهاية، دار التعليم الجامعي، الإسكندرية، ط1، 2015م، ص 31.

[2]- قاسم عبده قاسم، عصر سلاطين المماليك، دار الشروق، ط1، 1994م، ص 17.

[3]- السيد الباز العريني، المماليك، دار النهضة العربية، بيروت، ط1، 1967م، ص ص 55-56.  

[4]- نفسه، ص 56.

[5]- هو السلطان سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح الغازي، اشتهر بلقب القاطع، وهو تاسع سلاطين الدولة العثمانية، وأول من تلقب بأمير المؤمنين، تولى سنة 915هـ، وفي عهده عرفت الدولة العثمانية توسعات كبيرة، توفي سنة 924هـ وخلفه ابن سليمان القانوني. ينظر عن حياته ياوز بهادر أوغلو، السلطان سليم ياوز، ترجمة مصطفى حمزة ومحمد قفص، مؤسسة المعارف، بيروت، ط1، 2017م، ص ص 33-51.

[6]- وقعة هذه المعركة بقرية الردانية في المنطقة الصحراوية بالقرب من القاهرة، ينظر عن تفاصيل هذه المعركة ابن إياس الحنفي الذي عاصر هذه الأحداث، بدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق محمد مصطفى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط1، 1989م، ج5، ص ص 123-133.

[7]- السيد الباز العريني، المرجع السابق، ص 56.

[8]- خالد علي عبد القادر، المماليك البحرية في مصر، دراسة مجتمعية تاريخية، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 2014م، ص 49.

[9]-السيد الباز العريني، نفسه، ص 54.

[10]-قاسم عبده قاسم، المرجع السابق، ص 18.

[11]- المقريزي، الخطط، المصدر السابق، ج3، ص 346.

[12]- علي إبراهيم حسن، تاريخ الممالك البحرية،مكتبة النهضة المصرية، مصر، ط1، 1944م، ص 36.

[13]- بليدة من أعمال فلسطين، كان الناصر صلاح الدين الأيوبي قد استنقذها من الروم سنة 579هـ، وتسمى اليوم عين حرود بالقرب من الضفة الغربية، ينظر عن تاريخها في هذه الفترة ياقوت الحموي، المصدر السابق، ج4، ص177.

[14]- المقريزي، السلوك لمعرفة دول الملوك، تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1997م، ج1، ص ص 516-517.

[15]- تنظر أسماء وتواريخ هؤلاء المماليك عند المقريزي، المصدر السابق، ج2، ص ص 136-251، والسيد الباز العريني، المرجع السابق، ص ص 267-268.

[16]-نفسه، ص ص 64-71.

[17]- شفيق توفيق إسماعيل، المماليك الشراكسة، دار رسلان، دمشق، ط1، 2009م، ص ص 59-68.

[18]- هو تيمور طرغاي بركل، الشهير بتيمورلنك، ومعناها الحديد الأعرج أو الأعوج، والظاهر أنه كان يعاني من عرج في ساقه بسبب إصابته بسهم في صغره، من أحفاد جنكيز خان من أمه، غير أنه من المغول الذين اعتنقوا الإسلام في الفترة التي أعقبت سقوط مدينة بغداد، تولى الحكم سنة 771هـ، وكان طاغية سفاكا للدماء، استطاع تأسيس إمبراطورية عظيمة في آسيا من العراق إلى تخوم الهند، ودخل في حروب طويلة مع العثمانيين، لقيه ابن خلدون عندما عين سفيرا لمصر في العصر المملوكي فاحتفى به وأكرمه، وتوفي تيمورلنك سنة807هـ/ 1227م، ينظر عن حياته وغزواته جاسن مروذي، تيمورلنك قاهر الملوك والسلاطيسن وغازي العالم، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 2011م، ص ص 1-26-54.

[19]- محمد سهيل طقوش، تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشام، دار النفائس، بيروت،ط1، 1997م، ص ص 423-433.

[20]- محمود شاكر، المسلمون في قبرص، منشورات العصر الحديث، دار النفائس، بيروت،1974م، ص ص 22-23.

[21]-محمود شاكر، المرجع السابق، ص 23.

[22]- محمد سهيل طقوش، المصدر السابق، ص459.

[23]- السيد الباز العريني، المرجع السابق، ص ص 267-268.

[24]- محمد سهيل طقوش، نفسه، ص 596.


المحاضرة : 02الأيوبيون(570-648هـ/1175-1250م).

1- الأصل والنشأة: اختلف في أصل الأيوبيين بين المؤرخين والنسابة، غير أن الراجح من الأقوال أن أصلهم من الأكراد الروادية، وأنهم من بلدة يقال لها "دوين"[1] في حدود أذربيجان وبالقرب من أرمينية، وأهل هذه البلاد من الأكراد،وأنكر جماعة من ملوك بني أيوب النسبة إلى الأكراد، وقال: " إنما نحن عرب، نزلنا عند الأكراد وتزوجنا منهم"[2]، وردّ هذه الأقوال المقريزي وأنكرها بقوله: " وهذه أقوال الفقهاء لهم ممن أراد الحظوة لديهم لما صار الملك إليهم"[3].

   كان أسد الدين شيركوه أكبر سنا من أخيه نجم الدين أيوب، وكانا ببلاد أرمينية، ودخلا العراق في خدمة السلاجقة، وكانت قلعة تكريت إقطاعهما ثم خدما بعد ذلك في دولة عماد الدين زنكي[4] صاحب الموصل سنة526هـ، وبعد وفاة عماد الدين زنكي دخل الأخوان في خدمة ابنه نور الدين محمود وأعاناه على دخول دمشق ومعظم بلاد الشام تحت إمرته[5].

    كان لأسد الدين شيركوه إسهام كبير في ما وصل إليه نور الدين محمود من توسع في بلاد الشام بحكم خبرته العسكرية، وهو ما جعله يعين نجم الدين أيوب واليا على دمشق، وأسد الدين حاكما على حمص، واختار نور الدين محمود أسد الدين شيركوه ليقود قواته  إلى مصر للاستيلاء عليها وضمها إلى الشام، وقد صحبه في هذه المهمة ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب، وعندما توفي أسد الدين سنة 564هـ/1169م خلفه ابن أخيه صلاح الدين[6].

2-دخول صلاح الدين إلى مصر :

إثر وفاة أسد الدين شيركوه تطلع عدة رجالات إلى خلافته في منصب الوزارة، منهم القادة العسكريون والمدنيون، غير أن الخليفة العضد لدين الله اختار صلاح الدين لخلافة عمه، نظرا لصغر سنه، وقدرة الخليفة على التحكم فيه، ولكن صلاح الدين أظهر كفاءة منقطعة النظير في حسن إدارة الدولة سياسيا وعسكريا ودينيا واقتصاديا، ومنها:

-عزز سيطرته على جميع الجيوش تحت إمرته: الجيوش الفاطمية وجيوش نور الدين محمود بتغيير القادة؛ بل إن نور الدين أرسل له جيشا آخر بقياة أخيه توران شاه[7] بن نجم الدين أيوب فتمكن من إحكام السيطرة بتفوقه العددي في الجيوش المصري.

-  استمال قلوب المصريين عن طريق بذل المال، وحسن المعاملة، ولقي إشادة كبيرة من فقهاء السنة وعامة مصر.

-فشل الحملة الصليبية على مصر على الرغم من محاصرتهم لمدينة دمياط المصرية الساحلية (565هـ/1169م).

- أرسل نور الدين محمود نجم الدين أيوب والد صلاح الدين إلى مصر قصد تعزيز وجود الأسرة الأيوبية في مصر وتقوية منصبها لدى الرأي العام في مصر، وصحبته عدة قوافل تجارية كان الهدف منها تعزيز القدرات المالية والتجارية بين مصر والشام، وإدخال وافد جديد على المجتمع المصري.

- إبطال المكوس (نوع من الضرائب) الديوانية التي كان التجار يدفعونها لديوان القصر، وأطلق الحرية للتجار، وهو ما جعله يدعم جبهته الداخلية خاصة بين العامة.

- إضعاف المذهب الإسماعيلي وتقوية المذهب السني، وعزل جميع قضاة المذهب الإسماعيلي، وقد اتبع صلاح الدين سياسة التدرج في جميع خطواته حتى لا يثور أتباع المذهب الشيعي بسبب صدمة التغيير.

- إقامة الخطبة للعباسيين، ومنع سب الصحابة، ومنع عبارة "حي على خير العمل " من جميع المساجد، وغيرها من البدع والمستحدثات التي نشرها الإسماعليون.

- وفاة الخليفة العاضد لدين الله الفاطمي، وبوفاتهقطعت الخطبة للفاطميين رسميا، وإقامتها للخليفة العباسي المستضيء بأمر الله، وبذلك تم إعلان السقوط الفعلي للدولة الفاطمية[8].

   توترت العلاقة بين صلاح الدين ونور الدين محمود بعد سقوط الخلافة الفاطمية، بحيث بدأ نور الدين يخشى من قوة صلاح الدين وقدرته على خروجه عن طاعته، وضرورة انتقاله إلى مصر، لاسيما بعد وفاة والد صلاح الدين نجم الدين أيوب الرجل المخلص لنور الدين، وهو ما شعر به أيضا صلاح الدين من محاولات التخلص منه، فحدث جفاء بين الطرفين لم ينته إلا بوفاة نور الدين محمود فجأة بداية سنة 569هـ/1174م، ويرى الباحثون أن هذه السنة هي السنة الفعلية التي تأسست فيها الدولة الأيوبية، خاصة وأن الخليفة المستضيء بالله العباسي اعترف بصلاح الدين سلطانا على مصر وبلاد الشام سنة 570هـ/1175م حتى يضع حدا للاختلافات بين إخوة نور الدين وابنه الطفل الصغير الصالح إسماعيل، وتكالب النصارى الصليبين على الأراضي الإسلامية في هذا الظرف الحرج من تاريخ الدولة[9].

3- توسعات صلاح الدين الأيوبي، وسياسته الخارجية:

   اتجهت أنظار صلاح الدين بداية إلى توسيع نفوذه غرب مصر، حيث بلاد المغرب للاستفادة من خيراتها وجذب مختلف القبائل البربرية إلى طاعته وسلطانه، وقد تمكن في ظرف 7 سنوات من ضم هوارة ولواتة ونفوسة حتى وصل مشارف تونس، وهناك أقيمت الخطبة باسمه[10]، ولم يستطع تجاوزها بسبب قوة جيوش الموحدين حينذاك.

    توجه توران شاه[11] إلى اليمن سنة 569هـ/1174م، وسيطر على من كان يحكمها وأقام الخطبة للخليفة العباسي، فدخلت مدن عدن وصنعاء وتعز تحت رايته، ثم اتجهت أنظار صلاح الدين إلى بلاد النوبة جنوب مصر، وكانت مملكة نصرانية، وكان الغرض من ذلك حماية مصر من هجمات النوبيين جنوبا[12].

   تطلع صلاح الدين الأيوبي بعد ذلك إلى ضم بلاد الشام بحجة الوصاية على الوريث الشرعي لنور الدين محمود وهو ابنه الصالح إسماعيل، وسدا للخلافات الحاصلة في بيت الزنكيين إخوة نور الدين في دمشق وحلب والموصل، فخرج في حملة واسعة إلى بلاد الشام أواخر سنة 570هـ/1174م، واستمر في محاولاته لإخضاع بلاد الشام وما جاورها إلى غاية سنة 582هـ/1186م، بحيث سيطر على دمشق وحلب وحمص والموصل وميافارقين والعراق وسنجار وجزء من أراضي الأناضول والجزيرة وديار بكر.

هذه الأحداث تخللتها صراعات ومؤامرات دامية نجا صلاح الدين منها أكثر من مرة، ووجد دعما شرعيا منقطع النظير من عامة هذه المدن ومن الخلفاء العباسيين بداية بالمستضيء بأمر الله (ت575هـ) ثم خلفه ابنه الخليفة الناصر لدين الله (ت622هـ)[13]، وكليهما لم يختلفا عليه إلا ما كان من بعض الدسائس وحاشية السوء التي حاولت بالوشاية التأثير في العلاقة بينهما.

4-الحروب الصليبية وفتح بيت المقدس:

تعرف الحروب الصليبية في اللغة الإنجليزية بـ ( Crusade)، وهي كلمة مشتقة من اللفظ اللاتيني (Cruzada)أي عليه علامة الصليب[14]، وقد اختلفت آراء المؤرخين حول تعريف الحروب الصليبية، فمنهم من أرجعها إلى عصور المنافسة الحضارية بين الشرق والغرب منذ انهيار الإمبراطورية الرومانية وظهور الاختلافات الدينية، ومنهم من قال غير ذلك، غير أن أقرب تعريف واقعي لها هو أنها " انتفاضة نتجت عن عملية الإحياء الديني التي قامت في أوربا في القرن 10م، وبلغت ذروتها في القرن11م، وعودة البابوية إلى سطوتها القديمة وإثارة نوع من الحماية الدينية في الغرب بوجه عام، الأمر الذي ترتب عليه ظاهرة الحج الجماعي للأراضي المقدسة، وليست الحروب الصليبية إلا استمرارا لظاهرة الحج الجماعي إلى بيتالمقدس، مع حدوث تطور في الأسلوب؛ وهو أن الحج أصبح حربيا بعد أن كان سلميا"[15]، ويضاف إلى ذلك سحر الشرق وكنوز الحضارة الإسلامية التي سحرت ملوك أوروبا وأغرتهم بغزوها.

مصادر تاريخ الحروب الصليبية:

كتب عن تاريخ الحروب الصليبية جلة من المؤرخين العرب والأجانب، وأما من العرب والمسلمين فمنهم من عاصر بدايتها منذ العصر الزنكي، ومنهم من عاصر صلاح الدين الأيوبي وفتح بيت المقدس - وتعتبر كتاباتهمشهادة على العصرين الزنكيوالأيوبي، ومنهم من سار في ركب صلاح الدين وكان من مقربيه -وهم على التوالي:

-ابن القلانسي (ت555هـ) له كتاب:  "ذيل تاريخ دمشق"، عاصر الحملة الصليبية الأولى والثانية[16].

- العظيمي(ت556هـ) له كتاب: "تاريخ حلب"،عاصر الحملة الصليبية الأولى بسبب توقف تاريخه سنة 538هـ[17].

- ابن عساكر(499-571هـ) له كتاب: "تاريخ مدينة دمشق" عاصر الحملة الصليبية الثانية والثالثة، وكان مقربا من نور الدين محمود؛ وهو من شجعه على تأليف كتاب عن تاريخ مدينة دمشق؛ فخصه بترجمة مفصلة[18]، وله كتب يحث فيها على الجهاد وفضائل بيت المقدس، وكان صلاح الدين يجله ويحضر مجالسه، غير أنه لم يشهد فتحبيت المقدس سنة 583هـ[19].

-ابن الأزرق الفارقي(510- ت ق6هـ) له كتاب:"تاريخ الفارقي" أو " تاريخ ميافارقين وآمد"، عاصر الحملة الصليبية الثانية والثالثة، وأورد معلومات عن الإفرنج في أنطاكيا وغيرها، ونقل عنه بعض المؤرخين أخبار الحروب التي عاصرها ولكنها مفقودة من كتابه هذا[20].

-أسامة بن منقذ(ت845هـ) له كتاب:  "الاعتبار" عاصر الحملتين الثانية والثالثة، وكان مقربا من نور الدين محمود وصلاح الدين، تولى عدة مهام إدارية في عهديهما وكانا يستشيرانه في أمور الحرب والسلم؛ فهو شاهد عيان على الدولتين، ودون جميع أخباره ورواياته في كتابه الاعتبار[21].

- العماد الأصفهاني597هـ)، وهو غير الأصفهاني الكاتب مؤرخ صلاح الدين، له كتاب: "البستان الجامع لجميع تواريخ أهل الزمان"، ذكر فيه رواياته وشهاداته عن الحملتين الصليبيتين الأولى والثانية والثالثة، وفيه أخبار عن نور الدين محمود وصلاح الدين وفتح بيت المقدس[22].

- ابن الجوزي (ت597هـ) له كتاب: "المنتظم في تواريخ الملوك والأمم"، وكتاب "فضائل بيت المقدس"، عاصر الحملة الصليبية الثانية والثالثة، فأورد خبر الحملة الأولى والتيسقطت فيها أنطاكية ومعرة النعمان وبيت المقدس في يد الصليبيين سنة 491هـ[23]، وقد كانت له مراسلات مع نور الدين محمود، وقدم له ترجمة في وفيات سنة 569هـ[24]، وروايته عن فتح بيت المقدس وأخبارها في كتابه الثاني[25]، غير أن أخباره كانت مقتضبة جدا.

- عماد الدين الأصفهانيحزينت597هـ)، مؤرخ صلاح الدين أيوبي المعروف بالكاتب، كان مقربا من صلاح الدين، وقد تولى في دولته مناصب إدارية رفيعة، وشارك معه في معركة حطين وعكة؛ وهو شاهد على عصر الحروب الصليبية الثانية والثالثة، وأوثق من نقل لنا أخبار الناصر صلاح الدين وفتح بيت المقدس، وله في ذلك كتابان: "الفتح القسي في الفتح القدسي"[26] و "البرق الشامي"[27]، وله غير ذلك "أخبار الدولة السلجوقية"، وغيرها من المؤلفات.

- ابن شداد: (ت632هـ)، له كتاب "النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية" ترجم فيه للناصر صلاح الدين وسيرته،  وروى الأحداث التي عاصرها، وقد دخل في خدمة الناصر منذ سنة 584هـ، وكان شاهدا على الحملة الصليبية الثالثة[28].

- أبوشامة: (ت665هـ)، له كتاب "الروضتين في أخبار الدولتين، النورية والصلاحية"، لم يشهد عصر نور الدين ولا صلاح الدين، غير أنه كان قريب عهد بهما، ونقل عمن عاصرهما، وما وقع بين يديه من وثائق رسمية[29].

- ابن الأثير:(ت630هـ)، صاحب كتاب " الكامل في التاريخ"، عاصر صلاح الدين، في آخر حياته، ونقل الكثير من أخباره عن من كان قريبا منه كالعماد الأصفهاني فضلا عن مشاهداته، واشترك مع صلاح الدين في بعض معاركه مع الصليبين سنة 574هـ، غير أنه سجل مواقف مخالفة لسياسة صلاح الدين كتقريبه لعائلته وتقسيم المناطق بينهم، وطرق تعامله مع الصليبين الأسرى والمستأمنين[30].

- ابن العديم:(ت660هـ)، له كتاب "زبدة الحلب من تاريخ حلب"، جعله تاريخا لمدينة حلب منذ القدم، إلى العصر الإسلامي ( صدر الإسلام والفتوحات، والعصر الأموي والعباسي والسلاجقة والزنكيين والأيوبيين والخوارزميين)،وأرخّ فيه للحروب الصليبية،وممالك الفرنجة في المشرق[31].

   يضاف إلى هذه المصادر ما وقع بين يدي جلة من المؤرخين من نصوص تاريخية لكتاب عدت مؤلفاتهم في حكم المفقود، ولم تبق منها إلا شذرات موزعة بين المؤرخين الذين سبق ذكرهم، ومنهم: المؤرخ ابن طيء (ت630هـ) عن "تاريخ مدينة حلب" وكتاب "معادن الذهب"، وابن أبي جرادة له تاريخ مفقود عن أمراء حلب، وحمدان بن عبد الرحيم كتاب مفقود يعرف ب" الموقف" تعرض فيه لآثار غزو الفرنجة لبلاد المشرق منذ سنة 490هـ.

وكما ألف العرب والمسلمون حول الحروب الصليبية فإن الفرنجة والقساوسة والمؤرخون الأوربيون ألفوا فيها كتب ورسائل تبين وجهة نظرهم، وتؤرخ لمرحلة تواجدهم في بلاد المشرق، أمثال ريموند ديجيل في كتابه "الفرنجة الذين استولوا على بيت المقدس"، وفولتشر أوف تشارتزر في كتابه "تاريخ الحملة إلى بيت المقدس"، وإيكهارد صاحب كتاب "بيت المقدس"، وغيرهم، ووليم الصوري(ت580هـ/1184م) الذي كتب عن الحروب الصليبية وعرّف بأشهر الملوك والأمراء[32].

5- معركة "حطين" وفتح بيت المقدس: (583هـ/1187م).
وقعت هذه المعركة يوم السبت 25 من ربيع الثاني 583هـ الموافق 4 جوان 1187م، في أرض حطين[33]بالقرب من طبرية[34] في أرض فلسطين.

   كانت بداية هذه المعركة باقتحام صلاح الدين الأيوبي "قلعة الكرك"[35] التي اتخذها (رينو دي شاتيون)[36] الشهير بـ "أرناط " مقرا لإقامة جيشه، وقد عكف على نهب وسلب قوافل التجار بحكم قربه من مفترق الطرق التجارية بين الشام ومصر والحجاز، وبعدها اتجهت أنظار صلاح الدين إلى مملكة القدس، ولأن المهمة لم تكن سهلة أرسل صلاح الدين إلى مختلف الأصقاع والأمصار يعلن الجهاد على الصليبيين، ويفتح باب التطوع لدعم جيوشه في الموصل والجزيرة والشام ومصر[37]، على أن تلتقي هذه الجيوش بالقرب من فلسطين.

خرج صلاح الدين بعساكره من القاهرة وعسكر في دمشق، وعين ابنه الأفضل[38] قائدا للقوات التي بلغت 25000 مقاتل بين الفرسان والمشاة، وانطلق الأسطول البحري من مصر بقيادة الحاجب حسام الدين لؤلؤ[39]، بينما حشد الصيلبيون 22 ألف مقاتل، فاستولى صلاح الدين بداية على طبرية لأجل قطع المياه على الجيوش الصليبية، حينها وصل الصليبيون إلى السهل الواقع بين " لوبيا" و"حطين"، ولما شن عليهم صلاح الدين هجوما مباغتا فرّ الصليبيون إلى تلال حطين وأقبل الليل فتوقف القتال، وفي اليوم التالي التحم الجيشان، وكان النصر حليف المسلمين فقتل الآلاف من الصليبيين، وأسر الكثير، ثم تقدم قائد الفرسان " ريموند الثالث"[40] أمير طرابلس بأمر من" لوزينيان"[41] ملك القدس ودامت المعركة نحو7 ساعات، ووقع الملك لوزينيان ملك القدس أسيرا ورينودي شاتيون (أرناط)، وعدد من البارونات، ولم ينجو إلا بضع مئات فروا إلى مدينة صور، وفي الأسر قام صلاح الدين بقتل أرناط برا بيمينه التي كان قد قطعها إن هو وقع بين يديه أن يضرب عنقه بيده بسبب جرأته وعزمه المسير إلى مكة والمدينة[42]، وبعد المعركة اتجهت قوات صلاح الدين وأخوه الملك العادل إلى المدن الساحلية عكا وبيروت وصيدا ويافا وقيسارية وعسقلان، وبعدما ضمن صلاح الدين طريق الساحل، ووصول أسطول مصر البحري قصد حماية الساحل من الإمدادات البحرية التي قد تصل من مناطق مجاورة، ومن ثم بدأ في حصار بيت المقدس، ولما أدرك أهل بيت المقدس أن معظم المعاقل الصليبية سقطت أرسلوا وفدا اجتمع به أمام عسقلان فعرض عليهم تسليم المدينة مقابل إعطائهم الأمان على أرواحهم ونسائهم وأطفالهم غير أن سكان المدينة رفضوا تسليمها عندئذ أقسم صلاح الدين أنه سوف ينالها بحد السيف عنوة[43].

   كان بداخل المدينة ما يبلغ 60 ألف مقاتل مابين فرسان ومشاة وأهالي، وقاموا بمقاومة الجيش الأيوبي وقتلوا أحد الأمراء، ووصل صلاح الدين إلى المدينة في 15 من رجب عام 583هـ/20 سبتمبر 1187م، وعسكر أمام أصوارها الشمالية، ثم طاف حول المدينة 5 أيام يبحث عن أضعف نقطة فيها حتى وصل إلى الجانب الشمالي نحو العمود وكنيسة صهيون، وبدأ بنصب المجانيق[44]، وعندما اشتد القتال على الصليبيين اجتمعوا وقرروا طلب الأمان واشترطوا احترام من في المدينة من الصليبيين والسماح لمن شاء مغادرتها، غير أن صلاح الدين رفض إلا بشروطه هو، وأن يسمح للصليبيين بمغادرة المدينة مقابل 10 دنانير عن الرجل و5 دنانير عن المرأة ودينارين عن الطفل، ومن يبقى فيها يقع في الأسر[45]، ودخل صلاح الدين المدينة يوم الجمعة 27 من رجب 2 أكتوبر، وصادف هذا التاريخ ذكرى الإسراء والمعراج، وبدأ بمحو آثار النصرانية، وأعاد المسجد الأقصى وقبة الصخرة إلى سابق عهدهم[46].

   تماسك الصليبيون في المناطق القريبة وحاصروا عكة واستطاعوا الدخول إليها بسبب عدم قدرة الحامية التي تركها صلاح الدين على المقاومة[47].

6- صلح الرملة:بعد تفكك ملوك أوروبا وعدم قدرة "ريتشارد قلب الأسد"[48] مباشرة القتال ثم توقيع صلح الرملة في 22 من شعبان 588هـ 2 سبتمبر 1192م، والذي نص على:

- يحوز الصليبيون المنطقة الساحلية من صور شمالا إلى حيفا جنوبا.

- تكون عسقلان بأيدي المسلمين.

- يتقاسم المسلمون والصليبيون الك والرملة.

- يحق للنصارى زيارة بيت المقدس بحرية.

- مدة المعاهدة 3 سنوات وثلاثة أشهر[49].

7- الدولة الأيوبية بعد وفاة صلاح الدين الأيوبي:

توفي صلاح الدين الأيوبي سنة 589هـ/1193م بعد أن قسم دولته بين أولاده وأخيه العادل، فجعل ابنه نور الدين علي الملقب بالأفضل على دمشق وأوصى له بالسلطنة من بعده، ومصر وما جاورها لابنه  العزيز عثمان وحلب وما جاورها لابنه الظاهر غازي غياث الدين، وترك الكرك والشوبك وبلاد جعبر والفرات وما جاورها لأخيه العادل، وحلب لابن أخيه محمد بن تقي الدين عمر، وحمص والرحبة لحفيد عمه شيركوه بن أسد الدين، واليمن لظهير الدين سيف الإسلام طغتكين بن أيوب أخ صلاح الدين، ولكنهم دخلوا في صراعات داخلية أنهكت دولتهم وقللت من دروهم في حسم الصراعات ضد الصليبيين[50]، وعلى الرغم من محاولة توحيد بلاد الشام ومصر التي قام بها الملك العادل واتخاذه من مصر مقرا لقيادته إلا أن النصارى جهزوا للحملة الصليبية الرابعة سنة 615هـ/1218م على مصر لمعرفتهم أن قوة الأيوبيين تكمن في مصر، وأثناء حصارهم لدمياط توفي السلطان العادل فخلفه ابنه الملك الكامل في حكم مصر، ونجحوا في صد الحملة الخامسة، وعلى الرغم من سقوط دمياط في أيديهم إلا أنهملم يحققوا تقدما بعدها، وقبولهم بالصلح[51].

  عادت النزاعات الداخلية والصراع على النفوذ والتوسع بين إخوة العادل، وأدى إلى ضعفهم وتراجع مراكز قوتهم؛ وهو الأمر الذي استغله الصليبيون وتوجهوا بحلمة خامسة إلى بيت المقدس ومحاصرتها، وانتهى الأمر بعقد اتفاق عرف باتفاق "يافا" سنة 626هـ/1228م مدة عشر سنوات بين الإمبراطور فريديرك الثاني والملك الكامل، وقد نص على تسليم مدينة القدس للفرنجة، وأن تبقى المقدسات الإسلامية بيد المسلمين، وهو ما أثار سخط العام وجميع المسلمين في العالم، وكانت هـذه الحادثة بداية انهيار الــدولة الأيـوبية[52]،

 فبعد وفاة الملك الكامل سنة 635هـ خلفه ابنه الملك الصالح نجم الدين أيوب بعد نزاع مع أخيه الأصغر، وتمكن من توحيد بلاد الشام ومصر بعد حروب طويلة على إخوته، ولأنه كان صاحب عزيمة قوية ومراس في الحروب، حملته همته على تحرير بيت المقدس من الصليبيين، وبعض المدن الساحلية[53].

أدى هذا الأمر إلى تجهيز الممالك الأوربية لحملة صليبية سابعة بقيادة لويس التاسع[54] ملكفرنسا سنة 647هـ/1249م، وتوفي الملك الصالح أيوب في أثناء حصار الصليبيين للمدن المصرية؛ فلم يكن أما زوجته  "شجر الدر"[55] إلا إخفاء أمر وفاته، وراحت تصدر الأوامر والرسائل باسمه، وأرسلت لابنه الملك توران شاه للدخول إلى مصر ومباشرة الحرب ضد الصليبيين.

ألحق توران شاه الهزيمة بالفرنسيين وأسر الملك لويس التاسع، وعقد اتفاقا يطلق بموجبه سراح الملك الفرنسي مقابل دفع 800 ألف قطعة ذهبية ويفك الصليبيون الحصار على دمياط، ويكون الصلح بينهم مدة 10 سنوات، غير أن الملك توران شاه قتل فجأة من مماليك أبيه وبتدبير من القصر، وبمقتله انتهت الدولة الأيوبية وقامت دولة المماليك سنة 648هـ/1250م[56].

 

المحاضرة 03: المماليك (648-923هـ/1250-1517م).

الأصل والنشأة: المماليك جمع "مملوك"، سميت في كتب التاريخ بالدولة المملوكية، ودولة المماليك أو سلطنة المماليك، وعرفت بهذا الاسم بنسبة إلى الأمراء الذين تربوا تربية عسكرية، وكانوا مملوكين وخدم لدى السلاطين والخلفاء، وكان ظهورهم الأول في عهد الدولة الأموية ، ثم تطورت طرق تربيتهم وتنظيماتهم في عصر المعتصم بالله العباسي[57]، وكانوا من العناصر التركية، ثم توسعت لتشمل بقية الأجناس والأعراق؛ فكان منهم الشراكسة والروم والأكراد، ومع تطور نظام النخاسة وتجارة الرقيق أصبح مصطلح       " المماليك" يطلق عند المسلمين على فئة من الرقيق الأبيض والأشقر ممن تربوا تربية صارمة، ودربوا على الانضباط والطاعة والولاء لأسيادهم[58].

    في العهد الزنكي استكثر نور الدين محمود الزنكي من شراء المماليك الأتراك، وفي العصر الأيوبي أطلق عليهم "المماليك الصالحية"، ومماليك أسد الدين شيركوه "المماليك الأسدية"، وهكذا كلما ظهر أمير متغلب تسمى المماليك باسمه (المماليك العادلية والأشرفية والكاملية)، وفي عهد نجم الدين أيوب المعروف بالملك الصالح (ت647هـ) اشترى من الأتراك أعدادا كبيرة لم يسبقه إليها أحد، وجعل منهم مماليك يشكلون غالبية جيوشه[59]، وهم من أسسوا عند انهيار الدولة الأيوبية ما عرف تاريخيا بالمماليك البحرية نسبة إلى سكناهم بجزيرة الروضة في بحر النيل، وقيل بل لأنهم جلبوا من مختلف البحار العالمية كالبحر الأسود وبحر قزوين وغيرها[60].

تربى المماليك تربية عسكرية صارمة، ولما حالفهم الحظ وجدوا أنفسهم في سدة الحكم بحكم خبرتهم العسكرية، وقربهم من الخلفاء والسلاطين فاغتنموا فرصة السطو على الحكم في فترات الضعف التي كانت تمر بها الدول القوية، وكانت بدايتهم مع سقوط الدولة الأيوبية سنة 648هـ/1250م، واستمر حكمهم إلى غاية سنة 923هـ حينما تمكن السلطان العثماني سليم الأول[61] من هزيمتهم في معركة الريدانية سنة 923هـ/1517م[62]، وقد فرق المؤرخون والباحثون بين المماليك بحسب مناطق انتشارهم وتاريخ ظهورهم إلى:

1-المماليك البحرية: (648-784هـ/1250-1382م)

   يعود ظهور المماليك البحرية إلى السلطان نجم الدين أيوب المؤسس الأول للمماليك البحرية، وسبب تسميتهم بالبحرية نسبة إلى اتخاذهم لموضع قريب من جزيرة الروضة في النيل[63]، ومعظم عناصر المماليك البحرية كانوا من الأتراك.

 وعند وفاة نجم الدين أيوب أخفت خبر وفاته زوجته التركية شجر الدر بسبب الأوضاع التي كانت تمر بها مصر وحصار الصليبين للمدن المصرية، فاضطرت للزواج من أحد أبرز قادتها من المماليك وهو عز الدين أيبك التركماني، وأن تتنازل له عن الحكم[64]، وقد شكل تركيبة جيوش المماليك البحرية ثلاثة فرق أساسية:

أ-المماليك السلطانية: ويعرفون بالجلبان أو الأجلاب، وهم الأعظم شأناً في الجيش، ومننهم معظم القادة والأمراء.

ب- جند الحلقة: هم من أولاد المماليك الذين احترفوا وظائف آبائهم ونشئوا عليها، وكانوا يعرفون عند المؤرخين بأولاد الناس، ولهم درجات ورتب مختلفة.

ج- مماليك الأمراء: منهم تتكون الوحدات الحربية، ولهم أسبقية في ترتيب المعمول به في نظم الجيوش المملوكية بحكم قربهم من المماليك السلطانية[65].

لم يختلط جند المماليك بعامة الناس، وحافظوا على عزلتهم ونظامهم الخاص، ولم يكن لهم أي اتصال بأهل المدن والأسواق والحياة المدنية عموما، وهو ما مكنهم من السيطرة على الأوضاع[66]، وقد روى المقريزي نصاً في غاية الأهمية عن طبيعة التربية العسكرية للمماليك بقوله: " إن أول المراحل في حياة المملوك هي أن يتعلم اللغة العربية قراءة وكتابة، ثم بعد ذلك يدفع إلى من يعلمه القرآن الكريم، ثم يبدأ في تعلم مبادئ الفقه الإسلامي وآداب الشريعة...ويراقب المملوك مراقبة شديدة من مؤدبيه ومعلميه"[67]، وعندما يصل سن البلوغ يتدخل معلمو الفروسية ومدربو القتال فيعلمونهم فنون الحرب والمبارزة وركوب الخيل، ومختلف الفنون القتالية، وهنا تبدأ مرحلة تميز اختصاصاتهم الحربية[68].

معركة عين جالوت: (25 رمضان 658هـ/3سبتمبر1260م).

بعد سقوط مدينة بغداد بيد المغول فيسنة 656هـ/1258م بقيادة القائد "هولاكو"اتجهت أنظار المغول إلى ما بقي من بلاد المسلمين في بلاد الشام، واستطاع القائد المغولي"كتبغا" فرض سيطرته على مدن فلسطين وما جاورهاعدا المدن التي كانت في يد الصليبيين، ثم اتجهت أنظاره إلى مصر؛ وهو ما تنبه له المماليك، فأعلن النفير العام، ودعى العلماء وعلى رأسهم العز بن عبد السلام إلى الجهاد وتحريض المسلمين في مصر وبلاد الشام على صد المغول، ورأى حاكم مصر السلطان المملوكي سيف الدين قطز أن تكون مواجهة المغول خارج مصر وبالتحديد في تخوم فلسطين، والتقى الجيشان في سهل عين جالوت (بين بيسان ونابلس)[69].

كان قطز قد خبأ كتيبة كبيرة من جيشه خلف التلال، وكانت المقدمة بقيادة الظاهر بيبرس، ومع بداية المعركة تفاجئ المغول بظهور جيش التلال الذي شردهم وأنهى شوكتهم، فلم يكن أمام "كتبغا" إلا الفرار بمن بقي معه من الجند، وكانت هذه المعركة هي الأولى التي يهزم فيها المغول؛ بل وعملت على انحسار وجودهم بحيث عاد قطز ودخل دمشق فاتحا[70].

أشهر سلاطين المماليك البحرية:

-المعز عز الدين أيبك.

- المنصور نور الدين علي بن أيبك.

- المظفر سيف الدين قطز.

- الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري.

- السعيد ناصر الدين أبو المعالي محمد بركة خان.

- العادل بدر الدين سلامش.

- الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون.

- الناصر محمد بن قلاوون[71].

   تعتبر فترة حكم هؤلاء السلاطين من أقوى مراحل حكم المماليك، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى التنظيمات السياسية والإدارية والعسكرية التي اتبعها سلاطينهم بالرغم من ظهور الصراعات الداخلية والمؤامرات الخارجية، ودليل ذلك انتصاراتهم على الصليبيين والمغول في أكثر من مواجهة، غير أنخلفاءهم من الأحفاد والذين بلغ عددهم (18) سلطاناً مملوكيا لم يكونوافي مستوى أجدادهم إلى غاية آخر سلطان مملوكي هو الصالح صلاحالدين حاجي (ت هـ/1412م)، وبوفاته بدأ حكم سلاطين المماليك البرجية أو الجراكسة[72].

2- المماليك البرجية:الشراكسة (784-923هـ/1382-1517م).

هم مؤسسو الدولة البرجية أو الشركسية، وأول سلاطينهم هو الظاهر برقوق، ويعود سبب تسميتهم بهذا الاسم إلى كونهم كانوا يسكنون أبراج قلعة الجبل، وقيل بل لانتسابهم لقبيلة "برج" الشركسية، والشركس هم سكان المرتفعات الجنوبية في بلاد القبجاق؛ وهي منطقة بين البحر الأسود وبحر قزوين[73].

حكم المماليك البرجية (25 سلطاناً)، وقد تخلل هذه الفترة ظهور أطفال صغار ورثوا ولاية العرش عن آبائهم، وتسمى هذه الفترة بفترة حكم الأوصياء وهي الفترات التي عرفت اضطرابات خطيرة في مصر وبلاد الشام، وشهد حكمهم تهديدات من المغول بقيادة تيمورلنك[74]، الذي استولى على حلب ودمشق، ثم تنازل عن حكمهما بسبب انشغاله بمحاربة العثمانيين وحماية بلاد ما وراء النهر[75].

فتح قبرص: ( 829هـ/1426م).

   كانت جزيرة قبرص في يد الصليبيين، والتي اتخذوا منها مكاناً بحرياً مهما لشن غاراتهم البحرية على السفن والمدن الإسلامية (القرصنة)، وفي أحد الأيام بلغ السلطان المملوكي"برسباي" إغارة الصليبيين القبارصة على سفن تابعة للمسلمين وأغرقوها فأمر بغزو قبرص وتأديب الصليبيين، وخرج جيش المماليك بقيادة "الأميرتغردي المحمودي" و"إينال الجكمي"، من ميناءالإسكندرية نحو قبرص، فأغاروا وغنموا[76]، ثم خرجت حملة أخرى كبيرةمن مدينة "رشيد" في 26 شعبان829هـ/1426م، وكان الجيش القبرصي بقيادة ملك قبرص "يانوس بن جاك بن بيدرو"، وفي شهر رمضان كان النصر حليف المسلمين، وتم أسر ملك قبرص "يانوس" والآلاف من الأسرى[77]، وعرفت هذه الفترة انتشار مرض الطاعون والمجاعة؛ وساءت أحوال الناس؛ وهو ما نعكس سلبا على أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية[78].

من أشهر سلاطين المماليك البرجية:

-الظاهر سيف الدين برقوق.

- الناصر فرج.

- المؤيد شيخ.

- سيف الدين برسباي.

- سيف الدين جقمق.

- الأشرف إينال.

- الظاهر خشقدم.

- الأشرف قايتباي.

- قانصوه الغوري[79].

ثم خلفهم (16) سلطاناً مملوكياً حكموا لمدة 09 أعوام تخللتها اضطرابات وصراعات داخلية وخارجية استغلها العثمانيون فهاجموا الشام ثم اتجهوا إلى مصر ودخلوها، وبوفاة السلطان "قانصوه الغوري" و"طوفان باي" حاكم مصر سقطت دولة المماليك البرجية على يد السلطان سليم الأول، وبدأت فترة الحكم العثماني[80].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]- بلدة من نواحي أران في آخر حدود أذربيجان، منها ملوك الشام بنو أيوب، ياقوت الحموي، معجم البلدان، دار صادر، بيروت، ط1، 1977م، ج2، ص 491.

[2]- ابن واصل جمال الدين محمد بن سالم، مفرج الكروب في أخبار بني أيوب، تحقيق جمال الدين الشيال، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1377هـ/1957م، ج1، ص 3.

[3]- المقريزي، الخطط، ج3، ص405.

[4]- الأتابك، عماد الدين زنكي الأتابك بن الحاجب قسيم الدولة آقسنقر بن عبد الله التركي، صاحب حلب، فوض إليه السلطان محمود بن ملكشاه مدينة بغداد، استولى على الموصل وحماه وحمص وبعلبك وبانياس، ومات مقتولا سنة 541هـ، وخلفه ابنه نور الدين محمود، الذهبي، المصدر السابق، ج10، ص ص 019-191.

[5]- نفسه، ص10.

[6]- محمد سهيل طقوش، تاريخ الأيوبيين في مصر وبلاد الشام وإقليم الجزيرة (569-661هـ/1174-1263م)، دار النفائس، بيروت، ط2، 2008م، ص9.

[7]-هو غياث الدين توران شاه بن نجم الدين أيوب أخو صلاح الدين، كان أسنا من صلاح الدين، ومع ذلك كان مطيعا للسطان لأخيه استعمله في توسعات في بلاد النوبة واليمن، وكان بطلا شجاعا، توفي بالإسكندرية سنة 576هـ، الذهبي، المصدر السابق، ج21، ص 53.

[8]- محمد سهيل طقوش، المرجع السابق، ص ص 25-45.

[9]- نفسه، ص ص 45-52.

[10]- محمد سهيل طقوش، المرجع السابق، ص 46

[11]- توران شاه ومعناها ملك الشرق، هو شمس الدولة توران شاه بن أيوب أخو السلطان صلاح الدين والأكبر منه سنا، توفي في الإسكندرية سنة 576هـ، وهو غير تورنشاه بن الصالح أيوب المقتول في مصر سنة 648هـ، الذهبي، المصدر السابق، ج21 ص ص 53-53.

[12]-  نفسه، ص 49

[13]- محمد سهيل طقوش، المرجع السابق، ص ص 83-88.

[14]-  محمود سعيد عمران،تاريخ الحروب الصليبية1095.1291م، دار المعرفة الجامعية مصر، ط1، 2000م، ص17.

[15]- نفسه، ص 14.

[16]-ابن القلانسي، أبو يعلى حمزة بن أسد التميمي، تاريخ دمشق، تحقيق سهيل زكار، دار حسان، دمشق، ط1، 1983م، ص ص 218-549.

[17]- العظيمي، أبو عبد الله محمد بن علي، تاريخ حلب، تحقيق إبراهيم زعرور، الناشر، دمشق، ط1، 1984م، ص ص 358-396.

[18]- ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسين الدمشقي، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق عمر بن غرامة العمروي، دار الفكر، بيروت، ط1، 1995م، ج57، ص ص 118-124.

[19]- من الغريب أننا نجد ترجمة لصلاح الدين في تاريخ دمشق، والصواب أنها مقحمة في كتابه لأن ابن عساكر توفي سنة 571هـ وفتح بيت المقدس سنة 583هـ ووفاة صلاح الدين سنة 589هـ !! ، ينظر ابن عساكر، نفسه، ج74، ص217.

[20]- ابن الأزرق الفارقي، أحمد بن يوسف بن علي، تاريخ الفارقي، تحقيق بدوي عبد اللطيف عوض، المطابع الأميرية، القاهرة،ط1، 1959م، ص 271، وينظر سهيل زكار، الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية ( الممصادر العربي، مؤرخو القرن 6هـ)، دار الفكر، بيروت،ط1،1995م، ج11، ص 5017.

[21]- أسامة بن منقذ، مؤيد الدولة أبو المظفرالكناني، الاعتبار، تحقيق فليب حتي، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة،ط1، 1930م، ص ص 14-164.

[22]- العماد الأصفهاني، أبو حامد بن محمد بن محمد، البستان الجامع لجميع تواريخ أهل الزمان، تحقيق عمر عبد السلام تدمري، المكتبة العصرية، بيروت،ط1، 2002م، ص ص 307-444.

[23]- ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تحقيق محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1995م، ج17، ص43.

[24]- ابن الجوزي، نفسه، ج18، ص ص 209-210.

[25]- ابن الجوزي، فضائل القدس، تحقيق جبرائيل سليمان جبور، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط2، 1980م، ص ص 125-128.

[26]-  العماد الأصفهاني، أبو عبد الله  محمد بن محمد، الفتح القسي في الفتح القدسي،  دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2012م، ص ص 53-66.

[27]- نفسه، البرق الشامي، مؤسسة عبد الحميد شومان، ط1، 1987م، ص ص  64-122.

[28]- ابن شداد، أبو المحاسن يوسف بن رافع بهاء الدين، النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية، تحقيق جمال الدين الشيال، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط2، 1994م، ص ص  30-366.

[29]- أبو شامة، شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي، كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، تعليق إبراهيم  شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2002م، ص ص 48-378.

[30]-  ابن الأثير، المصدر السابق، ج4 ص ص  1422-433.

[31]- ابن العديم، أبو القاسم كمال الدين عمر بن أحمد الحلبي، زبدة الحلب في تاريخ حلب، تخريج  خليل المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1996م، ص ص 225-425.

[32]- ينظرعن تفاصيل المصادر الأجنبية حسين رجا الشقيرات، مؤرخو الحروب الصليبية ومصادرهم (1096-1291م)، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد الأول، المجلد الثالث، يناير 2019م، الأردن.

[33]- موضع يقال له حطين بين طبرية وعكا، بينه وبين طبرية نحو فرسخين، وبالقرب منها قرية يقال لها خيارة، ياقوت الحموي، المصدر السابق، ج2، ص 274.

[34]- طبرية فتحت على يد شرحبيل سنة 13هـ صلحا، وهي بليدة مطلة على البحيرة المعروفة ببحيرة طبرية، بينها وبين دمشق ثلاثة أيام، وكذلك بينها وبين بيت القدس، ياقوت الحموي، نفسه، ج 4، ص 17.

[35]- قلعة حصينة جدا في طرف الشام من نواحي البلقاء في جبالها بين أيلة وبحر القلزم وبيت المقدس، وهي على جبل عال تحيط به أودية. ياقوت، نفسه، ص453.

[36]- أصله من فرنسا، انتقل إلى المشرق وتدرج في خدمة الملوك والأمراء حتى تمكن من حكم قلعة الكرك والشوبك، واشتهر بعدائه للمسلمين والإغارة عليهم، وصفه معاصره المؤرخ وليم الصوري بالشجاعة والفروسية، وقدم له ترجمة وافية، غير أنه توفي قبله بـ3 سنوات، أي قبل فتح بيت المقدس، وكانت نهاية أرناط على يد صلاح الدين بعدما وقع في الأسر، تنظر ترجمته وأبرز معاركه وتحركاته william of tyre, A History of Deeds Done Beyond Sea, volume one, translated and Annotated by Emily Atwater Babcock, Colombia University Press, New York, 1943, p p 499-509.

[37]- العماد الأصفهاني، الفتح القسي، المصدر السابق، ص 42.

[38]- هو أبو الحسن علي بن يوسف بن نجم الدين أيوب، عهد له والده بالسطان بعده، وجعله على دمشق ثم حاربه أخوه العزيز، ولما مات أخوه دخل مصر وتملكها، وحاصر دمشق، غير أنه مات فجأة بسميساط سنة 622هـ، الذهبي، المصدر السابق، ج21، ص ص295-296.

[39]- العماد الأصفهاني، المصدر السابق، ص 43.

[40]- هوالكونت ريموند الثالث بن ريموند الثاني، خلف أباه على كونتية مدينة طرابلس، وإمارة الجليل وطبرية، تولى حكمها بين سنتي(1152-1187م)، كان وصيا على عرش بيت المقدس بعد وفاة بلدوين الرابع، ووقع أسيرا في عهد نور الدين سنة 559هـ، ومكث في الأسر 11 عاما، وعاد بعدها لحكم طرابلس، وعقد علاقات دبلوماسية وعسكرية مع صلاح الدين الأيوبي حتى يتمكن من مواجهة خصومه، ثم انقلب عليه وشارك مع الصليبيين في معركة حطين، ومات بعدها مريضا، ينظر عن حياته وأخبار طرابلس في عهده، وليم الصوري، الحروب الصليبية، ترجمة حسن حبشي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، ط1، 1995م، ج4، ص ص 253-271، ونهى فتحي الجوهري، إمارة طرابلس الصليبية في ق13م/7هـ، دار العالم العربي، القاهرة،ط1، 2008م، ص ص 53-55.

[41]- هو غي دي لوزينيان من أصول فرنسية، وواحد من فرسان الصليب تزوج من الأميرة سيبيلا أخت الملك بلدوين الرابع، وبعد وفاة صهره فأصبح ملكا لمملكة بيت المقدس بمباركة البابا والكنيسة، شارك في معركة حطين، وأسر بعد هزيمته أمام صلاح الدين، افتدى نفسه فأطلق سراحه، ينظر عن حياته ستيفن رانسيمان، تاريخ الحملات الصليبية، مملكة القدس، ترجمة نور الدين خليل، (د ط)، ج2، ص ص 490-518.

[42]- ابن الأثير، المصدر السابق، ج10، ص 148.

[43]- نفسه، ص 155.

[44]- ابن الأثير، المصدر السابق، ص 155.

[45]- أبو شامة، المصدر السابق، ص ص 135-136.

[46]- نفسه، ص 135.

[47]- نفسه، 163.

[48]- هو ريتشارد الأول ملك انجلترا، وسماه المسلمون ملك إنلكتار، كان محاربا وقائدا عسكريا محنكا، ومن كبار الأثرياء؛ ولذلك لقبوه بقلب الأسد، حكم بين (1157-1199م)، ينظر عن حياته ودوره في الحروب الصليبية، ابن الأثير، نفسه، ص 218، و George Henry N, Richard Cerur de Lion in literature,  Leipzig, Gustav Fock, 1890, p p 59-75.

[49]-ابن الأثير، المصدر السابق، ص 218.

[50]- نفسه، ص ص 226-234.

[51]- نفسه، ص 393، ومحمد سهيل طقوش، المرجع السابق، ص  ص 303-

[52]-ابن الأثير، المصدر السابق، ص481، ومحمد سهيل طقوش، المصدر السابق، ص ص 346-348.

[53]- قاسم عبده قاسم وعلي السيد علي، الأيوبيون والمماليك، التاريخ السياسي والعسكري، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، ط1، 1995م، ص 100، وينظر سبط ابن الجوزي، أبو المظفر شمس الدين يوسف، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، تحقيق إبراهيم الزيبق، الرسالة العالمية، سوريا، ط1، 2013م، ج21، ص ص  412-418.

[54]- هو الملك لويس التاسع ابن لويس الثامن، تاسع ملوك فرنسا، حكم بين عامي (1226-1270م)، ولقب بلويس القديس، وكان على رأس الحملة الصليبية السابعة على مصر، والتي انتهت بأسره، وبعد إطلاق سراحه أمضى سنوات في بيت المقدس، توفي في تونس أثناء حملته عليها سنة 1270م، ينظر عن حياته ومشاركاته في الحروب الصليبية سامية عامر، الصليبيون في شمال إفريقيا، حملة لويس التاسع على تونس، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، ط1، 2002م، 70-77.

[55]- وتعرف بعصمة الدين أم خليل الصالحية، قيل إنها من أصول خوارزمية وقيل إنها من الترك، كانت جارية لدى الملك الصالح نجم الدين أيوب، ثم تزوجها وكان له منها ولدهالخليل، ذات حسن وظرف ودهاء وعقل، وعندما توفي الصالح دافع مماليكه عنها، ماتت مقتولة بالقباقيب سنة 655هـ، بيبرس المنصوري، مختار الأخبار تاريخ الدولة الأيوبية ودولة المماليك البحرية حتى سنة 702هـ، تحقيق عبد الحميد صالح حمدان، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ط1، 1993م، ص ص 8-9، والذهبي، المصدر السابق، ج23، ص ص 198-199.

[56]- محمد سهيل طقوش، المرجع السابق، ص 390.

[57]- إيناس حسني البهجي، دولة المماليك البداية والنهاية، دار التعليم الجامعي، الإسكندرية، ط1، 2015م، ص 31.

[58]- قاسم عبده قاسم، عصر سلاطين المماليك، دار الشروق، ط1، 1994م، ص 17.

[59]- السيد الباز العريني، المماليك، دار النهضة العربية، بيروت، ط1، 1967م، ص ص 55-56.  

[60]- نفسه، ص 56.

[61]- هو السلطان سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح الغازي، اشتهر بلقب القاطع، وهو تاسع سلاطين الدولة العثمانية، وأول من تلقب بأمير المؤمنين، تولى سنة 915هـ، وفي عهده عرفت الدولة العثمانية توسعات كبيرة، توفي سنة 924هـ وخلفه ابن سليمان القانوني. ينظر عن حياته ياوز بهادر أوغلو، السلطان سليم ياوز، ترجمة مصطفى حمزة ومحمد قفص، مؤسسة المعارف، بيروت، ط1، 2017م، ص ص 33-51.

[62]- وقعة هذه المعركة بقرية الردانية في المنطقة الصحراوية بالقرب من القاهرة، ينظر عن تفاصيل هذه المعركة ابن إياس الحنفي الذي عاصر هذه الأحداث، بدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق محمد مصطفى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط1، 1989م، ج5، ص ص 123-133.

[63]- السيد الباز العريني، المرجع السابق، ص 56.

[64]- خالد علي عبد القادر، المماليك البحرية في مصر، دراسة مجتمعية تاريخية، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 2014م، ص 49.

[65]-السيد الباز العريني، نفسه، ص 54.

[66]-قاسم عبده قاسم، المرجع السابق، ص 18.

[67]- المقريزي، الخطط، المصدر السابق، ج3، ص 346.

[68]- علي إبراهيم حسن، تاريخ الممالك البحرية،مكتبة النهضة المصرية، مصر، ط1، 1944م، ص 36.

[69]- بليدة من أعمال فلسطين، كان الناصر صلاح الدين الأيوبي قد استنقذها من الروم سنة 579هـ، وتسمى اليوم عين حرود بالقرب من الضفة الغربية، ينظر عن تاريخها في هذه الفترة ياقوت الحموي، المصدر السابق، ج4، ص177.

[70]- المقريزي، السلوك لمعرفة دول الملوك، تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1997م، ج1، ص ص 516-517.

[71]- تنظر أسماء وتواريخ هؤلاء المماليك عند المقريزي، المصدر السابق، ج2، ص ص 136-251، والسيد الباز العريني، المرجع السابق، ص ص 267-268.

[72]-نفسه، ص ص 64-71.

[73]- شفيق توفيق إسماعيل، المماليك الشراكسة، دار رسلان، دمشق، ط1، 2009م، ص ص 59-68.

[74]- هو تيمور طرغاي بركل، الشهير بتيمورلنك، ومعناها الحديد الأعرج أو الأعوج، والظاهر أنه كان يعاني من عرج في ساقه بسبب إصابته بسهم في صغره، من أحفاد جنكيز خان من أمه، غير أنه من المغول الذين اعتنقوا الإسلام في الفترة التي أعقبت سقوط مدينة بغداد، تولى الحكم سنة 771هـ، وكان طاغية سفاكا للدماء، استطاع تأسيس إمبراطورية عظيمة في آسيا من العراق إلى تخوم الهند، ودخل في حروب طويلة مع العثمانيين، لقيه ابن خلدون عندما عين سفيرا لمصر في العصر المملوكي فاحتفى به وأكرمه، وتوفي تيمورلنك سنة807هـ/ 1227م، ينظر عن حياته وغزواته جاسن مروذي، تيمورلنك قاهر الملوك والسلاطيسن وغازي العالم، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 2011م، ص ص 1-26-54.

[75]- محمد سهيل طقوش، تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشام، دار النفائس، بيروت،ط1، 1997م، ص ص 423-433.

[76]- محمود شاكر، المسلمون في قبرص، منشورات العصر الحديث، دار النفائس، بيروت،1974م، ص ص 22-23.

[77]-محمود شاكر، المرجع السابق، ص 23.

[78]- محمد سهيل طقوش، المصدر السابق، ص459.

[79]- السيد الباز العريني، المرجع السابق، ص ص 267-268.

[80]- محمد سهيل طقوش، نفسه، ص 596.


محاضرات مقياس: المشرق الإسلامي ما بين القرنين (8-15م).- الخلافة الفاطمية في مصر/السداسي السادس.

جامعة ابن خلدون

كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية.

قسم التاريخ.

المستوى الدراسي: السنة الثالثة تاريخ.

السداسي: 06.

المعامل: 02.

الحجم الساعي: 1سا ونصف.

أ.حاكمي حبيب.

أهداف المقياس: يتعرف الطالب من خلال دراسته لهذه المادة في السداسي السادس على تاريخ منطقة المشرق الإسلامي في ظل ظهور الدولة الفاطمية على مسرح الأحداث، والتعرف على أوضاع أقاليمها من النواحي السياسية والاقتصادية والمذهبية وتأثير ذلك على بنيتها الاجتماعية.

المحور الأول: الخلافة الفاطمية في المشرق الإسلامي.

المحاضرة 01: التشيع. مفاهيم وتعاريف.

المحاضرة 02: التشيع من الفكرة إلى الدعوة ثم الدولة.

المحاضرة 03: انتقال الدولة الفاطمية إلى المشرق (مراحل الاستقرار والتوسع).

المحور الثاني: المجتمع المشرقي في عهد الفاطمي.

المحاضرة 01: التركيبة البشرية والعنصرية للمجتمع..

المحاضرة 02: واقع المرأة ودورها في المجتمع الفاطمي بالمشرق..

المحاضرة 03: الأعياد والاحتفالات داخل المجتمع الفاطمي بالمشرق.

المحور الثالث: الأزمات السياسية والاقتصادية والصراعات المذهبية في عهد الدولة الفاطمية.

المحاضرة 01: الأزمات السياسية.

المحاضرة 02: الأزمات الاقتصادية.

المحاضرة 03: الصراعات المذهبية.

المحور الرابع: سقوط الدولة الفاطمية وظهور الدول السلطانية ( الأيوبيون والمماليك)

المحاضرة 01: سقوط الدولة الفاطمية(الأسباب والنتائج).

المحاضرة 02: الأيوبيون.

المحاضرة 03: المماليك.

المحاضرة 01: التشيع.

هدف المحاضرة: اطلاع الطلبة على مفهوم المذهب الشيعي من حيث التسمية وتاريخ الظهور، وفهم الأركان التي استندت عليها الدولة الفاطمية في قيامها، ذكرت مختلف المصادر التاريخية أن الانقسامات الفعلية بين المسلمين حدثت بعد فتنة مقتل الخليفة عثمان بن عفان، وكان لهذه الحادثة أثر بالغ في تعدد الآراء ونشوب الصراعات الداخلية التي نتج عنها ظهور الفرق والطوائف السياسية والعقدية، انقسم المسلمون الى فرق وجماعات منها الشيعة فمن هم الشيعة ومتى ظهروا وما هي أهم عقائدهم؟

1- الشيعة : القوم الذين يجتمعون على الأمر، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة، وكل قوم أمرهم واحد ، يتبع بعضهم رأي بعض ، فهم شِيَع ...

والشيعة : أتباع الرجل وأنصاره ، وجمعها شِيَع. وأشياع جمع الجمع.

ويقال شايعه ، كما يقال والاهُ ، من الوَلْيِ.

ومنه قوله تعالى }: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيم } : أي من شيعة نوح.

وأصل الشيعة : الفرقة من الناس[1].

   تعددت مسميات هذه الفرقة بين المصادر وتفرعت طوائفهم وتشعبت معتقداتهم، وقد فصل صاحب كتاب "الفرق بين الفرق" في أسمائهم وفرقهم ومعتقداتهم وأشهر أئمتهم، وهو ما يطول بيانها هنا[2]، وأما الشهرستاني فعرفهم: "الشيعة هم الذين شايعوا علياً  رضي الله عنه على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصية، إما جلياً، وإما خفياً، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده. وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين لا يجوز للرسل عليهم السلام إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة وإرساله"[3].

   ويرى ابن خلدون أن " أن الشيعة لغة هم الصحب و الأتباع و يطلق في عرف الفقهاء       و المتكلمين من الخلف و السلف على أتباع علي و بنيه رضي الله عنهم و مذهبهم جميعاً متفقين عليه أن الإمامة ليست من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة و يتعين القائم بها بتعيينهم بل هي ركن الدين و قاعدة الإسلام و لا يجوز لنبي إغفاله و لا تفويضه إلى الأمة بل يجب عليه تعيين الإمام لهم و يكون معصوماً من الكبائر و الصغائر و أن علياً رضي الله عنه هو الذي عينه صلوات الله و سلامه عليه بنصوص ينقلونها و يؤولونها على مقتضى مذهبهم لا يعرفها جهابذة السنة ولا نقله الشريعة بل أكثرها موضوع أو مطعون في طريقه أو بعيد عن تأويلاتهم الفاسدة[4].

2- بداية ظهور التشيع:

    اختلف المؤرِّخون والباحثون في تحديد تاريخ بداية ظهور التشيّع والشيعة، ويعود اختلاف الآراء وتعدّدها في هذه المسألة إلى أسباب عدَّة أبرزها: تعدّد الدلالات اللفظية لكلمة  "شيعة"، إذ خلط بعض الباحثين بين الدلالة اللغويّة والدلالة التاريخيّة أو الدلالة الاصطلاحيّة للكلمة، فالشيعة لغةً تعني القوم والأتباع والأنصار والحزب، وفي معناها الإصلاحي فهي للدلالة على أتباع علي بن أبي طالب وأنصاره بما روي من كلامه: "شيعتي"، وتباينت الأفكار السياسية لهذه الفرقة بعد موقعتي صفين سنة 37هـ بين علي بن أبي طالب وشيعته ومعاوية بن أبي سفيان، وموقعة النهروان سنة 38هـ بين علي والخوارج، وازداد تعصب أنصار علي بن أبي طالب بعد مقتلة سنة 40هـ/660م، وفي العهدين الأموي والعباسي تطور الفكر الشيعي من التوجه السياسي إلى التوجه العقدي وبخاصة بعد مقتل الحسين بن علي سنة61هـ/680م في العهد الأموي[5].

وإذا كان كتّاب الشيعة يردّون التشيّع إلى عهد الرسول(صلى الله عليه وسلم) أو بعد وفاته مباشرةً، فإنّهم لا ينكرون ما لمقتل الإمام الحسين من أثرٍ كبيرٍ في تطوير عقائدهم وتمايزها عن عقائد الإسلام السنيّ، فالتشيّع قبل مقتل الإمام الحسين كان مجرّد رأيٍ سياسيّ لم يصل إلى قلوب الشيعة، فلمّا قُتل امتزج التشيّع بدمائهم وتغلغل في أعماق قلوبهم وأصبح عقيدة راسخة في نفوسهم مقترنةً بأحقيّة آل البيت في تولي منصب الإمامة، وظهرت أصول ومعتقدات جديدة منها: العلم اللدنيّ والبداء والرجعة والمهدي المنتظر المرتبطة بنظريّة الإمامة[6].

 3- أئمة الشيعة:

   افترقت الشيعة إلى عدة فرق وطوائف، ومن أبرزها: الكيسانية والزيدية والإسماعيلية وغلاة الروافض وغيرهم، وقد وقع بينها اختلاف كبير في ذكر أئتهم وأسمائهم وعددهم وعصمتهم من عدمها، وتعتبر الشيعة الإثنى عشرية أو الإمامية أو الجعفرية الطائفة الأكثر بروزا في التاريخ[7]، وما أطلق لفظ الشيعة من دون تخصيص فإن المقصود به الشيعة الإثنى عشرية، وهي الطائفة الكبرى من حديث عدد الأتباع من بين الطوائف الشيعية الأخرى، تمييزا لهم عن الزيدية والإسماعيلية[8]، ولاعتقادهم بأنَّ النبي محمد قد نصَّ على اثني عشر إماماً خلفاءَ من بعده، فكانت عقيدة الإمامة هي الفارق الرئيس بينها وبين بقية الطوائف الإسلامية.

وهذه قائمة بأسماء الأئمة الإثنى عشر:

1-  علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، استشهد سنة 40 هـ
2-الحسن بن علي رضي الله عنه (3-5هـ)
3-  الحسين بن علي رضي الله عنه(4-61هـ)
4-علي زين العابدين بن الحسين(38-95هـ) ويلقبونه بالسجاد .
5-  محمد بن علي زين العابدين(57-114هـ) ويلقبونه بالباقر .
6- جعفر بن محمد الباقر (83-148هـ) ويلقبونه بالصادق .
7- موسى بن جعفر الصادق(128-183هـ) ويلقبونه بالكاظم .
8- علي بن موسى الكاظم(148-203هـ) ويلقبونه بالرضا .
9-  محمد الجواد بن علي الرضا 195- 220 هـ  ويلقبونه بالتقي .
10-علي الهادي بن محمد الجواد 212- 254 هـ  ويلقبونه بالنقي.
11-الحسن العسكري بن علي الهادي 232- 260 هـ  ويلقبونه بالزكي.
12- محمد المهدي بن الحسن العسكري ، ويلقبونه بالحجة القائم المنتظر .
ويزعمون أنه دخل سردابا في سامراء . وأكثر الباحثين على أنه غير موجود أصلا ، وأنه من اختراعات الشيعة[9].

4-أهم عقائد الشيعة وأصولهم:

1-  الإمامة: يرون أن إمامة الاثني عشر، ركن الإسلام الأعظم، وهي عندهم منصب إلهي كالنبوة، والإمام عندهم يوحى إليه، ويؤيد بالمعجزات، وهو معصوم عصمة مطلقة

2- الطعن في الصحابة - رضي الله عنهم: يزعم الشيعة أن الصحابة - رضي الله عنهم - ارتدوا عن الإسلام إلا ثلاثة أو أربعة أو سبعة، علَى اختلاف أساطيرهم.

3- محاولتهم النَيْل من كتاب الله -عز وجل-:  لَمّا كانت نصوص القرآن لا ذِكْر فيها الأئمة الاثني عشر، كما أنها تُثْنِي علَى الصحابة - رضي الله عنهم - وتُعْلي من شأنهم، تحيّر الشيعة فقالوا لإقناع أتباعهم: إن آيات الإمامة وسب الصحابة قد أسقِطَتْ من القرآن[10].

وبعض الشيعة قالوا بأن جبريل - عليه السلام - قد أخطأ في الرسالة فنزل علَى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، بدلًا من أن ينزل علَى عَلِيٍّ - رضي الله عنه -؛ لأن عليًّا يشبه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما يشبه الغرابُ الغرابَ؛ ولذلك سموا بالغرابية[11] .

4- عقيدة التقية عند الشيعة: التقية عند الشيعة هي التظاهر بعكس الحقيقة، وهي تبيح للشيعي خداع غيره فبناء علَى هذه التقية ينكر الشيعي ظاهرًا ما يعتقده باطنًا، وتبيح له أن يتظاهر باعتقاد ما ينكره باطنًا، ولذلك تجد الشيعة ينكرون كثيرًا من معتقداتهم أمام أهل السنة مثل القول بتحريف القرآن، وسب الصحابة، وتكفير وقذف المسلمين، إلى غير ذلك من المعتقدات[12] .

المحاضرة 02:  انتقال الخلافة الفاطمية إلى المشرق:

أ-الخلافة الفاطمية بالمغرب (297-358هـ/ 909-969م)

   يعود تأسيس الدولة الفاطمية في بلاد المغرب إلى فرقة الإسماعيلية إحدى فرق الشيعة نسبة إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق (ت143هـ)[13]، وقد سموا بالفاطميين نسبة إلى قولهم بالانتساب إلى فاطمة الزهراء بنت الرسول عليه السلام، وعلى الرغم من صحة هذا النسب من عدمه واختلاف المؤرخين بين مؤيد (ابن الأثير المقريزي ابن خلدون)، ومنكر لذلك (ابن خلكان- القلقشندي- ابن حزم- الذهبي- السيوطي إلا أن ما يهنا هو عوامل ظهور هذه الدولة وتداعياتها، ويرجع الفضل في نجاح الدعوة الإسماعيلية في بلاد المغرب إلى الداعية " أبو عبد الله الشيعي"  [14]الذي يعتبر المؤسس الحقيقي للدولة الفاطمية، غير أنه سبقه دعاة آخرون مهدوا لظهور دعوتهم، بحيث أن الإمام جعفر الصادق ث148هـ كان قد أوفد داعيين أحدهما يعرف بالحلواني والآخر بأبي سفيان[15] إلى بلاد المغرب وقال لهما: "إن المغرب أرض بور فاذهبا فاحرثا حتى يجيئ صاحب البذر" [16]، فذهبا وأخذا يدعوان الناس لطاعة آل البيت حتى استمالا الكثير من قبيلة " كتامة البربرية"، وظلا هناك إلى أن ماتا، وبعدها أرسل ابن حوشب[17] أبا عبد الله الشيعي وكلفه بالقيام بالدعوة للمذهب الإسماعيلي، فتمكن بعد لقائه بالحجاج الكتاميين في مكة الذين مهدوا له الطريق لدخول بلاد المغرب.[18]

كانت إفريقية في هذه الفترة في يد الأغالبة (184-296-هـ)، ولذلك انتقل أبو عبيد الله الشيعي من مرحلة الدعوة إلى مرحلة العمل المسلح، فكوّن جيشا عظيما من الكتاميين وسقطت بيده عدد من المدن منها ميلة وسطيف وغيرها[19]، وعلى الرغم من محاولات الأغالبة الوقوف في وجه المد الكتامي إلا أنهم لم يتمكنوا وسقطت عاصمتهم " القيروان" سنة 296هـ وبدأ حكم الفاطميين.

   كان الإمام الفاطمي عبيد الله المهدي مختفيا مع ابنه أبي القاسم عن العباسيين في بلدة "سلمية" [20] إلى أن أتاه وفد كتامة يخبرونه بالانتقال إلى بلاد المغرب التي أصبحت بأيديهم، ولأن ظروف انتقاله لم تكن ميسورة رغم تخفيه في هيئة التجار لجأ إلى سجلماسة[21] للتخفي عن أعين الأغالبة، ولكنهم عرفوا حاله وبإيعاز منهم تم سجنه هناك، وبعدما تمكن أبو عبد الله الشيعي من الانتصار على الأغالبة اتجه في جيوش كبيرة غربا فأنهى حكم الرستميين في تاهرت سنة 296هـ/908م، ثم اتجه إلى سجلماسة وقضى على من كان فيها وأفرج عن عبيد الله من سجنه وأعلنه إماما للفاطميين وتلقب بالمهدي ودون الدواوين وجبى الأموال[22]، وقد اتخذ من رقادة عاصمة مؤقتة لدولته، وبعدما تخلص من أبي عبد الله الشيعي بسبب أطماعه قام بإنشاء عاصمته الجديدة " المهدية"  سنة 300 هـ/1012م[23]، ثم توجهت أنظار المهدي إلى بلاد المشرق ومصر تحديدا لمكانتها السياسية وثرواتها فكانت أول حملة جهزها لغزو مصر سنة301هـ، ولم تحقق شيئا، ثم تلتها حملة سنة 306هـ، ولم تمكن الفاطميين من مصر بسبب قوة الجيوش العباسية بقيادة مؤنس الخادم[24]، وخلال هذه الفترة تعاقب على حكم الفاطميين ببلاد المغرب أربعة خلفاء هم:

1- المهدي عبيد الله أبو محمد(  297-322هـ(.

2- القائم بأمر الله محمد أبو القاسم بن المهدي( 322-334هـ. (

3- المنصور إسماعيل أبو طاهر( 334-341هـ(.

4- المعز لدين الله أبو تميم (341-362هـ(.

دخول الفاطميين مصر:

بعد اسـتقرار المعـز لدين الله الفاطمي في مصر، تمّ إحكـام نظام إداري للدولة يمكن وصفه بالعلمية لرقيه ودقته، كما أحكم نظام الدعوة، ويعدُّ يعقوب بن كلـس[25] 380هـ) وزير العزيز بالله365-386هـ أهم بناة النظام الإداري والدَعَوي للدولة الفاطمية، واستطاع هذا النظام أن يبقي الدولة الفاطمية حيَّة مدة تفوق القرنين، على الرغم من أن الخلفاء الذين تعاقبوا على عرش القاهرة لم يتسموا بالمقدرة والكفاءة السياسية والإدارية التي اتسم بها من سبقهم من الخلفاء[26].

حينما تمكن الفاطميون من إحكام السيطرة على مصر، بدا تحدي الإسماعيلية للنظام العباسي والفكر السني أكثر قرباً وأشد خطراً، وصار للفاطميين دولة واسعة الأرجاء، شملت وهي في ذروة قوتها: مصر وسورية وشمالي إفريقيا وصقلية والحجاز واليمن بما في ذلك المدينتان المقدستان مكة والمدينة[27]، وسيطر الفاطميون على جيش من الدعاة، وعلى ولاء عدد لا يحصى من الأتباع في الأراضي التي كانت خاضعة للحكم العباسي فعلياً أو اسمياً.

كانت ردت أفعال الخلافة العباسية تجاه قيام الدولة الفاطمية محتشمة، إذ لم تتعَدَّ بعض إجراءات أمن ضد الدعاة، وحرباً دعائية ضد السلالة الفاطمية التي اتهمت في مقال نشر في بغداد سنة 402هـ1011/م[28]، ومع الأيام بدأت جذوة الحركة الفاطمية تخبو، وأخذ الإسلام السني يسترد نشاطه وكانت أهم أسباب إخفاق الدعوة الفاطمية ما عانته من تمزق داخلي وظهور الأتراك على مسرح الأحداث وإقامتهم للدولة السلجوقية[29].

من أهم الأحداث التي واجهت الدولة الفاطمية، انفصال شمالي إفريقيا عن جسم الدولة، ففي عهد الأمير الزيري المعز بن باديس[30] ( (407-454تم الانفصال عن الفاطميين رسمياً، وعندما لم تستطع الخلافة الفاطمية إيقاف حركة الانفصال هذه، شجعت عدداً من القبائل العربية التي كانت قد هاجرت إلى مصر وعلى رأسها قبائل سليم وهلال[31]، على عبور النيل والاتجاه غرباً بعد أن كانوا يمنعونهم منه، ومنحوا كل عابر منهم ديناراً مع أشياء أخرى كفروة أو بعير، واجتاز هؤلاء مصر إلى الغرب موجة إثر موجة، وأقامت سليم في برقة وانتشر بنو هلال في ولاية إفريقية، ولكن هذه الهجرة لم تحقق عودة إفريقية للحكم الفاطمي، وإن كانت قد حققت بعض التغيير، فقد أشاعت الفوضى وانعدام الأمن من جهة، ولكنها من جهة أخرى صبغت شمالي إفريقيا بالصبغة العربية نهائياً[32].

من أهم المشكلات الداخلية التي تعرض لها الفاطميون، كانت تلك المتعلقة بالدعوة، ثم بعض الأزمات الاقتصادية، وأخيراً استيلاء الجند على مقاليد الأمور، فمنذ بداية قيام الخلافة الفاطمية كان هناك خلافات داخل الحركة الإسماعيلية بين فئات يمكن تسميتها بالمتطرفة، وأخرى يمكن دعوتها بالمحافظة، وكان على الخلفاء أن يواجهوا بين الحين والآخر انشقاقاً في الحركة وحتى مقاومة مسلحة، ولعلَّ أهم حركات الانشقاق كانت تلك التي بدأت زمن الحاكم بأمر الله الخليفة السادس، ولاسيما بعد اختفائه سنة 411هـ/1021م في ظروف غامضة، فاعتقد جماعة من الإسماعيلية بأن الحاكم كان ذا صفات إلهية وأنه لم يمت، بل ذهب إلى الستر والغيبة، ولذلك رفضوا الاعتراف بخليفة على العرش الفاطمي، وانفصموا عن الجسم العام للفرقة، ونالوا بعض النجاح وخاصة في بلاد الشام، وعرفوا باسم الدروز، وما تزال فئات كبيرة منهم تعيش في بلاد الشام[33].

في عصر الخليفة المسـتنصر بالله427-487هـ، وصلت الخلافة الفـاطمية إلى ذروتها ثم هوت بـسرعة كبيـرة، وجرى في أيامه ما لم يجر في أيام أحد من أهل بيته، فخطب البساسيري[34] في بغـداد باسـمه مدة سنة، وخطب علي بن محمد الصليحي في بلاد اليمن باسمه ولكن الخطبة قطعت باسمه في إفريقية سنة 443هـ، وقطع اسمه من الحرمين سنة 449هـ، وذكر اسم الخليفة العباسي القائم بأمر الله422-467هـ[35]، وفي سنة 446هـ نكبت مصر بالوباء والقحط وكان وقعهما شديداً فيها فعمت الفوضى والمجاعة وعاد الوباء أشد ما يكون في سنة 456هـ ، والذي استمر حتى سنة 464هـ1071م مقترناً بالفتن والحروب، وامتدت يد السلاجقة إلى الشام حتى كادت تخرج من أيدي الفاطميين، فاستدعى المستنصر بالله بدر الجمالي إلى مصر من عكا سنة 466هـ/1073م، ليكون القائم بتدبير الدولة وإصلاح الأمور[36].

أبحر بدر في حرسه الخاص من الأرمن وفي جنده المخلصين من عكا قاصداً مصر، وقضى على الأمراء الذين أثاروا الفتن، وأعاد الهدوء إلى العاصمة، واستمر يتتبع المفسدين في كل جهة من جهات مصر حتى استتبت الأمور وسكنت الفتن وفرض النظام والهدوء، ونصب المستنصر بالله بدراً أميراً للجيوش ولُقب بكافل قضاة المؤمنين (قاضي القضاة) و(هادي دعاة المؤمنين (داعي الدعاة وعيَّن وزيراً للسيف لا يتقدمه أحد، وفوَّض إليه جميع سلطاته فأصبح بدر الجمالي صاحب الحل والعقد، له أن يولي كبار موظفي الدولة ويعزلهم، وهكذا أصبحت الوزارة في أواخر عهد المستنصر بالله حتى نهاية العصر الفاطمي وزارة تفويض بعد أن كانت وزارة تنفيذ في الفترة ما بين 358-465هـ.[37]

ضعف نفوذ الخلفاء الفاطميين كثيراً بعد وفاة المستنصر، بينما زادت سلطة الوزراء الذين استفحلت قوتهم وتضخمت ثروتهم وأصبح في أيديهم أمر تعيين الخلفاء وعزلهم، وكان بعضهم يؤثر اختيار أحد أمراء البيت الفاطمي الضعاف حتى يكون ألعوبة في أيديهم، وتجلت هذه الظاهرة في عهد الوزير الأفضل بن بدر الجمالي أمير الجيوش فعندما عزم المستنصر بالله على أخذ البيعة لابنه الأكبر نزار، ماطل الأفضل في مبايعته لأنه كان يميل إلى أبي القاسم أحمد بن المستنصر من زوجته أخت الأفضل، فلما مات المستنصر بالله، اجتمع الأفضل بالأمراء والخواص وخوَّفهم من نزار وأشار عليهم بمبايعة أخيه الأصغر أحمد، وكان حديث السن، فبايعوه، وأجلسه الأفضل على مقعد الخلافة سنة487هـ/1094م، ولقّبه المستعلي بالله، فهرب نزار إلى الإسكندرية وثار هناك فلاحقته قوات الأفضل أمير الجيوش وقضت عليه وعلى ثورته، وأدّى اختيار المستعلي إلى انشقاق الدعوة الإسماعيلية إلى قسمين، فقد رفض الإسماعيلية في المشرق الاعتراف بالخليـفة الجديـد وفي سنة 525هـ/1130م بعد مقتل الخليفة الآمر بن المستعلي، رفض الإسماعيلية المستعلية الاعتراف بالخليفة الجديد في القاهرة، وتبنوا عقيدة فيها أن طفلاً رضيعاً للآمر يدعى الطيب كان قد فُقِد حيث استتر وهو سيكون الإمام المنتظر، وهكذا لم يعد للمستعلية أئمة بعده.[38]

حكم بعد الآمر أربعة خلفاء من الأسرة الفاطمية، لكنهم كانوا بلا صلاحيات أو نفوذ، وضعفت مصر في عهدهم ضعفاً شديداً، وكانت الحروب الصليبية قد بدأت، وحـاول الصليبيون احتلال مصـر، فاستنجد الخليفة الفاطمي العاضـد بنور الـدين زنكي الـذي أرسل قواته لنجدته وأبطل التدخل الصليبي، وفي عام 567هـ/1171م ألغى صلاح الدين الأيوبي بأمر من نور الدين الخلافة الفاطمية وأعاد مصر إلى حظيرة الخلافة العباسية.

اهتم الفاطميون منذ أن استقر سلطانهم في مصر بالعمل على نشر الثقافة العلمية والأدبية، فضلاً عن الثقافة المذهبية التي تتصل بالدعوة الإسماعيلية، كالفقه والتفسير، وكان للجامع الأزهر أثر كبير في النهوض بالحياة الثقافية في مصر، وفاقت شهرته جميع المساجد الجامعة في مصر منذ أن أشار الوزير يعقوب بن كلس سنة378هـ/988م على الخليفة العزيز بتحويله إلى معهد للدراسة بعد أن كان مقصوراً على إقامة الدعوة الفاطمية، فاستأذنه في أن يُعيّن بالأزهر بعض الفقهاء للقراءة والدرس على أن يعقدوا مجالسهم بهذا الجامع في كل جمعة من بعد الصلاة حتى العصر، فرحب العزيز بذلك ورتب لهؤلاء الفقهاء أرزاقاً شهرية ثابتة وأنشأ لهم داراً للسكنى بجوار الأزهر، وظل الأزهر مركز الفقه الفاطمي إلى أن بنى الحاكم بأمر الله جامعه، فانتقل إليه الفقهاء لإلقاء دروسهم[39].

كذلك اهتم الفاطميون بإنشاء المكتبات، فألحقوا بالقصر الشرقي الكبير مكتبة زودوها بأندر المؤلفات في مختلف العلوم والفنون حتى تميزت من غيرها من مكتبات العالم الإسلامي بما في خزائنها من كتب قيمة، وقد فقدت مكتبة القصر الفاطمي عدداً غير قليل من الكتب القيمة في غضون الشدة العظمى التي حلت في عهد المستنصر بالله، فاستولى الجند والأمراء على الكثير مما في خزانة الكتب، وعلى الرغم من ذلك كله، بقي في خزائن القصر كتب لم تصل إليها يد العبث، واستطاع الفاطميون فيما بعد أن يعوضوا ما فقدوه، فجلبوا إلى مكتبة القصر كثيراً من الكتب الجديدة، حتى أصبح في قصر العاضد آخر الخلفاء الفاطميين مكتبة كبيرة، ومن المراكز الثقافية بمصر دار الحكمة التي أسسها الحاكم بأمر الله سنة395هـ/1004م، وأطلق عليها هذه التسمية رمزاً إلى الدعوة الشيعية لأن مجالس الدعوة كانت تسمى مجالس الحكمة، وزود الحاكم هذه الدار بمكتبة عرفت باسم دار العلم، حوت الكثير من الكتب في سائر العلوم والآداب من فقه ونحو ولغة وكيمياء وطب، وسمح لسائر الناس على طبقاتهم بالتردد عليها[40].

   شجع الفاطميون العلماء والكتّاب؛ وهو ما أثره لدى طائفة كبيرة منهم في مصر، فاشتهر من المؤرخين في العصر الفاطمي، أبو الحسن علي بن محمد الشابشتي 388هـ) صاحب كتاب "الديارات" الذي اتصل بخدمة الخليفة العزيز فولاه خزانة كتبه واتخذه من جلسائه، كما نبغ من المؤرخين الأمير المختار عز الملك المعروف بالمسبحي 420هـ)، وكان من جلساء الحاكم بأمر الله وخاصته وشغف بكتابة التاريخ، وألَّف فيه عدة كتب منها تاريخه الكبير "تاريخ مصر" ومن أعلام المؤرخين أبو عبد الله القضاعي  454هـ) وكان من أقطاب الحديث والفقه الشافعي، له كتاب "مناقب الإمام الشافعي وأخباره" أوفده الخليفة المستنصر بالله سفيراً إلى تيودورا إمبراطورة الدولة البيزنطية سنة (447هـ) ليحاول عقد الصلح بينها وبين مصر، ومن الكتاب المؤرخين الذين ظهروا في أواخر العصر الفاطمي، أبو القاسم علي بن منجب الصيرفي  542هـ)الذي اشتهر ذكره وعلا شأنه في البلاغة والشعر[41].

خلفاء الدولة الفاطمية في مصر:

•                  الخليفة المعز لدين الله:

أبو تميم معد بن منصور العبيدي، رابع خلفاء الدولة الفاطمية بشكلٍ عام، وأول خليفة في مصر بشكلٍ خاصٍ وبدأت خلافته عام) (358هـ، واستمرت لعام 365) هـ(؛ وهي سنة وفاته، وفي عهده بُنيَت مدينة القاهرة على يد القائد جوهر الصقليّ خلال 3 سنوات، والمعز هو الذي سماها بالقاهرة.

•                    الخليفة العزيز بالله

نزار بن معد بن الخليفة المعز لدين الله، بدأ حكمه عام 365)  هـ(   سنة وفاة والده، واستمر حتى وفاته عام 386)هـ).

 

•                    الخليفة الحاكم بأمر الله

المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام (386هـ(  ، واستمرت حتى وفاته عام 411)هـ(.

•                    الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله

أبو الحسن علي بن الحاكم بأمر الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام 411)هـ)، واستمرت حتى وفاته عام( 427هـ)

•                    الخليفة المستنصر بالله

أبو تميم معاذ، وهو ابن الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام 427هـ) وكان صغيراً في السن، واستمر حتى وفاته (487 هـ)، وبسبب صغر سنه كانت فترة حكمه تمتاز بسيطرة الوزراء على الدولة وقوة تحكمهم.

•                    الخليفة المستعلي بالله

هو ابن الخليفة المستنصر بالله بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام(487هـ)، واستمرت حتى وفاته عام 494هـ.

•                    الخليفة الآمر بأحكام الله

أبو علي المنصور ابن الخليفة المستعلي، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام494هـ، واستمرت حتى وفاته عام (523هـ.

•                    الخليفة الحافظ لدين الله

أبو الميمون عبد المجيد وهو ابن عم الخليفة الآمر بأحكام الله، وبدأت فترة حكمه بعد وفاة ابن عمه عام  (523هـ (، واستمرت حتى وفاته عام544هـ.

•                    الخليفة الظافر بدين الله

إسماعيل ابن الخليفة الحافظ لدين الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام 544هـ، واستمرت حتى وفاته عام 549هـ،  وقد مات مقتولاً.

•                    الخليفة الفائز بنصر الله

وهو عيسى بن الخليفة إسماعيل الظافر بدين الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام 549هـ، واستمرت حتى وفاته عام 555هـ.

•                    الخليفة العاضد لدين الله

عبد الله بن يوسف ابن الخليفة الحافظ لدين الله، وهو آخر خلفاء الدولة الفاطمية، بدأ حكمه عام 555هـ/1160م، واستمر حتى تم خلعه عام567هـ/1171م[42].

المحور الثاني: المجتمع المشرقي في عهد الفاطميين:

المحاضرة 01: تركيبة المجتمع وعناصره:

   عرفت التركيبة السكانية داخل المجتمع المصري في العصر الفاطمي تنوعا بين مختلف الأجناس والأعراق، ويعود السبب في ذلك أن البيئة المصرية بيئة جالبة للسكان، وهو ما يفسر كثرة الهجرات إليها من مختلف الأقاليم والأمصار منذ الحضارات القديمة، بالإضافة إلى عدم نفور سكان مصر الأصليين ممن وفد عليهم  وسكن بينهم، ومن أشهر عناصر المجتمع في هذه الحقبة نجد:

أ- العرب والأقباط والأفارقة:

   تختلف الدراسات حول تحديد  أوائل الشعوب التي سكنت مصر من بني البشر حتى قبلف وجود الفراعنة ، غير أن ما يهمنا معرفته هو التركيبة البشرية لمصر في زمن الفاطميين تحديدا، ويكاد يجكع الباحثون على أن العناصر العربية شكلت وافدا مهما بعد فتح عمرو بن العاص لمصر سنة 20هـ/641م، بحيث استوطنت قبائل وبطون عربية كثيرة الديار المصرية، وامتزجت مع من سكنها قبلهم من الأفارقة والأقباط والأتراك وغيرهم، ومن أشهر القبائل العربية التي استقر بها المقام في مدينة القاهرة وغيرها من المدن المصرية في العصر الفاطمي نجد: (طيء- جذام بن عدي- لخم- جهينة- الأزد- حمير- قيس- مذحج- القبائل اليمنية- وغيرها) ، ومن سكانه طائفة الأقباط المسيحيون الذين صالحوا عمرو بن العاص على أموالهم وديانتهم وكنائسهم ومن أشهر مدنهم الإسماعيلية و الإسكندرية، كما سكنها الأفارقة السود والذين اشتهروا في عهد الفاطميين باسم السودان[43].

ب- المغاربة:

   هم مجموعة من القبائل سموا باسم الإقليم الذي انتسبوا إليه وهو بلاد المغرب الإسلامي، وقد ازدادت أعدادهم بشكل كبير مع دخول الفاطميين إلى مصر، ومن أشهر هذه القبائل:

1- كتامة: قبيلة بربرية وتعتبر من أكبر القابائل البربرية في بلاد المغرب وبخاصة في المنطقة الشرقية منه ، وقد سكن الكتاميون القاهرة ، وعرفت إحدى حاراتها ( حارة كتامة) ، وكان لهم دور كبير في تكوين الجيوش الفاطمية[44].

2- زويلة: إحدى القبائل البربرية، وعند بناء القاهرة اتخذ شيوخها حارة خاصة بهم باسم   (حارة زويلة) ، ولقد توالت هجرات هذه القبيلة إلى مصر ما بعد سنة 358هـ/968م، ومن أشهر آثارهم في القاهرة إلى جانب الحارة (بئر زويلة) ، وباب زويلة أحد أبواب مدينة القاهرة الشهيرة[45].

3- المصامدة: قبيلة بربرية تعرف بمصمودة ، إحدى مكونات الجيوش الفاطمية ، دخلت مصر مع الخليفة الفاطمي المعز لدين الله ، وذكرت المصادر أن أعدادها في عصر المستنصر بالله الفاطمي حوالي 20 ألف رجل، وقد ظهرت باسمهم حارة عرفت باسم       (حارة المصامدة )، وأخرى بـ (حارة سوس)، إحدى فروع المصامدة[46] .

4- لواتة: هي إحدى القبائل البربرية؛ وهي بطون كثيرة استوطنت مصر في العصر الفاطمي، وقد قيا بلغ عددهم في خلافة المستنصر بالله نحو 50 ألف رجل، وأشار المقريزي إلى أن بعضهم استوطن مدينة المنوفية[47].

5ـ- صنهاجة : قبيلة بربرية كثيرة العدد انتشرت في منطقة شمال إفريقيا حتى قيل هي ثلث أمم المغرب، وقد انتقلت أعداد كثيرة منها إلى مصر مع المعز لدين الله الفاطمي، ولا يعرف

بالتحديد مناطق استيطانهم في القاهرة[48].

6- بنو الشعرية: احدى البطون البربرية المغاربية انتقلوا مع جوهر الصقلي إلى مصر وأسهموا في تأسيس مدينة القاهرة، وإليهم ينسب أحد أبواب القاهرة " باب الشعرية"[49].

7- البرقية: قبائل بربرية كثيرة تنسب إلى إقليم برقة في ليبيا الحالية ولذلك سميت بالرقية، دخلوا مع جوهر الصقلي إلى مصر سنة (358هـ/968م) ، وقيل وفدت مع المعز لدين الله الفاطمي سنة 362هـ، اتخذت لنفسها حارة عرفت باسمها "حارة البرقية "، وإليها ينسب "باب الرقية" أحد أبواب القاهرة[50]، وإلى يومن هذا تعرف إحدى سلالات الأغنام في مصر باسم " الأغنام البرقية" فلعل ذلك يعود إلى أصحابها.

8- المحمودية: إحدى البطون البربرية التي وفدت على مصر في عهد الخليفة العزيز بالله الفاطمي بحسب ما ورد في المصادر التاريخية، وإليها تنسب (حارة المحمودية)، في القاهرة[51].

9- العدوية: اجدى الطواءف المغاربية والتي يرجح أنها من البربر ظهرت في جيش العزيز بالله الفاطمي، وإليها تنسب (حارة العدوية)، بالقاهرة[52].

    تعددت أسماء القبائل البربرية المغاربية بحسب اختلاف بطونها وأفخاذها التي دخلت مصر واستوطنت مدنها؛ والمتتبع لألقاب المصريين وأسمائهم المتوارثة يدرك هذه الحقيقة كـألقاب الزناتي والمليجي والكومي والمصمودي ورزين والمرغني والهواري والتلمساني والنفزي والملزوزي والزواغي والدراجي، ويدرك أهمية الاستيطان الكبير الذي عرفته القبائل البربرية في مصر في العصر الفاطمي، ولا يستبعد معه أنها كانت تتحدث فيما بينها بلسانها البربري؛ ولذلك نجد إلى يومنا هذا بعض التعابير والكلمات ذات الأصل البربري، غير أن لغتهم ادثرت مع مرور الزمن بحكم غلبة اللسان العربي ومكانة اللغة العربية وكتابتها الحضارية في العصر الإسلامي.

ج- الأتراك:

   اشتهر الأتراك في الفترة التي سبقت ظهور الدولة الفاطمية بأعدادهم الكبيرة في الجيوش الإسلامية، وهذا بسبب التراكم التاريخي في ظهورهم منذ عصر المعتصم بالله العباسي الذي خصص لهم مكانة كبيرة في تكوينات الجيش العباسي في بغداد ومصر وخراسان، واستمرت هذه التنشئة في مصر إلى غاية قدوم الفاطميين، ففي عهد العزيز بالله الفاطمي   (325-382هـ) ظهرت أعدادهم بشكل كبير بحيث جلبوا من بلاد الشام بقيادة القائد التركي  "أفتكين "، وبجوار الجامع الأزهر اشتهرت حارتهم باسم "حارة الأتراك"، بل جعل العزيز جيوش الفاطميين من الكتاميين والمغاربة تحت إمارة القائد التركي "أفتكين"، ثم اشتهر القائد ناصر الدولة بن حمدان الذي دخل في صراعات مع العبيد السودان، ولم تنته سطوتهم إلا بعد مجيء بدر الدين الجمالي في عهد المستنصر بالله فأنهى سطوتهم وأبعدهم عن شؤون الجيش والدولة[53].

   يضاف إلى ما ذكر من التركيبة المجتمعية في العصر الفاطمي ظهور الأرمن والديلم والفرس والسودان والأعاجم وغيرهم.   

عناصر المجتمع:

   لا يمكن الحديث في العصور الإسلامية الوسطى عن طبقات المجتمع بذات المصطلح المتداول في العصور القديمة لاختلاف الدلالات السياسية والدينية والاجتماعية، ذلك لأن الإسلام لم يكن دين طبقي ولا المجتمع الإسلامي مجتمعا طبقيا بنصوص شرعية من القرآن والسنة النبوية؛ ومنها قوله تعالى: ( والله فضل بعضكم على بعض على بعض في الرزق)، وفي السنة ما يدلل على عدم التفرقة على أساس العرق واللون والطائفة، بل شجع الإسلام على تحرير العبيد حتى جعل كفارة المذنب في انتهاك الحدود وحرمات الله تحرير العبيد (رقبة مؤمنة) تكفيرا عن ذنبه، ولذلك فالعبودية موروث من عهد الجاهلية حاول الإسلام التخلص منها ومحاربتها، (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) [54] ، وقد تبنت النظريات الحديثة مصطلح "الطبيقية"؛ بحيث ظهر بقوة في الأدبيات الماركسية؛ وهو مفهوم يدل على وجود تفاوت طبقي في المجتمع سواء كان هذا التفاوت اقتصاديا أم اجتماعيا، بينما ينظر الإسلام إلى التباين الاقتصادي والاجتماعي بين الناس بنظرة التفضيل الرباني في الأرزاق والعطايا، ولا يقلل الفقر والعوز من قيمة الإنسان ومكانته، ولا يفرض عليه ما يفرض على غيره على أساس الغنى والفقر؛ ولذلك وجب أن يستبدل مصطلح        "الطبقات" بمصطلح "عناصر المجتمع وشرائحه"؛ وهو ما سيتم الحديث عنه بهذا التوصيف داخل المجتمع الفاطمي في مصر.

-الخاصة: ويعرفون ببياض الحضرة، وأهل القصر وأهل السلطان، وعلى رأسهم الخليفة وحاشيته من وزراء وحجاب وعمال وكبار قادة الجيش، ورجالات الدولة.

-العامة: باقي شرائح المجتمع في الدولة الفاطمية منهم: الفقهاء والأدباء والتجار والمزارعون وأهل الصنائع والحرف؛ وهو يشكلون الغالبية العظمى من ساكنة الدولة.

- العبيد: وتشمل العبيد والخدم على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وألقابهم ( البيض والسود والصقالبة والخصيان).، وتختلف مهامهم وأعمالهم بحسب طبيعة وظائفهم في القصور والبيوت والأسواق، كانوا يباعون ويشترون في أسواق النخاسة أو من سبي الحروب أو يقدمون كهدايا للملوك والأمراء.

-أهل الذمة: أقلية من غير المسلمين، ويطلق هذا المصطلح في العادة على (اليهود والنصارى)، لهم مالهم وعليهم ما عليهم بحسب مقتضى النصوص الشرعية في التعامل مع النصارى واليهود من حيث تعاملاتهم وعلاقاتهم بالمسلمين، فتشمل لباسهم وكنائسهم وعبادتهم، ولا اختلاف بين المؤرخين أن النصارى الأقباط تواجدوا في مصر مع الفتح الإسلامي في الإسكندرية ودمياط والفسطاط وغيرها من المدن المصرية، وما كان على ولاة مصر بداية من عمرو بن العاص وإلى غاية الدولة الفاطمية أن يتجاهلوا حقيقة وجودهم ودورهم كعناصر فعالة داخل المجتمع المصري[55].

المحور الثاني: المجتمع المشرقي في عهد الفاطميين:

المحاضرة 03: دور وواقع المرأة في المجتمع الفاطمي:

   سجلت المرأة في المجتمع المصري في العهد الفاطمي حضورا لافتا من خلال مشاركتها في مختلف مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولا تخلو المصادر التاريخية والأدبية من إظهار تلك الجوانب المهمة  في حياة نساء العصر الفاطمي، بحيث أدّت المرأة دوراً محورياً في انتقال السلطة، وفي بعض الأحيان كانت هي من تدير شؤون الدولة، وهنا يمكننا ذكر دور "سِت المُلك"[56]، التي أدارت السلطة في الفترة الانتقاليّة بين موت الخليفة الحاكم بأمر الله، وتولّي ابنه الظاهر لإعزاز دين الله، ودور أمّ الخليفة المستنصر بالله التي كانت هي الحاكم الفعلي للبلاد، حين تولّى ابنها الخلافة وهو طفل حسبما تجمع المصادر التاريخيّة.

اختلف تأثير النساء في المجتمع المصري بحسب مكانتهن الاجتماعية، وهو ما يجعلنا نصنفهن على أساس الدرجة والمكانة إلى :

ـأ- نساء الخاصة: وتضم نساء الخليفة من زوجات وجواري، ونساء رجال الحاشية المقربة من الخليفة، وفي العادة لا يختلطن بنساء العامة إلا نادرا لدواعي أمنية واجتماعية فرضتها الظروف المعمول بها في العصر الفاطمي، وقد تميزن بلباسهن وحليهن وطرق تعليمهن وآدابهن عن بقية نساء العامة، وكن يطلق عليهن "الحريم" والقصر الذي يقمن فيه يسمى "قصر الحريم"[57].

-ب- نساء العامة: يشكلن أغلبية النساء في المجتمع المصري، وتختلف وظائفهن بحسب تمايزهن الاجتماعي، فهناك الماكثات في البيوت والعاملات في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والصناعية والحرفية، كما نال الكثير منهن حظا وافرا من التعليم، فلقد منح الفاطميون حرية التعليم لفئات العامة مع مراعاة الضوابط الشرعية، فبرز منهن المؤدبات والمعلمات والطبيبات والموسيقيات والمغنيات وغيرهن[58].  

-ج- الجواري: عرف المجتمع الفاطمي شريحة واسعة من الجواري اللواتي تواجدن في القصور والبيوت، وقد خصصت لهن أسواق خاصة في القاهرة عرفت بأسواق النخاسة والعبيد (الرق)، وكن يجلبن من مختلف المناطق في العالم فمنهن الصقلبيات والتركيات والفارسيات والنصارى والسودان، وكن بارعات في فنون شتى منها: الغناء والرقص والشعر والطبخ، وتميزن بالجمال والأناقة، وكانت الواحدة الماهرة منهن تباع بأبهظ الأثمان فالخليفة العزيز بالله زوجته كانت جارية نصرانية، وهي "أم ست الملك" أخت الحاكم بأمر الله الفاطمي، والخليفة الظاهر بالله أمه كانت جارية وتزوج من جارية أنجبت له ابنه الحكم المستنصر بالله، ومن المعروف أن الجارية إذا تزوجت من سيدها وأنجبت منه فإن مكانتها ترتفع إلى " أم ولد" وتحظى بما تحظى بها سيدات القصر[59].

-د- نساء أهل الذمة: فرضت على نساء أهل الذمة من اليهود والنصارى في العصر الفاطمي جملة من الأحكام والقرارات ذات صلة بلباسهن وزواجهن، ومعاملتهن مع المسلمين، ومن بين أشهر ما ميز نساء أهل الذمة في العهد الفاطمي هو ممارستهن لضروب التجارة النسائية كالنسيج والحياكة وبيع الحلي وتربية دودة القز والعمل في البساتين، وفرضت عليهن ألبسة خاصة حتى لا يتشبهن بالمسلمات كالزنار وهو حزام يتوسط الجسد، ووضع قلائد في العنق عليها كلمة ذمي، وأحذية بلونين مختلفين أحمر وأسود، والإسلام لا يمنع الزواج من الكتابية، ولذلك تزوج العزيز بالله الفاطمي من نصرانية، غير أن الحاكم بأمر الله الفاطمي ضيق الزواج بغير المسلمة بالنسبة للخلفاء، وزداد التضييق على نساء أهل الذمة في عهد المستنصر بالله الفاطمي أيضا[60].

- دور المرأة الفاطمية في المشرق الإسلامي:

أ- دورها في الجوانب السياسية:  أسهمت المرأة في العصر الفاطمي من فرض وجودها في دواليب الحياة السياسية، وبخاصة اللواتي ينتمين إلى الأسرة الحاكمة، سواء زوجات الخلفاء أو الأميرات من أخوات الخلفاء وبناتهم، ومن أشهرهن حضورا في التاريخ الفاطمي في مصر "ست الملك" (ت415هـ/1024م) ابنة الخليفة العزيز بالله الفاطمي وأخت الخليفة الحاكم بأمر الله، فقد كانت ذا شأن كبير في حياة والدها العزيز، وذلك لرجاحة عقلها وحكمتها، وحسن تدبيرها عند استشارتها في شؤون السياسة والحكم، وظهر أثرها أكثر في حياة أخيها الحاكم بأمر الله ثم ابنه الظاهر بالله، غير أن المؤرخين يوردون عدة روايات تثبت نشوب الصراع بين " ست الملك" وأخيها الحاكم بأمر الله  وهو ما حدا به إلى التخلي عنها ومناصبتها العداء، غير الأمر انتهى بمقتله على يدها سنة 411هـ/1020م وتولية ابنه الظاهر بالله والوصاية عليه لصغره، وإدارة أمور الدولة بدلا عنه[61].

    كانت هذه الحادثة بداية التدخل المفرط للنساء في شؤون الحكم والسياسة على مدار القرن الخامس الهجري، والذي عرف بداية تدهور الأوضاع الداخلية للدولة وضعفها، فقد ظهر دور زوجة الظاهر بالله التي كانت من أصول نصرانية وتأثيرها على زوجها خدمة للنصارى وأهل الذمة عموما (امتيازات) ، ثم ظهرت السيدة "رصد" أم الخليفة المستنصر بالله (ت487هـ/1094م) وهي كانت جارية سوداء ظهر تأثيرها بعد وصول ابنها للخلافة وهو صغير، فتدخلت في شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وكانت تختم الرسائل باسمها، ومن أبرز أعمالها إدخال الجنود السود حتى تتغلب على العناصر التركية[62]، غير أن هذا انتهى بانتشار الصراعات الدامية بين الجيوش الفاطمية فأنهك الدولة وأفسد دواليبها، وتزامن ذلك مع ظهور الأزمة الاقتصادية التي عرفت بالشدة المستنصرية[63].

   استمر تأثير تدخل النساء إلى غاية أواخر عهد الدولة؛ ففي عهد الخليفة العاضد  لدين الله (ت567هـ/1171م) كانت أمور الدولة تدار من عمتيه الكبرى والصغرى وبخاصة الصغرى المسماة "سيدة القصور"، والتي استمرت دسائسها ومؤامراتها على الوزراء وقادة الجيش إلى غاية دخول صلاح الدين الأيوبي وإسقاطه للدولة الفاطمية سنة 567هـ[64].

ب- دور المرأة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية: 

   لا تطلعنا المصادر التاريخية عن معلومات كافية حول نشاطات النساء في الحياة الاقتصادية في عهد الدولة الفاطمية في مصر إلا ما ورد عرضا من الممارسات الاعتيادية للنساء كالخياطة والنسيج والحرف، على الرغم من أن العهد الفاطمي في مجمله تميز بالثراء وتنوع الموارد المالية، وأبلغ ما ورد عن قيام نساء القصر بأعمال الصدقات كحفر الآبار وبناء المساجد وترميم بيوت الفقراء، وإنشاء أوقاف خاصة للأيتام وكبار السن والمرضى، فزوجة الخليفة الآمر بأحكام الله المسماة "علم الآمرية" أقامت دارا خاصة بالعجائز والأرامل سنة 526هـ/1131م، وكان لها صدقات كثيرة[65].

- دور المرأة في الحياة الدينية والثقافية:

    لم تظهر صورة إسهامات المرأة في العصر الفاطمي بشكل واضح في الحياة الدينية والثقافية إلا ما كان من أخبار عن نساء القصر اللواتي أسهمن في بناء مدارس وجوامع اتخذت فيها حلقات علمية وتعليمية، ومنها "جامع القرافة" الذي بنته السيدة "تغريد" زوجة الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وهو ثاني جامع بعد الأزهر ومسجد السيدة "رقية" الذي شيدته " علم الآمرية" زوجة الخليفة الآمر بأحكام الله سنة 527هـ/1132م، وممن شاركن في التعليم وإلقاء الدروس نجد السيدة "أم الخير الحجازية" التي كانت واعظة تدرس النساء في جامع عمرو بن العاص، وظهر إقبال النساء على مجالس العلم في أماكن منفردة[66].

أضرحة نساء آل البيت:

   يشير بعض المؤرخين إلى ظهور عدد كبير من شواهد القبور في القرن العاشر في مصر، لنساء آل البيت اللائي حظين بقدسية لدى الشيعة الإسماعيلية (الفاطميين)، وبتبجيل كبير أيضا لدى السُنة المصريين، لافتين إلى أن الكثير من ممارسات الشيعة الإسماعيليّة تتمحور حول القبور.

   يشير الباحث أيمن فؤاد سيد، أستاذ التاريخ المتخصص في الدراسات الإسماعيلية، في كتابه الشهير "الدولة الفاطمية في مصر: تفسير جديد"، أن مصر لم تعرف المساجد التي تحتوي على أضرحة إلا في عهد الفاطميين، سواء التي تضم جسماناً مدفوناً بها، أو تلك التي كانت مجرد أضرحة رمزية (وهي الأغلب)، أو ما عرفت بـ"مشاهد الرؤيا"، حيث يُبنى مسجد ويقام به ضريح لشخص لم يدفن به، ومع ذلك يتوجه إليه الناس ويطلبون البركة[67]،

    والمتتبع لما ذكره الباحث فؤاد سيد يجد أنها لازالت موجودة بالقاهرة إلى اليوم، إنشاء عدد من المساجد باسم نساء من آل البيت، كالسيدة سكينة بنت الحسين بن علي، السيّدة رقية بنت الإمام علي الرضا والسيّدة عاتكة عمّة النبي محمّد، وهي نماذج لمشاهد أو أضرحة رمزيّة، بالإضافة للأضرحة الحقيقيّة، وتلك التي أُعيد إحياؤها، كضريح السيّدة نفيسة بنت الحسن، حفيدة الحسن بن علي بن أبي طالب، المدفونة به منذ بداية القرن الثالث الهجري، قبل قيام الدولة الفاطميّة نفسها، حيث أنشأ الفاطميون قبّة على الضريح، ومسجداً لازال قائماً في القاهرة إلى الآن، بل هو من أشهر مساجدها[68].  

 

 

- العمارة والأوقاف:

   كان للنساء في العصر الفاطمي إسهام في وقف أملاكهنّ على مساجد ومرافق عامة لخدمة الناس، وكانت تلك الأوقاف وهذه الأعمال تقام بأسمائهنّ، لا باسم الدولة أو باسم الخليفة، وبرعايتهن المباشرة، وكان يتولى الإشراف على الأوقاف في العصر الفاكمي ديوان يعرف بـ "ديوان الأحباس"[69].

 ففي سنة 363هـ/ 973-974م، عندما أصبح العزيز بالله وليّاً للعهد، بَنَتْ والدته "دورزان" وتسمّى أيضاً "تغريد"، زوجة المعزّ لدين الله الفاطمي، ما يُعرف بـ"منازل العزّ،" التي كانت تطلّ على النيل، وهي منتجع كان يتنزّه فيه الخلفاء والأسرة الحاكمة، وصارت بعد ذلك مدرسة للفقه الشافعي في العصر الأيوبي، أما العمل الأهمّ لـدورزان فهو بناء "مسجد القرافة"، أو ما عرف بعد ذلك بـ"مسجد الأولياء"[70].

   تبعت دورزان ابنتها "ست المُلك" عام 977م، وأنشأت حوضاً للمياه بجوار مسجد القرافة، إن "ست المُلك" حفيدة دورزان، وأخت الحاكم بأمر الله، سارت على نفس التقليد في بناء المرافق العامة، وكانت توقف أموالها على بناء مساجد ومبانٍ عامّة، ولكن لا توجد مبانٍ تحمل اسمها قائمة الآن لعدّة احتمالات، منها الدمار الذي طال أجزاء كبيرة من الآثار الفاطميّة في فترات تاريخيّة لاحقة، ومنها على سبيل المثال قصر الخلافة نفسه، الذي انمحى أثره وأقيمت على أطلاله بنايات متعدّدة، بدءاً من العصر الأيوبي وما تلاه، كذلك بَنَتْ رَصَد أم الخليفة المستنصر حوضاً آخر للمياه بالقرب من القرافة[71].

- المحور الثالث: الأزمات السياسية والاقتصادية والصراعات المذهبية في عهد الدولة الفاطمية.

المحاضرة 01: الأزمات السياسية و الاقتصادية:

   فقدت الدولة الفاطمية الكثير من نفوذها في بلاد الشام بسبب كثرة الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعرضت لها وأنهكتها في آخر عهدها ، وعلى الرغم من الاختلافات الواضحة بين المؤرخين في حصرها، إلا أنه يمكن أن نجمل أسباب هذا التراجع الكبير الذي أدى في نهاية المطاف إلى سقوطها النهائي في عهد آخر خلفائها العاضد لدين الله الفاطمي على يد الناصر صلاح الدين الأيوبي سنة 567هـ/1172م إلى ما يلي:

أ- كثرة النزاعات: كثرة النزعات بين عناصر الجيوش الفاطمية ذات الولاءات المختلفة، والطوائف العرقية المتعددة ( مغاربة ، أتراك، فرس وغيرهم)، فاختل الأمن وانتشرت الفوضى في مصر وبلاد الشام[72].

ب- الشدة المستنصرية: (من سنة457هـ إلى سنة464هـ ) : ظهرت في مصر في منتصف القرن 5هـ/11م أزمة اقتصادية حادة بسبب نقص مياه نهر النيل وشح الأمطار مما أدى إلى الجفاف وتراجع الزراعة، فظهرت المجاعة وتفشت الأوبئة وغلت الأسعار على مدار 7 سنوات، وقد وصف مؤرخ مصر المقريزي هذه الشدة بقوله: " وقع في أيام المستنصر الغلاء الفاحش...حيث أكلت الكلاب والقطط، فبيع الكلب ليؤكل بخمسة دنانير، وتزايد الحال حتى أكل الناس بعضهم بعضا ، فكانت طوائف تجلس بأعلى بيوتها ومعهم سلب وحبال فيها كلاليب، فإذا مر بهم أحد ألقوها عليه ونشلوه في أسرع وقت وشرّحوا لحمه وأكلوه"[73].

   لم تنته هذه الشدة إلا بعد ظهور الوزير بدر الدين الجمالي (ت487هـ) الذي استدعاه الخليفة المستنصر بالله الفاطمي من بلاد الشام، والذي تمكن من إعادة الوضع على ما كان عليه، إلا أن ذلك لم يدم طويلا بسبب ضعف الخلفاء وظهور الخلافات بين الوزراء وقادة الجيش[74].

ج- تغلب الوزراء على منصب الخليفة الفاطمي، وتولي الصبية برعاية من نساء القصر ومن حالفهم من الوزراء والقادة؛ وهو ما أضعف هيبة منصب الخليفة بين الرعية، وأسهم بزرع الفتن داخل البيت الفاطمي وأضعف سلطتهم[75].

د-أصدر الحاكم بأمر الله سنة 402هـ/1011م قوانين ضد النصارى واليهود تتصف بالصرامة، بحيث عين لهم لباسا خاصا، ووضع الصلبان على أعناقهم، وأمر بهدم الكنائس، وهو ما أغضبهم وحز في نفوسهم وقد أعطوا الأمان على ذلك منذ فتح مصر، ومع اعتراضهم في حضرته إلا أنه خيرهم بين اعتناق الإسلام أو الرضوخ للأمر الواقع[76].

المحاضرة 02: الصراعات المذهبية:

   نشر الفاطميون المذهب الإسماعيلي بمجرد وصولهم إلى مصر ، وشجعوا علماءهم على بذل الجهد في التعريف به وتدريسه في مساجدهم وبخاصة الجامع الأزهر؛ فألفت الكتب في فقه الشيعة الإسماعيلية وأصول الدين والعبادات، ومن أبرز ما أدخله الفاطميون عند دخولهم مصر هو صيام شهر رمضان من دون تحري رؤية الهلال؛ وهو ما استنكره أهل مصر ورفضوه غير أن إصرار الفاطميين على الصيام دون رؤية الهلال أصبح أمرا واقعا، وانقطع طلب الهلال بمصر طوال حكم الفاطميين، وأمروا بالجهر بالبسملة في الصلاة، وإضافة عبارة "حي على خير العمل" للأذان، والاحتفال باليوم العشر من المحرم وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين في كربلاء[77]، والاحتفال بعيد الغدير[78].

   استمر هذا التوجه العقدي للشيعة في زمن الأزمات والشدة؛ وهو ما سجله المؤرخون عن دور دبر الدين الجمالي وأسرته الحاكمة، فقد كان متحمسا للمذهب الفاطمي والمدافع عنه، ومن أمثلة ذلك أنه حبس أقواما رووا فضائل الصحابة، وأحيى الكثير من طقوس الشيعة ومعتقداتهم[79] .

   اهتم الفاطميون بالمزارات الخاصة بآل البيت كمزار الحسين والسيدة زينب، وأضرحة آل البيت على سعة انتشارها في مصر، ومع ذلك لم تضيق سلطة الفاطميين على أهل السنة وعلمائهم، وإنما فتحوا أبواب الحرية والمناظرات العلمية بين مختلف العقائد والمذاهب، غير أن هذا لم يمنع من ظهور بعض النزاعات العقدية والمذهبية والطائفية بين الشيعة وأهل السنة الذين نصبوا العداء للشيعة ومعتقداتهم وطعنوا بذلك في أهليتهم لقيادة شؤون المسلمين وإمامتهم، وهو ما شهدت أحداثه الدامية مدينة الإسكندرية بين المصريين من الشيعة والمغاربة[80].

المحور الرابع:  سقوط الدولة الفاطمية وظهور الدول السلطانية ( الأيوبيون والمماليك)

المحاضرة 01: سقوط الدولة الفاطمية (الأسباب والنتائج).

المحاضرة 02: الأيوبيون.

المحاضرة 03: المماليك.

المحاضرة 01: سقوط الدولة الفاطمية (الأسباب والنتائج).

شهدت السنوات الأخيرة من عمر الدولة الفاطمية سلسلة من الصراعات والحروب بين ولاة الأقاليم المتنافسين على منصب الوزارة بالاستعانة بالقوى الخارجية.

   تولى شاور بن مجبر السعدي الوزارة سنة 558هـ/1163م لدى الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله، غير أنه وجد منافسة قوية من أبو الأشبال ضرغام بن عامر المنذري مقدم الأمراء، ودخلا في قتال انتهى بمقتل الأمير " طي ابن الوزير شاور " وانهزام جيش الوزير شاور؛ وهو ما اضطره إلى الفرار إلى الشام مستنجدا بالسلطان نور الدين محمود صاحب دمشق، وتعهد إن هو ساعده على دخول مصر واستعادة منصبه أن يدفع له ثلث خراج مصر، وأن يكون تحت تصرف السلطان نور الدين[81]، وهو ما اعتبره الباحثون مؤشر على ضعف الدولة الفاطمية وبداية نهايتها.       

   استغل نور الدين محمود مرحلة الضعف التي آلت إليها مصر الفاطمية، ووجدها فرصة لضمها إلى محور جبهة محاربة الصليبين في بيت المقدس فأرسل مع الوزير شاور جيشا على رأسه أسد الدين شيركوه[82] سنة 559هـ/1164م لأجل إعادة شاور إلى منصبه، ولما بلغ

الخبر أبو الأشبال ضرغام سارع إلى التحالف مع عموري[83] ((Amaury ملك بيت المقدس إلا أن محاولته باءت بالفشل بحكم حصار نور الدين للصليبين في طريقهم إلى مصر، وبالفعل تمكن أسد الدين شيركوه من دخول مصر والتغلب على ضرغام، وإعادة شاور إلى منصبه في الوزارة[84]، غير أن ضرغام خالف عهده وطلب من أسد الدين مغادرة مصر؛ بل وتحالف مع ملك بيت المقدس، محذرا إياه من محاولة نور الدين ضم مصر ومن ثم محاصرة الصليبين برا وبحرا، وهو ما حمله ملك بيت المقدس محمل الجد وسارع إلى إرسال جيوشه إلى مصر للوقوف في وجه زحف جيش نور الدين محمود وانتقامه من الوزير شاور، وبالفعل التقى الجيشان: جيش الفرنجة الصليبيين مدعومة بالجيش المصري في مواجهة جيش أسد الدين شيركوه في منطقة تعرف بـ" البابين" بالقرب من المنيا، فكان النصر حليف أسد الدين شيركوه، ثم دخل الإسكندرية وعين ابن أخيه صلاح الدين واليا عليها، ولما أدرك الفرنجة وشاور نوايا الأيوبيين في ضم مصر إلى سلطانهم هموا بمحاصرة الإسكندرية والتضييق على جيوش الأيوبيين، وانتهى الأمر بعقد اتفاقية يتراجع بموجبها الأيوبيون عن مصر ويبقي الصليبيون محمية صغيرة في مصر لضمان عدم غدر الأيوبيين وبموافقة من الوزير شاور[85].

    تراجعت جيوش الأيوبيين إلى بلاد الشام، غير أن الفرنجة الصليبين بدأو يخططون لغزو مصر بعدما اطلعوا على ضعف حصونها وهوان جيشها، بالإضافة إلى ما تدره من خراج وأموال على من يحتلها، وبالفعل جهز الفرنجة حملة لغزو مصر سنة 564هـ/1169م.

   لما علم شاور بالأمر عمد إلى إخلاء مدينة الفسطاط وإشعال النيران فيها حتى لا يتخذها الفرنجة معسكرا لهم، ودخل القاهرة وحصنها وجهز جيشها للدفاع عنها، وأرسل للفرنجة يعرض عليهم الصلح ودفع ألف ألف دينار سنويا لهم مقابل التراجع عن دخول مصر، وفي الوقت نفسه أرسل لنور الدين محمود يطلب النجدة، كما أرسل له الخليفة العاضد لدين الله يستنجده هو كذلك خشية أن تقع مصر في يد الفرنجة، ولكن هذه المرة تعهد بأن يتنازل المصريون عن ثلث بلاد مصر للأيوبيين، وأن يأذن لأسد الدين شيركوه بالإقامة في مصر وأن يكون له وجيشه إقطاعات خاصة بهم، ولما رأى الفرنجة قوة جيوش الأيوبيين لم يكن أمامهم إلا التراجع والتسليم لهم، والعودة إلى فلسطين، بينما تمكن أسد الدين شيركوه من دخول مصر بترحيب من أهلها، واستقبله الخليفة العاضد لدين الله وخلع عليه، واحتفى به[86]،

   استغل أسد الدين قربه من الخليفة وتفقا على عزل الوزير شاور، ولا يكون ذلك إلا بقتله؛ وهو ما تم سنة 564هـ/1196م، وفور التخلص من شاور خلع العاضد لأسد الدين خلع الوزارة وفوض إليه شؤون الحكم وقيادة الجيوش، غير أنه لم يلبث طويلا حتى مات فجأة في ذات السنة، ولم يكن أمام الخليفة إلا تعيين نائبه صلاح الدين وزيرا لاعتقاده أنه أقل حظا من أسد الدين ويسهل التحكم فيه[87]

   خلع العاضد على صلاح الدين ولقبه بـ "الملك الناصر"، حاول العبيد السودان من التآمر على صلاح الدين إلا أنه أنهى شوكتهم وأحرق حارتهم المنصورية بالقاهرة، أدرك حينها الفرنجة الصليبيون أن الأيوبيين يرديون السيطرة على مصر فأرسلوا حملة صليبية بأسطول بحري كبير استطاع الوصول إلى مدينة "دمياط"[88] ومحاصرتها لمدة خمسين يوما غير أن قوات الأيوبيين استطاعت فك الحصار عنها بعدما قدّم نور الدين محمود يد المساعدة بهجومه على إمارات الصليبيين في الشام مما خفف الضغط عن دمياط واضطرار القوات الصليبية مغادرة الأراضي المصرية[89].

   أدخل صلاح الدين إصلاحات إدارية ومالية وعسكرية ودينية داخل الدولة الفاطمية مما مكنه من التحكم في دواليب الدولة والسيطرة عليها، ومن أشهر ما قام به تقوية المذهب السني وإضعاف المذهب الإسماعيلي؛ بحيث ألغى الكثير من الطقوس الشيعية الإسماعيلية المنتشرة في مصر ومنها إبطال عبارة "حي على خير العمل" من الأذان، ومنع سب الصحابة، وأن يذكر أسماء الخلفاء الراشدين في خطب الجمعة، وعزل جميع القضاة الإسماعيليين، وفي سنة 567هـ/1171م جاءت الخطوة الحاسمة في القضاء على الخلافة الفاطمية في مصر عندما أسقط صلاح الدين خطبة الفاطميين وأمر الخطباء بالدعوة للخليفة العباسي المستضيء بأمر الله وذلك في 7 من المحرم/10سبتمبر وأعاد السواد شعار العباسييين، وفي ذات السنة توفي آخر خليفة فاطمي العاضد لدين الله[90].  



[1] - ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الإفريقي، لسان العرب، دار صادر، بيروت،(د ط)، ج8 ص 189.

[2]- ينظر تفصيل ذلك عند عبد القاهر بن طاهر البغدادي، الفرق بين الفرق، تحقيق محمد عثمان الخشت، مكتبة ابن سينا، القاهرة، ط1، 1988م، ص ص 41-71.

[3]- الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم، الملل والنحل، تحقيق أمير علي مهنا و علي حسن فاعود، دار المعرفة، بيروت، ط2، 1993م، ج1، ص ص 169.

[4] -ابن خلدون، المقدمة، تخريج وتعليق عبد الله الدرويش، دار يعرب، دمشق، ط1، 2004م، ص 373.

[5]- ينظر تفاصيل هذه الأخبار عند الطبري، تاريخ الرسل والأمم والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، مصر، ط2، 1972م، ج5، ص ص 5-64.

[6] - ابن خلدون، المصدر السابق، ص ص 373-375.

[7] - إحسان إلهي ظهير، الشيعة والتشيع فرق وتاريخ، إدارة ترجمان السنة، باكستان، 1995م، ص 267.

[8] - نفسه، ص ص 209-229.

[9] - ينظر تفصيل أخبار هؤلاء الأئمة عند الشهرستاني، المصدر السابق، ص ص 198-203.

[10] - إحسان إلهي ظهير، المرجع السابق، ص 343.

[11] - ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل، تحقيق محمد إبراهيم نصر و عبد الرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت، ط2، 1996م، ج5،   ص42.

[12] - محمد بن علي سلمان الوصابي، التقية عند الفرق، مجلة الأندلس للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة الأندلس للعلوم والتقنية، اليمن، العدد 77 المجلد 10، سنة 2023م، ص ص 62-69.

[13] - الشهرستاني، المصدر السابق، ج1، ص 197.

[14] - هو الحسين بن محمد بن زكريا، ويلقب بالمعلم من دعاة الإسماعيلية، أصله من صنعاء، انتقل إلى بلاد المغرب وتمكن من نشر دعوة الإسماعيلية إلى غاية ظهور دولتهم، توفي مقتولا على يد عبيد الله المهدي سنة 296هـ، المقريزي، إتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء، ج1، ط2، القاهرة، ص 57.

[15] - القاضي النعمان، كتاب افتتاح الدعوة، الشركة التونسية للتوزيع،ط2، تونس، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1986م،  ص 25.

[16] - نفسه، ص 29.

[17] - هو أبو القاسم الحسن بن فرح بن حوشب بن زادان الكوفي، أحد أشهر دعاة المذب الإسماعيلي في المشرق، ينظر عنه القاضي النعما، المصدر نفسه، ص 29.

[18] - ابن عذاري المراكشي، البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق ج.كولان، وليفي بروفنسال، دار الثقافة، بيروت، ط3، 1983م،ج1، ص 124.

[19] - ابن خلدون، المصدر السابق، ج4، ص 43.

[20] - مدينة في بلاد الشام، من أعمال قنسرين على طرف البادية، وهو حصن كالمدينة صغير عامل وآهل، الحميري، المصدر السابق، ص 320.

[21] - مدينة في صحراء المغرب، بينها وبين البحر خمس عشرة مرحلة، وهي على نهر يقال له زيز بنيت سنة 140هـ أسسها مدرار بن عبد الله، الحميري، نفسه ، ص ص 305-306.

[22] - ابن خلدون المصدر السابق، ص 47.

[23] - ابن خلدون المصدر السابق، ص48.

[24] - يلقب بالمظفر المعتضدي، أحد الخدام الذين بلغوا رتبة الملوك، وكان قائدا لجند مصر بأمر من الخلفاء بني العباس، توفي مقتولا بأمر الخليفة القاهر بالله العباسي سنة 321هـ، الذهبي، سير أعلام النبلاء، المصدر السابق، ج15، ص 57.

[25] - هو أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن ارباهيم، وزير وأحد كتاب الدولة الفاطمية، كان يهوديا ثم أسلم ، كان داهية ماكرا فطنا، الذهبي، نفسه، ج16، ص 444.

[26] -  محمد جمال الدين سرور، تاريخ الدولة الفاطمية، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1995م، ص ص 127-128.

[27] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص ص 311-364

[28] - ابن خلدون، المصدر السابق، ص ص 47-56.

[29] - محمد جمال الدين سرور، نفسه، ص 345.

[30] - هو أبو تميم شرف الدولة المعز بن باديس بن منصور بن مناد الصنهاجي رابع أمراء الدولة الزيرية، في عهده انفصلت دولته عن الفاطميين ومبايعة العباسيين، توفي سنة 454هـ ، الذهبي، سير أعلام النبلاء، المصدر السابق، ج18، ص 140.

[31] - تعرف هجرتهم بالهجرة الهلالية، من أشهر هذه القبائل العربية : بنو سليم وبنو هلال وبنو عدوان، هاجروا من مصر إلى بلاد المغرب بأمر من الفاطميين في مصر، وستوطنوا البلاد الجديدة بقوة السيف، ينظر تفاصيل هجرتهم عند ابن خلدون، المصدر السابق، ج4، ص ص 79-80.

[32] - ابن خلدون، نفسه، ص 80.

[33] - ينظر تفاصيل هذه الأخبار محمد كامل حسين، طائفة الدروز، تاريخها وعقائدها، دار المعارف، مصر، ط1، 1962م، ص ص 75-85.

[34] - هو أبو الحارث أرسلان التركي، الملقب بالمظفر، كان مقدما عند الخليفة العباسي القائم بأمر الله، ثم طغى وبغى وتمرد وخطب للفاطميين، ومات مقتولا سنة 451هـ، ابن كثير، المصدر السابق، ج12، ص 84.

[35] - نفسه، ص 85.

[36] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص 103.

[37] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص ص 105-103.

[38] - نفسه، ص  110.

[39] - خالد بن عبد الرحمن بن حمد القاضي، الحياة العلمية في مصر الفاطمية، الدار العربية للموسوعات، بيروت، ط1، 2008م، ص ص 135-136.

[40] - خالد بن عبد الرحمن بن حمد القاضي، المرجع نفسه، ص ص 115-121.

[41] - نفسه، ص ص 265-281.

[42] - ينظر أسماء هؤلاء الخلفاء ونبذ عن حياتهم أبو الحسن علي الروحي، بلغة الظرفاء في تاريخ الخلفاء، تحقيق محمد حسن إسماعيل، كتاب ناشرون، لبنان، ط1، 2010م،  ص ص 302-331.

[43] - عبد المنعم عبد الحميد سلطان، الحياة الاجتماعية في العصر الفاطمي، مركز الإسكندرية للكتاب، الإسكندرية، ط1، 2009م، ص ص 14-82.

[44] - المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، تحقيق محمد زينهم ومديحة الشرقاوي، مكتبة مدبولي، ط1، القاهرة 1997م، ج3، ص 388.

[45] - نفسه، ج2، ص 98.

[46] - نفسه، ص ص 400-408.

[47] - نفسه، ص 103.

[48] - المقريزي، إتعاظ الحنفاء، المصدر السابق، ص 57.

[49] - المقريزي، الخطط ، ج2، ص 103.

[50] - نفسه، ص 12.

[51] - نفسه، 375.

[52] - نفسه، 399.

[53] - المقريزي، إتعاظ الحنفاء، المصدر السابق، ص 219.

[54] - ينظر عن مفهوم العبودية والرق أحمد شفيق، الرق في الإسلام، ترجمة أحمد زكي، مكتبة النافذة، مصر ط1، 2010م، ص ص 71-81.

- [55] عبد المنعم عبد الحميد سلطان، المرجع السابق، ص ص 10-87.

[56] - هي ست الملك بنت العزيز بالله بن المعز لدين الله بن معد بن المنصور إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن عبيد الله الفاطمي العلوي، كانت من أحسن نساء زمانها جمالا، وأوفرهن عقلا...شاركت أخاها الحاكم بأمر الله في الملك...توفيت سنة 415هـ وحزن عليها أهل مصر، ينظر عن بقية أخبارها وسيرتها، زينب فواز، الدر المنثور في طبقات ربات الخدور، مكتبة ابن قتيبة، الكويت ط1، 1312هـ/1895م، ج1، ص ص 320-321.

[57] - نريمان عبد الكريم أحمد، المرأة في مصر في العصر الفاطمي،الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، ط1، 1993م، ص35.

[58] - نهلة عبد الفتاح الجالودي، دور المرأة في مصر خلال العصر الفاطمي، دراسة سياسية واجتماعية، رسالة ماجستير غير مطبوعة، جامعة آل البيت ، كلية العلوم الإنسانية، قسم التاريخ، 2010م، ص 61.

[59] - نفسه، ص ص 65-78.

[60] - نهلة عبد الفتاح الجالودي، المرجع السابق، ص ص61-63.

[61] - نفسه، ص89.

[62] - نفسه، ص93.

[63] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص 103.

[64] - نهلة عبد الفتاح الجالودي، المرجع السابق، ص ص113-114.

[65] - نريمان عبد الكريم أحمد، ص41.

[66] - نهلة عبد الفتاح الجالودي، ص154.

[67] - أيمن فؤاد سيد، الدولة الفاطمية في مصر، تفسير جديد، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ط1، 1992م، ص 399.

[68] - نفسه، ص ص 398-399.

[69] - أيمن فؤاد سيد، المرجع السابق، ص361.

[70] - المقريزي، المصدر السابق، ج1، ص 295، و نهلة عبد الفتاح الجالودي، ص ص 130-131

[71] - نفسه، ص 131.

[72] - أيمن فؤاد سيد، المرجع السابق، ص ص 97-137.

[73] - المقريزي، المصدر السابق، ج2، ص 184.

[74] - نفسه، ص ص 139-141.

[75] - عرب دعكور، الدولة الفاطمية، تاريخها السياسي والحضاري، ةدار المواسم، بيروت، ط1، 2004م، ص 187.

[76] - إبراهيم رزق الله أيوب، التاريخ الفاطمي الاجتماعي، الشركة العالمية للكتاب، بيروت، ط1، 1997م، ص ص 35-36.

[77] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص 76.

[78] - يوم الغدير: أو عيد الغدير يحتفل به الشيعة يوم 18 من ذي الحجة لاعتقادهم أن النبي (صلى الله عليه وسلم) عهد بالإمامة والخلافة لعلي بن أبي طالب بعده، بعد عودة المسلمين من حجة الوداع إلى المدينة في مكان يسمى "غدير خم"، ويرى أهل السنة أن ما قاله النبي مجرد بيان لفضل علي ومحبته، ينظر تفاصيل هذا الخبر عند الذهبي، سير أعلام النبلاء، المصدر السابق، ج8، ص 334.

[79] - محمد حسن دخيل، الدولة الفاطمية، الدور السياسي والحضاري للأسرة الجمالية، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت،ط1، 2009م، ص 88.

[80] - محمد جمال الدين سرور، نفسه، ص 77.

[81] - نفسه، ص 222.

[82] - أبو الحارث أسد الدين شيركوه بن شاذي بن مروان، قائد عسكري في الدولة الزنكية وعم صلاح الدين الأيوبي أسهم في تأسيس الدولة الأيوبية وإنقاذ مصر من الحملات الصليبية، توفي سنة 564هـ، الذهبي، المصدر السابق، ج15، ص 210.

[83] - هو عموري الأول بن فولك ملك صليبي لاتيني حكم بيت المقدس من سنة 1162 إلى سنة 1174م، كانت له عدة محاولات للاستيلاء على مصر غير أن الأيوبيين حالوا دون تمكنه من ذلك، ينظر عن حياته، حجازي عبد المنعم سليمان،  السياسة الخارجية لمملكة بيت المقدس عهد الملك عموري الأول، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط14، 2014م، ص ص 37-56.

[84] - محمد جمال الدين سرور، المصدر السابق، ص 224.

[85] - نفسه، ص 226.

[86] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص 117.

[87] - أيمن فؤاد سيد، المرجع السابق، ص ص 233-234.

[88] - يقال لها أيضا ذمياط بالذال المعجمة، مدينة بالديار المصرية على ساحل البحر قريبة من تنيس وإليها ينتهي نهر النيل، اشتهرت في حروب المسلمين مع التتار والصليبين بحكم قربها من البحر، الحميري، المصدر السابق، ص 257.

[89] - نفسه، ص 234.

[90] - أيمن فؤاد سيد، المرجع السابق، ص ص 234-241.


محاضرات مقياس: المشرق الإسلامي ما بين القرنين (8-15م). - الخلافة الفاطمية في مصر/السداسي السادس

جامعة ابن خلدون

كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية.

قسم التاريخ.

المستوى الدراسي: السنة الثالثة تاريخ.

السداسي: 06.

المعامل: 02.

الحجم الساعي: 1سا ونصف.

أ.حاكمي حبيب.

أهداف المقياس: يتعرف الطالب من خلال دراسته لهذه المادة في السداسي السادس على تاريخ منطقة المشرق الإسلامي في ظل ظهور الدولة الفاطمية على مسرح الأحداث، والتعرف على أوضاع أقاليمها من النواحي السياسية والاقتصادية والمذهبية وتأثير ذلك على بنيتها الاجتماعية.

المحور الأول: الخلافة الفاطمية في المشرق الإسلامي.

المحاضرة 01: التشيع. مفاهيم وتعاريف.

المحاضرة 02: التشيع من الفكرة إلى الدعوة ثم الدولة.

المحاضرة 03: انتقال الدولة الفاطمية إلى المشرق (مراحل الاستقرار والتوسع).

المحور الثاني: المجتمع المشرقي في عهد الفاطمي.

المحاضرة 01: التركيبة البشرية والعنصرية للمجتمع..

المحاضرة 02: واقع المرأة ودورها في المجتمع الفاطمي بالمشرق..

المحاضرة 03: الأعياد والاحتفالات داخل المجتمع الفاطمي بالمشرق.

المحور الثالث: الأزمات السياسية والاقتصادية والصراعات المذهبية في عهد الدولة الفاطمية.

المحاضرة 01: الأزمات السياسية.

المحاضرة 02: الأزمات الاقتصادية.

المحاضرة 03: الصراعات المذهبية.

المحور الرابع: سقوط الدولة الفاطمية وظهور الدول السلطانية ( الأيوبيون والمماليك)

المحاضرة 01: سقوط الدولة الفاطمية(الأسباب والنتائج).

المحاضرة 02: الأيوبيون.

المحاضرة 03: المماليك.

المحاضرة 01: التشيع.

هدف المحاضرة: اطلاع الطلبة على مفهوم المذهب الشيعي من حيث التسمية وتاريخ الظهور، وفهم الأركان التي استندت عليها الدولة الفاطمية في قيامها، ذكرت مختلف المصادر التاريخية أن الانقسامات الفعلية بين المسلمين حدثت بعد فتنة مقتل الخليفة عثمان بن عفان، وكان لهذه الحادثة أثر بالغ في تعدد الآراء ونشوب الصراعات الداخلية التي نتج عنها ظهور الفرق والطوائف السياسية والعقدية، انقسم المسلمون الى فرق وجماعات منها الشيعة فمن هم الشيعة ومتى ظهروا وما هي أهم عقائدهم؟

1- الشيعة : القوم الذين يجتمعون على الأمر، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة، وكل قوم أمرهم واحد ، يتبع بعضهم رأي بعض ، فهم شِيَع ...

والشيعة : أتباع الرجل وأنصاره ، وجمعها شِيَع. وأشياع جمع الجمع.

ويقال شايعه ، كما يقال والاهُ ، من الوَلْيِ.

ومنه قوله تعالى }: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيم } : أي من شيعة نوح.

وأصل الشيعة : الفرقة من الناس[1].

   تعددت مسميات هذه الفرقة بين المصادر وتفرعت طوائفهم وتشعبت معتقداتهم، وقد فصل صاحب كتاب "الفرق بين الفرق" في أسمائهم وفرقهم ومعتقداتهم وأشهر أئمتهم، وهو ما يطول بيانها هنا[2]، وأما الشهرستاني فعرفهم: "الشيعة هم الذين شايعوا علياً  رضي الله عنه على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصية، إما جلياً، وإما خفياً، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده. وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين لا يجوز للرسل عليهم السلام إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة وإرساله"[3].

   ويرى ابن خلدون أن " أن الشيعة لغة هم الصحب و الأتباع و يطلق في عرف الفقهاء       و المتكلمين من الخلف و السلف على أتباع علي و بنيه رضي الله عنهم و مذهبهم جميعاً متفقين عليه أن الإمامة ليست من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة و يتعين القائم بها بتعيينهم بل هي ركن الدين و قاعدة الإسلام و لا يجوز لنبي إغفاله و لا تفويضه إلى الأمة بل يجب عليه تعيين الإمام لهم و يكون معصوماً من الكبائر و الصغائر و أن علياً رضي الله عنه هو الذي عينه صلوات الله و سلامه عليه بنصوص ينقلونها و يؤولونها على مقتضى مذهبهم لا يعرفها جهابذة السنة ولا نقله الشريعة بل أكثرها موضوع أو مطعون في طريقه أو بعيد عن تأويلاتهم الفاسدة[4].

2- بداية ظهور التشيع:

    اختلف المؤرِّخون والباحثون في تحديد تاريخ بداية ظهور التشيّع والشيعة، ويعود اختلاف الآراء وتعدّدها في هذه المسألة إلى أسباب عدَّة أبرزها: تعدّد الدلالات اللفظية لكلمة  "شيعة"، إذ خلط بعض الباحثين بين الدلالة اللغويّة والدلالة التاريخيّة أو الدلالة الاصطلاحيّة للكلمة، فالشيعة لغةً تعني القوم والأتباع والأنصار والحزب، وفي معناها الإصلاحي فهي للدلالة على أتباع علي بن أبي طالب وأنصاره بما روي من كلامه: "شيعتي"، وتباينت الأفكار السياسية لهذه الفرقة بعد موقعتي صفين سنة 37هـ بين علي بن أبي طالب وشيعته ومعاوية بن أبي سفيان، وموقعة النهروان سنة 38هـ بين علي والخوارج، وازداد تعصب أنصار علي بن أبي طالب بعد مقتلة سنة 40هـ/660م، وفي العهدين الأموي والعباسي تطور الفكر الشيعي من التوجه السياسي إلى التوجه العقدي وبخاصة بعد مقتل الحسين بن علي سنة61هـ/680م في العهد الأموي[5].

وإذا كان كتّاب الشيعة يردّون التشيّع إلى عهد الرسول(صلى الله عليه وسلم) أو بعد وفاته مباشرةً، فإنّهم لا ينكرون ما لمقتل الإمام الحسين من أثرٍ كبيرٍ في تطوير عقائدهم وتمايزها عن عقائد الإسلام السنيّ، فالتشيّع قبل مقتل الإمام الحسين كان مجرّد رأيٍ سياسيّ لم يصل إلى قلوب الشيعة، فلمّا قُتل امتزج التشيّع بدمائهم وتغلغل في أعماق قلوبهم وأصبح عقيدة راسخة في نفوسهم مقترنةً بأحقيّة آل البيت في تولي منصب الإمامة، وظهرت أصول ومعتقدات جديدة منها: العلم اللدنيّ والبداء والرجعة والمهدي المنتظر المرتبطة بنظريّة الإمامة[6].

 3- أئمة الشيعة:

   افترقت الشيعة إلى عدة فرق وطوائف، ومن أبرزها: الكيسانية والزيدية والإسماعيلية وغلاة الروافض وغيرهم، وقد وقع بينها اختلاف كبير في ذكر أئتهم وأسمائهم وعددهم وعصمتهم من عدمها، وتعتبر الشيعة الإثنى عشرية أو الإمامية أو الجعفرية الطائفة الأكثر بروزا في التاريخ[7]، وما أطلق لفظ الشيعة من دون تخصيص فإن المقصود به الشيعة الإثنى عشرية، وهي الطائفة الكبرى من حديث عدد الأتباع من بين الطوائف الشيعية الأخرى، تمييزا لهم عن الزيدية والإسماعيلية[8]، ولاعتقادهم بأنَّ النبي محمد قد نصَّ على اثني عشر إماماً خلفاءَ من بعده، فكانت عقيدة الإمامة هي الفارق الرئيس بينها وبين بقية الطوائف الإسلامية.

وهذه قائمة بأسماء الأئمة الإثنى عشر:

1-  علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، استشهد سنة 40 هـ
2-الحسن بن علي رضي الله عنه (3-5هـ)
3-  الحسين بن علي رضي الله عنه(4-61هـ)
4-علي زين العابدين بن الحسين(38-95هـ) ويلقبونه بالسجاد .
5-  محمد بن علي زين العابدين(57-114هـ) ويلقبونه بالباقر .
6- جعفر بن محمد الباقر (83-148هـ) ويلقبونه بالصادق .
7- موسى بن جعفر الصادق(128-183هـ) ويلقبونه بالكاظم .
8- علي بن موسى الكاظم(148-203هـ) ويلقبونه بالرضا .
9-  محمد الجواد بن علي الرضا 195- 220 هـ  ويلقبونه بالتقي .
10-علي الهادي بن محمد الجواد 212- 254 هـ  ويلقبونه بالنقي.
11-الحسن العسكري بن علي الهادي 232- 260 هـ  ويلقبونه بالزكي.
12- محمد المهدي بن الحسن العسكري ، ويلقبونه بالحجة القائم المنتظر .
ويزعمون أنه دخل سردابا في سامراء . وأكثر الباحثين على أنه غير موجود أصلا ، وأنه من اختراعات الشيعة[9].

4-أهم عقائد الشيعة وأصولهم:

1-  الإمامة: يرون أن إمامة الاثني عشر، ركن الإسلام الأعظم، وهي عندهم منصب إلهي كالنبوة، والإمام عندهم يوحى إليه، ويؤيد بالمعجزات، وهو معصوم عصمة مطلقة

2- الطعن في الصحابة - رضي الله عنهم: يزعم الشيعة أن الصحابة - رضي الله عنهم - ارتدوا عن الإسلام إلا ثلاثة أو أربعة أو سبعة، علَى اختلاف أساطيرهم.

3- محاولتهم النَيْل من كتاب الله -عز وجل-:  لَمّا كانت نصوص القرآن لا ذِكْر فيها الأئمة الاثني عشر، كما أنها تُثْنِي علَى الصحابة - رضي الله عنهم - وتُعْلي من شأنهم، تحيّر الشيعة فقالوا لإقناع أتباعهم: إن آيات الإمامة وسب الصحابة قد أسقِطَتْ من القرآن[10].

وبعض الشيعة قالوا بأن جبريل - عليه السلام - قد أخطأ في الرسالة فنزل علَى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، بدلًا من أن ينزل علَى عَلِيٍّ - رضي الله عنه -؛ لأن عليًّا يشبه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما يشبه الغرابُ الغرابَ؛ ولذلك سموا بالغرابية[11] .

4- عقيدة التقية عند الشيعة: التقية عند الشيعة هي التظاهر بعكس الحقيقة، وهي تبيح للشيعي خداع غيره فبناء علَى هذه التقية ينكر الشيعي ظاهرًا ما يعتقده باطنًا، وتبيح له أن يتظاهر باعتقاد ما ينكره باطنًا، ولذلك تجد الشيعة ينكرون كثيرًا من معتقداتهم أمام أهل السنة مثل القول بتحريف القرآن، وسب الصحابة، وتكفير وقذف المسلمين، إلى غير ذلك من المعتقدات[12] .

المحاضرة 02:  انتقال الخلافة الفاطمية إلى المشرق:

أ-الخلافة الفاطمية بالمغرب (297-358هـ/ 909-969م)

   يعود تأسيس الدولة الفاطمية في بلاد المغرب إلى فرقة الإسماعيلية إحدى فرق الشيعة نسبة إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق (ت143هـ)[13]، وقد سموا بالفاطميين نسبة إلى قولهم بالانتساب إلى فاطمة الزهراء بنت الرسول عليه السلام، وعلى الرغم من صحة هذا النسب من عدمه واختلاف المؤرخين بين مؤيد (ابن الأثير المقريزي ابن خلدون)، ومنكر لذلك (ابن خلكان- القلقشندي- ابن حزم- الذهبي- السيوطي إلا أن ما يهنا هو عوامل ظهور هذه الدولة وتداعياتها، ويرجع الفضل في نجاح الدعوة الإسماعيلية في بلاد المغرب إلى الداعية " أبو عبد الله الشيعي"  [14]الذي يعتبر المؤسس الحقيقي للدولة الفاطمية، غير أنه سبقه دعاة آخرون مهدوا لظهور دعوتهم، بحيث أن الإمام جعفر الصادق ث148هـ كان قد أوفد داعيين أحدهما يعرف بالحلواني والآخر بأبي سفيان[15] إلى بلاد المغرب وقال لهما: "إن المغرب أرض بور فاذهبا فاحرثا حتى يجيئ صاحب البذر" [16]، فذهبا وأخذا يدعوان الناس لطاعة آل البيت حتى استمالا الكثير من قبيلة " كتامة البربرية"، وظلا هناك إلى أن ماتا، وبعدها أرسل ابن حوشب[17] أبا عبد الله الشيعي وكلفه بالقيام بالدعوة للمذهب الإسماعيلي، فتمكن بعد لقائه بالحجاج الكتاميين في مكة الذين مهدوا له الطريق لدخول بلاد المغرب.[18]

كانت إفريقية في هذه الفترة في يد الأغالبة (184-296-هـ)، ولذلك انتقل أبو عبيد الله الشيعي من مرحلة الدعوة إلى مرحلة العمل المسلح، فكوّن جيشا عظيما من الكتاميين وسقطت بيده عدد من المدن منها ميلة وسطيف وغيرها[19]، وعلى الرغم من محاولات الأغالبة الوقوف في وجه المد الكتامي إلا أنهم لم يتمكنوا وسقطت عاصمتهم " القيروان" سنة 296هـ وبدأ حكم الفاطميين.

   كان الإمام الفاطمي عبيد الله المهدي مختفيا مع ابنه أبي القاسم عن العباسيين في بلدة "سلمية" [20] إلى أن أتاه وفد كتامة يخبرونه بالانتقال إلى بلاد المغرب التي أصبحت بأيديهم، ولأن ظروف انتقاله لم تكن ميسورة رغم تخفيه في هيئة التجار لجأ إلى سجلماسة[21] للتخفي عن أعين الأغالبة، ولكنهم عرفوا حاله وبإيعاز منهم تم سجنه هناك، وبعدما تمكن أبو عبد الله الشيعي من الانتصار على الأغالبة اتجه في جيوش كبيرة غربا فأنهى حكم الرستميين في تاهرت سنة 296هـ/908م، ثم اتجه إلى سجلماسة وقضى على من كان فيها وأفرج عن عبيد الله من سجنه وأعلنه إماما للفاطميين وتلقب بالمهدي ودون الدواوين وجبى الأموال[22]، وقد اتخذ من رقادة عاصمة مؤقتة لدولته، وبعدما تخلص من أبي عبد الله الشيعي بسبب أطماعه قام بإنشاء عاصمته الجديدة " المهدية"  سنة 300 هـ/1012م[23]، ثم توجهت أنظار المهدي إلى بلاد المشرق ومصر تحديدا لمكانتها السياسية وثرواتها فكانت أول حملة جهزها لغزو مصر سنة301هـ، ولم تحقق شيئا، ثم تلتها حملة سنة 306هـ، ولم تمكن الفاطميين من مصر بسبب قوة الجيوش العباسية بقيادة مؤنس الخادم[24]، وخلال هذه الفترة تعاقب على حكم الفاطميين ببلاد المغرب أربعة خلفاء هم:

1- المهدي عبيد الله أبو محمد(  297-322هـ(.

2- القائم بأمر الله محمد أبو القاسم بن المهدي( 322-334هـ. (

3- المنصور إسماعيل أبو طاهر( 334-341هـ(.

4- المعز لدين الله أبو تميم (341-362هـ(.

دخول الفاطميين مصر:

بعد اسـتقرار المعـز لدين الله الفاطمي في مصر، تمّ إحكـام نظام إداري للدولة يمكن وصفه بالعلمية لرقيه ودقته، كما أحكم نظام الدعوة، ويعدُّ يعقوب بن كلـس[25] 380هـ) وزير العزيز بالله365-386هـ أهم بناة النظام الإداري والدَعَوي للدولة الفاطمية، واستطاع هذا النظام أن يبقي الدولة الفاطمية حيَّة مدة تفوق القرنين، على الرغم من أن الخلفاء الذين تعاقبوا على عرش القاهرة لم يتسموا بالمقدرة والكفاءة السياسية والإدارية التي اتسم بها من سبقهم من الخلفاء[26].

حينما تمكن الفاطميون من إحكام السيطرة على مصر، بدا تحدي الإسماعيلية للنظام العباسي والفكر السني أكثر قرباً وأشد خطراً، وصار للفاطميين دولة واسعة الأرجاء، شملت وهي في ذروة قوتها: مصر وسورية وشمالي إفريقيا وصقلية والحجاز واليمن بما في ذلك المدينتان المقدستان مكة والمدينة[27]، وسيطر الفاطميون على جيش من الدعاة، وعلى ولاء عدد لا يحصى من الأتباع في الأراضي التي كانت خاضعة للحكم العباسي فعلياً أو اسمياً.

كانت ردت أفعال الخلافة العباسية تجاه قيام الدولة الفاطمية محتشمة، إذ لم تتعَدَّ بعض إجراءات أمن ضد الدعاة، وحرباً دعائية ضد السلالة الفاطمية التي اتهمت في مقال نشر في بغداد سنة 402هـ1011/م[28]، ومع الأيام بدأت جذوة الحركة الفاطمية تخبو، وأخذ الإسلام السني يسترد نشاطه وكانت أهم أسباب إخفاق الدعوة الفاطمية ما عانته من تمزق داخلي وظهور الأتراك على مسرح الأحداث وإقامتهم للدولة السلجوقية[29].

من أهم الأحداث التي واجهت الدولة الفاطمية، انفصال شمالي إفريقيا عن جسم الدولة، ففي عهد الأمير الزيري المعز بن باديس[30] ( (407-454تم الانفصال عن الفاطميين رسمياً، وعندما لم تستطع الخلافة الفاطمية إيقاف حركة الانفصال هذه، شجعت عدداً من القبائل العربية التي كانت قد هاجرت إلى مصر وعلى رأسها قبائل سليم وهلال[31]، على عبور النيل والاتجاه غرباً بعد أن كانوا يمنعونهم منه، ومنحوا كل عابر منهم ديناراً مع أشياء أخرى كفروة أو بعير، واجتاز هؤلاء مصر إلى الغرب موجة إثر موجة، وأقامت سليم في برقة وانتشر بنو هلال في ولاية إفريقية، ولكن هذه الهجرة لم تحقق عودة إفريقية للحكم الفاطمي، وإن كانت قد حققت بعض التغيير، فقد أشاعت الفوضى وانعدام الأمن من جهة، ولكنها من جهة أخرى صبغت شمالي إفريقيا بالصبغة العربية نهائياً[32].

من أهم المشكلات الداخلية التي تعرض لها الفاطميون، كانت تلك المتعلقة بالدعوة، ثم بعض الأزمات الاقتصادية، وأخيراً استيلاء الجند على مقاليد الأمور، فمنذ بداية قيام الخلافة الفاطمية كان هناك خلافات داخل الحركة الإسماعيلية بين فئات يمكن تسميتها بالمتطرفة، وأخرى يمكن دعوتها بالمحافظة، وكان على الخلفاء أن يواجهوا بين الحين والآخر انشقاقاً في الحركة وحتى مقاومة مسلحة، ولعلَّ أهم حركات الانشقاق كانت تلك التي بدأت زمن الحاكم بأمر الله الخليفة السادس، ولاسيما بعد اختفائه سنة 411هـ/1021م في ظروف غامضة، فاعتقد جماعة من الإسماعيلية بأن الحاكم كان ذا صفات إلهية وأنه لم يمت، بل ذهب إلى الستر والغيبة، ولذلك رفضوا الاعتراف بخليفة على العرش الفاطمي، وانفصموا عن الجسم العام للفرقة، ونالوا بعض النجاح وخاصة في بلاد الشام، وعرفوا باسم الدروز، وما تزال فئات كبيرة منهم تعيش في بلاد الشام[33].

في عصر الخليفة المسـتنصر بالله427-487هـ، وصلت الخلافة الفـاطمية إلى ذروتها ثم هوت بـسرعة كبيـرة، وجرى في أيامه ما لم يجر في أيام أحد من أهل بيته، فخطب البساسيري[34] في بغـداد باسـمه مدة سنة، وخطب علي بن محمد الصليحي في بلاد اليمن باسمه ولكن الخطبة قطعت باسمه في إفريقية سنة 443هـ، وقطع اسمه من الحرمين سنة 449هـ، وذكر اسم الخليفة العباسي القائم بأمر الله422-467هـ[35]، وفي سنة 446هـ نكبت مصر بالوباء والقحط وكان وقعهما شديداً فيها فعمت الفوضى والمجاعة وعاد الوباء أشد ما يكون في سنة 456هـ ، والذي استمر حتى سنة 464هـ1071م مقترناً بالفتن والحروب، وامتدت يد السلاجقة إلى الشام حتى كادت تخرج من أيدي الفاطميين، فاستدعى المستنصر بالله بدر الجمالي إلى مصر من عكا سنة 466هـ/1073م، ليكون القائم بتدبير الدولة وإصلاح الأمور[36].

أبحر بدر في حرسه الخاص من الأرمن وفي جنده المخلصين من عكا قاصداً مصر، وقضى على الأمراء الذين أثاروا الفتن، وأعاد الهدوء إلى العاصمة، واستمر يتتبع المفسدين في كل جهة من جهات مصر حتى استتبت الأمور وسكنت الفتن وفرض النظام والهدوء، ونصب المستنصر بالله بدراً أميراً للجيوش ولُقب بكافل قضاة المؤمنين (قاضي القضاة) و(هادي دعاة المؤمنين (داعي الدعاة وعيَّن وزيراً للسيف لا يتقدمه أحد، وفوَّض إليه جميع سلطاته فأصبح بدر الجمالي صاحب الحل والعقد، له أن يولي كبار موظفي الدولة ويعزلهم، وهكذا أصبحت الوزارة في أواخر عهد المستنصر بالله حتى نهاية العصر الفاطمي وزارة تفويض بعد أن كانت وزارة تنفيذ في الفترة ما بين 358-465هـ.[37]

ضعف نفوذ الخلفاء الفاطميين كثيراً بعد وفاة المستنصر، بينما زادت سلطة الوزراء الذين استفحلت قوتهم وتضخمت ثروتهم وأصبح في أيديهم أمر تعيين الخلفاء وعزلهم، وكان بعضهم يؤثر اختيار أحد أمراء البيت الفاطمي الضعاف حتى يكون ألعوبة في أيديهم، وتجلت هذه الظاهرة في عهد الوزير الأفضل بن بدر الجمالي أمير الجيوش فعندما عزم المستنصر بالله على أخذ البيعة لابنه الأكبر نزار، ماطل الأفضل في مبايعته لأنه كان يميل إلى أبي القاسم أحمد بن المستنصر من زوجته أخت الأفضل، فلما مات المستنصر بالله، اجتمع الأفضل بالأمراء والخواص وخوَّفهم من نزار وأشار عليهم بمبايعة أخيه الأصغر أحمد، وكان حديث السن، فبايعوه، وأجلسه الأفضل على مقعد الخلافة سنة487هـ/1094م، ولقّبه المستعلي بالله، فهرب نزار إلى الإسكندرية وثار هناك فلاحقته قوات الأفضل أمير الجيوش وقضت عليه وعلى ثورته، وأدّى اختيار المستعلي إلى انشقاق الدعوة الإسماعيلية إلى قسمين، فقد رفض الإسماعيلية في المشرق الاعتراف بالخليـفة الجديـد وفي سنة 525هـ/1130م بعد مقتل الخليفة الآمر بن المستعلي، رفض الإسماعيلية المستعلية الاعتراف بالخليفة الجديد في القاهرة، وتبنوا عقيدة فيها أن طفلاً رضيعاً للآمر يدعى الطيب كان قد فُقِد حيث استتر وهو سيكون الإمام المنتظر، وهكذا لم يعد للمستعلية أئمة بعده.[38]

حكم بعد الآمر أربعة خلفاء من الأسرة الفاطمية، لكنهم كانوا بلا صلاحيات أو نفوذ، وضعفت مصر في عهدهم ضعفاً شديداً، وكانت الحروب الصليبية قد بدأت، وحـاول الصليبيون احتلال مصـر، فاستنجد الخليفة الفاطمي العاضـد بنور الـدين زنكي الـذي أرسل قواته لنجدته وأبطل التدخل الصليبي، وفي عام 567هـ/1171م ألغى صلاح الدين الأيوبي بأمر من نور الدين الخلافة الفاطمية وأعاد مصر إلى حظيرة الخلافة العباسية.

اهتم الفاطميون منذ أن استقر سلطانهم في مصر بالعمل على نشر الثقافة العلمية والأدبية، فضلاً عن الثقافة المذهبية التي تتصل بالدعوة الإسماعيلية، كالفقه والتفسير، وكان للجامع الأزهر أثر كبير في النهوض بالحياة الثقافية في مصر، وفاقت شهرته جميع المساجد الجامعة في مصر منذ أن أشار الوزير يعقوب بن كلس سنة378هـ/988م على الخليفة العزيز بتحويله إلى معهد للدراسة بعد أن كان مقصوراً على إقامة الدعوة الفاطمية، فاستأذنه في أن يُعيّن بالأزهر بعض الفقهاء للقراءة والدرس على أن يعقدوا مجالسهم بهذا الجامع في كل جمعة من بعد الصلاة حتى العصر، فرحب العزيز بذلك ورتب لهؤلاء الفقهاء أرزاقاً شهرية ثابتة وأنشأ لهم داراً للسكنى بجوار الأزهر، وظل الأزهر مركز الفقه الفاطمي إلى أن بنى الحاكم بأمر الله جامعه، فانتقل إليه الفقهاء لإلقاء دروسهم[39].

كذلك اهتم الفاطميون بإنشاء المكتبات، فألحقوا بالقصر الشرقي الكبير مكتبة زودوها بأندر المؤلفات في مختلف العلوم والفنون حتى تميزت من غيرها من مكتبات العالم الإسلامي بما في خزائنها من كتب قيمة، وقد فقدت مكتبة القصر الفاطمي عدداً غير قليل من الكتب القيمة في غضون الشدة العظمى التي حلت في عهد المستنصر بالله، فاستولى الجند والأمراء على الكثير مما في خزانة الكتب، وعلى الرغم من ذلك كله، بقي في خزائن القصر كتب لم تصل إليها يد العبث، واستطاع الفاطميون فيما بعد أن يعوضوا ما فقدوه، فجلبوا إلى مكتبة القصر كثيراً من الكتب الجديدة، حتى أصبح في قصر العاضد آخر الخلفاء الفاطميين مكتبة كبيرة، ومن المراكز الثقافية بمصر دار الحكمة التي أسسها الحاكم بأمر الله سنة395هـ/1004م، وأطلق عليها هذه التسمية رمزاً إلى الدعوة الشيعية لأن مجالس الدعوة كانت تسمى مجالس الحكمة، وزود الحاكم هذه الدار بمكتبة عرفت باسم دار العلم، حوت الكثير من الكتب في سائر العلوم والآداب من فقه ونحو ولغة وكيمياء وطب، وسمح لسائر الناس على طبقاتهم بالتردد عليها[40].

   شجع الفاطميون العلماء والكتّاب؛ وهو ما أثره لدى طائفة كبيرة منهم في مصر، فاشتهر من المؤرخين في العصر الفاطمي، أبو الحسن علي بن محمد الشابشتي 388هـ) صاحب كتاب "الديارات" الذي اتصل بخدمة الخليفة العزيز فولاه خزانة كتبه واتخذه من جلسائه، كما نبغ من المؤرخين الأمير المختار عز الملك المعروف بالمسبحي 420هـ)، وكان من جلساء الحاكم بأمر الله وخاصته وشغف بكتابة التاريخ، وألَّف فيه عدة كتب منها تاريخه الكبير "تاريخ مصر" ومن أعلام المؤرخين أبو عبد الله القضاعي  454هـ) وكان من أقطاب الحديث والفقه الشافعي، له كتاب "مناقب الإمام الشافعي وأخباره" أوفده الخليفة المستنصر بالله سفيراً إلى تيودورا إمبراطورة الدولة البيزنطية سنة (447هـ) ليحاول عقد الصلح بينها وبين مصر، ومن الكتاب المؤرخين الذين ظهروا في أواخر العصر الفاطمي، أبو القاسم علي بن منجب الصيرفي  542هـ)الذي اشتهر ذكره وعلا شأنه في البلاغة والشعر[41].

خلفاء الدولة الفاطمية في مصر:

•                  الخليفة المعز لدين الله:

أبو تميم معد بن منصور العبيدي، رابع خلفاء الدولة الفاطمية بشكلٍ عام، وأول خليفة في مصر بشكلٍ خاصٍ وبدأت خلافته عام) (358هـ، واستمرت لعام 365) هـ(؛ وهي سنة وفاته، وفي عهده بُنيَت مدينة القاهرة على يد القائد جوهر الصقليّ خلال 3 سنوات، والمعز هو الذي سماها بالقاهرة.

•                    الخليفة العزيز بالله

نزار بن معد بن الخليفة المعز لدين الله، بدأ حكمه عام 365)  هـ(   سنة وفاة والده، واستمر حتى وفاته عام 386)هـ).

 

•                    الخليفة الحاكم بأمر الله

المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام (386هـ(  ، واستمرت حتى وفاته عام 411)هـ(.

•                    الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله

أبو الحسن علي بن الحاكم بأمر الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام 411)هـ)، واستمرت حتى وفاته عام( 427هـ)

•                    الخليفة المستنصر بالله

أبو تميم معاذ، وهو ابن الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام 427هـ) وكان صغيراً في السن، واستمر حتى وفاته (487 هـ)، وبسبب صغر سنه كانت فترة حكمه تمتاز بسيطرة الوزراء على الدولة وقوة تحكمهم.

•                    الخليفة المستعلي بالله

هو ابن الخليفة المستنصر بالله بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام(487هـ)، واستمرت حتى وفاته عام 494هـ.

•                    الخليفة الآمر بأحكام الله

أبو علي المنصور ابن الخليفة المستعلي، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام494هـ، واستمرت حتى وفاته عام (523هـ.

•                    الخليفة الحافظ لدين الله

أبو الميمون عبد المجيد وهو ابن عم الخليفة الآمر بأحكام الله، وبدأت فترة حكمه بعد وفاة ابن عمه عام  (523هـ (، واستمرت حتى وفاته عام544هـ.

•                    الخليفة الظافر بدين الله

إسماعيل ابن الخليفة الحافظ لدين الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام 544هـ، واستمرت حتى وفاته عام 549هـ،  وقد مات مقتولاً.

•                    الخليفة الفائز بنصر الله

وهو عيسى بن الخليفة إسماعيل الظافر بدين الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام 549هـ، واستمرت حتى وفاته عام 555هـ.

•                    الخليفة العاضد لدين الله

عبد الله بن يوسف ابن الخليفة الحافظ لدين الله، وهو آخر خلفاء الدولة الفاطمية، بدأ حكمه عام 555هـ/1160م، واستمر حتى تم خلعه عام567هـ/1171م[42].

المحور الثاني: المجتمع المشرقي في عهد الفاطميين:

المحاضرة 01: تركيبة المجتمع وعناصره:

   عرفت التركيبة السكانية داخل المجتمع المصري في العصر الفاطمي تنوعا بين مختلف الأجناس والأعراق، ويعود السبب في ذلك أن البيئة المصرية بيئة جالبة للسكان، وهو ما يفسر كثرة الهجرات إليها من مختلف الأقاليم والأمصار منذ الحضارات القديمة، بالإضافة إلى عدم نفور سكان مصر الأصليين ممن وفد عليهم  وسكن بينهم، ومن أشهر عناصر المجتمع في هذه الحقبة نجد:

أ- العرب والأقباط والأفارقة:

   تختلف الدراسات حول تحديد  أوائل الشعوب التي سكنت مصر من بني البشر حتى قبلف وجود الفراعنة ، غير أن ما يهمنا معرفته هو التركيبة البشرية لمصر في زمن الفاطميين تحديدا، ويكاد يجكع الباحثون على أن العناصر العربية شكلت وافدا مهما بعد فتح عمرو بن العاص لمصر سنة 20هـ/641م، بحيث استوطنت قبائل وبطون عربية كثيرة الديار المصرية، وامتزجت مع من سكنها قبلهم من الأفارقة والأقباط والأتراك وغيرهم، ومن أشهر القبائل العربية التي استقر بها المقام في مدينة القاهرة وغيرها من المدن المصرية في العصر الفاطمي نجد: (طيء- جذام بن عدي- لخم- جهينة- الأزد- حمير- قيس- مذحج- القبائل اليمنية- وغيرها) ، ومن سكانه طائفة الأقباط المسيحيون الذين صالحوا عمرو بن العاص على أموالهم وديانتهم وكنائسهم ومن أشهر مدنهم الإسماعيلية و الإسكندرية، كما سكنها الأفارقة السود والذين اشتهروا في عهد الفاطميين باسم السودان[43].

ب- المغاربة:

   هم مجموعة من القبائل سموا باسم الإقليم الذي انتسبوا إليه وهو بلاد المغرب الإسلامي، وقد ازدادت أعدادهم بشكل كبير مع دخول الفاطميين إلى مصر، ومن أشهر هذه القبائل:

1- كتامة: قبيلة بربرية وتعتبر من أكبر القابائل البربرية في بلاد المغرب وبخاصة في المنطقة الشرقية منه ، وقد سكن الكتاميون القاهرة ، وعرفت إحدى حاراتها ( حارة كتامة) ، وكان لهم دور كبير في تكوين الجيوش الفاطمية[44].

2- زويلة: إحدى القبائل البربرية، وعند بناء القاهرة اتخذ شيوخها حارة خاصة بهم باسم   (حارة زويلة) ، ولقد توالت هجرات هذه القبيلة إلى مصر ما بعد سنة 358هـ/968م، ومن أشهر آثارهم في القاهرة إلى جانب الحارة (بئر زويلة) ، وباب زويلة أحد أبواب مدينة القاهرة الشهيرة[45].

3- المصامدة: قبيلة بربرية تعرف بمصمودة ، إحدى مكونات الجيوش الفاطمية ، دخلت مصر مع الخليفة الفاطمي المعز لدين الله ، وذكرت المصادر أن أعدادها في عصر المستنصر بالله الفاطمي حوالي 20 ألف رجل، وقد ظهرت باسمهم حارة عرفت باسم       (حارة المصامدة )، وأخرى بـ (حارة سوس)، إحدى فروع المصامدة[46] .

4- لواتة: هي إحدى القبائل البربرية؛ وهي بطون كثيرة استوطنت مصر في العصر الفاطمي، وقد قيا بلغ عددهم في خلافة المستنصر بالله نحو 50 ألف رجل، وأشار المقريزي إلى أن بعضهم استوطن مدينة المنوفية[47].

5ـ- صنهاجة : قبيلة بربرية كثيرة العدد انتشرت في منطقة شمال إفريقيا حتى قيل هي ثلث أمم المغرب، وقد انتقلت أعداد كثيرة منها إلى مصر مع المعز لدين الله الفاطمي، ولا يعرف

بالتحديد مناطق استيطانهم في القاهرة[48].

6- بنو الشعرية: احدى البطون البربرية المغاربية انتقلوا مع جوهر الصقلي إلى مصر وأسهموا في تأسيس مدينة القاهرة، وإليهم ينسب أحد أبواب القاهرة " باب الشعرية"[49].

7- البرقية: قبائل بربرية كثيرة تنسب إلى إقليم برقة في ليبيا الحالية ولذلك سميت بالرقية، دخلوا مع جوهر الصقلي إلى مصر سنة (358هـ/968م) ، وقيل وفدت مع المعز لدين الله الفاطمي سنة 362هـ، اتخذت لنفسها حارة عرفت باسمها "حارة البرقية "، وإليها ينسب "باب الرقية" أحد أبواب القاهرة[50]، وإلى يومن هذا تعرف إحدى سلالات الأغنام في مصر باسم " الأغنام البرقية" فلعل ذلك يعود إلى أصحابها.

8- المحمودية: إحدى البطون البربرية التي وفدت على مصر في عهد الخليفة العزيز بالله الفاطمي بحسب ما ورد في المصادر التاريخية، وإليها تنسب (حارة المحمودية)، في القاهرة[51].

9- العدوية: اجدى الطواءف المغاربية والتي يرجح أنها من البربر ظهرت في جيش العزيز بالله الفاطمي، وإليها تنسب (حارة العدوية)، بالقاهرة[52].

    تعددت أسماء القبائل البربرية المغاربية بحسب اختلاف بطونها وأفخاذها التي دخلت مصر واستوطنت مدنها؛ والمتتبع لألقاب المصريين وأسمائهم المتوارثة يدرك هذه الحقيقة كـألقاب الزناتي والمليجي والكومي والمصمودي ورزين والمرغني والهواري والتلمساني والنفزي والملزوزي والزواغي والدراجي، ويدرك أهمية الاستيطان الكبير الذي عرفته القبائل البربرية في مصر في العصر الفاطمي، ولا يستبعد معه أنها كانت تتحدث فيما بينها بلسانها البربري؛ ولذلك نجد إلى يومنا هذا بعض التعابير والكلمات ذات الأصل البربري، غير أن لغتهم ادثرت مع مرور الزمن بحكم غلبة اللسان العربي ومكانة اللغة العربية وكتابتها الحضارية في العصر الإسلامي.

ج- الأتراك:

   اشتهر الأتراك في الفترة التي سبقت ظهور الدولة الفاطمية بأعدادهم الكبيرة في الجيوش الإسلامية، وهذا بسبب التراكم التاريخي في ظهورهم منذ عصر المعتصم بالله العباسي الذي خصص لهم مكانة كبيرة في تكوينات الجيش العباسي في بغداد ومصر وخراسان، واستمرت هذه التنشئة في مصر إلى غاية قدوم الفاطميين، ففي عهد العزيز بالله الفاطمي   (325-382هـ) ظهرت أعدادهم بشكل كبير بحيث جلبوا من بلاد الشام بقيادة القائد التركي  "أفتكين "، وبجوار الجامع الأزهر اشتهرت حارتهم باسم "حارة الأتراك"، بل جعل العزيز جيوش الفاطميين من الكتاميين والمغاربة تحت إمارة القائد التركي "أفتكين"، ثم اشتهر القائد ناصر الدولة بن حمدان الذي دخل في صراعات مع العبيد السودان، ولم تنته سطوتهم إلا بعد مجيء بدر الدين الجمالي في عهد المستنصر بالله فأنهى سطوتهم وأبعدهم عن شؤون الجيش والدولة[53].

   يضاف إلى ما ذكر من التركيبة المجتمعية في العصر الفاطمي ظهور الأرمن والديلم والفرس والسودان والأعاجم وغيرهم.   

عناصر المجتمع:

   لا يمكن الحديث في العصور الإسلامية الوسطى عن طبقات المجتمع بذات المصطلح المتداول في العصور القديمة لاختلاف الدلالات السياسية والدينية والاجتماعية، ذلك لأن الإسلام لم يكن دين طبقي ولا المجتمع الإسلامي مجتمعا طبقيا بنصوص شرعية من القرآن والسنة النبوية؛ ومنها قوله تعالى: ( والله فضل بعضكم على بعض على بعض في الرزق)، وفي السنة ما يدلل على عدم التفرقة على أساس العرق واللون والطائفة، بل شجع الإسلام على تحرير العبيد حتى جعل كفارة المذنب في انتهاك الحدود وحرمات الله تحرير العبيد (رقبة مؤمنة) تكفيرا عن ذنبه، ولذلك فالعبودية موروث من عهد الجاهلية حاول الإسلام التخلص منها ومحاربتها، (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) [54] ، وقد تبنت النظريات الحديثة مصطلح "الطبيقية"؛ بحيث ظهر بقوة في الأدبيات الماركسية؛ وهو مفهوم يدل على وجود تفاوت طبقي في المجتمع سواء كان هذا التفاوت اقتصاديا أم اجتماعيا، بينما ينظر الإسلام إلى التباين الاقتصادي والاجتماعي بين الناس بنظرة التفضيل الرباني في الأرزاق والعطايا، ولا يقلل الفقر والعوز من قيمة الإنسان ومكانته، ولا يفرض عليه ما يفرض على غيره على أساس الغنى والفقر؛ ولذلك وجب أن يستبدل مصطلح        "الطبقات" بمصطلح "عناصر المجتمع وشرائحه"؛ وهو ما سيتم الحديث عنه بهذا التوصيف داخل المجتمع الفاطمي في مصر.

-الخاصة: ويعرفون ببياض الحضرة، وأهل القصر وأهل السلطان، وعلى رأسهم الخليفة وحاشيته من وزراء وحجاب وعمال وكبار قادة الجيش، ورجالات الدولة.

-العامة: باقي شرائح المجتمع في الدولة الفاطمية منهم: الفقهاء والأدباء والتجار والمزارعون وأهل الصنائع والحرف؛ وهو يشكلون الغالبية العظمى من ساكنة الدولة.

- العبيد: وتشمل العبيد والخدم على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وألقابهم ( البيض والسود والصقالبة والخصيان).، وتختلف مهامهم وأعمالهم بحسب طبيعة وظائفهم في القصور والبيوت والأسواق، كانوا يباعون ويشترون في أسواق النخاسة أو من سبي الحروب أو يقدمون كهدايا للملوك والأمراء.

-أهل الذمة: أقلية من غير المسلمين، ويطلق هذا المصطلح في العادة على (اليهود والنصارى)، لهم مالهم وعليهم ما عليهم بحسب مقتضى النصوص الشرعية في التعامل مع النصارى واليهود من حيث تعاملاتهم وعلاقاتهم بالمسلمين، فتشمل لباسهم وكنائسهم وعبادتهم، ولا اختلاف بين المؤرخين أن النصارى الأقباط تواجدوا في مصر مع الفتح الإسلامي في الإسكندرية ودمياط والفسطاط وغيرها من المدن المصرية، وما كان على ولاة مصر بداية من عمرو بن العاص وإلى غاية الدولة الفاطمية أن يتجاهلوا حقيقة وجودهم ودورهم كعناصر فعالة داخل المجتمع المصري[55].

المحور الثاني: المجتمع المشرقي في عهد الفاطميين:

المحاضرة 03: دور وواقع المرأة في المجتمع الفاطمي:

   سجلت المرأة في المجتمع المصري في العهد الفاطمي حضورا لافتا من خلال مشاركتها في مختلف مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولا تخلو المصادر التاريخية والأدبية من إظهار تلك الجوانب المهمة  في حياة نساء العصر الفاطمي، بحيث أدّت المرأة دوراً محورياً في انتقال السلطة، وفي بعض الأحيان كانت هي من تدير شؤون الدولة، وهنا يمكننا ذكر دور "سِت المُلك"[56]، التي أدارت السلطة في الفترة الانتقاليّة بين موت الخليفة الحاكم بأمر الله، وتولّي ابنه الظاهر لإعزاز دين الله، ودور أمّ الخليفة المستنصر بالله التي كانت هي الحاكم الفعلي للبلاد، حين تولّى ابنها الخلافة وهو طفل حسبما تجمع المصادر التاريخيّة.

اختلف تأثير النساء في المجتمع المصري بحسب مكانتهن الاجتماعية، وهو ما يجعلنا نصنفهن على أساس الدرجة والمكانة إلى :

ـأ- نساء الخاصة: وتضم نساء الخليفة من زوجات وجواري، ونساء رجال الحاشية المقربة من الخليفة، وفي العادة لا يختلطن بنساء العامة إلا نادرا لدواعي أمنية واجتماعية فرضتها الظروف المعمول بها في العصر الفاطمي، وقد تميزن بلباسهن وحليهن وطرق تعليمهن وآدابهن عن بقية نساء العامة، وكن يطلق عليهن "الحريم" والقصر الذي يقمن فيه يسمى "قصر الحريم"[57].

-ب- نساء العامة: يشكلن أغلبية النساء في المجتمع المصري، وتختلف وظائفهن بحسب تمايزهن الاجتماعي، فهناك الماكثات في البيوت والعاملات في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والصناعية والحرفية، كما نال الكثير منهن حظا وافرا من التعليم، فلقد منح الفاطميون حرية التعليم لفئات العامة مع مراعاة الضوابط الشرعية، فبرز منهن المؤدبات والمعلمات والطبيبات والموسيقيات والمغنيات وغيرهن[58].  

-ج- الجواري: عرف المجتمع الفاطمي شريحة واسعة من الجواري اللواتي تواجدن في القصور والبيوت، وقد خصصت لهن أسواق خاصة في القاهرة عرفت بأسواق النخاسة والعبيد (الرق)، وكن يجلبن من مختلف المناطق في العالم فمنهن الصقلبيات والتركيات والفارسيات والنصارى والسودان، وكن بارعات في فنون شتى منها: الغناء والرقص والشعر والطبخ، وتميزن بالجمال والأناقة، وكانت الواحدة الماهرة منهن تباع بأبهظ الأثمان فالخليفة العزيز بالله زوجته كانت جارية نصرانية، وهي "أم ست الملك" أخت الحاكم بأمر الله الفاطمي، والخليفة الظاهر بالله أمه كانت جارية وتزوج من جارية أنجبت له ابنه الحكم المستنصر بالله، ومن المعروف أن الجارية إذا تزوجت من سيدها وأنجبت منه فإن مكانتها ترتفع إلى " أم ولد" وتحظى بما تحظى بها سيدات القصر[59].

-د- نساء أهل الذمة: فرضت على نساء أهل الذمة من اليهود والنصارى في العصر الفاطمي جملة من الأحكام والقرارات ذات صلة بلباسهن وزواجهن، ومعاملتهن مع المسلمين، ومن بين أشهر ما ميز نساء أهل الذمة في العهد الفاطمي هو ممارستهن لضروب التجارة النسائية كالنسيج والحياكة وبيع الحلي وتربية دودة القز والعمل في البساتين، وفرضت عليهن ألبسة خاصة حتى لا يتشبهن بالمسلمات كالزنار وهو حزام يتوسط الجسد، ووضع قلائد في العنق عليها كلمة ذمي، وأحذية بلونين مختلفين أحمر وأسود، والإسلام لا يمنع الزواج من الكتابية، ولذلك تزوج العزيز بالله الفاطمي من نصرانية، غير أن الحاكم بأمر الله الفاطمي ضيق الزواج بغير المسلمة بالنسبة للخلفاء، وزداد التضييق على نساء أهل الذمة في عهد المستنصر بالله الفاطمي أيضا[60].

- دور المرأة الفاطمية في المشرق الإسلامي:

أ- دورها في الجوانب السياسية:  أسهمت المرأة في العصر الفاطمي من فرض وجودها في دواليب الحياة السياسية، وبخاصة اللواتي ينتمين إلى الأسرة الحاكمة، سواء زوجات الخلفاء أو الأميرات من أخوات الخلفاء وبناتهم، ومن أشهرهن حضورا في التاريخ الفاطمي في مصر "ست الملك" (ت415هـ/1024م) ابنة الخليفة العزيز بالله الفاطمي وأخت الخليفة الحاكم بأمر الله، فقد كانت ذا شأن كبير في حياة والدها العزيز، وذلك لرجاحة عقلها وحكمتها، وحسن تدبيرها عند استشارتها في شؤون السياسة والحكم، وظهر أثرها أكثر في حياة أخيها الحاكم بأمر الله ثم ابنه الظاهر بالله، غير أن المؤرخين يوردون عدة روايات تثبت نشوب الصراع بين " ست الملك" وأخيها الحاكم بأمر الله  وهو ما حدا به إلى التخلي عنها ومناصبتها العداء، غير الأمر انتهى بمقتله على يدها سنة 411هـ/1020م وتولية ابنه الظاهر بالله والوصاية عليه لصغره، وإدارة أمور الدولة بدلا عنه[61].

    كانت هذه الحادثة بداية التدخل المفرط للنساء في شؤون الحكم والسياسة على مدار القرن الخامس الهجري، والذي عرف بداية تدهور الأوضاع الداخلية للدولة وضعفها، فقد ظهر دور زوجة الظاهر بالله التي كانت من أصول نصرانية وتأثيرها على زوجها خدمة للنصارى وأهل الذمة عموما (امتيازات) ، ثم ظهرت السيدة "رصد" أم الخليفة المستنصر بالله (ت487هـ/1094م) وهي كانت جارية سوداء ظهر تأثيرها بعد وصول ابنها للخلافة وهو صغير، فتدخلت في شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وكانت تختم الرسائل باسمها، ومن أبرز أعمالها إدخال الجنود السود حتى تتغلب على العناصر التركية[62]، غير أن هذا انتهى بانتشار الصراعات الدامية بين الجيوش الفاطمية فأنهك الدولة وأفسد دواليبها، وتزامن ذلك مع ظهور الأزمة الاقتصادية التي عرفت بالشدة المستنصرية[63].

   استمر تأثير تدخل النساء إلى غاية أواخر عهد الدولة؛ ففي عهد الخليفة العاضد  لدين الله (ت567هـ/1171م) كانت أمور الدولة تدار من عمتيه الكبرى والصغرى وبخاصة الصغرى المسماة "سيدة القصور"، والتي استمرت دسائسها ومؤامراتها على الوزراء وقادة الجيش إلى غاية دخول صلاح الدين الأيوبي وإسقاطه للدولة الفاطمية سنة 567هـ[64].

ب- دور المرأة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية: 

   لا تطلعنا المصادر التاريخية عن معلومات كافية حول نشاطات النساء في الحياة الاقتصادية في عهد الدولة الفاطمية في مصر إلا ما ورد عرضا من الممارسات الاعتيادية للنساء كالخياطة والنسيج والحرف، على الرغم من أن العهد الفاطمي في مجمله تميز بالثراء وتنوع الموارد المالية، وأبلغ ما ورد عن قيام نساء القصر بأعمال الصدقات كحفر الآبار وبناء المساجد وترميم بيوت الفقراء، وإنشاء أوقاف خاصة للأيتام وكبار السن والمرضى، فزوجة الخليفة الآمر بأحكام الله المسماة "علم الآمرية" أقامت دارا خاصة بالعجائز والأرامل سنة 526هـ/1131م، وكان لها صدقات كثيرة[65].

- دور المرأة في الحياة الدينية والثقافية:

    لم تظهر صورة إسهامات المرأة في العصر الفاطمي بشكل واضح في الحياة الدينية والثقافية إلا ما كان من أخبار عن نساء القصر اللواتي أسهمن في بناء مدارس وجوامع اتخذت فيها حلقات علمية وتعليمية، ومنها "جامع القرافة" الذي بنته السيدة "تغريد" زوجة الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وهو ثاني جامع بعد الأزهر ومسجد السيدة "رقية" الذي شيدته " علم الآمرية" زوجة الخليفة الآمر بأحكام الله سنة 527هـ/1132م، وممن شاركن في التعليم وإلقاء الدروس نجد السيدة "أم الخير الحجازية" التي كانت واعظة تدرس النساء في جامع عمرو بن العاص، وظهر إقبال النساء على مجالس العلم في أماكن منفردة[66].

أضرحة نساء آل البيت:

   يشير بعض المؤرخين إلى ظهور عدد كبير من شواهد القبور في القرن العاشر في مصر، لنساء آل البيت اللائي حظين بقدسية لدى الشيعة الإسماعيلية (الفاطميين)، وبتبجيل كبير أيضا لدى السُنة المصريين، لافتين إلى أن الكثير من ممارسات الشيعة الإسماعيليّة تتمحور حول القبور.

   يشير الباحث أيمن فؤاد سيد، أستاذ التاريخ المتخصص في الدراسات الإسماعيلية، في كتابه الشهير "الدولة الفاطمية في مصر: تفسير جديد"، أن مصر لم تعرف المساجد التي تحتوي على أضرحة إلا في عهد الفاطميين، سواء التي تضم جسماناً مدفوناً بها، أو تلك التي كانت مجرد أضرحة رمزية (وهي الأغلب)، أو ما عرفت بـ"مشاهد الرؤيا"، حيث يُبنى مسجد ويقام به ضريح لشخص لم يدفن به، ومع ذلك يتوجه إليه الناس ويطلبون البركة[67]،

    والمتتبع لما ذكره الباحث فؤاد سيد يجد أنها لازالت موجودة بالقاهرة إلى اليوم، إنشاء عدد من المساجد باسم نساء من آل البيت، كالسيدة سكينة بنت الحسين بن علي، السيّدة رقية بنت الإمام علي الرضا والسيّدة عاتكة عمّة النبي محمّد، وهي نماذج لمشاهد أو أضرحة رمزيّة، بالإضافة للأضرحة الحقيقيّة، وتلك التي أُعيد إحياؤها، كضريح السيّدة نفيسة بنت الحسن، حفيدة الحسن بن علي بن أبي طالب، المدفونة به منذ بداية القرن الثالث الهجري، قبل قيام الدولة الفاطميّة نفسها، حيث أنشأ الفاطميون قبّة على الضريح، ومسجداً لازال قائماً في القاهرة إلى الآن، بل هو من أشهر مساجدها[68].  

 

 

- العمارة والأوقاف:

   كان للنساء في العصر الفاطمي إسهام في وقف أملاكهنّ على مساجد ومرافق عامة لخدمة الناس، وكانت تلك الأوقاف وهذه الأعمال تقام بأسمائهنّ، لا باسم الدولة أو باسم الخليفة، وبرعايتهن المباشرة، وكان يتولى الإشراف على الأوقاف في العصر الفاكمي ديوان يعرف بـ "ديوان الأحباس"[69].

 ففي سنة 363هـ/ 973-974م، عندما أصبح العزيز بالله وليّاً للعهد، بَنَتْ والدته "دورزان" وتسمّى أيضاً "تغريد"، زوجة المعزّ لدين الله الفاطمي، ما يُعرف بـ"منازل العزّ،" التي كانت تطلّ على النيل، وهي منتجع كان يتنزّه فيه الخلفاء والأسرة الحاكمة، وصارت بعد ذلك مدرسة للفقه الشافعي في العصر الأيوبي، أما العمل الأهمّ لـدورزان فهو بناء "مسجد القرافة"، أو ما عرف بعد ذلك بـ"مسجد الأولياء"[70].

   تبعت دورزان ابنتها "ست المُلك" عام 977م، وأنشأت حوضاً للمياه بجوار مسجد القرافة، إن "ست المُلك" حفيدة دورزان، وأخت الحاكم بأمر الله، سارت على نفس التقليد في بناء المرافق العامة، وكانت توقف أموالها على بناء مساجد ومبانٍ عامّة، ولكن لا توجد مبانٍ تحمل اسمها قائمة الآن لعدّة احتمالات، منها الدمار الذي طال أجزاء كبيرة من الآثار الفاطميّة في فترات تاريخيّة لاحقة، ومنها على سبيل المثال قصر الخلافة نفسه، الذي انمحى أثره وأقيمت على أطلاله بنايات متعدّدة، بدءاً من العصر الأيوبي وما تلاه، كذلك بَنَتْ رَصَد أم الخليفة المستنصر حوضاً آخر للمياه بالقرب من القرافة[71].

- المحور الثالث: الأزمات السياسية والاقتصادية والصراعات المذهبية في عهد الدولة الفاطمية.

المحاضرة 01: الأزمات السياسية و الاقتصادية:

   فقدت الدولة الفاطمية الكثير من نفوذها في بلاد الشام بسبب كثرة الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعرضت لها وأنهكتها في آخر عهدها ، وعلى الرغم من الاختلافات الواضحة بين المؤرخين في حصرها، إلا أنه يمكن أن نجمل أسباب هذا التراجع الكبير الذي أدى في نهاية المطاف إلى سقوطها النهائي في عهد آخر خلفائها العاضد لدين الله الفاطمي على يد الناصر صلاح الدين الأيوبي سنة 567هـ/1172م إلى ما يلي:

أ- كثرة النزاعات: كثرة النزعات بين عناصر الجيوش الفاطمية ذات الولاءات المختلفة، والطوائف العرقية المتعددة ( مغاربة ، أتراك، فرس وغيرهم)، فاختل الأمن وانتشرت الفوضى في مصر وبلاد الشام[72].

ب- الشدة المستنصرية: (من سنة457هـ إلى سنة464هـ ) : ظهرت في مصر في منتصف القرن 5هـ/11م أزمة اقتصادية حادة بسبب نقص مياه نهر النيل وشح الأمطار مما أدى إلى الجفاف وتراجع الزراعة، فظهرت المجاعة وتفشت الأوبئة وغلت الأسعار على مدار 7 سنوات، وقد وصف مؤرخ مصر المقريزي هذه الشدة بقوله: " وقع في أيام المستنصر الغلاء الفاحش...حيث أكلت الكلاب والقطط، فبيع الكلب ليؤكل بخمسة دنانير، وتزايد الحال حتى أكل الناس بعضهم بعضا ، فكانت طوائف تجلس بأعلى بيوتها ومعهم سلب وحبال فيها كلاليب، فإذا مر بهم أحد ألقوها عليه ونشلوه في أسرع وقت وشرّحوا لحمه وأكلوه"[73].

   لم تنته هذه الشدة إلا بعد ظهور الوزير بدر الدين الجمالي (ت487هـ) الذي استدعاه الخليفة المستنصر بالله الفاطمي من بلاد الشام، والذي تمكن من إعادة الوضع على ما كان عليه، إلا أن ذلك لم يدم طويلا بسبب ضعف الخلفاء وظهور الخلافات بين الوزراء وقادة الجيش[74].

ج- تغلب الوزراء على منصب الخليفة الفاطمي، وتولي الصبية برعاية من نساء القصر ومن حالفهم من الوزراء والقادة؛ وهو ما أضعف هيبة منصب الخليفة بين الرعية، وأسهم بزرع الفتن داخل البيت الفاطمي وأضعف سلطتهم[75].

د-أصدر الحاكم بأمر الله سنة 402هـ/1011م قوانين ضد النصارى واليهود تتصف بالصرامة، بحيث عين لهم لباسا خاصا، ووضع الصلبان على أعناقهم، وأمر بهدم الكنائس، وهو ما أغضبهم وحز في نفوسهم وقد أعطوا الأمان على ذلك منذ فتح مصر، ومع اعتراضهم في حضرته إلا أنه خيرهم بين اعتناق الإسلام أو الرضوخ للأمر الواقع[76].

المحاضرة 02: الصراعات المذهبية:

   نشر الفاطميون المذهب الإسماعيلي بمجرد وصولهم إلى مصر ، وشجعوا علماءهم على بذل الجهد في التعريف به وتدريسه في مساجدهم وبخاصة الجامع الأزهر؛ فألفت الكتب في فقه الشيعة الإسماعيلية وأصول الدين والعبادات، ومن أبرز ما أدخله الفاطميون عند دخولهم مصر هو صيام شهر رمضان من دون تحري رؤية الهلال؛ وهو ما استنكره أهل مصر ورفضوه غير أن إصرار الفاطميين على الصيام دون رؤية الهلال أصبح أمرا واقعا، وانقطع طلب الهلال بمصر طوال حكم الفاطميين، وأمروا بالجهر بالبسملة في الصلاة، وإضافة عبارة "حي على خير العمل" للأذان، والاحتفال باليوم العشر من المحرم وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين في كربلاء[77]، والاحتفال بعيد الغدير[78].

   استمر هذا التوجه العقدي للشيعة في زمن الأزمات والشدة؛ وهو ما سجله المؤرخون عن دور دبر الدين الجمالي وأسرته الحاكمة، فقد كان متحمسا للمذهب الفاطمي والمدافع عنه، ومن أمثلة ذلك أنه حبس أقواما رووا فضائل الصحابة، وأحيى الكثير من طقوس الشيعة ومعتقداتهم[79] .

   اهتم الفاطميون بالمزارات الخاصة بآل البيت كمزار الحسين والسيدة زينب، وأضرحة آل البيت على سعة انتشارها في مصر، ومع ذلك لم تضيق سلطة الفاطميين على أهل السنة وعلمائهم، وإنما فتحوا أبواب الحرية والمناظرات العلمية بين مختلف العقائد والمذاهب، غير أن هذا لم يمنع من ظهور بعض النزاعات العقدية والمذهبية والطائفية بين الشيعة وأهل السنة الذين نصبوا العداء للشيعة ومعتقداتهم وطعنوا بذلك في أهليتهم لقيادة شؤون المسلمين وإمامتهم، وهو ما شهدت أحداثه الدامية مدينة الإسكندرية بين المصريين من الشيعة والمغاربة[80].

المحور الرابع:  سقوط الدولة الفاطمية وظهور الدول السلطانية ( الأيوبيون والمماليك)

المحاضرة 01: سقوط الدولة الفاطمية (الأسباب والنتائج).

المحاضرة 02: الأيوبيون.

المحاضرة 03: المماليك.

المحاضرة 01: سقوط الدولة الفاطمية (الأسباب والنتائج).

شهدت السنوات الأخيرة من عمر الدولة الفاطمية سلسلة من الصراعات والحروب بين ولاة الأقاليم المتنافسين على منصب الوزارة بالاستعانة بالقوى الخارجية.

   تولى شاور بن مجبر السعدي الوزارة سنة 558هـ/1163م لدى الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله، غير أنه وجد منافسة قوية من أبو الأشبال ضرغام بن عامر المنذري مقدم الأمراء، ودخلا في قتال انتهى بمقتل الأمير " طي ابن الوزير شاور " وانهزام جيش الوزير شاور؛ وهو ما اضطره إلى الفرار إلى الشام مستنجدا بالسلطان نور الدين محمود صاحب دمشق، وتعهد إن هو ساعده على دخول مصر واستعادة منصبه أن يدفع له ثلث خراج مصر، وأن يكون تحت تصرف السلطان نور الدين[81]، وهو ما اعتبره الباحثون مؤشر على ضعف الدولة الفاطمية وبداية نهايتها.       

   استغل نور الدين محمود مرحلة الضعف التي آلت إليها مصر الفاطمية، ووجدها فرصة لضمها إلى محور جبهة محاربة الصليبين في بيت المقدس فأرسل مع الوزير شاور جيشا على رأسه أسد الدين شيركوه[82] سنة 559هـ/1164م لأجل إعادة شاور إلى منصبه، ولما بلغ

الخبر أبو الأشبال ضرغام سارع إلى التحالف مع عموري[83] ((Amaury ملك بيت المقدس إلا أن محاولته باءت بالفشل بحكم حصار نور الدين للصليبين في طريقهم إلى مصر، وبالفعل تمكن أسد الدين شيركوه من دخول مصر والتغلب على ضرغام، وإعادة شاور إلى منصبه في الوزارة[84]، غير أن ضرغام خالف عهده وطلب من أسد الدين مغادرة مصر؛ بل وتحالف مع ملك بيت المقدس، محذرا إياه من محاولة نور الدين ضم مصر ومن ثم محاصرة الصليبين برا وبحرا، وهو ما حمله ملك بيت المقدس محمل الجد وسارع إلى إرسال جيوشه إلى مصر للوقوف في وجه زحف جيش نور الدين محمود وانتقامه من الوزير شاور، وبالفعل التقى الجيشان: جيش الفرنجة الصليبيين مدعومة بالجيش المصري في مواجهة جيش أسد الدين شيركوه في منطقة تعرف بـ" البابين" بالقرب من المنيا، فكان النصر حليف أسد الدين شيركوه، ثم دخل الإسكندرية وعين ابن أخيه صلاح الدين واليا عليها، ولما أدرك الفرنجة وشاور نوايا الأيوبيين في ضم مصر إلى سلطانهم هموا بمحاصرة الإسكندرية والتضييق على جيوش الأيوبيين، وانتهى الأمر بعقد اتفاقية يتراجع بموجبها الأيوبيون عن مصر ويبقي الصليبيون محمية صغيرة في مصر لضمان عدم غدر الأيوبيين وبموافقة من الوزير شاور[85].

    تراجعت جيوش الأيوبيين إلى بلاد الشام، غير أن الفرنجة الصليبين بدأو يخططون لغزو مصر بعدما اطلعوا على ضعف حصونها وهوان جيشها، بالإضافة إلى ما تدره من خراج وأموال على من يحتلها، وبالفعل جهز الفرنجة حملة لغزو مصر سنة 564هـ/1169م.

   لما علم شاور بالأمر عمد إلى إخلاء مدينة الفسطاط وإشعال النيران فيها حتى لا يتخذها الفرنجة معسكرا لهم، ودخل القاهرة وحصنها وجهز جيشها للدفاع عنها، وأرسل للفرنجة يعرض عليهم الصلح ودفع ألف ألف دينار سنويا لهم مقابل التراجع عن دخول مصر، وفي الوقت نفسه أرسل لنور الدين محمود يطلب النجدة، كما أرسل له الخليفة العاضد لدين الله يستنجده هو كذلك خشية أن تقع مصر في يد الفرنجة، ولكن هذه المرة تعهد بأن يتنازل المصريون عن ثلث بلاد مصر للأيوبيين، وأن يأذن لأسد الدين شيركوه بالإقامة في مصر وأن يكون له وجيشه إقطاعات خاصة بهم، ولما رأى الفرنجة قوة جيوش الأيوبيين لم يكن أمامهم إلا التراجع والتسليم لهم، والعودة إلى فلسطين، بينما تمكن أسد الدين شيركوه من دخول مصر بترحيب من أهلها، واستقبله الخليفة العاضد لدين الله وخلع عليه، واحتفى به[86]،

   استغل أسد الدين قربه من الخليفة وتفقا على عزل الوزير شاور، ولا يكون ذلك إلا بقتله؛ وهو ما تم سنة 564هـ/1196م، وفور التخلص من شاور خلع العاضد لأسد الدين خلع الوزارة وفوض إليه شؤون الحكم وقيادة الجيوش، غير أنه لم يلبث طويلا حتى مات فجأة في ذات السنة، ولم يكن أمام الخليفة إلا تعيين نائبه صلاح الدين وزيرا لاعتقاده أنه أقل حظا من أسد الدين ويسهل التحكم فيه[87]

   خلع العاضد على صلاح الدين ولقبه بـ "الملك الناصر"، حاول العبيد السودان من التآمر على صلاح الدين إلا أنه أنهى شوكتهم وأحرق حارتهم المنصورية بالقاهرة، أدرك حينها الفرنجة الصليبيون أن الأيوبيين يرديون السيطرة على مصر فأرسلوا حملة صليبية بأسطول بحري كبير استطاع الوصول إلى مدينة "دمياط"[88] ومحاصرتها لمدة خمسين يوما غير أن قوات الأيوبيين استطاعت فك الحصار عنها بعدما قدّم نور الدين محمود يد المساعدة بهجومه على إمارات الصليبيين في الشام مما خفف الضغط عن دمياط واضطرار القوات الصليبية مغادرة الأراضي المصرية[89].

   أدخل صلاح الدين إصلاحات إدارية ومالية وعسكرية ودينية داخل الدولة الفاطمية مما مكنه من التحكم في دواليب الدولة والسيطرة عليها، ومن أشهر ما قام به تقوية المذهب السني وإضعاف المذهب الإسماعيلي؛ بحيث ألغى الكثير من الطقوس الشيعية الإسماعيلية المنتشرة في مصر ومنها إبطال عبارة "حي على خير العمل" من الأذان، ومنع سب الصحابة، وأن يذكر أسماء الخلفاء الراشدين في خطب الجمعة، وعزل جميع القضاة الإسماعيليين، وفي سنة 567هـ/1171م جاءت الخطوة الحاسمة في القضاء على الخلافة الفاطمية في مصر عندما أسقط صلاح الدين خطبة الفاطميين وأمر الخطباء بالدعوة للخليفة العباسي المستضيء بأمر الله وذلك في 7 من المحرم/10سبتمبر وأعاد السواد شعار العباسييين، وفي ذات السنة توفي آخر خليفة فاطمي العاضد لدين الله[90].  



[1] - ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الإفريقي، لسان العرب، دار صادر، بيروت،(د ط)، ج8 ص 189.

[2]- ينظر تفصيل ذلك عند عبد القاهر بن طاهر البغدادي، الفرق بين الفرق، تحقيق محمد عثمان الخشت، مكتبة ابن سينا، القاهرة، ط1، 1988م، ص ص 41-71.

[3]- الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم، الملل والنحل، تحقيق أمير علي مهنا و علي حسن فاعود، دار المعرفة، بيروت، ط2، 1993م، ج1، ص ص 169.

[4] -ابن خلدون، المقدمة، تخريج وتعليق عبد الله الدرويش، دار يعرب، دمشق، ط1، 2004م، ص 373.

[5]- ينظر تفاصيل هذه الأخبار عند الطبري، تاريخ الرسل والأمم والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، مصر، ط2، 1972م، ج5، ص ص 5-64.

[6] - ابن خلدون، المصدر السابق، ص ص 373-375.

[7] - إحسان إلهي ظهير، الشيعة والتشيع فرق وتاريخ، إدارة ترجمان السنة، باكستان، 1995م، ص 267.

[8] - نفسه، ص ص 209-229.

[9] - ينظر تفصيل أخبار هؤلاء الأئمة عند الشهرستاني، المصدر السابق، ص ص 198-203.

[10] - إحسان إلهي ظهير، المرجع السابق، ص 343.

[11] - ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل، تحقيق محمد إبراهيم نصر و عبد الرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت، ط2، 1996م، ج5،   ص42.

[12] - محمد بن علي سلمان الوصابي، التقية عند الفرق، مجلة الأندلس للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة الأندلس للعلوم والتقنية، اليمن، العدد 77 المجلد 10، سنة 2023م، ص ص 62-69.

[13] - الشهرستاني، المصدر السابق، ج1، ص 197.

[14] - هو الحسين بن محمد بن زكريا، ويلقب بالمعلم من دعاة الإسماعيلية، أصله من صنعاء، انتقل إلى بلاد المغرب وتمكن من نشر دعوة الإسماعيلية إلى غاية ظهور دولتهم، توفي مقتولا على يد عبيد الله المهدي سنة 296هـ، المقريزي، إتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء، ج1، ط2، القاهرة، ص 57.

[15] - القاضي النعمان، كتاب افتتاح الدعوة، الشركة التونسية للتوزيع،ط2، تونس، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1986م،  ص 25.

[16] - نفسه، ص 29.

[17] - هو أبو القاسم الحسن بن فرح بن حوشب بن زادان الكوفي، أحد أشهر دعاة المذب الإسماعيلي في المشرق، ينظر عنه القاضي النعما، المصدر نفسه، ص 29.

[18] - ابن عذاري المراكشي، البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق ج.كولان، وليفي بروفنسال، دار الثقافة، بيروت، ط3، 1983م،ج1، ص 124.

[19] - ابن خلدون، المصدر السابق، ج4، ص 43.

[20] - مدينة في بلاد الشام، من أعمال قنسرين على طرف البادية، وهو حصن كالمدينة صغير عامل وآهل، الحميري، المصدر السابق، ص 320.

[21] - مدينة في صحراء المغرب، بينها وبين البحر خمس عشرة مرحلة، وهي على نهر يقال له زيز بنيت سنة 140هـ أسسها مدرار بن عبد الله، الحميري، نفسه ، ص ص 305-306.

[22] - ابن خلدون المصدر السابق، ص 47.

[23] - ابن خلدون المصدر السابق، ص48.

[24] - يلقب بالمظفر المعتضدي، أحد الخدام الذين بلغوا رتبة الملوك، وكان قائدا لجند مصر بأمر من الخلفاء بني العباس، توفي مقتولا بأمر الخليفة القاهر بالله العباسي سنة 321هـ، الذهبي، سير أعلام النبلاء، المصدر السابق، ج15، ص 57.

[25] - هو أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن ارباهيم، وزير وأحد كتاب الدولة الفاطمية، كان يهوديا ثم أسلم ، كان داهية ماكرا فطنا، الذهبي، نفسه، ج16، ص 444.

[26] -  محمد جمال الدين سرور، تاريخ الدولة الفاطمية، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1995م، ص ص 127-128.

[27] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص ص 311-364

[28] - ابن خلدون، المصدر السابق، ص ص 47-56.

[29] - محمد جمال الدين سرور، نفسه، ص 345.

[30] - هو أبو تميم شرف الدولة المعز بن باديس بن منصور بن مناد الصنهاجي رابع أمراء الدولة الزيرية، في عهده انفصلت دولته عن الفاطميين ومبايعة العباسيين، توفي سنة 454هـ ، الذهبي، سير أعلام النبلاء، المصدر السابق، ج18، ص 140.

[31] - تعرف هجرتهم بالهجرة الهلالية، من أشهر هذه القبائل العربية : بنو سليم وبنو هلال وبنو عدوان، هاجروا من مصر إلى بلاد المغرب بأمر من الفاطميين في مصر، وستوطنوا البلاد الجديدة بقوة السيف، ينظر تفاصيل هجرتهم عند ابن خلدون، المصدر السابق، ج4، ص ص 79-80.

[32] - ابن خلدون، نفسه، ص 80.

[33] - ينظر تفاصيل هذه الأخبار محمد كامل حسين، طائفة الدروز، تاريخها وعقائدها، دار المعارف، مصر، ط1، 1962م، ص ص 75-85.

[34] - هو أبو الحارث أرسلان التركي، الملقب بالمظفر، كان مقدما عند الخليفة العباسي القائم بأمر الله، ثم طغى وبغى وتمرد وخطب للفاطميين، ومات مقتولا سنة 451هـ، ابن كثير، المصدر السابق، ج12، ص 84.

[35] - نفسه، ص 85.

[36] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص 103.

[37] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص ص 105-103.

[38] - نفسه، ص  110.

[39] - خالد بن عبد الرحمن بن حمد القاضي، الحياة العلمية في مصر الفاطمية، الدار العربية للموسوعات، بيروت، ط1، 2008م، ص ص 135-136.

[40] - خالد بن عبد الرحمن بن حمد القاضي، المرجع نفسه، ص ص 115-121.

[41] - نفسه، ص ص 265-281.

[42] - ينظر أسماء هؤلاء الخلفاء ونبذ عن حياتهم أبو الحسن علي الروحي، بلغة الظرفاء في تاريخ الخلفاء، تحقيق محمد حسن إسماعيل، كتاب ناشرون، لبنان، ط1، 2010م،  ص ص 302-331.

[43] - عبد المنعم عبد الحميد سلطان، الحياة الاجتماعية في العصر الفاطمي، مركز الإسكندرية للكتاب، الإسكندرية، ط1، 2009م، ص ص 14-82.

[44] - المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، تحقيق محمد زينهم ومديحة الشرقاوي، مكتبة مدبولي، ط1، القاهرة 1997م، ج3، ص 388.

[45] - نفسه، ج2، ص 98.

[46] - نفسه، ص ص 400-408.

[47] - نفسه، ص 103.

[48] - المقريزي، إتعاظ الحنفاء، المصدر السابق، ص 57.

[49] - المقريزي، الخطط ، ج2، ص 103.

[50] - نفسه، ص 12.

[51] - نفسه، 375.

[52] - نفسه، 399.

[53] - المقريزي، إتعاظ الحنفاء، المصدر السابق، ص 219.

[54] - ينظر عن مفهوم العبودية والرق أحمد شفيق، الرق في الإسلام، ترجمة أحمد زكي، مكتبة النافذة، مصر ط1، 2010م، ص ص 71-81.

- [55] عبد المنعم عبد الحميد سلطان، المرجع السابق، ص ص 10-87.

[56] - هي ست الملك بنت العزيز بالله بن المعز لدين الله بن معد بن المنصور إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن عبيد الله الفاطمي العلوي، كانت من أحسن نساء زمانها جمالا، وأوفرهن عقلا...شاركت أخاها الحاكم بأمر الله في الملك...توفيت سنة 415هـ وحزن عليها أهل مصر، ينظر عن بقية أخبارها وسيرتها، زينب فواز، الدر المنثور في طبقات ربات الخدور، مكتبة ابن قتيبة، الكويت ط1، 1312هـ/1895م، ج1، ص ص 320-321.

[57] - نريمان عبد الكريم أحمد، المرأة في مصر في العصر الفاطمي،الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، ط1، 1993م، ص35.

[58] - نهلة عبد الفتاح الجالودي، دور المرأة في مصر خلال العصر الفاطمي، دراسة سياسية واجتماعية، رسالة ماجستير غير مطبوعة، جامعة آل البيت ، كلية العلوم الإنسانية، قسم التاريخ، 2010م، ص 61.

[59] - نفسه، ص ص 65-78.

[60] - نهلة عبد الفتاح الجالودي، المرجع السابق، ص ص61-63.

[61] - نفسه، ص89.

[62] - نفسه، ص93.

[63] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص 103.

[64] - نهلة عبد الفتاح الجالودي، المرجع السابق، ص ص113-114.

[65] - نريمان عبد الكريم أحمد، ص41.

[66] - نهلة عبد الفتاح الجالودي، ص154.

[67] - أيمن فؤاد سيد، الدولة الفاطمية في مصر، تفسير جديد، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ط1، 1992م، ص 399.

[68] - نفسه، ص ص 398-399.

[69] - أيمن فؤاد سيد، المرجع السابق، ص361.

[70] - المقريزي، المصدر السابق، ج1، ص 295، و نهلة عبد الفتاح الجالودي، ص ص 130-131

[71] - نفسه، ص 131.

[72] - أيمن فؤاد سيد، المرجع السابق، ص ص 97-137.

[73] - المقريزي، المصدر السابق، ج2، ص 184.

[74] - نفسه، ص ص 139-141.

[75] - عرب دعكور، الدولة الفاطمية، تاريخها السياسي والحضاري، ةدار المواسم، بيروت، ط1، 2004م، ص 187.

[76] - إبراهيم رزق الله أيوب، التاريخ الفاطمي الاجتماعي، الشركة العالمية للكتاب، بيروت، ط1، 1997م، ص ص 35-36.

[77] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص 76.

[78] - يوم الغدير: أو عيد الغدير يحتفل به الشيعة يوم 18 من ذي الحجة لاعتقادهم أن النبي (صلى الله عليه وسلم) عهد بالإمامة والخلافة لعلي بن أبي طالب بعده، بعد عودة المسلمين من حجة الوداع إلى المدينة في مكان يسمى "غدير خم"، ويرى أهل السنة أن ما قاله النبي مجرد بيان لفضل علي ومحبته، ينظر تفاصيل هذا الخبر عند الذهبي، سير أعلام النبلاء، المصدر السابق، ج8، ص 334.

[79] - محمد حسن دخيل، الدولة الفاطمية، الدور السياسي والحضاري للأسرة الجمالية، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت،ط1، 2009م، ص 88.

[80] - محمد جمال الدين سرور، نفسه، ص 77.

[81] - نفسه، ص 222.

[82] - أبو الحارث أسد الدين شيركوه بن شاذي بن مروان، قائد عسكري في الدولة الزنكية وعم صلاح الدين الأيوبي أسهم في تأسيس الدولة الأيوبية وإنقاذ مصر من الحملات الصليبية، توفي سنة 564هـ، الذهبي، المصدر السابق، ج15، ص 210.

[83] - هو عموري الأول بن فولك ملك صليبي لاتيني حكم بيت المقدس من سنة 1162 إلى سنة 1174م، كانت له عدة محاولات للاستيلاء على مصر غير أن الأيوبيين حالوا دون تمكنه من ذلك، ينظر عن حياته، حجازي عبد المنعم سليمان،  السياسة الخارجية لمملكة بيت المقدس عهد الملك عموري الأول، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط14، 2014م، ص ص 37-56.

[84] - محمد جمال الدين سرور، المصدر السابق، ص 224.

[85] - نفسه، ص 226.

[86] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص 117.

[87] - أيمن فؤاد سيد، المرجع السابق، ص ص 233-234.

[88] - يقال لها أيضا ذمياط بالذال المعجمة، مدينة بالديار المصرية على ساحل البحر قريبة من تنيس وإليها ينتهي نهر النيل، اشتهرت في حروب المسلمين مع التتار والصليبين بحكم قربها من البحر، الحميري، المصدر السابق، ص 257.

[89] - نفسه، ص 234.

[90] - أيمن فؤاد سيد، المرجع السابق، ص ص 234-241.


محاضرات مقياس: المشرق الإسلامي ما بين القرنين (8-15م). - الخلافة الفاطمية في مصر/السداسي السادس

جامعة ابن خلدون

كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية.

قسم التاريخ.

المستوى الدراسي: السنة الثالثة تاريخ.

السداسي: 06.

المعامل: 02.

الحجم الساعي: 1سا ونصف.

أ.حاكمي حبيب.

أهداف المقياس: يتعرف الطالب من خلال دراسته لهذه المادة في السداسي السادس على تاريخ منطقة المشرق الإسلامي في ظل ظهور الدولة الفاطمية على مسرح الأحداث، والتعرف على أوضاع أقاليمها من النواحي السياسية والاقتصادية والمذهبية وتأثير ذلك على بنيتها الاجتماعية.

المحور الأول: الخلافة الفاطمية في المشرق الإسلامي.

المحاضرة 01: التشيع. مفاهيم وتعاريف.

المحاضرة 02: التشيع من الفكرة إلى الدعوة ثم الدولة.

المحاضرة 03: انتقال الدولة الفاطمية إلى المشرق (مراحل الاستقرار والتوسع).

المحور الثاني: المجتمع المشرقي في عهد الفاطمي.

المحاضرة 01: التركيبة البشرية والعنصرية للمجتمع..

المحاضرة 02: واقع المرأة ودورها في المجتمع الفاطمي بالمشرق..

المحاضرة 03: الأعياد والاحتفالات داخل المجتمع الفاطمي بالمشرق.

المحور الثالث: الأزمات السياسية والاقتصادية والصراعات المذهبية في عهد الدولة الفاطمية.

المحاضرة 01: الأزمات السياسية.

المحاضرة 02: الأزمات الاقتصادية.

المحاضرة 03: الصراعات المذهبية.

المحور الرابع: سقوط الدولة الفاطمية وظهور الدول السلطانية ( الأيوبيون والمماليك)

المحاضرة 01: سقوط الدولة الفاطمية(الأسباب والنتائج).

المحاضرة 02: الأيوبيون.

المحاضرة 03: المماليك.

المحاضرة 01: التشيع.

هدف المحاضرة: اطلاع الطلبة على مفهوم المذهب الشيعي من حيث التسمية وتاريخ الظهور، وفهم الأركان التي استندت عليها الدولة الفاطمية في قيامها، ذكرت مختلف المصادر التاريخية أن الانقسامات الفعلية بين المسلمين حدثت بعد فتنة مقتل الخليفة عثمان بن عفان، وكان لهذه الحادثة أثر بالغ في تعدد الآراء ونشوب الصراعات الداخلية التي نتج عنها ظهور الفرق والطوائف السياسية والعقدية، انقسم المسلمون الى فرق وجماعات منها الشيعة فمن هم الشيعة ومتى ظهروا وما هي أهم عقائدهم؟

1- الشيعة : القوم الذين يجتمعون على الأمر، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة، وكل قوم أمرهم واحد ، يتبع بعضهم رأي بعض ، فهم شِيَع ...

والشيعة : أتباع الرجل وأنصاره ، وجمعها شِيَع. وأشياع جمع الجمع.

ويقال شايعه ، كما يقال والاهُ ، من الوَلْيِ.

ومنه قوله تعالى }: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيم } : أي من شيعة نوح.

وأصل الشيعة : الفرقة من الناس[1].

   تعددت مسميات هذه الفرقة بين المصادر وتفرعت طوائفهم وتشعبت معتقداتهم، وقد فصل صاحب كتاب "الفرق بين الفرق" في أسمائهم وفرقهم ومعتقداتهم وأشهر أئمتهم، وهو ما يطول بيانها هنا[2]، وأما الشهرستاني فعرفهم: "الشيعة هم الذين شايعوا علياً  رضي الله عنه على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصية، إما جلياً، وإما خفياً، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده. وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين لا يجوز للرسل عليهم السلام إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة وإرساله"[3].

   ويرى ابن خلدون أن " أن الشيعة لغة هم الصحب و الأتباع و يطلق في عرف الفقهاء       و المتكلمين من الخلف و السلف على أتباع علي و بنيه رضي الله عنهم و مذهبهم جميعاً متفقين عليه أن الإمامة ليست من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة و يتعين القائم بها بتعيينهم بل هي ركن الدين و قاعدة الإسلام و لا يجوز لنبي إغفاله و لا تفويضه إلى الأمة بل يجب عليه تعيين الإمام لهم و يكون معصوماً من الكبائر و الصغائر و أن علياً رضي الله عنه هو الذي عينه صلوات الله و سلامه عليه بنصوص ينقلونها و يؤولونها على مقتضى مذهبهم لا يعرفها جهابذة السنة ولا نقله الشريعة بل أكثرها موضوع أو مطعون في طريقه أو بعيد عن تأويلاتهم الفاسدة[4].

2- بداية ظهور التشيع:

    اختلف المؤرِّخون والباحثون في تحديد تاريخ بداية ظهور التشيّع والشيعة، ويعود اختلاف الآراء وتعدّدها في هذه المسألة إلى أسباب عدَّة أبرزها: تعدّد الدلالات اللفظية لكلمة  "شيعة"، إذ خلط بعض الباحثين بين الدلالة اللغويّة والدلالة التاريخيّة أو الدلالة الاصطلاحيّة للكلمة، فالشيعة لغةً تعني القوم والأتباع والأنصار والحزب، وفي معناها الإصلاحي فهي للدلالة على أتباع علي بن أبي طالب وأنصاره بما روي من كلامه: "شيعتي"، وتباينت الأفكار السياسية لهذه الفرقة بعد موقعتي صفين سنة 37هـ بين علي بن أبي طالب وشيعته ومعاوية بن أبي سفيان، وموقعة النهروان سنة 38هـ بين علي والخوارج، وازداد تعصب أنصار علي بن أبي طالب بعد مقتلة سنة 40هـ/660م، وفي العهدين الأموي والعباسي تطور الفكر الشيعي من التوجه السياسي إلى التوجه العقدي وبخاصة بعد مقتل الحسين بن علي سنة61هـ/680م في العهد الأموي[5].

وإذا كان كتّاب الشيعة يردّون التشيّع إلى عهد الرسول(صلى الله عليه وسلم) أو بعد وفاته مباشرةً، فإنّهم لا ينكرون ما لمقتل الإمام الحسين من أثرٍ كبيرٍ في تطوير عقائدهم وتمايزها عن عقائد الإسلام السنيّ، فالتشيّع قبل مقتل الإمام الحسين كان مجرّد رأيٍ سياسيّ لم يصل إلى قلوب الشيعة، فلمّا قُتل امتزج التشيّع بدمائهم وتغلغل في أعماق قلوبهم وأصبح عقيدة راسخة في نفوسهم مقترنةً بأحقيّة آل البيت في تولي منصب الإمامة، وظهرت أصول ومعتقدات جديدة منها: العلم اللدنيّ والبداء والرجعة والمهدي المنتظر المرتبطة بنظريّة الإمامة[6].

 3- أئمة الشيعة:

   افترقت الشيعة إلى عدة فرق وطوائف، ومن أبرزها: الكيسانية والزيدية والإسماعيلية وغلاة الروافض وغيرهم، وقد وقع بينها اختلاف كبير في ذكر أئتهم وأسمائهم وعددهم وعصمتهم من عدمها، وتعتبر الشيعة الإثنى عشرية أو الإمامية أو الجعفرية الطائفة الأكثر بروزا في التاريخ[7]، وما أطلق لفظ الشيعة من دون تخصيص فإن المقصود به الشيعة الإثنى عشرية، وهي الطائفة الكبرى من حديث عدد الأتباع من بين الطوائف الشيعية الأخرى، تمييزا لهم عن الزيدية والإسماعيلية[8]، ولاعتقادهم بأنَّ النبي محمد قد نصَّ على اثني عشر إماماً خلفاءَ من بعده، فكانت عقيدة الإمامة هي الفارق الرئيس بينها وبين بقية الطوائف الإسلامية.

وهذه قائمة بأسماء الأئمة الإثنى عشر:

1-  علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، استشهد سنة 40 هـ
2-الحسن بن علي رضي الله عنه (3-5هـ)
3-  الحسين بن علي رضي الله عنه(4-61هـ)
4-علي زين العابدين بن الحسين(38-95هـ) ويلقبونه بالسجاد .
5-  محمد بن علي زين العابدين(57-114هـ) ويلقبونه بالباقر .
6- جعفر بن محمد الباقر (83-148هـ) ويلقبونه بالصادق .
7- موسى بن جعفر الصادق(128-183هـ) ويلقبونه بالكاظم .
8- علي بن موسى الكاظم(148-203هـ) ويلقبونه بالرضا .
9-  محمد الجواد بن علي الرضا 195- 220 هـ  ويلقبونه بالتقي .
10-علي الهادي بن محمد الجواد 212- 254 هـ  ويلقبونه بالنقي.
11-الحسن العسكري بن علي الهادي 232- 260 هـ  ويلقبونه بالزكي.
12- محمد المهدي بن الحسن العسكري ، ويلقبونه بالحجة القائم المنتظر .
ويزعمون أنه دخل سردابا في سامراء . وأكثر الباحثين على أنه غير موجود أصلا ، وأنه من اختراعات الشيعة[9].

4-أهم عقائد الشيعة وأصولهم:

1-  الإمامة: يرون أن إمامة الاثني عشر، ركن الإسلام الأعظم، وهي عندهم منصب إلهي كالنبوة، والإمام عندهم يوحى إليه، ويؤيد بالمعجزات، وهو معصوم عصمة مطلقة

2- الطعن في الصحابة - رضي الله عنهم: يزعم الشيعة أن الصحابة - رضي الله عنهم - ارتدوا عن الإسلام إلا ثلاثة أو أربعة أو سبعة، علَى اختلاف أساطيرهم.

3- محاولتهم النَيْل من كتاب الله -عز وجل-:  لَمّا كانت نصوص القرآن لا ذِكْر فيها الأئمة الاثني عشر، كما أنها تُثْنِي علَى الصحابة - رضي الله عنهم - وتُعْلي من شأنهم، تحيّر الشيعة فقالوا لإقناع أتباعهم: إن آيات الإمامة وسب الصحابة قد أسقِطَتْ من القرآن[10].

وبعض الشيعة قالوا بأن جبريل - عليه السلام - قد أخطأ في الرسالة فنزل علَى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، بدلًا من أن ينزل علَى عَلِيٍّ - رضي الله عنه -؛ لأن عليًّا يشبه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما يشبه الغرابُ الغرابَ؛ ولذلك سموا بالغرابية[11] .

4- عقيدة التقية عند الشيعة: التقية عند الشيعة هي التظاهر بعكس الحقيقة، وهي تبيح للشيعي خداع غيره فبناء علَى هذه التقية ينكر الشيعي ظاهرًا ما يعتقده باطنًا، وتبيح له أن يتظاهر باعتقاد ما ينكره باطنًا، ولذلك تجد الشيعة ينكرون كثيرًا من معتقداتهم أمام أهل السنة مثل القول بتحريف القرآن، وسب الصحابة، وتكفير وقذف المسلمين، إلى غير ذلك من المعتقدات[12] .

المحاضرة 02:  انتقال الخلافة الفاطمية إلى المشرق:

أ-الخلافة الفاطمية بالمغرب (297-358هـ/ 909-969م)

   يعود تأسيس الدولة الفاطمية في بلاد المغرب إلى فرقة الإسماعيلية إحدى فرق الشيعة نسبة إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق (ت143هـ)[13]، وقد سموا بالفاطميين نسبة إلى قولهم بالانتساب إلى فاطمة الزهراء بنت الرسول عليه السلام، وعلى الرغم من صحة هذا النسب من عدمه واختلاف المؤرخين بين مؤيد (ابن الأثير المقريزي ابن خلدون)، ومنكر لذلك (ابن خلكان- القلقشندي- ابن حزم- الذهبي- السيوطي إلا أن ما يهنا هو عوامل ظهور هذه الدولة وتداعياتها، ويرجع الفضل في نجاح الدعوة الإسماعيلية في بلاد المغرب إلى الداعية " أبو عبد الله الشيعي"  [14]الذي يعتبر المؤسس الحقيقي للدولة الفاطمية، غير أنه سبقه دعاة آخرون مهدوا لظهور دعوتهم، بحيث أن الإمام جعفر الصادق ث148هـ كان قد أوفد داعيين أحدهما يعرف بالحلواني والآخر بأبي سفيان[15] إلى بلاد المغرب وقال لهما: "إن المغرب أرض بور فاذهبا فاحرثا حتى يجيئ صاحب البذر" [16]، فذهبا وأخذا يدعوان الناس لطاعة آل البيت حتى استمالا الكثير من قبيلة " كتامة البربرية"، وظلا هناك إلى أن ماتا، وبعدها أرسل ابن حوشب[17] أبا عبد الله الشيعي وكلفه بالقيام بالدعوة للمذهب الإسماعيلي، فتمكن بعد لقائه بالحجاج الكتاميين في مكة الذين مهدوا له الطريق لدخول بلاد المغرب.[18]

كانت إفريقية في هذه الفترة في يد الأغالبة (184-296-هـ)، ولذلك انتقل أبو عبيد الله الشيعي من مرحلة الدعوة إلى مرحلة العمل المسلح، فكوّن جيشا عظيما من الكتاميين وسقطت بيده عدد من المدن منها ميلة وسطيف وغيرها[19]، وعلى الرغم من محاولات الأغالبة الوقوف في وجه المد الكتامي إلا أنهم لم يتمكنوا وسقطت عاصمتهم " القيروان" سنة 296هـ وبدأ حكم الفاطميين.

   كان الإمام الفاطمي عبيد الله المهدي مختفيا مع ابنه أبي القاسم عن العباسيين في بلدة "سلمية" [20] إلى أن أتاه وفد كتامة يخبرونه بالانتقال إلى بلاد المغرب التي أصبحت بأيديهم، ولأن ظروف انتقاله لم تكن ميسورة رغم تخفيه في هيئة التجار لجأ إلى سجلماسة[21] للتخفي عن أعين الأغالبة، ولكنهم عرفوا حاله وبإيعاز منهم تم سجنه هناك، وبعدما تمكن أبو عبد الله الشيعي من الانتصار على الأغالبة اتجه في جيوش كبيرة غربا فأنهى حكم الرستميين في تاهرت سنة 296هـ/908م، ثم اتجه إلى سجلماسة وقضى على من كان فيها وأفرج عن عبيد الله من سجنه وأعلنه إماما للفاطميين وتلقب بالمهدي ودون الدواوين وجبى الأموال[22]، وقد اتخذ من رقادة عاصمة مؤقتة لدولته، وبعدما تخلص من أبي عبد الله الشيعي بسبب أطماعه قام بإنشاء عاصمته الجديدة " المهدية"  سنة 300 هـ/1012م[23]، ثم توجهت أنظار المهدي إلى بلاد المشرق ومصر تحديدا لمكانتها السياسية وثرواتها فكانت أول حملة جهزها لغزو مصر سنة301هـ، ولم تحقق شيئا، ثم تلتها حملة سنة 306هـ، ولم تمكن الفاطميين من مصر بسبب قوة الجيوش العباسية بقيادة مؤنس الخادم[24]، وخلال هذه الفترة تعاقب على حكم الفاطميين ببلاد المغرب أربعة خلفاء هم:

1- المهدي عبيد الله أبو محمد(  297-322هـ(.

2- القائم بأمر الله محمد أبو القاسم بن المهدي( 322-334هـ. (

3- المنصور إسماعيل أبو طاهر( 334-341هـ(.

4- المعز لدين الله أبو تميم (341-362هـ(.

دخول الفاطميين مصر:

بعد اسـتقرار المعـز لدين الله الفاطمي في مصر، تمّ إحكـام نظام إداري للدولة يمكن وصفه بالعلمية لرقيه ودقته، كما أحكم نظام الدعوة، ويعدُّ يعقوب بن كلـس[25] 380هـ) وزير العزيز بالله365-386هـ أهم بناة النظام الإداري والدَعَوي للدولة الفاطمية، واستطاع هذا النظام أن يبقي الدولة الفاطمية حيَّة مدة تفوق القرنين، على الرغم من أن الخلفاء الذين تعاقبوا على عرش القاهرة لم يتسموا بالمقدرة والكفاءة السياسية والإدارية التي اتسم بها من سبقهم من الخلفاء[26].

حينما تمكن الفاطميون من إحكام السيطرة على مصر، بدا تحدي الإسماعيلية للنظام العباسي والفكر السني أكثر قرباً وأشد خطراً، وصار للفاطميين دولة واسعة الأرجاء، شملت وهي في ذروة قوتها: مصر وسورية وشمالي إفريقيا وصقلية والحجاز واليمن بما في ذلك المدينتان المقدستان مكة والمدينة[27]، وسيطر الفاطميون على جيش من الدعاة، وعلى ولاء عدد لا يحصى من الأتباع في الأراضي التي كانت خاضعة للحكم العباسي فعلياً أو اسمياً.

كانت ردت أفعال الخلافة العباسية تجاه قيام الدولة الفاطمية محتشمة، إذ لم تتعَدَّ بعض إجراءات أمن ضد الدعاة، وحرباً دعائية ضد السلالة الفاطمية التي اتهمت في مقال نشر في بغداد سنة 402هـ1011/م[28]، ومع الأيام بدأت جذوة الحركة الفاطمية تخبو، وأخذ الإسلام السني يسترد نشاطه وكانت أهم أسباب إخفاق الدعوة الفاطمية ما عانته من تمزق داخلي وظهور الأتراك على مسرح الأحداث وإقامتهم للدولة السلجوقية[29].

من أهم الأحداث التي واجهت الدولة الفاطمية، انفصال شمالي إفريقيا عن جسم الدولة، ففي عهد الأمير الزيري المعز بن باديس[30] ( (407-454تم الانفصال عن الفاطميين رسمياً، وعندما لم تستطع الخلافة الفاطمية إيقاف حركة الانفصال هذه، شجعت عدداً من القبائل العربية التي كانت قد هاجرت إلى مصر وعلى رأسها قبائل سليم وهلال[31]، على عبور النيل والاتجاه غرباً بعد أن كانوا يمنعونهم منه، ومنحوا كل عابر منهم ديناراً مع أشياء أخرى كفروة أو بعير، واجتاز هؤلاء مصر إلى الغرب موجة إثر موجة، وأقامت سليم في برقة وانتشر بنو هلال في ولاية إفريقية، ولكن هذه الهجرة لم تحقق عودة إفريقية للحكم الفاطمي، وإن كانت قد حققت بعض التغيير، فقد أشاعت الفوضى وانعدام الأمن من جهة، ولكنها من جهة أخرى صبغت شمالي إفريقيا بالصبغة العربية نهائياً[32].

من أهم المشكلات الداخلية التي تعرض لها الفاطميون، كانت تلك المتعلقة بالدعوة، ثم بعض الأزمات الاقتصادية، وأخيراً استيلاء الجند على مقاليد الأمور، فمنذ بداية قيام الخلافة الفاطمية كان هناك خلافات داخل الحركة الإسماعيلية بين فئات يمكن تسميتها بالمتطرفة، وأخرى يمكن دعوتها بالمحافظة، وكان على الخلفاء أن يواجهوا بين الحين والآخر انشقاقاً في الحركة وحتى مقاومة مسلحة، ولعلَّ أهم حركات الانشقاق كانت تلك التي بدأت زمن الحاكم بأمر الله الخليفة السادس، ولاسيما بعد اختفائه سنة 411هـ/1021م في ظروف غامضة، فاعتقد جماعة من الإسماعيلية بأن الحاكم كان ذا صفات إلهية وأنه لم يمت، بل ذهب إلى الستر والغيبة، ولذلك رفضوا الاعتراف بخليفة على العرش الفاطمي، وانفصموا عن الجسم العام للفرقة، ونالوا بعض النجاح وخاصة في بلاد الشام، وعرفوا باسم الدروز، وما تزال فئات كبيرة منهم تعيش في بلاد الشام[33].

في عصر الخليفة المسـتنصر بالله427-487هـ، وصلت الخلافة الفـاطمية إلى ذروتها ثم هوت بـسرعة كبيـرة، وجرى في أيامه ما لم يجر في أيام أحد من أهل بيته، فخطب البساسيري[34] في بغـداد باسـمه مدة سنة، وخطب علي بن محمد الصليحي في بلاد اليمن باسمه ولكن الخطبة قطعت باسمه في إفريقية سنة 443هـ، وقطع اسمه من الحرمين سنة 449هـ، وذكر اسم الخليفة العباسي القائم بأمر الله422-467هـ[35]، وفي سنة 446هـ نكبت مصر بالوباء والقحط وكان وقعهما شديداً فيها فعمت الفوضى والمجاعة وعاد الوباء أشد ما يكون في سنة 456هـ ، والذي استمر حتى سنة 464هـ1071م مقترناً بالفتن والحروب، وامتدت يد السلاجقة إلى الشام حتى كادت تخرج من أيدي الفاطميين، فاستدعى المستنصر بالله بدر الجمالي إلى مصر من عكا سنة 466هـ/1073م، ليكون القائم بتدبير الدولة وإصلاح الأمور[36].

أبحر بدر في حرسه الخاص من الأرمن وفي جنده المخلصين من عكا قاصداً مصر، وقضى على الأمراء الذين أثاروا الفتن، وأعاد الهدوء إلى العاصمة، واستمر يتتبع المفسدين في كل جهة من جهات مصر حتى استتبت الأمور وسكنت الفتن وفرض النظام والهدوء، ونصب المستنصر بالله بدراً أميراً للجيوش ولُقب بكافل قضاة المؤمنين (قاضي القضاة) و(هادي دعاة المؤمنين (داعي الدعاة وعيَّن وزيراً للسيف لا يتقدمه أحد، وفوَّض إليه جميع سلطاته فأصبح بدر الجمالي صاحب الحل والعقد، له أن يولي كبار موظفي الدولة ويعزلهم، وهكذا أصبحت الوزارة في أواخر عهد المستنصر بالله حتى نهاية العصر الفاطمي وزارة تفويض بعد أن كانت وزارة تنفيذ في الفترة ما بين 358-465هـ.[37]

ضعف نفوذ الخلفاء الفاطميين كثيراً بعد وفاة المستنصر، بينما زادت سلطة الوزراء الذين استفحلت قوتهم وتضخمت ثروتهم وأصبح في أيديهم أمر تعيين الخلفاء وعزلهم، وكان بعضهم يؤثر اختيار أحد أمراء البيت الفاطمي الضعاف حتى يكون ألعوبة في أيديهم، وتجلت هذه الظاهرة في عهد الوزير الأفضل بن بدر الجمالي أمير الجيوش فعندما عزم المستنصر بالله على أخذ البيعة لابنه الأكبر نزار، ماطل الأفضل في مبايعته لأنه كان يميل إلى أبي القاسم أحمد بن المستنصر من زوجته أخت الأفضل، فلما مات المستنصر بالله، اجتمع الأفضل بالأمراء والخواص وخوَّفهم من نزار وأشار عليهم بمبايعة أخيه الأصغر أحمد، وكان حديث السن، فبايعوه، وأجلسه الأفضل على مقعد الخلافة سنة487هـ/1094م، ولقّبه المستعلي بالله، فهرب نزار إلى الإسكندرية وثار هناك فلاحقته قوات الأفضل أمير الجيوش وقضت عليه وعلى ثورته، وأدّى اختيار المستعلي إلى انشقاق الدعوة الإسماعيلية إلى قسمين، فقد رفض الإسماعيلية في المشرق الاعتراف بالخليـفة الجديـد وفي سنة 525هـ/1130م بعد مقتل الخليفة الآمر بن المستعلي، رفض الإسماعيلية المستعلية الاعتراف بالخليفة الجديد في القاهرة، وتبنوا عقيدة فيها أن طفلاً رضيعاً للآمر يدعى الطيب كان قد فُقِد حيث استتر وهو سيكون الإمام المنتظر، وهكذا لم يعد للمستعلية أئمة بعده.[38]

حكم بعد الآمر أربعة خلفاء من الأسرة الفاطمية، لكنهم كانوا بلا صلاحيات أو نفوذ، وضعفت مصر في عهدهم ضعفاً شديداً، وكانت الحروب الصليبية قد بدأت، وحـاول الصليبيون احتلال مصـر، فاستنجد الخليفة الفاطمي العاضـد بنور الـدين زنكي الـذي أرسل قواته لنجدته وأبطل التدخل الصليبي، وفي عام 567هـ/1171م ألغى صلاح الدين الأيوبي بأمر من نور الدين الخلافة الفاطمية وأعاد مصر إلى حظيرة الخلافة العباسية.

اهتم الفاطميون منذ أن استقر سلطانهم في مصر بالعمل على نشر الثقافة العلمية والأدبية، فضلاً عن الثقافة المذهبية التي تتصل بالدعوة الإسماعيلية، كالفقه والتفسير، وكان للجامع الأزهر أثر كبير في النهوض بالحياة الثقافية في مصر، وفاقت شهرته جميع المساجد الجامعة في مصر منذ أن أشار الوزير يعقوب بن كلس سنة378هـ/988م على الخليفة العزيز بتحويله إلى معهد للدراسة بعد أن كان مقصوراً على إقامة الدعوة الفاطمية، فاستأذنه في أن يُعيّن بالأزهر بعض الفقهاء للقراءة والدرس على أن يعقدوا مجالسهم بهذا الجامع في كل جمعة من بعد الصلاة حتى العصر، فرحب العزيز بذلك ورتب لهؤلاء الفقهاء أرزاقاً شهرية ثابتة وأنشأ لهم داراً للسكنى بجوار الأزهر، وظل الأزهر مركز الفقه الفاطمي إلى أن بنى الحاكم بأمر الله جامعه، فانتقل إليه الفقهاء لإلقاء دروسهم[39].

كذلك اهتم الفاطميون بإنشاء المكتبات، فألحقوا بالقصر الشرقي الكبير مكتبة زودوها بأندر المؤلفات في مختلف العلوم والفنون حتى تميزت من غيرها من مكتبات العالم الإسلامي بما في خزائنها من كتب قيمة، وقد فقدت مكتبة القصر الفاطمي عدداً غير قليل من الكتب القيمة في غضون الشدة العظمى التي حلت في عهد المستنصر بالله، فاستولى الجند والأمراء على الكثير مما في خزانة الكتب، وعلى الرغم من ذلك كله، بقي في خزائن القصر كتب لم تصل إليها يد العبث، واستطاع الفاطميون فيما بعد أن يعوضوا ما فقدوه، فجلبوا إلى مكتبة القصر كثيراً من الكتب الجديدة، حتى أصبح في قصر العاضد آخر الخلفاء الفاطميين مكتبة كبيرة، ومن المراكز الثقافية بمصر دار الحكمة التي أسسها الحاكم بأمر الله سنة395هـ/1004م، وأطلق عليها هذه التسمية رمزاً إلى الدعوة الشيعية لأن مجالس الدعوة كانت تسمى مجالس الحكمة، وزود الحاكم هذه الدار بمكتبة عرفت باسم دار العلم، حوت الكثير من الكتب في سائر العلوم والآداب من فقه ونحو ولغة وكيمياء وطب، وسمح لسائر الناس على طبقاتهم بالتردد عليها[40].

   شجع الفاطميون العلماء والكتّاب؛ وهو ما أثره لدى طائفة كبيرة منهم في مصر، فاشتهر من المؤرخين في العصر الفاطمي، أبو الحسن علي بن محمد الشابشتي 388هـ) صاحب كتاب "الديارات" الذي اتصل بخدمة الخليفة العزيز فولاه خزانة كتبه واتخذه من جلسائه، كما نبغ من المؤرخين الأمير المختار عز الملك المعروف بالمسبحي 420هـ)، وكان من جلساء الحاكم بأمر الله وخاصته وشغف بكتابة التاريخ، وألَّف فيه عدة كتب منها تاريخه الكبير "تاريخ مصر" ومن أعلام المؤرخين أبو عبد الله القضاعي  454هـ) وكان من أقطاب الحديث والفقه الشافعي، له كتاب "مناقب الإمام الشافعي وأخباره" أوفده الخليفة المستنصر بالله سفيراً إلى تيودورا إمبراطورة الدولة البيزنطية سنة (447هـ) ليحاول عقد الصلح بينها وبين مصر، ومن الكتاب المؤرخين الذين ظهروا في أواخر العصر الفاطمي، أبو القاسم علي بن منجب الصيرفي  542هـ)الذي اشتهر ذكره وعلا شأنه في البلاغة والشعر[41].

خلفاء الدولة الفاطمية في مصر:

•                  الخليفة المعز لدين الله:

أبو تميم معد بن منصور العبيدي، رابع خلفاء الدولة الفاطمية بشكلٍ عام، وأول خليفة في مصر بشكلٍ خاصٍ وبدأت خلافته عام) (358هـ، واستمرت لعام 365) هـ(؛ وهي سنة وفاته، وفي عهده بُنيَت مدينة القاهرة على يد القائد جوهر الصقليّ خلال 3 سنوات، والمعز هو الذي سماها بالقاهرة.

•                    الخليفة العزيز بالله

نزار بن معد بن الخليفة المعز لدين الله، بدأ حكمه عام 365)  هـ(   سنة وفاة والده، واستمر حتى وفاته عام 386)هـ).

 

•                    الخليفة الحاكم بأمر الله

المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام (386هـ(  ، واستمرت حتى وفاته عام 411)هـ(.

•                    الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله

أبو الحسن علي بن الحاكم بأمر الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام 411)هـ)، واستمرت حتى وفاته عام( 427هـ)

•                    الخليفة المستنصر بالله

أبو تميم معاذ، وهو ابن الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام 427هـ) وكان صغيراً في السن، واستمر حتى وفاته (487 هـ)، وبسبب صغر سنه كانت فترة حكمه تمتاز بسيطرة الوزراء على الدولة وقوة تحكمهم.

•                    الخليفة المستعلي بالله

هو ابن الخليفة المستنصر بالله بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام(487هـ)، واستمرت حتى وفاته عام 494هـ.

•                    الخليفة الآمر بأحكام الله

أبو علي المنصور ابن الخليفة المستعلي، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام494هـ، واستمرت حتى وفاته عام (523هـ.

•                    الخليفة الحافظ لدين الله

أبو الميمون عبد المجيد وهو ابن عم الخليفة الآمر بأحكام الله، وبدأت فترة حكمه بعد وفاة ابن عمه عام  (523هـ (، واستمرت حتى وفاته عام544هـ.

•                    الخليفة الظافر بدين الله

إسماعيل ابن الخليفة الحافظ لدين الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام 544هـ، واستمرت حتى وفاته عام 549هـ،  وقد مات مقتولاً.

•                    الخليفة الفائز بنصر الله

وهو عيسى بن الخليفة إسماعيل الظافر بدين الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام 549هـ، واستمرت حتى وفاته عام 555هـ.

•                    الخليفة العاضد لدين الله

عبد الله بن يوسف ابن الخليفة الحافظ لدين الله، وهو آخر خلفاء الدولة الفاطمية، بدأ حكمه عام 555هـ/1160م، واستمر حتى تم خلعه عام567هـ/1171م[42].

المحور الثاني: المجتمع المشرقي في عهد الفاطميين:

المحاضرة 01: تركيبة المجتمع وعناصره:

   عرفت التركيبة السكانية داخل المجتمع المصري في العصر الفاطمي تنوعا بين مختلف الأجناس والأعراق، ويعود السبب في ذلك أن البيئة المصرية بيئة جالبة للسكان، وهو ما يفسر كثرة الهجرات إليها من مختلف الأقاليم والأمصار منذ الحضارات القديمة، بالإضافة إلى عدم نفور سكان مصر الأصليين ممن وفد عليهم  وسكن بينهم، ومن أشهر عناصر المجتمع في هذه الحقبة نجد:

أ- العرب والأقباط والأفارقة:

   تختلف الدراسات حول تحديد  أوائل الشعوب التي سكنت مصر من بني البشر حتى قبلف وجود الفراعنة ، غير أن ما يهمنا معرفته هو التركيبة البشرية لمصر في زمن الفاطميين تحديدا، ويكاد يجكع الباحثون على أن العناصر العربية شكلت وافدا مهما بعد فتح عمرو بن العاص لمصر سنة 20هـ/641م، بحيث استوطنت قبائل وبطون عربية كثيرة الديار المصرية، وامتزجت مع من سكنها قبلهم من الأفارقة والأقباط والأتراك وغيرهم، ومن أشهر القبائل العربية التي استقر بها المقام في مدينة القاهرة وغيرها من المدن المصرية في العصر الفاطمي نجد: (طيء- جذام بن عدي- لخم- جهينة- الأزد- حمير- قيس- مذحج- القبائل اليمنية- وغيرها) ، ومن سكانه طائفة الأقباط المسيحيون الذين صالحوا عمرو بن العاص على أموالهم وديانتهم وكنائسهم ومن أشهر مدنهم الإسماعيلية و الإسكندرية، كما سكنها الأفارقة السود والذين اشتهروا في عهد الفاطميين باسم السودان[43].

ب- المغاربة:

   هم مجموعة من القبائل سموا باسم الإقليم الذي انتسبوا إليه وهو بلاد المغرب الإسلامي، وقد ازدادت أعدادهم بشكل كبير مع دخول الفاطميين إلى مصر، ومن أشهر هذه القبائل:

1- كتامة: قبيلة بربرية وتعتبر من أكبر القابائل البربرية في بلاد المغرب وبخاصة في المنطقة الشرقية منه ، وقد سكن الكتاميون القاهرة ، وعرفت إحدى حاراتها ( حارة كتامة) ، وكان لهم دور كبير في تكوين الجيوش الفاطمية[44].

2- زويلة: إحدى القبائل البربرية، وعند بناء القاهرة اتخذ شيوخها حارة خاصة بهم باسم   (حارة زويلة) ، ولقد توالت هجرات هذه القبيلة إلى مصر ما بعد سنة 358هـ/968م، ومن أشهر آثارهم في القاهرة إلى جانب الحارة (بئر زويلة) ، وباب زويلة أحد أبواب مدينة القاهرة الشهيرة[45].

3- المصامدة: قبيلة بربرية تعرف بمصمودة ، إحدى مكونات الجيوش الفاطمية ، دخلت مصر مع الخليفة الفاطمي المعز لدين الله ، وذكرت المصادر أن أعدادها في عصر المستنصر بالله الفاطمي حوالي 20 ألف رجل، وقد ظهرت باسمهم حارة عرفت باسم       (حارة المصامدة )، وأخرى بـ (حارة سوس)، إحدى فروع المصامدة[46] .

4- لواتة: هي إحدى القبائل البربرية؛ وهي بطون كثيرة استوطنت مصر في العصر الفاطمي، وقد قيا بلغ عددهم في خلافة المستنصر بالله نحو 50 ألف رجل، وأشار المقريزي إلى أن بعضهم استوطن مدينة المنوفية[47].

5ـ- صنهاجة : قبيلة بربرية كثيرة العدد انتشرت في منطقة شمال إفريقيا حتى قيل هي ثلث أمم المغرب، وقد انتقلت أعداد كثيرة منها إلى مصر مع المعز لدين الله الفاطمي، ولا يعرف

بالتحديد مناطق استيطانهم في القاهرة[48].

6- بنو الشعرية: احدى البطون البربرية المغاربية انتقلوا مع جوهر الصقلي إلى مصر وأسهموا في تأسيس مدينة القاهرة، وإليهم ينسب أحد أبواب القاهرة " باب الشعرية"[49].

7- البرقية: قبائل بربرية كثيرة تنسب إلى إقليم برقة في ليبيا الحالية ولذلك سميت بالرقية، دخلوا مع جوهر الصقلي إلى مصر سنة (358هـ/968م) ، وقيل وفدت مع المعز لدين الله الفاطمي سنة 362هـ، اتخذت لنفسها حارة عرفت باسمها "حارة البرقية "، وإليها ينسب "باب الرقية" أحد أبواب القاهرة[50]، وإلى يومن هذا تعرف إحدى سلالات الأغنام في مصر باسم " الأغنام البرقية" فلعل ذلك يعود إلى أصحابها.

8- المحمودية: إحدى البطون البربرية التي وفدت على مصر في عهد الخليفة العزيز بالله الفاطمي بحسب ما ورد في المصادر التاريخية، وإليها تنسب (حارة المحمودية)، في القاهرة[51].

9- العدوية: اجدى الطواءف المغاربية والتي يرجح أنها من البربر ظهرت في جيش العزيز بالله الفاطمي، وإليها تنسب (حارة العدوية)، بالقاهرة[52].

    تعددت أسماء القبائل البربرية المغاربية بحسب اختلاف بطونها وأفخاذها التي دخلت مصر واستوطنت مدنها؛ والمتتبع لألقاب المصريين وأسمائهم المتوارثة يدرك هذه الحقيقة كـألقاب الزناتي والمليجي والكومي والمصمودي ورزين والمرغني والهواري والتلمساني والنفزي والملزوزي والزواغي والدراجي، ويدرك أهمية الاستيطان الكبير الذي عرفته القبائل البربرية في مصر في العصر الفاطمي، ولا يستبعد معه أنها كانت تتحدث فيما بينها بلسانها البربري؛ ولذلك نجد إلى يومنا هذا بعض التعابير والكلمات ذات الأصل البربري، غير أن لغتهم ادثرت مع مرور الزمن بحكم غلبة اللسان العربي ومكانة اللغة العربية وكتابتها الحضارية في العصر الإسلامي.

ج- الأتراك:

   اشتهر الأتراك في الفترة التي سبقت ظهور الدولة الفاطمية بأعدادهم الكبيرة في الجيوش الإسلامية، وهذا بسبب التراكم التاريخي في ظهورهم منذ عصر المعتصم بالله العباسي الذي خصص لهم مكانة كبيرة في تكوينات الجيش العباسي في بغداد ومصر وخراسان، واستمرت هذه التنشئة في مصر إلى غاية قدوم الفاطميين، ففي عهد العزيز بالله الفاطمي   (325-382هـ) ظهرت أعدادهم بشكل كبير بحيث جلبوا من بلاد الشام بقيادة القائد التركي  "أفتكين "، وبجوار الجامع الأزهر اشتهرت حارتهم باسم "حارة الأتراك"، بل جعل العزيز جيوش الفاطميين من الكتاميين والمغاربة تحت إمارة القائد التركي "أفتكين"، ثم اشتهر القائد ناصر الدولة بن حمدان الذي دخل في صراعات مع العبيد السودان، ولم تنته سطوتهم إلا بعد مجيء بدر الدين الجمالي في عهد المستنصر بالله فأنهى سطوتهم وأبعدهم عن شؤون الجيش والدولة[53].

   يضاف إلى ما ذكر من التركيبة المجتمعية في العصر الفاطمي ظهور الأرمن والديلم والفرس والسودان والأعاجم وغيرهم.   

عناصر المجتمع:

   لا يمكن الحديث في العصور الإسلامية الوسطى عن طبقات المجتمع بذات المصطلح المتداول في العصور القديمة لاختلاف الدلالات السياسية والدينية والاجتماعية، ذلك لأن الإسلام لم يكن دين طبقي ولا المجتمع الإسلامي مجتمعا طبقيا بنصوص شرعية من القرآن والسنة النبوية؛ ومنها قوله تعالى: ( والله فضل بعضكم على بعض على بعض في الرزق)، وفي السنة ما يدلل على عدم التفرقة على أساس العرق واللون والطائفة، بل شجع الإسلام على تحرير العبيد حتى جعل كفارة المذنب في انتهاك الحدود وحرمات الله تحرير العبيد (رقبة مؤمنة) تكفيرا عن ذنبه، ولذلك فالعبودية موروث من عهد الجاهلية حاول الإسلام التخلص منها ومحاربتها، (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) [54] ، وقد تبنت النظريات الحديثة مصطلح "الطبيقية"؛ بحيث ظهر بقوة في الأدبيات الماركسية؛ وهو مفهوم يدل على وجود تفاوت طبقي في المجتمع سواء كان هذا التفاوت اقتصاديا أم اجتماعيا، بينما ينظر الإسلام إلى التباين الاقتصادي والاجتماعي بين الناس بنظرة التفضيل الرباني في الأرزاق والعطايا، ولا يقلل الفقر والعوز من قيمة الإنسان ومكانته، ولا يفرض عليه ما يفرض على غيره على أساس الغنى والفقر؛ ولذلك وجب أن يستبدل مصطلح        "الطبقات" بمصطلح "عناصر المجتمع وشرائحه"؛ وهو ما سيتم الحديث عنه بهذا التوصيف داخل المجتمع الفاطمي في مصر.

-الخاصة: ويعرفون ببياض الحضرة، وأهل القصر وأهل السلطان، وعلى رأسهم الخليفة وحاشيته من وزراء وحجاب وعمال وكبار قادة الجيش، ورجالات الدولة.

-العامة: باقي شرائح المجتمع في الدولة الفاطمية منهم: الفقهاء والأدباء والتجار والمزارعون وأهل الصنائع والحرف؛ وهو يشكلون الغالبية العظمى من ساكنة الدولة.

- العبيد: وتشمل العبيد والخدم على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وألقابهم ( البيض والسود والصقالبة والخصيان).، وتختلف مهامهم وأعمالهم بحسب طبيعة وظائفهم في القصور والبيوت والأسواق، كانوا يباعون ويشترون في أسواق النخاسة أو من سبي الحروب أو يقدمون كهدايا للملوك والأمراء.

-أهل الذمة: أقلية من غير المسلمين، ويطلق هذا المصطلح في العادة على (اليهود والنصارى)، لهم مالهم وعليهم ما عليهم بحسب مقتضى النصوص الشرعية في التعامل مع النصارى واليهود من حيث تعاملاتهم وعلاقاتهم بالمسلمين، فتشمل لباسهم وكنائسهم وعبادتهم، ولا اختلاف بين المؤرخين أن النصارى الأقباط تواجدوا في مصر مع الفتح الإسلامي في الإسكندرية ودمياط والفسطاط وغيرها من المدن المصرية، وما كان على ولاة مصر بداية من عمرو بن العاص وإلى غاية الدولة الفاطمية أن يتجاهلوا حقيقة وجودهم ودورهم كعناصر فعالة داخل المجتمع المصري[55].

المحور الثاني: المجتمع المشرقي في عهد الفاطميين:

المحاضرة 03: دور وواقع المرأة في المجتمع الفاطمي:

   سجلت المرأة في المجتمع المصري في العهد الفاطمي حضورا لافتا من خلال مشاركتها في مختلف مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولا تخلو المصادر التاريخية والأدبية من إظهار تلك الجوانب المهمة  في حياة نساء العصر الفاطمي، بحيث أدّت المرأة دوراً محورياً في انتقال السلطة، وفي بعض الأحيان كانت هي من تدير شؤون الدولة، وهنا يمكننا ذكر دور "سِت المُلك"[56]، التي أدارت السلطة في الفترة الانتقاليّة بين موت الخليفة الحاكم بأمر الله، وتولّي ابنه الظاهر لإعزاز دين الله، ودور أمّ الخليفة المستنصر بالله التي كانت هي الحاكم الفعلي للبلاد، حين تولّى ابنها الخلافة وهو طفل حسبما تجمع المصادر التاريخيّة.

اختلف تأثير النساء في المجتمع المصري بحسب مكانتهن الاجتماعية، وهو ما يجعلنا نصنفهن على أساس الدرجة والمكانة إلى :

ـأ- نساء الخاصة: وتضم نساء الخليفة من زوجات وجواري، ونساء رجال الحاشية المقربة من الخليفة، وفي العادة لا يختلطن بنساء العامة إلا نادرا لدواعي أمنية واجتماعية فرضتها الظروف المعمول بها في العصر الفاطمي، وقد تميزن بلباسهن وحليهن وطرق تعليمهن وآدابهن عن بقية نساء العامة، وكن يطلق عليهن "الحريم" والقصر الذي يقمن فيه يسمى "قصر الحريم"[57].

-ب- نساء العامة: يشكلن أغلبية النساء في المجتمع المصري، وتختلف وظائفهن بحسب تمايزهن الاجتماعي، فهناك الماكثات في البيوت والعاملات في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والصناعية والحرفية، كما نال الكثير منهن حظا وافرا من التعليم، فلقد منح الفاطميون حرية التعليم لفئات العامة مع مراعاة الضوابط الشرعية، فبرز منهن المؤدبات والمعلمات والطبيبات والموسيقيات والمغنيات وغيرهن[58].  

-ج- الجواري: عرف المجتمع الفاطمي شريحة واسعة من الجواري اللواتي تواجدن في القصور والبيوت، وقد خصصت لهن أسواق خاصة في القاهرة عرفت بأسواق النخاسة والعبيد (الرق)، وكن يجلبن من مختلف المناطق في العالم فمنهن الصقلبيات والتركيات والفارسيات والنصارى والسودان، وكن بارعات في فنون شتى منها: الغناء والرقص والشعر والطبخ، وتميزن بالجمال والأناقة، وكانت الواحدة الماهرة منهن تباع بأبهظ الأثمان فالخليفة العزيز بالله زوجته كانت جارية نصرانية، وهي "أم ست الملك" أخت الحاكم بأمر الله الفاطمي، والخليفة الظاهر بالله أمه كانت جارية وتزوج من جارية أنجبت له ابنه الحكم المستنصر بالله، ومن المعروف أن الجارية إذا تزوجت من سيدها وأنجبت منه فإن مكانتها ترتفع إلى " أم ولد" وتحظى بما تحظى بها سيدات القصر[59].

-د- نساء أهل الذمة: فرضت على نساء أهل الذمة من اليهود والنصارى في العصر الفاطمي جملة من الأحكام والقرارات ذات صلة بلباسهن وزواجهن، ومعاملتهن مع المسلمين، ومن بين أشهر ما ميز نساء أهل الذمة في العهد الفاطمي هو ممارستهن لضروب التجارة النسائية كالنسيج والحياكة وبيع الحلي وتربية دودة القز والعمل في البساتين، وفرضت عليهن ألبسة خاصة حتى لا يتشبهن بالمسلمات كالزنار وهو حزام يتوسط الجسد، ووضع قلائد في العنق عليها كلمة ذمي، وأحذية بلونين مختلفين أحمر وأسود، والإسلام لا يمنع الزواج من الكتابية، ولذلك تزوج العزيز بالله الفاطمي من نصرانية، غير أن الحاكم بأمر الله الفاطمي ضيق الزواج بغير المسلمة بالنسبة للخلفاء، وزداد التضييق على نساء أهل الذمة في عهد المستنصر بالله الفاطمي أيضا[60].

- دور المرأة الفاطمية في المشرق الإسلامي:

أ- دورها في الجوانب السياسية:  أسهمت المرأة في العصر الفاطمي من فرض وجودها في دواليب الحياة السياسية، وبخاصة اللواتي ينتمين إلى الأسرة الحاكمة، سواء زوجات الخلفاء أو الأميرات من أخوات الخلفاء وبناتهم، ومن أشهرهن حضورا في التاريخ الفاطمي في مصر "ست الملك" (ت415هـ/1024م) ابنة الخليفة العزيز بالله الفاطمي وأخت الخليفة الحاكم بأمر الله، فقد كانت ذا شأن كبير في حياة والدها العزيز، وذلك لرجاحة عقلها وحكمتها، وحسن تدبيرها عند استشارتها في شؤون السياسة والحكم، وظهر أثرها أكثر في حياة أخيها الحاكم بأمر الله ثم ابنه الظاهر بالله، غير أن المؤرخين يوردون عدة روايات تثبت نشوب الصراع بين " ست الملك" وأخيها الحاكم بأمر الله  وهو ما حدا به إلى التخلي عنها ومناصبتها العداء، غير الأمر انتهى بمقتله على يدها سنة 411هـ/1020م وتولية ابنه الظاهر بالله والوصاية عليه لصغره، وإدارة أمور الدولة بدلا عنه[61].

    كانت هذه الحادثة بداية التدخل المفرط للنساء في شؤون الحكم والسياسة على مدار القرن الخامس الهجري، والذي عرف بداية تدهور الأوضاع الداخلية للدولة وضعفها، فقد ظهر دور زوجة الظاهر بالله التي كانت من أصول نصرانية وتأثيرها على زوجها خدمة للنصارى وأهل الذمة عموما (امتيازات) ، ثم ظهرت السيدة "رصد" أم الخليفة المستنصر بالله (ت487هـ/1094م) وهي كانت جارية سوداء ظهر تأثيرها بعد وصول ابنها للخلافة وهو صغير، فتدخلت في شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وكانت تختم الرسائل باسمها، ومن أبرز أعمالها إدخال الجنود السود حتى تتغلب على العناصر التركية[62]، غير أن هذا انتهى بانتشار الصراعات الدامية بين الجيوش الفاطمية فأنهك الدولة وأفسد دواليبها، وتزامن ذلك مع ظهور الأزمة الاقتصادية التي عرفت بالشدة المستنصرية[63].

   استمر تأثير تدخل النساء إلى غاية أواخر عهد الدولة؛ ففي عهد الخليفة العاضد  لدين الله (ت567هـ/1171م) كانت أمور الدولة تدار من عمتيه الكبرى والصغرى وبخاصة الصغرى المسماة "سيدة القصور"، والتي استمرت دسائسها ومؤامراتها على الوزراء وقادة الجيش إلى غاية دخول صلاح الدين الأيوبي وإسقاطه للدولة الفاطمية سنة 567هـ[64].

ب- دور المرأة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية: 

   لا تطلعنا المصادر التاريخية عن معلومات كافية حول نشاطات النساء في الحياة الاقتصادية في عهد الدولة الفاطمية في مصر إلا ما ورد عرضا من الممارسات الاعتيادية للنساء كالخياطة والنسيج والحرف، على الرغم من أن العهد الفاطمي في مجمله تميز بالثراء وتنوع الموارد المالية، وأبلغ ما ورد عن قيام نساء القصر بأعمال الصدقات كحفر الآبار وبناء المساجد وترميم بيوت الفقراء، وإنشاء أوقاف خاصة للأيتام وكبار السن والمرضى، فزوجة الخليفة الآمر بأحكام الله المسماة "علم الآمرية" أقامت دارا خاصة بالعجائز والأرامل سنة 526هـ/1131م، وكان لها صدقات كثيرة[65].

- دور المرأة في الحياة الدينية والثقافية:

    لم تظهر صورة إسهامات المرأة في العصر الفاطمي بشكل واضح في الحياة الدينية والثقافية إلا ما كان من أخبار عن نساء القصر اللواتي أسهمن في بناء مدارس وجوامع اتخذت فيها حلقات علمية وتعليمية، ومنها "جامع القرافة" الذي بنته السيدة "تغريد" زوجة الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وهو ثاني جامع بعد الأزهر ومسجد السيدة "رقية" الذي شيدته " علم الآمرية" زوجة الخليفة الآمر بأحكام الله سنة 527هـ/1132م، وممن شاركن في التعليم وإلقاء الدروس نجد السيدة "أم الخير الحجازية" التي كانت واعظة تدرس النساء في جامع عمرو بن العاص، وظهر إقبال النساء على مجالس العلم في أماكن منفردة[66].

أضرحة نساء آل البيت:

   يشير بعض المؤرخين إلى ظهور عدد كبير من شواهد القبور في القرن العاشر في مصر، لنساء آل البيت اللائي حظين بقدسية لدى الشيعة الإسماعيلية (الفاطميين)، وبتبجيل كبير أيضا لدى السُنة المصريين، لافتين إلى أن الكثير من ممارسات الشيعة الإسماعيليّة تتمحور حول القبور.

   يشير الباحث أيمن فؤاد سيد، أستاذ التاريخ المتخصص في الدراسات الإسماعيلية، في كتابه الشهير "الدولة الفاطمية في مصر: تفسير جديد"، أن مصر لم تعرف المساجد التي تحتوي على أضرحة إلا في عهد الفاطميين، سواء التي تضم جسماناً مدفوناً بها، أو تلك التي كانت مجرد أضرحة رمزية (وهي الأغلب)، أو ما عرفت بـ"مشاهد الرؤيا"، حيث يُبنى مسجد ويقام به ضريح لشخص لم يدفن به، ومع ذلك يتوجه إليه الناس ويطلبون البركة[67]،

    والمتتبع لما ذكره الباحث فؤاد سيد يجد أنها لازالت موجودة بالقاهرة إلى اليوم، إنشاء عدد من المساجد باسم نساء من آل البيت، كالسيدة سكينة بنت الحسين بن علي، السيّدة رقية بنت الإمام علي الرضا والسيّدة عاتكة عمّة النبي محمّد، وهي نماذج لمشاهد أو أضرحة رمزيّة، بالإضافة للأضرحة الحقيقيّة، وتلك التي أُعيد إحياؤها، كضريح السيّدة نفيسة بنت الحسن، حفيدة الحسن بن علي بن أبي طالب، المدفونة به منذ بداية القرن الثالث الهجري، قبل قيام الدولة الفاطميّة نفسها، حيث أنشأ الفاطميون قبّة على الضريح، ومسجداً لازال قائماً في القاهرة إلى الآن، بل هو من أشهر مساجدها[68].  

 

 

- العمارة والأوقاف:

   كان للنساء في العصر الفاطمي إسهام في وقف أملاكهنّ على مساجد ومرافق عامة لخدمة الناس، وكانت تلك الأوقاف وهذه الأعمال تقام بأسمائهنّ، لا باسم الدولة أو باسم الخليفة، وبرعايتهن المباشرة، وكان يتولى الإشراف على الأوقاف في العصر الفاكمي ديوان يعرف بـ "ديوان الأحباس"[69].

 ففي سنة 363هـ/ 973-974م، عندما أصبح العزيز بالله وليّاً للعهد، بَنَتْ والدته "دورزان" وتسمّى أيضاً "تغريد"، زوجة المعزّ لدين الله الفاطمي، ما يُعرف بـ"منازل العزّ،" التي كانت تطلّ على النيل، وهي منتجع كان يتنزّه فيه الخلفاء والأسرة الحاكمة، وصارت بعد ذلك مدرسة للفقه الشافعي في العصر الأيوبي، أما العمل الأهمّ لـدورزان فهو بناء "مسجد القرافة"، أو ما عرف بعد ذلك بـ"مسجد الأولياء"[70].

   تبعت دورزان ابنتها "ست المُلك" عام 977م، وأنشأت حوضاً للمياه بجوار مسجد القرافة، إن "ست المُلك" حفيدة دورزان، وأخت الحاكم بأمر الله، سارت على نفس التقليد في بناء المرافق العامة، وكانت توقف أموالها على بناء مساجد ومبانٍ عامّة، ولكن لا توجد مبانٍ تحمل اسمها قائمة الآن لعدّة احتمالات، منها الدمار الذي طال أجزاء كبيرة من الآثار الفاطميّة في فترات تاريخيّة لاحقة، ومنها على سبيل المثال قصر الخلافة نفسه، الذي انمحى أثره وأقيمت على أطلاله بنايات متعدّدة، بدءاً من العصر الأيوبي وما تلاه، كذلك بَنَتْ رَصَد أم الخليفة المستنصر حوضاً آخر للمياه بالقرب من القرافة[71].

- المحور الثالث: الأزمات السياسية والاقتصادية والصراعات المذهبية في عهد الدولة الفاطمية.

المحاضرة 01: الأزمات السياسية و الاقتصادية:

   فقدت الدولة الفاطمية الكثير من نفوذها في بلاد الشام بسبب كثرة الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعرضت لها وأنهكتها في آخر عهدها ، وعلى الرغم من الاختلافات الواضحة بين المؤرخين في حصرها، إلا أنه يمكن أن نجمل أسباب هذا التراجع الكبير الذي أدى في نهاية المطاف إلى سقوطها النهائي في عهد آخر خلفائها العاضد لدين الله الفاطمي على يد الناصر صلاح الدين الأيوبي سنة 567هـ/1172م إلى ما يلي:

أ- كثرة النزاعات: كثرة النزعات بين عناصر الجيوش الفاطمية ذات الولاءات المختلفة، والطوائف العرقية المتعددة ( مغاربة ، أتراك، فرس وغيرهم)، فاختل الأمن وانتشرت الفوضى في مصر وبلاد الشام[72].

ب- الشدة المستنصرية: (من سنة457هـ إلى سنة464هـ ) : ظهرت في مصر في منتصف القرن 5هـ/11م أزمة اقتصادية حادة بسبب نقص مياه نهر النيل وشح الأمطار مما أدى إلى الجفاف وتراجع الزراعة، فظهرت المجاعة وتفشت الأوبئة وغلت الأسعار على مدار 7 سنوات، وقد وصف مؤرخ مصر المقريزي هذه الشدة بقوله: " وقع في أيام المستنصر الغلاء الفاحش...حيث أكلت الكلاب والقطط، فبيع الكلب ليؤكل بخمسة دنانير، وتزايد الحال حتى أكل الناس بعضهم بعضا ، فكانت طوائف تجلس بأعلى بيوتها ومعهم سلب وحبال فيها كلاليب، فإذا مر بهم أحد ألقوها عليه ونشلوه في أسرع وقت وشرّحوا لحمه وأكلوه"[73].

   لم تنته هذه الشدة إلا بعد ظهور الوزير بدر الدين الجمالي (ت487هـ) الذي استدعاه الخليفة المستنصر بالله الفاطمي من بلاد الشام، والذي تمكن من إعادة الوضع على ما كان عليه، إلا أن ذلك لم يدم طويلا بسبب ضعف الخلفاء وظهور الخلافات بين الوزراء وقادة الجيش[74].

ج- تغلب الوزراء على منصب الخليفة الفاطمي، وتولي الصبية برعاية من نساء القصر ومن حالفهم من الوزراء والقادة؛ وهو ما أضعف هيبة منصب الخليفة بين الرعية، وأسهم بزرع الفتن داخل البيت الفاطمي وأضعف سلطتهم[75].

د-أصدر الحاكم بأمر الله سنة 402هـ/1011م قوانين ضد النصارى واليهود تتصف بالصرامة، بحيث عين لهم لباسا خاصا، ووضع الصلبان على أعناقهم، وأمر بهدم الكنائس، وهو ما أغضبهم وحز في نفوسهم وقد أعطوا الأمان على ذلك منذ فتح مصر، ومع اعتراضهم في حضرته إلا أنه خيرهم بين اعتناق الإسلام أو الرضوخ للأمر الواقع[76].

المحاضرة 02: الصراعات المذهبية:

   نشر الفاطميون المذهب الإسماعيلي بمجرد وصولهم إلى مصر ، وشجعوا علماءهم على بذل الجهد في التعريف به وتدريسه في مساجدهم وبخاصة الجامع الأزهر؛ فألفت الكتب في فقه الشيعة الإسماعيلية وأصول الدين والعبادات، ومن أبرز ما أدخله الفاطميون عند دخولهم مصر هو صيام شهر رمضان من دون تحري رؤية الهلال؛ وهو ما استنكره أهل مصر ورفضوه غير أن إصرار الفاطميين على الصيام دون رؤية الهلال أصبح أمرا واقعا، وانقطع طلب الهلال بمصر طوال حكم الفاطميين، وأمروا بالجهر بالبسملة في الصلاة، وإضافة عبارة "حي على خير العمل" للأذان، والاحتفال باليوم العشر من المحرم وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين في كربلاء[77]، والاحتفال بعيد الغدير[78].

   استمر هذا التوجه العقدي للشيعة في زمن الأزمات والشدة؛ وهو ما سجله المؤرخون عن دور دبر الدين الجمالي وأسرته الحاكمة، فقد كان متحمسا للمذهب الفاطمي والمدافع عنه، ومن أمثلة ذلك أنه حبس أقواما رووا فضائل الصحابة، وأحيى الكثير من طقوس الشيعة ومعتقداتهم[79] .

   اهتم الفاطميون بالمزارات الخاصة بآل البيت كمزار الحسين والسيدة زينب، وأضرحة آل البيت على سعة انتشارها في مصر، ومع ذلك لم تضيق سلطة الفاطميين على أهل السنة وعلمائهم، وإنما فتحوا أبواب الحرية والمناظرات العلمية بين مختلف العقائد والمذاهب، غير أن هذا لم يمنع من ظهور بعض النزاعات العقدية والمذهبية والطائفية بين الشيعة وأهل السنة الذين نصبوا العداء للشيعة ومعتقداتهم وطعنوا بذلك في أهليتهم لقيادة شؤون المسلمين وإمامتهم، وهو ما شهدت أحداثه الدامية مدينة الإسكندرية بين المصريين من الشيعة والمغاربة[80].

المحور الرابع:  سقوط الدولة الفاطمية وظهور الدول السلطانية ( الأيوبيون والمماليك)

المحاضرة 01: سقوط الدولة الفاطمية (الأسباب والنتائج).

المحاضرة 02: الأيوبيون.

المحاضرة 03: المماليك.

المحاضرة 01: سقوط الدولة الفاطمية (الأسباب والنتائج).

شهدت السنوات الأخيرة من عمر الدولة الفاطمية سلسلة من الصراعات والحروب بين ولاة الأقاليم المتنافسين على منصب الوزارة بالاستعانة بالقوى الخارجية.

   تولى شاور بن مجبر السعدي الوزارة سنة 558هـ/1163م لدى الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله، غير أنه وجد منافسة قوية من أبو الأشبال ضرغام بن عامر المنذري مقدم الأمراء، ودخلا في قتال انتهى بمقتل الأمير " طي ابن الوزير شاور " وانهزام جيش الوزير شاور؛ وهو ما اضطره إلى الفرار إلى الشام مستنجدا بالسلطان نور الدين محمود صاحب دمشق، وتعهد إن هو ساعده على دخول مصر واستعادة منصبه أن يدفع له ثلث خراج مصر، وأن يكون تحت تصرف السلطان نور الدين[81]، وهو ما اعتبره الباحثون مؤشر على ضعف الدولة الفاطمية وبداية نهايتها.       

   استغل نور الدين محمود مرحلة الضعف التي آلت إليها مصر الفاطمية، ووجدها فرصة لضمها إلى محور جبهة محاربة الصليبين في بيت المقدس فأرسل مع الوزير شاور جيشا على رأسه أسد الدين شيركوه[82] سنة 559هـ/1164م لأجل إعادة شاور إلى منصبه، ولما بلغ

الخبر أبو الأشبال ضرغام سارع إلى التحالف مع عموري[83] ((Amaury ملك بيت المقدس إلا أن محاولته باءت بالفشل بحكم حصار نور الدين للصليبين في طريقهم إلى مصر، وبالفعل تمكن أسد الدين شيركوه من دخول مصر والتغلب على ضرغام، وإعادة شاور إلى منصبه في الوزارة[84]، غير أن ضرغام خالف عهده وطلب من أسد الدين مغادرة مصر؛ بل وتحالف مع ملك بيت المقدس، محذرا إياه من محاولة نور الدين ضم مصر ومن ثم محاصرة الصليبين برا وبحرا، وهو ما حمله ملك بيت المقدس محمل الجد وسارع إلى إرسال جيوشه إلى مصر للوقوف في وجه زحف جيش نور الدين محمود وانتقامه من الوزير شاور، وبالفعل التقى الجيشان: جيش الفرنجة الصليبيين مدعومة بالجيش المصري في مواجهة جيش أسد الدين شيركوه في منطقة تعرف بـ" البابين" بالقرب من المنيا، فكان النصر حليف أسد الدين شيركوه، ثم دخل الإسكندرية وعين ابن أخيه صلاح الدين واليا عليها، ولما أدرك الفرنجة وشاور نوايا الأيوبيين في ضم مصر إلى سلطانهم هموا بمحاصرة الإسكندرية والتضييق على جيوش الأيوبيين، وانتهى الأمر بعقد اتفاقية يتراجع بموجبها الأيوبيون عن مصر ويبقي الصليبيون محمية صغيرة في مصر لضمان عدم غدر الأيوبيين وبموافقة من الوزير شاور[85].

    تراجعت جيوش الأيوبيين إلى بلاد الشام، غير أن الفرنجة الصليبين بدأو يخططون لغزو مصر بعدما اطلعوا على ضعف حصونها وهوان جيشها، بالإضافة إلى ما تدره من خراج وأموال على من يحتلها، وبالفعل جهز الفرنجة حملة لغزو مصر سنة 564هـ/1169م.

   لما علم شاور بالأمر عمد إلى إخلاء مدينة الفسطاط وإشعال النيران فيها حتى لا يتخذها الفرنجة معسكرا لهم، ودخل القاهرة وحصنها وجهز جيشها للدفاع عنها، وأرسل للفرنجة يعرض عليهم الصلح ودفع ألف ألف دينار سنويا لهم مقابل التراجع عن دخول مصر، وفي الوقت نفسه أرسل لنور الدين محمود يطلب النجدة، كما أرسل له الخليفة العاضد لدين الله يستنجده هو كذلك خشية أن تقع مصر في يد الفرنجة، ولكن هذه المرة تعهد بأن يتنازل المصريون عن ثلث بلاد مصر للأيوبيين، وأن يأذن لأسد الدين شيركوه بالإقامة في مصر وأن يكون له وجيشه إقطاعات خاصة بهم، ولما رأى الفرنجة قوة جيوش الأيوبيين لم يكن أمامهم إلا التراجع والتسليم لهم، والعودة إلى فلسطين، بينما تمكن أسد الدين شيركوه من دخول مصر بترحيب من أهلها، واستقبله الخليفة العاضد لدين الله وخلع عليه، واحتفى به[86]،

   استغل أسد الدين قربه من الخليفة وتفقا على عزل الوزير شاور، ولا يكون ذلك إلا بقتله؛ وهو ما تم سنة 564هـ/1196م، وفور التخلص من شاور خلع العاضد لأسد الدين خلع الوزارة وفوض إليه شؤون الحكم وقيادة الجيوش، غير أنه لم يلبث طويلا حتى مات فجأة في ذات السنة، ولم يكن أمام الخليفة إلا تعيين نائبه صلاح الدين وزيرا لاعتقاده أنه أقل حظا من أسد الدين ويسهل التحكم فيه[87]

   خلع العاضد على صلاح الدين ولقبه بـ "الملك الناصر"، حاول العبيد السودان من التآمر على صلاح الدين إلا أنه أنهى شوكتهم وأحرق حارتهم المنصورية بالقاهرة، أدرك حينها الفرنجة الصليبيون أن الأيوبيين يرديون السيطرة على مصر فأرسلوا حملة صليبية بأسطول بحري كبير استطاع الوصول إلى مدينة "دمياط"[88] ومحاصرتها لمدة خمسين يوما غير أن قوات الأيوبيين استطاعت فك الحصار عنها بعدما قدّم نور الدين محمود يد المساعدة بهجومه على إمارات الصليبيين في الشام مما خفف الضغط عن دمياط واضطرار القوات الصليبية مغادرة الأراضي المصرية[89].

   أدخل صلاح الدين إصلاحات إدارية ومالية وعسكرية ودينية داخل الدولة الفاطمية مما مكنه من التحكم في دواليب الدولة والسيطرة عليها، ومن أشهر ما قام به تقوية المذهب السني وإضعاف المذهب الإسماعيلي؛ بحيث ألغى الكثير من الطقوس الشيعية الإسماعيلية المنتشرة في مصر ومنها إبطال عبارة "حي على خير العمل" من الأذان، ومنع سب الصحابة، وأن يذكر أسماء الخلفاء الراشدين في خطب الجمعة، وعزل جميع القضاة الإسماعيليين، وفي سنة 567هـ/1171م جاءت الخطوة الحاسمة في القضاء على الخلافة الفاطمية في مصر عندما أسقط صلاح الدين خطبة الفاطميين وأمر الخطباء بالدعوة للخليفة العباسي المستضيء بأمر الله وذلك في 7 من المحرم/10سبتمبر وأعاد السواد شعار العباسييين، وفي ذات السنة توفي آخر خليفة فاطمي العاضد لدين الله[90].  



[1] - ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الإفريقي، لسان العرب، دار صادر، بيروت،(د ط)، ج8 ص 189.

[2]- ينظر تفصيل ذلك عند عبد القاهر بن طاهر البغدادي، الفرق بين الفرق، تحقيق محمد عثمان الخشت، مكتبة ابن سينا، القاهرة، ط1، 1988م، ص ص 41-71.

[3]- الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم، الملل والنحل، تحقيق أمير علي مهنا و علي حسن فاعود، دار المعرفة، بيروت، ط2، 1993م، ج1، ص ص 169.

[4] -ابن خلدون، المقدمة، تخريج وتعليق عبد الله الدرويش، دار يعرب، دمشق، ط1، 2004م، ص 373.

[5]- ينظر تفاصيل هذه الأخبار عند الطبري، تاريخ الرسل والأمم والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، مصر، ط2، 1972م، ج5، ص ص 5-64.

[6] - ابن خلدون، المصدر السابق، ص ص 373-375.

[7] - إحسان إلهي ظهير، الشيعة والتشيع فرق وتاريخ، إدارة ترجمان السنة، باكستان، 1995م، ص 267.

[8] - نفسه، ص ص 209-229.

[9] - ينظر تفصيل أخبار هؤلاء الأئمة عند الشهرستاني، المصدر السابق، ص ص 198-203.

[10] - إحسان إلهي ظهير، المرجع السابق، ص 343.

[11] - ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل، تحقيق محمد إبراهيم نصر و عبد الرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت، ط2، 1996م، ج5،   ص42.

[12] - محمد بن علي سلمان الوصابي، التقية عند الفرق، مجلة الأندلس للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة الأندلس للعلوم والتقنية، اليمن، العدد 77 المجلد 10، سنة 2023م، ص ص 62-69.

[13] - الشهرستاني، المصدر السابق، ج1، ص 197.

[14] - هو الحسين بن محمد بن زكريا، ويلقب بالمعلم من دعاة الإسماعيلية، أصله من صنعاء، انتقل إلى بلاد المغرب وتمكن من نشر دعوة الإسماعيلية إلى غاية ظهور دولتهم، توفي مقتولا على يد عبيد الله المهدي سنة 296هـ، المقريزي، إتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء، ج1، ط2، القاهرة، ص 57.

[15] - القاضي النعمان، كتاب افتتاح الدعوة، الشركة التونسية للتوزيع،ط2، تونس، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1986م،  ص 25.

[16] - نفسه، ص 29.

[17] - هو أبو القاسم الحسن بن فرح بن حوشب بن زادان الكوفي، أحد أشهر دعاة المذب الإسماعيلي في المشرق، ينظر عنه القاضي النعما، المصدر نفسه، ص 29.

[18] - ابن عذاري المراكشي، البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق ج.كولان، وليفي بروفنسال، دار الثقافة، بيروت، ط3، 1983م،ج1، ص 124.

[19] - ابن خلدون، المصدر السابق، ج4، ص 43.

[20] - مدينة في بلاد الشام، من أعمال قنسرين على طرف البادية، وهو حصن كالمدينة صغير عامل وآهل، الحميري، المصدر السابق، ص 320.

[21] - مدينة في صحراء المغرب، بينها وبين البحر خمس عشرة مرحلة، وهي على نهر يقال له زيز بنيت سنة 140هـ أسسها مدرار بن عبد الله، الحميري، نفسه ، ص ص 305-306.

[22] - ابن خلدون المصدر السابق، ص 47.

[23] - ابن خلدون المصدر السابق، ص48.

[24] - يلقب بالمظفر المعتضدي، أحد الخدام الذين بلغوا رتبة الملوك، وكان قائدا لجند مصر بأمر من الخلفاء بني العباس، توفي مقتولا بأمر الخليفة القاهر بالله العباسي سنة 321هـ، الذهبي، سير أعلام النبلاء، المصدر السابق، ج15، ص 57.

[25] - هو أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن ارباهيم، وزير وأحد كتاب الدولة الفاطمية، كان يهوديا ثم أسلم ، كان داهية ماكرا فطنا، الذهبي، نفسه، ج16، ص 444.

[26] -  محمد جمال الدين سرور، تاريخ الدولة الفاطمية، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1995م، ص ص 127-128.

[27] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص ص 311-364

[28] - ابن خلدون، المصدر السابق، ص ص 47-56.

[29] - محمد جمال الدين سرور، نفسه، ص 345.

[30] - هو أبو تميم شرف الدولة المعز بن باديس بن منصور بن مناد الصنهاجي رابع أمراء الدولة الزيرية، في عهده انفصلت دولته عن الفاطميين ومبايعة العباسيين، توفي سنة 454هـ ، الذهبي، سير أعلام النبلاء، المصدر السابق، ج18، ص 140.

[31] - تعرف هجرتهم بالهجرة الهلالية، من أشهر هذه القبائل العربية : بنو سليم وبنو هلال وبنو عدوان، هاجروا من مصر إلى بلاد المغرب بأمر من الفاطميين في مصر، وستوطنوا البلاد الجديدة بقوة السيف، ينظر تفاصيل هجرتهم عند ابن خلدون، المصدر السابق، ج4، ص ص 79-80.

[32] - ابن خلدون، نفسه، ص 80.

[33] - ينظر تفاصيل هذه الأخبار محمد كامل حسين، طائفة الدروز، تاريخها وعقائدها، دار المعارف، مصر، ط1، 1962م، ص ص 75-85.

[34] - هو أبو الحارث أرسلان التركي، الملقب بالمظفر، كان مقدما عند الخليفة العباسي القائم بأمر الله، ثم طغى وبغى وتمرد وخطب للفاطميين، ومات مقتولا سنة 451هـ، ابن كثير، المصدر السابق، ج12، ص 84.

[35] - نفسه، ص 85.

[36] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص 103.

[37] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص ص 105-103.

[38] - نفسه، ص  110.

[39] - خالد بن عبد الرحمن بن حمد القاضي، الحياة العلمية في مصر الفاطمية، الدار العربية للموسوعات، بيروت، ط1، 2008م، ص ص 135-136.

[40] - خالد بن عبد الرحمن بن حمد القاضي، المرجع نفسه، ص ص 115-121.

[41] - نفسه، ص ص 265-281.

[42] - ينظر أسماء هؤلاء الخلفاء ونبذ عن حياتهم أبو الحسن علي الروحي، بلغة الظرفاء في تاريخ الخلفاء، تحقيق محمد حسن إسماعيل، كتاب ناشرون، لبنان، ط1، 2010م،  ص ص 302-331.

[43] - عبد المنعم عبد الحميد سلطان، الحياة الاجتماعية في العصر الفاطمي، مركز الإسكندرية للكتاب، الإسكندرية، ط1، 2009م، ص ص 14-82.

[44] - المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، تحقيق محمد زينهم ومديحة الشرقاوي، مكتبة مدبولي، ط1، القاهرة 1997م، ج3، ص 388.

[45] - نفسه، ج2، ص 98.

[46] - نفسه، ص ص 400-408.

[47] - نفسه، ص 103.

[48] - المقريزي، إتعاظ الحنفاء، المصدر السابق، ص 57.

[49] - المقريزي، الخطط ، ج2، ص 103.

[50] - نفسه، ص 12.

[51] - نفسه، 375.

[52] - نفسه، 399.

[53] - المقريزي، إتعاظ الحنفاء، المصدر السابق، ص 219.

[54] - ينظر عن مفهوم العبودية والرق أحمد شفيق، الرق في الإسلام، ترجمة أحمد زكي، مكتبة النافذة، مصر ط1، 2010م، ص ص 71-81.

- [55] عبد المنعم عبد الحميد سلطان، المرجع السابق، ص ص 10-87.

[56] - هي ست الملك بنت العزيز بالله بن المعز لدين الله بن معد بن المنصور إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن عبيد الله الفاطمي العلوي، كانت من أحسن نساء زمانها جمالا، وأوفرهن عقلا...شاركت أخاها الحاكم بأمر الله في الملك...توفيت سنة 415هـ وحزن عليها أهل مصر، ينظر عن بقية أخبارها وسيرتها، زينب فواز، الدر المنثور في طبقات ربات الخدور، مكتبة ابن قتيبة، الكويت ط1، 1312هـ/1895م، ج1، ص ص 320-321.

[57] - نريمان عبد الكريم أحمد، المرأة في مصر في العصر الفاطمي،الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، ط1، 1993م، ص35.

[58] - نهلة عبد الفتاح الجالودي، دور المرأة في مصر خلال العصر الفاطمي، دراسة سياسية واجتماعية، رسالة ماجستير غير مطبوعة، جامعة آل البيت ، كلية العلوم الإنسانية، قسم التاريخ، 2010م، ص 61.

[59] - نفسه، ص ص 65-78.

[60] - نهلة عبد الفتاح الجالودي، المرجع السابق، ص ص61-63.

[61] - نفسه، ص89.

[62] - نفسه، ص93.

[63] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص 103.

[64] - نهلة عبد الفتاح الجالودي، المرجع السابق، ص ص113-114.

[65] - نريمان عبد الكريم أحمد، ص41.

[66] - نهلة عبد الفتاح الجالودي، ص154.

[67] - أيمن فؤاد سيد، الدولة الفاطمية في مصر، تفسير جديد، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ط1، 1992م، ص 399.

[68] - نفسه، ص ص 398-399.

[69] - أيمن فؤاد سيد، المرجع السابق، ص361.

[70] - المقريزي، المصدر السابق، ج1، ص 295، و نهلة عبد الفتاح الجالودي، ص ص 130-131

[71] - نفسه، ص 131.

[72] - أيمن فؤاد سيد، المرجع السابق، ص ص 97-137.

[73] - المقريزي، المصدر السابق، ج2، ص 184.

[74] - نفسه، ص ص 139-141.

[75] - عرب دعكور، الدولة الفاطمية، تاريخها السياسي والحضاري، ةدار المواسم، بيروت، ط1، 2004م، ص 187.

[76] - إبراهيم رزق الله أيوب، التاريخ الفاطمي الاجتماعي، الشركة العالمية للكتاب، بيروت، ط1، 1997م، ص ص 35-36.

[77] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص 76.

[78] - يوم الغدير: أو عيد الغدير يحتفل به الشيعة يوم 18 من ذي الحجة لاعتقادهم أن النبي (صلى الله عليه وسلم) عهد بالإمامة والخلافة لعلي بن أبي طالب بعده، بعد عودة المسلمين من حجة الوداع إلى المدينة في مكان يسمى "غدير خم"، ويرى أهل السنة أن ما قاله النبي مجرد بيان لفضل علي ومحبته، ينظر تفاصيل هذا الخبر عند الذهبي، سير أعلام النبلاء، المصدر السابق، ج8، ص 334.

[79] - محمد حسن دخيل، الدولة الفاطمية، الدور السياسي والحضاري للأسرة الجمالية، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت،ط1، 2009م، ص 88.

[80] - محمد جمال الدين سرور، نفسه، ص 77.

[81] - نفسه، ص 222.

[82] - أبو الحارث أسد الدين شيركوه بن شاذي بن مروان، قائد عسكري في الدولة الزنكية وعم صلاح الدين الأيوبي أسهم في تأسيس الدولة الأيوبية وإنقاذ مصر من الحملات الصليبية، توفي سنة 564هـ، الذهبي، المصدر السابق، ج15، ص 210.

[83] - هو عموري الأول بن فولك ملك صليبي لاتيني حكم بيت المقدس من سنة 1162 إلى سنة 1174م، كانت له عدة محاولات للاستيلاء على مصر غير أن الأيوبيين حالوا دون تمكنه من ذلك، ينظر عن حياته، حجازي عبد المنعم سليمان،  السياسة الخارجية لمملكة بيت المقدس عهد الملك عموري الأول، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط14، 2014م، ص ص 37-56.

[84] - محمد جمال الدين سرور، المصدر السابق، ص 224.

[85] - نفسه، ص 226.

[86] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص 117.

[87] - أيمن فؤاد سيد، المرجع السابق، ص ص 233-234.

[88] - يقال لها أيضا ذمياط بالذال المعجمة، مدينة بالديار المصرية على ساحل البحر قريبة من تنيس وإليها ينتهي نهر النيل، اشتهرت في حروب المسلمين مع التتار والصليبين بحكم قربها من البحر، الحميري، المصدر السابق، ص 257.

[89] - نفسه، ص 234.

[90] - أيمن فؤاد سيد، المرجع السابق، ص ص 234-241.


محاضرات مقياس: المشرق الإسلامي ما بين القرنين (8-15م) - السداسي السادس-الخلافة الفاطمية في المشرق الإسلامي.

جامعة ابن خلدون

كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية.

قسم التاريخ.

المستوى الدراسي: السنة الثالثة تاريخ.

السداسي: 06.

المعامل: 02.

الحجم الساعي: 1سا ونصف.

أ.حاكمي حبيب.

أهداف المقياس: يتعرف الطالب من خلال دراسته لهذه المادة في السداسي السادس على تاريخ منطقة المشرق الإسلامي في ظل ظهور الدولة الفاطمية على مسرح الأحداث، والتعرف على أوضاع أقاليمها من النواحي السياسية والاقتصادية والمذهبية وتأثير ذلك على بنيتها الاجتماعية.

المحور الأول: الخلافة الفاطمية في المشرق الإسلامي.

المحاضرة 01: التشيع. مفاهيم وتعاريف.

المحاضرة 02: التشيع من الفكرة إلى الدعوة ثم الدولة.

المحاضرة 03: انتقال الدولة الفاطمية إلى المشرق (مراحل الاستقرار والتوسع).

المحور الثاني: المجتمع المشرقي في عهد الفاطمي.

المحاضرة 01: التركيبة البشرية والعنصرية للمجتمع..

المحاضرة 02: واقع المرأة ودورها في المجتمع الفاطمي بالمشرق..

المحاضرة 03: الأعياد والاحتفالات داخل المجتمع الفاطمي بالمشرق.

المحور الثالث: الأزمات السياسية والاقتصادية والصراعات المذهبية في عهد الدولة الفاطمية.

المحاضرة 01: الأزمات السياسية.

المحاضرة 02: الأزمات الاقتصادية.

المحاضرة 03: الصراعات المذهبية.

المحور الرابع: سقوط الدولة الفاطمية وظهور الدول السلطانية ( الأيوبيون والمماليك)

المحاضرة 01: سقوط الدولة الفاطمية(الأسباب والنتائج).

المحاضرة 02: الأيوبيون.

المحاضرة 03: المماليك.

المحاضرة 01: التشيع.

هدف المحاضرة: اطلاع الطلبة على مفهوم المذهب الشيعي من حيث التسمية وتاريخ الظهور، وفهم الأركان التي استندت عليها الدولة الفاطمية في قيامها، ذكرت مختلف المصادر التاريخية أن الانقسامات الفعلية بين المسلمين حدثت بعد فتنة مقتل الخليفة عثمان بن عفان، وكان لهذه الحادثة أثر بالغ في تعدد الآراء ونشوب الصراعات الداخلية التي نتج عنها ظهور الفرق والطوائف السياسية والعقدية، انقسم المسلمون الى فرق وجماعات منها الشيعة فمن هم الشيعة ومتى ظهروا وما هي أهم عقائدهم؟

1- الشيعة : القوم الذين يجتمعون على الأمر، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة، وكل قوم أمرهم واحد ، يتبع بعضهم رأي بعض ، فهم شِيَع ...

والشيعة : أتباع الرجل وأنصاره ، وجمعها شِيَع. وأشياع جمع الجمع.

ويقال شايعه ، كما يقال والاهُ ، من الوَلْيِ.

ومنه قوله تعالى }: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيم } : أي من شيعة نوح.

وأصل الشيعة : الفرقة من الناس[1].

   تعددت مسميات هذه الفرقة بين المصادر وتفرعت طوائفهم وتشعبت معتقداتهم، وقد فصل صاحب كتاب "الفرق بين الفرق" في أسمائهم وفرقهم ومعتقداتهم وأشهر أئمتهم، وهو ما يطول بيانها هنا[2]، وأما الشهرستاني فعرفهم: "الشيعة هم الذين شايعوا علياً  رضي الله عنه على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصية، إما جلياً، وإما خفياً، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده. وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين لا يجوز للرسل عليهم السلام إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة وإرساله"[3].

   ويرى ابن خلدون أن " أن الشيعة لغة هم الصحب و الأتباع و يطلق في عرف الفقهاء       و المتكلمين من الخلف و السلف على أتباع علي و بنيه رضي الله عنهم و مذهبهم جميعاً متفقين عليه أن الإمامة ليست من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة و يتعين القائم بها بتعيينهم بل هي ركن الدين و قاعدة الإسلام و لا يجوز لنبي إغفاله و لا تفويضه إلى الأمة بل يجب عليه تعيين الإمام لهم و يكون معصوماً من الكبائر و الصغائر و أن علياً رضي الله عنه هو الذي عينه صلوات الله و سلامه عليه بنصوص ينقلونها و يؤولونها على مقتضى مذهبهم لا يعرفها جهابذة السنة ولا نقله الشريعة بل أكثرها موضوع أو مطعون في طريقه أو بعيد عن تأويلاتهم الفاسدة[4].

2- بداية ظهور التشيع:

    اختلف المؤرِّخون والباحثون في تحديد تاريخ بداية ظهور التشيّع والشيعة، ويعود اختلاف الآراء وتعدّدها في هذه المسألة إلى أسباب عدَّة أبرزها: تعدّد الدلالات اللفظية لكلمة  "شيعة"، إذ خلط بعض الباحثين بين الدلالة اللغويّة والدلالة التاريخيّة أو الدلالة الاصطلاحيّة للكلمة، فالشيعة لغةً تعني القوم والأتباع والأنصار والحزب، وفي معناها الإصلاحي فهي للدلالة على أتباع علي بن أبي طالب وأنصاره بما روي من كلامه: "شيعتي"، وتباينت الأفكار السياسية لهذه الفرقة بعد موقعتي صفين سنة 37هـ بين علي بن أبي طالب وشيعته ومعاوية بن أبي سفيان، وموقعة النهروان سنة 38هـ بين علي والخوارج، وازداد تعصب أنصار علي بن أبي طالب بعد مقتلة سنة 40هـ/660م، وفي العهدين الأموي والعباسي تطور الفكر الشيعي من التوجه السياسي إلى التوجه العقدي وبخاصة بعد مقتل الحسين بن علي سنة61هـ/680م في العهد الأموي[5].

وإذا كان كتّاب الشيعة يردّون التشيّع إلى عهد الرسول(صلى الله عليه وسلم) أو بعد وفاته مباشرةً، فإنّهم لا ينكرون ما لمقتل الإمام الحسين من أثرٍ كبيرٍ في تطوير عقائدهم وتمايزها عن عقائد الإسلام السنيّ، فالتشيّع قبل مقتل الإمام الحسين كان مجرّد رأيٍ سياسيّ لم يصل إلى قلوب الشيعة، فلمّا قُتل امتزج التشيّع بدمائهم وتغلغل في أعماق قلوبهم وأصبح عقيدة راسخة في نفوسهم مقترنةً بأحقيّة آل البيت في تولي منصب الإمامة، وظهرت أصول ومعتقدات جديدة منها: العلم اللدنيّ والبداء والرجعة والمهدي المنتظر المرتبطة بنظريّة الإمامة[6].

 3- أئمة الشيعة:

   افترقت الشيعة إلى عدة فرق وطوائف، ومن أبرزها: الكيسانية والزيدية والإسماعيلية وغلاة الروافض وغيرهم، وقد وقع بينها اختلاف كبير في ذكر أئتهم وأسمائهم وعددهم وعصمتهم من عدمها، وتعتبر الشيعة الإثنى عشرية أو الإمامية أو الجعفرية الطائفة الأكثر بروزا في التاريخ[7]، وما أطلق لفظ الشيعة من دون تخصيص فإن المقصود به الشيعة الإثنى عشرية، وهي الطائفة الكبرى من حديث عدد الأتباع من بين الطوائف الشيعية الأخرى، تمييزا لهم عن الزيدية والإسماعيلية[8]، ولاعتقادهم بأنَّ النبي محمد قد نصَّ على اثني عشر إماماً خلفاءَ من بعده، فكانت عقيدة الإمامة هي الفارق الرئيس بينها وبين بقية الطوائف الإسلامية.

وهذه قائمة بأسماء الأئمة الإثنى عشر:

1-  علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، استشهد سنة 40 هـ
2-الحسن بن علي رضي الله عنه (3-5هـ)
3-  الحسين بن علي رضي الله عنه(4-61هـ)
4-علي زين العابدين بن الحسين(38-95هـ) ويلقبونه بالسجاد .
5-  محمد بن علي زين العابدين(57-114هـ) ويلقبونه بالباقر .
6- جعفر بن محمد الباقر (83-148هـ) ويلقبونه بالصادق .
7- موسى بن جعفر الصادق(128-183هـ) ويلقبونه بالكاظم .
8- علي بن موسى الكاظم(148-203هـ) ويلقبونه بالرضا .
9-  محمد الجواد بن علي الرضا 195- 220 هـ  ويلقبونه بالتقي .
10-علي الهادي بن محمد الجواد 212- 254 هـ  ويلقبونه بالنقي.
11-الحسن العسكري بن علي الهادي 232- 260 هـ  ويلقبونه بالزكي.
12- محمد المهدي بن الحسن العسكري ، ويلقبونه بالحجة القائم المنتظر .
ويزعمون أنه دخل سردابا في سامراء . وأكثر الباحثين على أنه غير موجود أصلا ، وأنه من اختراعات الشيعة[9].

4-أهم عقائد الشيعة وأصولهم:

1-  الإمامة: يرون أن إمامة الاثني عشر، ركن الإسلام الأعظم، وهي عندهم منصب إلهي كالنبوة، والإمام عندهم يوحى إليه، ويؤيد بالمعجزات، وهو معصوم عصمة مطلقة

2- الطعن في الصحابة - رضي الله عنهم: يزعم الشيعة أن الصحابة - رضي الله عنهم - ارتدوا عن الإسلام إلا ثلاثة أو أربعة أو سبعة، علَى اختلاف أساطيرهم.

3- محاولتهم النَيْل من كتاب الله -عز وجل-:  لَمّا كانت نصوص القرآن لا ذِكْر فيها الأئمة الاثني عشر، كما أنها تُثْنِي علَى الصحابة - رضي الله عنهم - وتُعْلي من شأنهم، تحيّر الشيعة فقالوا لإقناع أتباعهم: إن آيات الإمامة وسب الصحابة قد أسقِطَتْ من القرآن[10].

وبعض الشيعة قالوا بأن جبريل - عليه السلام - قد أخطأ في الرسالة فنزل علَى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، بدلًا من أن ينزل علَى عَلِيٍّ - رضي الله عنه -؛ لأن عليًّا يشبه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما يشبه الغرابُ الغرابَ؛ ولذلك سموا بالغرابية[11] .

4- عقيدة التقية عند الشيعة: التقية عند الشيعة هي التظاهر بعكس الحقيقة، وهي تبيح للشيعي خداع غيره فبناء علَى هذه التقية ينكر الشيعي ظاهرًا ما يعتقده باطنًا، وتبيح له أن يتظاهر باعتقاد ما ينكره باطنًا، ولذلك تجد الشيعة ينكرون كثيرًا من معتقداتهم أمام أهل السنة مثل القول بتحريف القرآن، وسب الصحابة، وتكفير وقذف المسلمين، إلى غير ذلك من المعتقدات[12] .

المحاضرة 02:  انتقال الخلافة الفاطمية إلى المشرق:

أ-الخلافة الفاطمية بالمغرب (297-358هـ/ 909-969م)

   يعود تأسيس الدولة الفاطمية في بلاد المغرب إلى فرقة الإسماعيلية إحدى فرق الشيعة نسبة إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق (ت143هـ)[13]، وقد سموا بالفاطميين نسبة إلى قولهم بالانتساب إلى فاطمة الزهراء بنت الرسول عليه السلام، وعلى الرغم من صحة هذا النسب من عدمه واختلاف المؤرخين بين مؤيد (ابن الأثير المقريزي ابن خلدون)، ومنكر لذلك (ابن خلكان- القلقشندي- ابن حزم- الذهبي- السيوطي إلا أن ما يهنا هو عوامل ظهور هذه الدولة وتداعياتها، ويرجع الفضل في نجاح الدعوة الإسماعيلية في بلاد المغرب إلى الداعية " أبو عبد الله الشيعي"  [14]الذي يعتبر المؤسس الحقيقي للدولة الفاطمية، غير أنه سبقه دعاة آخرون مهدوا لظهور دعوتهم، بحيث أن الإمام جعفر الصادق ث148هـ كان قد أوفد داعيين أحدهما يعرف بالحلواني والآخر بأبي سفيان[15] إلى بلاد المغرب وقال لهما: "إن المغرب أرض بور فاذهبا فاحرثا حتى يجيئ صاحب البذر" [16]، فذهبا وأخذا يدعوان الناس لطاعة آل البيت حتى استمالا الكثير من قبيلة " كتامة البربرية"، وظلا هناك إلى أن ماتا، وبعدها أرسل ابن حوشب[17] أبا عبد الله الشيعي وكلفه بالقيام بالدعوة للمذهب الإسماعيلي، فتمكن بعد لقائه بالحجاج الكتاميين في مكة الذين مهدوا له الطريق لدخول بلاد المغرب.[18]

كانت إفريقية في هذه الفترة في يد الأغالبة (184-296-هـ)، ولذلك انتقل أبو عبيد الله الشيعي من مرحلة الدعوة إلى مرحلة العمل المسلح، فكوّن جيشا عظيما من الكتاميين وسقطت بيده عدد من المدن منها ميلة وسطيف وغيرها[19]، وعلى الرغم من محاولات الأغالبة الوقوف في وجه المد الكتامي إلا أنهم لم يتمكنوا وسقطت عاصمتهم " القيروان" سنة 296هـ وبدأ حكم الفاطميين.

   كان الإمام الفاطمي عبيد الله المهدي مختفيا مع ابنه أبي القاسم عن العباسيين في بلدة "سلمية" [20] إلى أن أتاه وفد كتامة يخبرونه بالانتقال إلى بلاد المغرب التي أصبحت بأيديهم، ولأن ظروف انتقاله لم تكن ميسورة رغم تخفيه في هيئة التجار لجأ إلى سجلماسة[21] للتخفي عن أعين الأغالبة، ولكنهم عرفوا حاله وبإيعاز منهم تم سجنه هناك، وبعدما تمكن أبو عبد الله الشيعي من الانتصار على الأغالبة اتجه في جيوش كبيرة غربا فأنهى حكم الرستميين في تاهرت سنة 296هـ/908م، ثم اتجه إلى سجلماسة وقضى على من كان فيها وأفرج عن عبيد الله من سجنه وأعلنه إماما للفاطميين وتلقب بالمهدي ودون الدواوين وجبى الأموال[22]، وقد اتخذ من رقادة عاصمة مؤقتة لدولته، وبعدما تخلص من أبي عبد الله الشيعي بسبب أطماعه قام بإنشاء عاصمته الجديدة " المهدية"  سنة 300 هـ/1012م[23]، ثم توجهت أنظار المهدي إلى بلاد المشرق ومصر تحديدا لمكانتها السياسية وثرواتها فكانت أول حملة جهزها لغزو مصر سنة301هـ، ولم تحقق شيئا، ثم تلتها حملة سنة 306هـ، ولم تمكن الفاطميين من مصر بسبب قوة الجيوش العباسية بقيادة مؤنس الخادم[24]، وخلال هذه الفترة تعاقب على حكم الفاطميين ببلاد المغرب أربعة خلفاء هم:

1- المهدي عبيد الله أبو محمد(  297-322هـ(.

2- القائم بأمر الله محمد أبو القاسم بن المهدي( 322-334هـ. (

3- المنصور إسماعيل أبو طاهر( 334-341هـ(.

4- المعز لدين الله أبو تميم (341-362هـ(.

دخول الفاطميين مصر:

بعد اسـتقرار المعـز لدين الله الفاطمي في مصر، تمّ إحكـام نظام إداري للدولة يمكن وصفه بالعلمية لرقيه ودقته، كما أحكم نظام الدعوة، ويعدُّ يعقوب بن كلـس[25] 380هـ) وزير العزيز بالله365-386هـ أهم بناة النظام الإداري والدَعَوي للدولة الفاطمية، واستطاع هذا النظام أن يبقي الدولة الفاطمية حيَّة مدة تفوق القرنين، على الرغم من أن الخلفاء الذين تعاقبوا على عرش القاهرة لم يتسموا بالمقدرة والكفاءة السياسية والإدارية التي اتسم بها من سبقهم من الخلفاء[26].

حينما تمكن الفاطميون من إحكام السيطرة على مصر، بدا تحدي الإسماعيلية للنظام العباسي والفكر السني أكثر قرباً وأشد خطراً، وصار للفاطميين دولة واسعة الأرجاء، شملت وهي في ذروة قوتها: مصر وسورية وشمالي إفريقيا وصقلية والحجاز واليمن بما في ذلك المدينتان المقدستان مكة والمدينة[27]، وسيطر الفاطميون على جيش من الدعاة، وعلى ولاء عدد لا يحصى من الأتباع في الأراضي التي كانت خاضعة للحكم العباسي فعلياً أو اسمياً.

كانت ردت أفعال الخلافة العباسية تجاه قيام الدولة الفاطمية محتشمة، إذ لم تتعَدَّ بعض إجراءات أمن ضد الدعاة، وحرباً دعائية ضد السلالة الفاطمية التي اتهمت في مقال نشر في بغداد سنة 402هـ1011/م[28]، ومع الأيام بدأت جذوة الحركة الفاطمية تخبو، وأخذ الإسلام السني يسترد نشاطه وكانت أهم أسباب إخفاق الدعوة الفاطمية ما عانته من تمزق داخلي وظهور الأتراك على مسرح الأحداث وإقامتهم للدولة السلجوقية[29].

من أهم الأحداث التي واجهت الدولة الفاطمية، انفصال شمالي إفريقيا عن جسم الدولة، ففي عهد الأمير الزيري المعز بن باديس[30] ( (407-454تم الانفصال عن الفاطميين رسمياً، وعندما لم تستطع الخلافة الفاطمية إيقاف حركة الانفصال هذه، شجعت عدداً من القبائل العربية التي كانت قد هاجرت إلى مصر وعلى رأسها قبائل سليم وهلال[31]، على عبور النيل والاتجاه غرباً بعد أن كانوا يمنعونهم منه، ومنحوا كل عابر منهم ديناراً مع أشياء أخرى كفروة أو بعير، واجتاز هؤلاء مصر إلى الغرب موجة إثر موجة، وأقامت سليم في برقة وانتشر بنو هلال في ولاية إفريقية، ولكن هذه الهجرة لم تحقق عودة إفريقية للحكم الفاطمي، وإن كانت قد حققت بعض التغيير، فقد أشاعت الفوضى وانعدام الأمن من جهة، ولكنها من جهة أخرى صبغت شمالي إفريقيا بالصبغة العربية نهائياً[32].

من أهم المشكلات الداخلية التي تعرض لها الفاطميون، كانت تلك المتعلقة بالدعوة، ثم بعض الأزمات الاقتصادية، وأخيراً استيلاء الجند على مقاليد الأمور، فمنذ بداية قيام الخلافة الفاطمية كان هناك خلافات داخل الحركة الإسماعيلية بين فئات يمكن تسميتها بالمتطرفة، وأخرى يمكن دعوتها بالمحافظة، وكان على الخلفاء أن يواجهوا بين الحين والآخر انشقاقاً في الحركة وحتى مقاومة مسلحة، ولعلَّ أهم حركات الانشقاق كانت تلك التي بدأت زمن الحاكم بأمر الله الخليفة السادس، ولاسيما بعد اختفائه سنة 411هـ/1021م في ظروف غامضة، فاعتقد جماعة من الإسماعيلية بأن الحاكم كان ذا صفات إلهية وأنه لم يمت، بل ذهب إلى الستر والغيبة، ولذلك رفضوا الاعتراف بخليفة على العرش الفاطمي، وانفصموا عن الجسم العام للفرقة، ونالوا بعض النجاح وخاصة في بلاد الشام، وعرفوا باسم الدروز، وما تزال فئات كبيرة منهم تعيش في بلاد الشام[33].

في عصر الخليفة المسـتنصر بالله427-487هـ، وصلت الخلافة الفـاطمية إلى ذروتها ثم هوت بـسرعة كبيـرة، وجرى في أيامه ما لم يجر في أيام أحد من أهل بيته، فخطب البساسيري[34] في بغـداد باسـمه مدة سنة، وخطب علي بن محمد الصليحي في بلاد اليمن باسمه ولكن الخطبة قطعت باسمه في إفريقية سنة 443هـ، وقطع اسمه من الحرمين سنة 449هـ، وذكر اسم الخليفة العباسي القائم بأمر الله422-467هـ[35]، وفي سنة 446هـ نكبت مصر بالوباء والقحط وكان وقعهما شديداً فيها فعمت الفوضى والمجاعة وعاد الوباء أشد ما يكون في سنة 456هـ ، والذي استمر حتى سنة 464هـ1071م مقترناً بالفتن والحروب، وامتدت يد السلاجقة إلى الشام حتى كادت تخرج من أيدي الفاطميين، فاستدعى المستنصر بالله بدر الجمالي إلى مصر من عكا سنة 466هـ/1073م، ليكون القائم بتدبير الدولة وإصلاح الأمور[36].

أبحر بدر في حرسه الخاص من الأرمن وفي جنده المخلصين من عكا قاصداً مصر، وقضى على الأمراء الذين أثاروا الفتن، وأعاد الهدوء إلى العاصمة، واستمر يتتبع المفسدين في كل جهة من جهات مصر حتى استتبت الأمور وسكنت الفتن وفرض النظام والهدوء، ونصب المستنصر بالله بدراً أميراً للجيوش ولُقب بكافل قضاة المؤمنين (قاضي القضاة) و(هادي دعاة المؤمنين (داعي الدعاة وعيَّن وزيراً للسيف لا يتقدمه أحد، وفوَّض إليه جميع سلطاته فأصبح بدر الجمالي صاحب الحل والعقد، له أن يولي كبار موظفي الدولة ويعزلهم، وهكذا أصبحت الوزارة في أواخر عهد المستنصر بالله حتى نهاية العصر الفاطمي وزارة تفويض بعد أن كانت وزارة تنفيذ في الفترة ما بين 358-465هـ.[37]

ضعف نفوذ الخلفاء الفاطميين كثيراً بعد وفاة المستنصر، بينما زادت سلطة الوزراء الذين استفحلت قوتهم وتضخمت ثروتهم وأصبح في أيديهم أمر تعيين الخلفاء وعزلهم، وكان بعضهم يؤثر اختيار أحد أمراء البيت الفاطمي الضعاف حتى يكون ألعوبة في أيديهم، وتجلت هذه الظاهرة في عهد الوزير الأفضل بن بدر الجمالي أمير الجيوش فعندما عزم المستنصر بالله على أخذ البيعة لابنه الأكبر نزار، ماطل الأفضل في مبايعته لأنه كان يميل إلى أبي القاسم أحمد بن المستنصر من زوجته أخت الأفضل، فلما مات المستنصر بالله، اجتمع الأفضل بالأمراء والخواص وخوَّفهم من نزار وأشار عليهم بمبايعة أخيه الأصغر أحمد، وكان حديث السن، فبايعوه، وأجلسه الأفضل على مقعد الخلافة سنة487هـ/1094م، ولقّبه المستعلي بالله، فهرب نزار إلى الإسكندرية وثار هناك فلاحقته قوات الأفضل أمير الجيوش وقضت عليه وعلى ثورته، وأدّى اختيار المستعلي إلى انشقاق الدعوة الإسماعيلية إلى قسمين، فقد رفض الإسماعيلية في المشرق الاعتراف بالخليـفة الجديـد وفي سنة 525هـ/1130م بعد مقتل الخليفة الآمر بن المستعلي، رفض الإسماعيلية المستعلية الاعتراف بالخليفة الجديد في القاهرة، وتبنوا عقيدة فيها أن طفلاً رضيعاً للآمر يدعى الطيب كان قد فُقِد حيث استتر وهو سيكون الإمام المنتظر، وهكذا لم يعد للمستعلية أئمة بعده.[38]

حكم بعد الآمر أربعة خلفاء من الأسرة الفاطمية، لكنهم كانوا بلا صلاحيات أو نفوذ، وضعفت مصر في عهدهم ضعفاً شديداً، وكانت الحروب الصليبية قد بدأت، وحـاول الصليبيون احتلال مصـر، فاستنجد الخليفة الفاطمي العاضـد بنور الـدين زنكي الـذي أرسل قواته لنجدته وأبطل التدخل الصليبي، وفي عام 567هـ/1171م ألغى صلاح الدين الأيوبي بأمر من نور الدين الخلافة الفاطمية وأعاد مصر إلى حظيرة الخلافة العباسية.

اهتم الفاطميون منذ أن استقر سلطانهم في مصر بالعمل على نشر الثقافة العلمية والأدبية، فضلاً عن الثقافة المذهبية التي تتصل بالدعوة الإسماعيلية، كالفقه والتفسير، وكان للجامع الأزهر أثر كبير في النهوض بالحياة الثقافية في مصر، وفاقت شهرته جميع المساجد الجامعة في مصر منذ أن أشار الوزير يعقوب بن كلس سنة378هـ/988م على الخليفة العزيز بتحويله إلى معهد للدراسة بعد أن كان مقصوراً على إقامة الدعوة الفاطمية، فاستأذنه في أن يُعيّن بالأزهر بعض الفقهاء للقراءة والدرس على أن يعقدوا مجالسهم بهذا الجامع في كل جمعة من بعد الصلاة حتى العصر، فرحب العزيز بذلك ورتب لهؤلاء الفقهاء أرزاقاً شهرية ثابتة وأنشأ لهم داراً للسكنى بجوار الأزهر، وظل الأزهر مركز الفقه الفاطمي إلى أن بنى الحاكم بأمر الله جامعه، فانتقل إليه الفقهاء لإلقاء دروسهم[39].

كذلك اهتم الفاطميون بإنشاء المكتبات، فألحقوا بالقصر الشرقي الكبير مكتبة زودوها بأندر المؤلفات في مختلف العلوم والفنون حتى تميزت من غيرها من مكتبات العالم الإسلامي بما في خزائنها من كتب قيمة، وقد فقدت مكتبة القصر الفاطمي عدداً غير قليل من الكتب القيمة في غضون الشدة العظمى التي حلت في عهد المستنصر بالله، فاستولى الجند والأمراء على الكثير مما في خزانة الكتب، وعلى الرغم من ذلك كله، بقي في خزائن القصر كتب لم تصل إليها يد العبث، واستطاع الفاطميون فيما بعد أن يعوضوا ما فقدوه، فجلبوا إلى مكتبة القصر كثيراً من الكتب الجديدة، حتى أصبح في قصر العاضد آخر الخلفاء الفاطميين مكتبة كبيرة، ومن المراكز الثقافية بمصر دار الحكمة التي أسسها الحاكم بأمر الله سنة395هـ/1004م، وأطلق عليها هذه التسمية رمزاً إلى الدعوة الشيعية لأن مجالس الدعوة كانت تسمى مجالس الحكمة، وزود الحاكم هذه الدار بمكتبة عرفت باسم دار العلم، حوت الكثير من الكتب في سائر العلوم والآداب من فقه ونحو ولغة وكيمياء وطب، وسمح لسائر الناس على طبقاتهم بالتردد عليها[40].

   شجع الفاطميون العلماء والكتّاب؛ وهو ما أثره لدى طائفة كبيرة منهم في مصر، فاشتهر من المؤرخين في العصر الفاطمي، أبو الحسن علي بن محمد الشابشتي 388هـ) صاحب كتاب "الديارات" الذي اتصل بخدمة الخليفة العزيز فولاه خزانة كتبه واتخذه من جلسائه، كما نبغ من المؤرخين الأمير المختار عز الملك المعروف بالمسبحي 420هـ)، وكان من جلساء الحاكم بأمر الله وخاصته وشغف بكتابة التاريخ، وألَّف فيه عدة كتب منها تاريخه الكبير "تاريخ مصر" ومن أعلام المؤرخين أبو عبد الله القضاعي  454هـ) وكان من أقطاب الحديث والفقه الشافعي، له كتاب "مناقب الإمام الشافعي وأخباره" أوفده الخليفة المستنصر بالله سفيراً إلى تيودورا إمبراطورة الدولة البيزنطية سنة (447هـ) ليحاول عقد الصلح بينها وبين مصر، ومن الكتاب المؤرخين الذين ظهروا في أواخر العصر الفاطمي، أبو القاسم علي بن منجب الصيرفي  542هـ)الذي اشتهر ذكره وعلا شأنه في البلاغة والشعر[41].

خلفاء الدولة الفاطمية في مصر:

•                  الخليفة المعز لدين الله:

أبو تميم معد بن منصور العبيدي، رابع خلفاء الدولة الفاطمية بشكلٍ عام، وأول خليفة في مصر بشكلٍ خاصٍ وبدأت خلافته عام) (358هـ، واستمرت لعام 365) هـ(؛ وهي سنة وفاته، وفي عهده بُنيَت مدينة القاهرة على يد القائد جوهر الصقليّ خلال 3 سنوات، والمعز هو الذي سماها بالقاهرة.

•                    الخليفة العزيز بالله

نزار بن معد بن الخليفة المعز لدين الله، بدأ حكمه عام 365)  هـ(   سنة وفاة والده، واستمر حتى وفاته عام 386)هـ).

 

•                    الخليفة الحاكم بأمر الله

المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام (386هـ(  ، واستمرت حتى وفاته عام 411)هـ(.

•                    الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله

أبو الحسن علي بن الحاكم بأمر الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام 411)هـ)، واستمرت حتى وفاته عام( 427هـ)

•                    الخليفة المستنصر بالله

أبو تميم معاذ، وهو ابن الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام 427هـ) وكان صغيراً في السن، واستمر حتى وفاته (487 هـ)، وبسبب صغر سنه كانت فترة حكمه تمتاز بسيطرة الوزراء على الدولة وقوة تحكمهم.

•                    الخليفة المستعلي بالله

هو ابن الخليفة المستنصر بالله بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام(487هـ)، واستمرت حتى وفاته عام 494هـ.

•                    الخليفة الآمر بأحكام الله

أبو علي المنصور ابن الخليفة المستعلي، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام494هـ، واستمرت حتى وفاته عام (523هـ.

•                    الخليفة الحافظ لدين الله

أبو الميمون عبد المجيد وهو ابن عم الخليفة الآمر بأحكام الله، وبدأت فترة حكمه بعد وفاة ابن عمه عام  (523هـ (، واستمرت حتى وفاته عام544هـ.

•                    الخليفة الظافر بدين الله

إسماعيل ابن الخليفة الحافظ لدين الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام 544هـ، واستمرت حتى وفاته عام 549هـ،  وقد مات مقتولاً.

•                    الخليفة الفائز بنصر الله

وهو عيسى بن الخليفة إسماعيل الظافر بدين الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام 549هـ، واستمرت حتى وفاته عام 555هـ.

•                    الخليفة العاضد لدين الله

عبد الله بن يوسف ابن الخليفة الحافظ لدين الله، وهو آخر خلفاء الدولة الفاطمية، بدأ حكمه عام 555هـ/1160م، واستمر حتى تم خلعه عام567هـ/1171م[42].

المحور الثاني: المجتمع المشرقي في عهد الفاطميين:

المحاضرة 01: تركيبة المجتمع وعناصره:

   عرفت التركيبة السكانية داخل المجتمع المصري في العصر الفاطمي تنوعا بين مختلف الأجناس والأعراق، ويعود السبب في ذلك أن البيئة المصرية بيئة جالبة للسكان، وهو ما يفسر كثرة الهجرات إليها من مختلف الأقاليم والأمصار منذ الحضارات القديمة، بالإضافة إلى عدم نفور سكان مصر الأصليين ممن وفد عليهم  وسكن بينهم، ومن أشهر عناصر المجتمع في هذه الحقبة نجد:

أ- العرب والأقباط والأفارقة:

   تختلف الدراسات حول تحديد  أوائل الشعوب التي سكنت مصر من بني البشر حتى قبلف وجود الفراعنة ، غير أن ما يهمنا معرفته هو التركيبة البشرية لمصر في زمن الفاطميين تحديدا، ويكاد يجكع الباحثون على أن العناصر العربية شكلت وافدا مهما بعد فتح عمرو بن العاص لمصر سنة 20هـ/641م، بحيث استوطنت قبائل وبطون عربية كثيرة الديار المصرية، وامتزجت مع من سكنها قبلهم من الأفارقة والأقباط والأتراك وغيرهم، ومن أشهر القبائل العربية التي استقر بها المقام في مدينة القاهرة وغيرها من المدن المصرية في العصر الفاطمي نجد: (طيء- جذام بن عدي- لخم- جهينة- الأزد- حمير- قيس- مذحج- القبائل اليمنية- وغيرها) ، ومن سكانه طائفة الأقباط المسيحيون الذين صالحوا عمرو بن العاص على أموالهم وديانتهم وكنائسهم ومن أشهر مدنهم الإسماعيلية و الإسكندرية، كما سكنها الأفارقة السود والذين اشتهروا في عهد الفاطميين باسم السودان[43].

ب- المغاربة:

   هم مجموعة من القبائل سموا باسم الإقليم الذي انتسبوا إليه وهو بلاد المغرب الإسلامي، وقد ازدادت أعدادهم بشكل كبير مع دخول الفاطميين إلى مصر، ومن أشهر هذه القبائل:

1- كتامة: قبيلة بربرية وتعتبر من أكبر القابائل البربرية في بلاد المغرب وبخاصة في المنطقة الشرقية منه ، وقد سكن الكتاميون القاهرة ، وعرفت إحدى حاراتها ( حارة كتامة) ، وكان لهم دور كبير في تكوين الجيوش الفاطمية[44].

2- زويلة: إحدى القبائل البربرية، وعند بناء القاهرة اتخذ شيوخها حارة خاصة بهم باسم   (حارة زويلة) ، ولقد توالت هجرات هذه القبيلة إلى مصر ما بعد سنة 358هـ/968م، ومن أشهر آثارهم في القاهرة إلى جانب الحارة (بئر زويلة) ، وباب زويلة أحد أبواب مدينة القاهرة الشهيرة[45].

3- المصامدة: قبيلة بربرية تعرف بمصمودة ، إحدى مكونات الجيوش الفاطمية ، دخلت مصر مع الخليفة الفاطمي المعز لدين الله ، وذكرت المصادر أن أعدادها في عصر المستنصر بالله الفاطمي حوالي 20 ألف رجل، وقد ظهرت باسمهم حارة عرفت باسم       (حارة المصامدة )، وأخرى بـ (حارة سوس)، إحدى فروع المصامدة[46] .

4- لواتة: هي إحدى القبائل البربرية؛ وهي بطون كثيرة استوطنت مصر في العصر الفاطمي، وقد قيا بلغ عددهم في خلافة المستنصر بالله نحو 50 ألف رجل، وأشار المقريزي إلى أن بعضهم استوطن مدينة المنوفية[47].

5ـ- صنهاجة : قبيلة بربرية كثيرة العدد انتشرت في منطقة شمال إفريقيا حتى قيل هي ثلث أمم المغرب، وقد انتقلت أعداد كثيرة منها إلى مصر مع المعز لدين الله الفاطمي، ولا يعرف

بالتحديد مناطق استيطانهم في القاهرة[48].

6- بنو الشعرية: احدى البطون البربرية المغاربية انتقلوا مع جوهر الصقلي إلى مصر وأسهموا في تأسيس مدينة القاهرة، وإليهم ينسب أحد أبواب القاهرة " باب الشعرية"[49].

7- البرقية: قبائل بربرية كثيرة تنسب إلى إقليم برقة في ليبيا الحالية ولذلك سميت بالرقية، دخلوا مع جوهر الصقلي إلى مصر سنة (358هـ/968م) ، وقيل وفدت مع المعز لدين الله الفاطمي سنة 362هـ، اتخذت لنفسها حارة عرفت باسمها "حارة البرقية "، وإليها ينسب "باب الرقية" أحد أبواب القاهرة[50]، وإلى يومن هذا تعرف إحدى سلالات الأغنام في مصر باسم " الأغنام البرقية" فلعل ذلك يعود إلى أصحابها.

8- المحمودية: إحدى البطون البربرية التي وفدت على مصر في عهد الخليفة العزيز بالله الفاطمي بحسب ما ورد في المصادر التاريخية، وإليها تنسب (حارة المحمودية)، في القاهرة[51].

9- العدوية: اجدى الطواءف المغاربية والتي يرجح أنها من البربر ظهرت في جيش العزيز بالله الفاطمي، وإليها تنسب (حارة العدوية)، بالقاهرة[52].

    تعددت أسماء القبائل البربرية المغاربية بحسب اختلاف بطونها وأفخاذها التي دخلت مصر واستوطنت مدنها؛ والمتتبع لألقاب المصريين وأسمائهم المتوارثة يدرك هذه الحقيقة كـألقاب الزناتي والمليجي والكومي والمصمودي ورزين والمرغني والهواري والتلمساني والنفزي والملزوزي والزواغي والدراجي، ويدرك أهمية الاستيطان الكبير الذي عرفته القبائل البربرية في مصر في العصر الفاطمي، ولا يستبعد معه أنها كانت تتحدث فيما بينها بلسانها البربري؛ ولذلك نجد إلى يومنا هذا بعض التعابير والكلمات ذات الأصل البربري، غير أن لغتهم ادثرت مع مرور الزمن بحكم غلبة اللسان العربي ومكانة اللغة العربية وكتابتها الحضارية في العصر الإسلامي.

ج- الأتراك:

   اشتهر الأتراك في الفترة التي سبقت ظهور الدولة الفاطمية بأعدادهم الكبيرة في الجيوش الإسلامية، وهذا بسبب التراكم التاريخي في ظهورهم منذ عصر المعتصم بالله العباسي الذي خصص لهم مكانة كبيرة في تكوينات الجيش العباسي في بغداد ومصر وخراسان، واستمرت هذه التنشئة في مصر إلى غاية قدوم الفاطميين، ففي عهد العزيز بالله الفاطمي   (325-382هـ) ظهرت أعدادهم بشكل كبير بحيث جلبوا من بلاد الشام بقيادة القائد التركي  "أفتكين "، وبجوار الجامع الأزهر اشتهرت حارتهم باسم "حارة الأتراك"، بل جعل العزيز جيوش الفاطميين من الكتاميين والمغاربة تحت إمارة القائد التركي "أفتكين"، ثم اشتهر القائد ناصر الدولة بن حمدان الذي دخل في صراعات مع العبيد السودان، ولم تنته سطوتهم إلا بعد مجيء بدر الدين الجمالي في عهد المستنصر بالله فأنهى سطوتهم وأبعدهم عن شؤون الجيش والدولة[53].

   يضاف إلى ما ذكر من التركيبة المجتمعية في العصر الفاطمي ظهور الأرمن والديلم والفرس والسودان والأعاجم وغيرهم.   

عناصر المجتمع:

   لا يمكن الحديث في العصور الإسلامية الوسطى عن طبقات المجتمع بذات المصطلح المتداول في العصور القديمة لاختلاف الدلالات السياسية والدينية والاجتماعية، ذلك لأن الإسلام لم يكن دين طبقي ولا المجتمع الإسلامي مجتمعا طبقيا بنصوص شرعية من القرآن والسنة النبوية؛ ومنها قوله تعالى: ( والله فضل بعضكم على بعض على بعض في الرزق)، وفي السنة ما يدلل على عدم التفرقة على أساس العرق واللون والطائفة، بل شجع الإسلام على تحرير العبيد حتى جعل كفارة المذنب في انتهاك الحدود وحرمات الله تحرير العبيد (رقبة مؤمنة) تكفيرا عن ذنبه، ولذلك فالعبودية موروث من عهد الجاهلية حاول الإسلام التخلص منها ومحاربتها، (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) [54] ، وقد تبنت النظريات الحديثة مصطلح "الطبيقية"؛ بحيث ظهر بقوة في الأدبيات الماركسية؛ وهو مفهوم يدل على وجود تفاوت طبقي في المجتمع سواء كان هذا التفاوت اقتصاديا أم اجتماعيا، بينما ينظر الإسلام إلى التباين الاقتصادي والاجتماعي بين الناس بنظرة التفضيل الرباني في الأرزاق والعطايا، ولا يقلل الفقر والعوز من قيمة الإنسان ومكانته، ولا يفرض عليه ما يفرض على غيره على أساس الغنى والفقر؛ ولذلك وجب أن يستبدل مصطلح        "الطبقات" بمصطلح "عناصر المجتمع وشرائحه"؛ وهو ما سيتم الحديث عنه بهذا التوصيف داخل المجتمع الفاطمي في مصر.

-الخاصة: ويعرفون ببياض الحضرة، وأهل القصر وأهل السلطان، وعلى رأسهم الخليفة وحاشيته من وزراء وحجاب وعمال وكبار قادة الجيش، ورجالات الدولة.

-العامة: باقي شرائح المجتمع في الدولة الفاطمية منهم: الفقهاء والأدباء والتجار والمزارعون وأهل الصنائع والحرف؛ وهو يشكلون الغالبية العظمى من ساكنة الدولة.

- العبيد: وتشمل العبيد والخدم على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وألقابهم ( البيض والسود والصقالبة والخصيان).، وتختلف مهامهم وأعمالهم بحسب طبيعة وظائفهم في القصور والبيوت والأسواق، كانوا يباعون ويشترون في أسواق النخاسة أو من سبي الحروب أو يقدمون كهدايا للملوك والأمراء.

-أهل الذمة: أقلية من غير المسلمين، ويطلق هذا المصطلح في العادة على (اليهود والنصارى)، لهم مالهم وعليهم ما عليهم بحسب مقتضى النصوص الشرعية في التعامل مع النصارى واليهود من حيث تعاملاتهم وعلاقاتهم بالمسلمين، فتشمل لباسهم وكنائسهم وعبادتهم، ولا اختلاف بين المؤرخين أن النصارى الأقباط تواجدوا في مصر مع الفتح الإسلامي في الإسكندرية ودمياط والفسطاط وغيرها من المدن المصرية، وما كان على ولاة مصر بداية من عمرو بن العاص وإلى غاية الدولة الفاطمية أن يتجاهلوا حقيقة وجودهم ودورهم كعناصر فعالة داخل المجتمع المصري[55].

المحور الثاني: المجتمع المشرقي في عهد الفاطميين:

المحاضرة 03: دور وواقع المرأة في المجتمع الفاطمي:

   سجلت المرأة في المجتمع المصري في العهد الفاطمي حضورا لافتا من خلال مشاركتها في مختلف مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولا تخلو المصادر التاريخية والأدبية من إظهار تلك الجوانب المهمة  في حياة نساء العصر الفاطمي، بحيث أدّت المرأة دوراً محورياً في انتقال السلطة، وفي بعض الأحيان كانت هي من تدير شؤون الدولة، وهنا يمكننا ذكر دور "سِت المُلك"[56]، التي أدارت السلطة في الفترة الانتقاليّة بين موت الخليفة الحاكم بأمر الله، وتولّي ابنه الظاهر لإعزاز دين الله، ودور أمّ الخليفة المستنصر بالله التي كانت هي الحاكم الفعلي للبلاد، حين تولّى ابنها الخلافة وهو طفل حسبما تجمع المصادر التاريخيّة.

اختلف تأثير النساء في المجتمع المصري بحسب مكانتهن الاجتماعية، وهو ما يجعلنا نصنفهن على أساس الدرجة والمكانة إلى :

ـأ- نساء الخاصة: وتضم نساء الخليفة من زوجات وجواري، ونساء رجال الحاشية المقربة من الخليفة، وفي العادة لا يختلطن بنساء العامة إلا نادرا لدواعي أمنية واجتماعية فرضتها الظروف المعمول بها في العصر الفاطمي، وقد تميزن بلباسهن وحليهن وطرق تعليمهن وآدابهن عن بقية نساء العامة، وكن يطلق عليهن "الحريم" والقصر الذي يقمن فيه يسمى "قصر الحريم"[57].

-ب- نساء العامة: يشكلن أغلبية النساء في المجتمع المصري، وتختلف وظائفهن بحسب تمايزهن الاجتماعي، فهناك الماكثات في البيوت والعاملات في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والصناعية والحرفية، كما نال الكثير منهن حظا وافرا من التعليم، فلقد منح الفاطميون حرية التعليم لفئات العامة مع مراعاة الضوابط الشرعية، فبرز منهن المؤدبات والمعلمات والطبيبات والموسيقيات والمغنيات وغيرهن[58].  

-ج- الجواري: عرف المجتمع الفاطمي شريحة واسعة من الجواري اللواتي تواجدن في القصور والبيوت، وقد خصصت لهن أسواق خاصة في القاهرة عرفت بأسواق النخاسة والعبيد (الرق)، وكن يجلبن من مختلف المناطق في العالم فمنهن الصقلبيات والتركيات والفارسيات والنصارى والسودان، وكن بارعات في فنون شتى منها: الغناء والرقص والشعر والطبخ، وتميزن بالجمال والأناقة، وكانت الواحدة الماهرة منهن تباع بأبهظ الأثمان فالخليفة العزيز بالله زوجته كانت جارية نصرانية، وهي "أم ست الملك" أخت الحاكم بأمر الله الفاطمي، والخليفة الظاهر بالله أمه كانت جارية وتزوج من جارية أنجبت له ابنه الحكم المستنصر بالله، ومن المعروف أن الجارية إذا تزوجت من سيدها وأنجبت منه فإن مكانتها ترتفع إلى " أم ولد" وتحظى بما تحظى بها سيدات القصر[59].

-د- نساء أهل الذمة: فرضت على نساء أهل الذمة من اليهود والنصارى في العصر الفاطمي جملة من الأحكام والقرارات ذات صلة بلباسهن وزواجهن، ومعاملتهن مع المسلمين، ومن بين أشهر ما ميز نساء أهل الذمة في العهد الفاطمي هو ممارستهن لضروب التجارة النسائية كالنسيج والحياكة وبيع الحلي وتربية دودة القز والعمل في البساتين، وفرضت عليهن ألبسة خاصة حتى لا يتشبهن بالمسلمات كالزنار وهو حزام يتوسط الجسد، ووضع قلائد في العنق عليها كلمة ذمي، وأحذية بلونين مختلفين أحمر وأسود، والإسلام لا يمنع الزواج من الكتابية، ولذلك تزوج العزيز بالله الفاطمي من نصرانية، غير أن الحاكم بأمر الله الفاطمي ضيق الزواج بغير المسلمة بالنسبة للخلفاء، وزداد التضييق على نساء أهل الذمة في عهد المستنصر بالله الفاطمي أيضا[60].

- دور المرأة الفاطمية في المشرق الإسلامي:

أ- دورها في الجوانب السياسية:  أسهمت المرأة في العصر الفاطمي من فرض وجودها في دواليب الحياة السياسية، وبخاصة اللواتي ينتمين إلى الأسرة الحاكمة، سواء زوجات الخلفاء أو الأميرات من أخوات الخلفاء وبناتهم، ومن أشهرهن حضورا في التاريخ الفاطمي في مصر "ست الملك" (ت415هـ/1024م) ابنة الخليفة العزيز بالله الفاطمي وأخت الخليفة الحاكم بأمر الله، فقد كانت ذا شأن كبير في حياة والدها العزيز، وذلك لرجاحة عقلها وحكمتها، وحسن تدبيرها عند استشارتها في شؤون السياسة والحكم، وظهر أثرها أكثر في حياة أخيها الحاكم بأمر الله ثم ابنه الظاهر بالله، غير أن المؤرخين يوردون عدة روايات تثبت نشوب الصراع بين " ست الملك" وأخيها الحاكم بأمر الله  وهو ما حدا به إلى التخلي عنها ومناصبتها العداء، غير الأمر انتهى بمقتله على يدها سنة 411هـ/1020م وتولية ابنه الظاهر بالله والوصاية عليه لصغره، وإدارة أمور الدولة بدلا عنه[61].

    كانت هذه الحادثة بداية التدخل المفرط للنساء في شؤون الحكم والسياسة على مدار القرن الخامس الهجري، والذي عرف بداية تدهور الأوضاع الداخلية للدولة وضعفها، فقد ظهر دور زوجة الظاهر بالله التي كانت من أصول نصرانية وتأثيرها على زوجها خدمة للنصارى وأهل الذمة عموما (امتيازات) ، ثم ظهرت السيدة "رصد" أم الخليفة المستنصر بالله (ت487هـ/1094م) وهي كانت جارية سوداء ظهر تأثيرها بعد وصول ابنها للخلافة وهو صغير، فتدخلت في شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وكانت تختم الرسائل باسمها، ومن أبرز أعمالها إدخال الجنود السود حتى تتغلب على العناصر التركية[62]، غير أن هذا انتهى بانتشار الصراعات الدامية بين الجيوش الفاطمية فأنهك الدولة وأفسد دواليبها، وتزامن ذلك مع ظهور الأزمة الاقتصادية التي عرفت بالشدة المستنصرية[63].

   استمر تأثير تدخل النساء إلى غاية أواخر عهد الدولة؛ ففي عهد الخليفة العاضد  لدين الله (ت567هـ/1171م) كانت أمور الدولة تدار من عمتيه الكبرى والصغرى وبخاصة الصغرى المسماة "سيدة القصور"، والتي استمرت دسائسها ومؤامراتها على الوزراء وقادة الجيش إلى غاية دخول صلاح الدين الأيوبي وإسقاطه للدولة الفاطمية سنة 567هـ[64].

ب- دور المرأة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية: 

   لا تطلعنا المصادر التاريخية عن معلومات كافية حول نشاطات النساء في الحياة الاقتصادية في عهد الدولة الفاطمية في مصر إلا ما ورد عرضا من الممارسات الاعتيادية للنساء كالخياطة والنسيج والحرف، على الرغم من أن العهد الفاطمي في مجمله تميز بالثراء وتنوع الموارد المالية، وأبلغ ما ورد عن قيام نساء القصر بأعمال الصدقات كحفر الآبار وبناء المساجد وترميم بيوت الفقراء، وإنشاء أوقاف خاصة للأيتام وكبار السن والمرضى، فزوجة الخليفة الآمر بأحكام الله المسماة "علم الآمرية" أقامت دارا خاصة بالعجائز والأرامل سنة 526هـ/1131م، وكان لها صدقات كثيرة[65].

- دور المرأة في الحياة الدينية والثقافية:

    لم تظهر صورة إسهامات المرأة في العصر الفاطمي بشكل واضح في الحياة الدينية والثقافية إلا ما كان من أخبار عن نساء القصر اللواتي أسهمن في بناء مدارس وجوامع اتخذت فيها حلقات علمية وتعليمية، ومنها "جامع القرافة" الذي بنته السيدة "تغريد" زوجة الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وهو ثاني جامع بعد الأزهر ومسجد السيدة "رقية" الذي شيدته " علم الآمرية" زوجة الخليفة الآمر بأحكام الله سنة 527هـ/1132م، وممن شاركن في التعليم وإلقاء الدروس نجد السيدة "أم الخير الحجازية" التي كانت واعظة تدرس النساء في جامع عمرو بن العاص، وظهر إقبال النساء على مجالس العلم في أماكن منفردة[66].

أضرحة نساء آل البيت:

   يشير بعض المؤرخين إلى ظهور عدد كبير من شواهد القبور في القرن العاشر في مصر، لنساء آل البيت اللائي حظين بقدسية لدى الشيعة الإسماعيلية (الفاطميين)، وبتبجيل كبير أيضا لدى السُنة المصريين، لافتين إلى أن الكثير من ممارسات الشيعة الإسماعيليّة تتمحور حول القبور.

   يشير الباحث أيمن فؤاد سيد، أستاذ التاريخ المتخصص في الدراسات الإسماعيلية، في كتابه الشهير "الدولة الفاطمية في مصر: تفسير جديد"، أن مصر لم تعرف المساجد التي تحتوي على أضرحة إلا في عهد الفاطميين، سواء التي تضم جسماناً مدفوناً بها، أو تلك التي كانت مجرد أضرحة رمزية (وهي الأغلب)، أو ما عرفت بـ"مشاهد الرؤيا"، حيث يُبنى مسجد ويقام به ضريح لشخص لم يدفن به، ومع ذلك يتوجه إليه الناس ويطلبون البركة[67]،

    والمتتبع لما ذكره الباحث فؤاد سيد يجد أنها لازالت موجودة بالقاهرة إلى اليوم، إنشاء عدد من المساجد باسم نساء من آل البيت، كالسيدة سكينة بنت الحسين بن علي، السيّدة رقية بنت الإمام علي الرضا والسيّدة عاتكة عمّة النبي محمّد، وهي نماذج لمشاهد أو أضرحة رمزيّة، بالإضافة للأضرحة الحقيقيّة، وتلك التي أُعيد إحياؤها، كضريح السيّدة نفيسة بنت الحسن، حفيدة الحسن بن علي بن أبي طالب، المدفونة به منذ بداية القرن الثالث الهجري، قبل قيام الدولة الفاطميّة نفسها، حيث أنشأ الفاطميون قبّة على الضريح، ومسجداً لازال قائماً في القاهرة إلى الآن، بل هو من أشهر مساجدها[68].  

 

 

- العمارة والأوقاف:

   كان للنساء في العصر الفاطمي إسهام في وقف أملاكهنّ على مساجد ومرافق عامة لخدمة الناس، وكانت تلك الأوقاف وهذه الأعمال تقام بأسمائهنّ، لا باسم الدولة أو باسم الخليفة، وبرعايتهن المباشرة، وكان يتولى الإشراف على الأوقاف في العصر الفاكمي ديوان يعرف بـ "ديوان الأحباس"[69].

 ففي سنة 363هـ/ 973-974م، عندما أصبح العزيز بالله وليّاً للعهد، بَنَتْ والدته "دورزان" وتسمّى أيضاً "تغريد"، زوجة المعزّ لدين الله الفاطمي، ما يُعرف بـ"منازل العزّ،" التي كانت تطلّ على النيل، وهي منتجع كان يتنزّه فيه الخلفاء والأسرة الحاكمة، وصارت بعد ذلك مدرسة للفقه الشافعي في العصر الأيوبي، أما العمل الأهمّ لـدورزان فهو بناء "مسجد القرافة"، أو ما عرف بعد ذلك بـ"مسجد الأولياء"[70].

   تبعت دورزان ابنتها "ست المُلك" عام 977م، وأنشأت حوضاً للمياه بجوار مسجد القرافة، إن "ست المُلك" حفيدة دورزان، وأخت الحاكم بأمر الله، سارت على نفس التقليد في بناء المرافق العامة، وكانت توقف أموالها على بناء مساجد ومبانٍ عامّة، ولكن لا توجد مبانٍ تحمل اسمها قائمة الآن لعدّة احتمالات، منها الدمار الذي طال أجزاء كبيرة من الآثار الفاطميّة في فترات تاريخيّة لاحقة، ومنها على سبيل المثال قصر الخلافة نفسه، الذي انمحى أثره وأقيمت على أطلاله بنايات متعدّدة، بدءاً من العصر الأيوبي وما تلاه، كذلك بَنَتْ رَصَد أم الخليفة المستنصر حوضاً آخر للمياه بالقرب من القرافة[71].

- المحور الثالث: الأزمات السياسية والاقتصادية والصراعات المذهبية في عهد الدولة الفاطمية.

المحاضرة 01: الأزمات السياسية و الاقتصادية:

   فقدت الدولة الفاطمية الكثير من نفوذها في بلاد الشام بسبب كثرة الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعرضت لها وأنهكتها في آخر عهدها ، وعلى الرغم من الاختلافات الواضحة بين المؤرخين في حصرها، إلا أنه يمكن أن نجمل أسباب هذا التراجع الكبير الذي أدى في نهاية المطاف إلى سقوطها النهائي في عهد آخر خلفائها العاضد لدين الله الفاطمي على يد الناصر صلاح الدين الأيوبي سنة 567هـ/1172م إلى ما يلي:

أ- كثرة النزاعات: كثرة النزعات بين عناصر الجيوش الفاطمية ذات الولاءات المختلفة، والطوائف العرقية المتعددة ( مغاربة ، أتراك، فرس وغيرهم)، فاختل الأمن وانتشرت الفوضى في مصر وبلاد الشام[72].

ب- الشدة المستنصرية: (من سنة457هـ إلى سنة464هـ ) : ظهرت في مصر في منتصف القرن 5هـ/11م أزمة اقتصادية حادة بسبب نقص مياه نهر النيل وشح الأمطار مما أدى إلى الجفاف وتراجع الزراعة، فظهرت المجاعة وتفشت الأوبئة وغلت الأسعار على مدار 7 سنوات، وقد وصف مؤرخ مصر المقريزي هذه الشدة بقوله: " وقع في أيام المستنصر الغلاء الفاحش...حيث أكلت الكلاب والقطط، فبيع الكلب ليؤكل بخمسة دنانير، وتزايد الحال حتى أكل الناس بعضهم بعضا ، فكانت طوائف تجلس بأعلى بيوتها ومعهم سلب وحبال فيها كلاليب، فإذا مر بهم أحد ألقوها عليه ونشلوه في أسرع وقت وشرّحوا لحمه وأكلوه"[73].

   لم تنته هذه الشدة إلا بعد ظهور الوزير بدر الدين الجمالي (ت487هـ) الذي استدعاه الخليفة المستنصر بالله الفاطمي من بلاد الشام، والذي تمكن من إعادة الوضع على ما كان عليه، إلا أن ذلك لم يدم طويلا بسبب ضعف الخلفاء وظهور الخلافات بين الوزراء وقادة الجيش[74].

ج- تغلب الوزراء على منصب الخليفة الفاطمي، وتولي الصبية برعاية من نساء القصر ومن حالفهم من الوزراء والقادة؛ وهو ما أضعف هيبة منصب الخليفة بين الرعية، وأسهم بزرع الفتن داخل البيت الفاطمي وأضعف سلطتهم[75].

د-أصدر الحاكم بأمر الله سنة 402هـ/1011م قوانين ضد النصارى واليهود تتصف بالصرامة، بحيث عين لهم لباسا خاصا، ووضع الصلبان على أعناقهم، وأمر بهدم الكنائس، وهو ما أغضبهم وحز في نفوسهم وقد أعطوا الأمان على ذلك منذ فتح مصر، ومع اعتراضهم في حضرته إلا أنه خيرهم بين اعتناق الإسلام أو الرضوخ للأمر الواقع[76].

المحاضرة 02: الصراعات المذهبية:

   نشر الفاطميون المذهب الإسماعيلي بمجرد وصولهم إلى مصر ، وشجعوا علماءهم على بذل الجهد في التعريف به وتدريسه في مساجدهم وبخاصة الجامع الأزهر؛ فألفت الكتب في فقه الشيعة الإسماعيلية وأصول الدين والعبادات، ومن أبرز ما أدخله الفاطميون عند دخولهم مصر هو صيام شهر رمضان من دون تحري رؤية الهلال؛ وهو ما استنكره أهل مصر ورفضوه غير أن إصرار الفاطميين على الصيام دون رؤية الهلال أصبح أمرا واقعا، وانقطع طلب الهلال بمصر طوال حكم الفاطميين، وأمروا بالجهر بالبسملة في الصلاة، وإضافة عبارة "حي على خير العمل" للأذان، والاحتفال باليوم العشر من المحرم وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين في كربلاء[77]، والاحتفال بعيد الغدير[78].

   استمر هذا التوجه العقدي للشيعة في زمن الأزمات والشدة؛ وهو ما سجله المؤرخون عن دور دبر الدين الجمالي وأسرته الحاكمة، فقد كان متحمسا للمذهب الفاطمي والمدافع عنه، ومن أمثلة ذلك أنه حبس أقواما رووا فضائل الصحابة، وأحيى الكثير من طقوس الشيعة ومعتقداتهم[79] .

   اهتم الفاطميون بالمزارات الخاصة بآل البيت كمزار الحسين والسيدة زينب، وأضرحة آل البيت على سعة انتشارها في مصر، ومع ذلك لم تضيق سلطة الفاطميين على أهل السنة وعلمائهم، وإنما فتحوا أبواب الحرية والمناظرات العلمية بين مختلف العقائد والمذاهب، غير أن هذا لم يمنع من ظهور بعض النزاعات العقدية والمذهبية والطائفية بين الشيعة وأهل السنة الذين نصبوا العداء للشيعة ومعتقداتهم وطعنوا بذلك في أهليتهم لقيادة شؤون المسلمين وإمامتهم، وهو ما شهدت أحداثه الدامية مدينة الإسكندرية بين المصريين من الشيعة والمغاربة[80].

المحور الرابع:  سقوط الدولة الفاطمية وظهور الدول السلطانية ( الأيوبيون والمماليك)

المحاضرة 01: سقوط الدولة الفاطمية (الأسباب والنتائج).

المحاضرة 02: الأيوبيون.

المحاضرة 03: المماليك.

المحاضرة 01: سقوط الدولة الفاطمية (الأسباب والنتائج).

شهدت السنوات الأخيرة من عمر الدولة الفاطمية سلسلة من الصراعات والحروب بين ولاة الأقاليم المتنافسين على منصب الوزارة بالاستعانة بالقوى الخارجية.

   تولى شاور بن مجبر السعدي الوزارة سنة 558هـ/1163م لدى الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله، غير أنه وجد منافسة قوية من أبو الأشبال ضرغام بن عامر المنذري مقدم الأمراء، ودخلا في قتال انتهى بمقتل الأمير " طي ابن الوزير شاور " وانهزام جيش الوزير شاور؛ وهو ما اضطره إلى الفرار إلى الشام مستنجدا بالسلطان نور الدين محمود صاحب دمشق، وتعهد إن هو ساعده على دخول مصر واستعادة منصبه أن يدفع له ثلث خراج مصر، وأن يكون تحت تصرف السلطان نور الدين[81]، وهو ما اعتبره الباحثون مؤشر على ضعف الدولة الفاطمية وبداية نهايتها.       

   استغل نور الدين محمود مرحلة الضعف التي آلت إليها مصر الفاطمية، ووجدها فرصة لضمها إلى محور جبهة محاربة الصليبين في بيت المقدس فأرسل مع الوزير شاور جيشا على رأسه أسد الدين شيركوه[82] سنة 559هـ/1164م لأجل إعادة شاور إلى منصبه، ولما بلغ

الخبر أبو الأشبال ضرغام سارع إلى التحالف مع عموري[83] ((Amaury ملك بيت المقدس إلا أن محاولته باءت بالفشل بحكم حصار نور الدين للصليبين في طريقهم إلى مصر، وبالفعل تمكن أسد الدين شيركوه من دخول مصر والتغلب على ضرغام، وإعادة شاور إلى منصبه في الوزارة[84]، غير أن ضرغام خالف عهده وطلب من أسد الدين مغادرة مصر؛ بل وتحالف مع ملك بيت المقدس، محذرا إياه من محاولة نور الدين ضم مصر ومن ثم محاصرة الصليبين برا وبحرا، وهو ما حمله ملك بيت المقدس محمل الجد وسارع إلى إرسال جيوشه إلى مصر للوقوف في وجه زحف جيش نور الدين محمود وانتقامه من الوزير شاور، وبالفعل التقى الجيشان: جيش الفرنجة الصليبيين مدعومة بالجيش المصري في مواجهة جيش أسد الدين شيركوه في منطقة تعرف بـ" البابين" بالقرب من المنيا، فكان النصر حليف أسد الدين شيركوه، ثم دخل الإسكندرية وعين ابن أخيه صلاح الدين واليا عليها، ولما أدرك الفرنجة وشاور نوايا الأيوبيين في ضم مصر إلى سلطانهم هموا بمحاصرة الإسكندرية والتضييق على جيوش الأيوبيين، وانتهى الأمر بعقد اتفاقية يتراجع بموجبها الأيوبيون عن مصر ويبقي الصليبيون محمية صغيرة في مصر لضمان عدم غدر الأيوبيين وبموافقة من الوزير شاور[85].

    تراجعت جيوش الأيوبيين إلى بلاد الشام، غير أن الفرنجة الصليبين بدأو يخططون لغزو مصر بعدما اطلعوا على ضعف حصونها وهوان جيشها، بالإضافة إلى ما تدره من خراج وأموال على من يحتلها، وبالفعل جهز الفرنجة حملة لغزو مصر سنة 564هـ/1169م.

   لما علم شاور بالأمر عمد إلى إخلاء مدينة الفسطاط وإشعال النيران فيها حتى لا يتخذها الفرنجة معسكرا لهم، ودخل القاهرة وحصنها وجهز جيشها للدفاع عنها، وأرسل للفرنجة يعرض عليهم الصلح ودفع ألف ألف دينار سنويا لهم مقابل التراجع عن دخول مصر، وفي الوقت نفسه أرسل لنور الدين محمود يطلب النجدة، كما أرسل له الخليفة العاضد لدين الله يستنجده هو كذلك خشية أن تقع مصر في يد الفرنجة، ولكن هذه المرة تعهد بأن يتنازل المصريون عن ثلث بلاد مصر للأيوبيين، وأن يأذن لأسد الدين شيركوه بالإقامة في مصر وأن يكون له وجيشه إقطاعات خاصة بهم، ولما رأى الفرنجة قوة جيوش الأيوبيين لم يكن أمامهم إلا التراجع والتسليم لهم، والعودة إلى فلسطين، بينما تمكن أسد الدين شيركوه من دخول مصر بترحيب من أهلها، واستقبله الخليفة العاضد لدين الله وخلع عليه، واحتفى به[86]،

   استغل أسد الدين قربه من الخليفة وتفقا على عزل الوزير شاور، ولا يكون ذلك إلا بقتله؛ وهو ما تم سنة 564هـ/1196م، وفور التخلص من شاور خلع العاضد لأسد الدين خلع الوزارة وفوض إليه شؤون الحكم وقيادة الجيوش، غير أنه لم يلبث طويلا حتى مات فجأة في ذات السنة، ولم يكن أمام الخليفة إلا تعيين نائبه صلاح الدين وزيرا لاعتقاده أنه أقل حظا من أسد الدين ويسهل التحكم فيه[87]

   خلع العاضد على صلاح الدين ولقبه بـ "الملك الناصر"، حاول العبيد السودان من التآمر على صلاح الدين إلا أنه أنهى شوكتهم وأحرق حارتهم المنصورية بالقاهرة، أدرك حينها الفرنجة الصليبيون أن الأيوبيين يرديون السيطرة على مصر فأرسلوا حملة صليبية بأسطول بحري كبير استطاع الوصول إلى مدينة "دمياط"[88] ومحاصرتها لمدة خمسين يوما غير أن قوات الأيوبيين استطاعت فك الحصار عنها بعدما قدّم نور الدين محمود يد المساعدة بهجومه على إمارات الصليبيين في الشام مما خفف الضغط عن دمياط واضطرار القوات الصليبية مغادرة الأراضي المصرية[89].

   أدخل صلاح الدين إصلاحات إدارية ومالية وعسكرية ودينية داخل الدولة الفاطمية مما مكنه من التحكم في دواليب الدولة والسيطرة عليها، ومن أشهر ما قام به تقوية المذهب السني وإضعاف المذهب الإسماعيلي؛ بحيث ألغى الكثير من الطقوس الشيعية الإسماعيلية المنتشرة في مصر ومنها إبطال عبارة "حي على خير العمل" من الأذان، ومنع سب الصحابة، وأن يذكر أسماء الخلفاء الراشدين في خطب الجمعة، وعزل جميع القضاة الإسماعيليين، وفي سنة 567هـ/1171م جاءت الخطوة الحاسمة في القضاء على الخلافة الفاطمية في مصر عندما أسقط صلاح الدين خطبة الفاطميين وأمر الخطباء بالدعوة للخليفة العباسي المستضيء بأمر الله وذلك في 7 من المحرم/10سبتمبر وأعاد السواد شعار العباسييين، وفي ذات السنة توفي آخر خليفة فاطمي العاضد لدين الله[90].  



[1] - ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الإفريقي، لسان العرب، دار صادر، بيروت،(د ط)، ج8 ص 189.

[2]- ينظر تفصيل ذلك عند عبد القاهر بن طاهر البغدادي، الفرق بين الفرق، تحقيق محمد عثمان الخشت، مكتبة ابن سينا، القاهرة، ط1، 1988م، ص ص 41-71.

[3]- الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم، الملل والنحل، تحقيق أمير علي مهنا و علي حسن فاعود، دار المعرفة، بيروت، ط2، 1993م، ج1، ص ص 169.

[4] -ابن خلدون، المقدمة، تخريج وتعليق عبد الله الدرويش، دار يعرب، دمشق، ط1، 2004م، ص 373.

[5]- ينظر تفاصيل هذه الأخبار عند الطبري، تاريخ الرسل والأمم والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، مصر، ط2، 1972م، ج5، ص ص 5-64.

[6] - ابن خلدون، المصدر السابق، ص ص 373-375.

[7] - إحسان إلهي ظهير، الشيعة والتشيع فرق وتاريخ، إدارة ترجمان السنة، باكستان، 1995م، ص 267.

[8] - نفسه، ص ص 209-229.

[9] - ينظر تفصيل أخبار هؤلاء الأئمة عند الشهرستاني، المصدر السابق، ص ص 198-203.

[10] - إحسان إلهي ظهير، المرجع السابق، ص 343.

[11] - ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل، تحقيق محمد إبراهيم نصر و عبد الرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت، ط2، 1996م، ج5،   ص42.

[12] - محمد بن علي سلمان الوصابي، التقية عند الفرق، مجلة الأندلس للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة الأندلس للعلوم والتقنية، اليمن، العدد 77 المجلد 10، سنة 2023م، ص ص 62-69.

[13] - الشهرستاني، المصدر السابق، ج1، ص 197.

[14] - هو الحسين بن محمد بن زكريا، ويلقب بالمعلم من دعاة الإسماعيلية، أصله من صنعاء، انتقل إلى بلاد المغرب وتمكن من نشر دعوة الإسماعيلية إلى غاية ظهور دولتهم، توفي مقتولا على يد عبيد الله المهدي سنة 296هـ، المقريزي، إتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء، ج1، ط2، القاهرة، ص 57.

[15] - القاضي النعمان، كتاب افتتاح الدعوة، الشركة التونسية للتوزيع،ط2، تونس، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1986م،  ص 25.

[16] - نفسه، ص 29.

[17] - هو أبو القاسم الحسن بن فرح بن حوشب بن زادان الكوفي، أحد أشهر دعاة المذب الإسماعيلي في المشرق، ينظر عنه القاضي النعما، المصدر نفسه، ص 29.

[18] - ابن عذاري المراكشي، البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق ج.كولان، وليفي بروفنسال، دار الثقافة، بيروت، ط3، 1983م،ج1، ص 124.

[19] - ابن خلدون، المصدر السابق، ج4، ص 43.

[20] - مدينة في بلاد الشام، من أعمال قنسرين على طرف البادية، وهو حصن كالمدينة صغير عامل وآهل، الحميري، المصدر السابق، ص 320.

[21] - مدينة في صحراء المغرب، بينها وبين البحر خمس عشرة مرحلة، وهي على نهر يقال له زيز بنيت سنة 140هـ أسسها مدرار بن عبد الله، الحميري، نفسه ، ص ص 305-306.

[22] - ابن خلدون المصدر السابق، ص 47.

[23] - ابن خلدون المصدر السابق، ص48.

[24] - يلقب بالمظفر المعتضدي، أحد الخدام الذين بلغوا رتبة الملوك، وكان قائدا لجند مصر بأمر من الخلفاء بني العباس، توفي مقتولا بأمر الخليفة القاهر بالله العباسي سنة 321هـ، الذهبي، سير أعلام النبلاء، المصدر السابق، ج15، ص 57.

[25] - هو أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن ارباهيم، وزير وأحد كتاب الدولة الفاطمية، كان يهوديا ثم أسلم ، كان داهية ماكرا فطنا، الذهبي، نفسه، ج16، ص 444.

[26] -  محمد جمال الدين سرور، تاريخ الدولة الفاطمية، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1995م، ص ص 127-128.

[27] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص ص 311-364

[28] - ابن خلدون، المصدر السابق، ص ص 47-56.

[29] - محمد جمال الدين سرور، نفسه، ص 345.

[30] - هو أبو تميم شرف الدولة المعز بن باديس بن منصور بن مناد الصنهاجي رابع أمراء الدولة الزيرية، في عهده انفصلت دولته عن الفاطميين ومبايعة العباسيين، توفي سنة 454هـ ، الذهبي، سير أعلام النبلاء، المصدر السابق، ج18، ص 140.

[31] - تعرف هجرتهم بالهجرة الهلالية، من أشهر هذه القبائل العربية : بنو سليم وبنو هلال وبنو عدوان، هاجروا من مصر إلى بلاد المغرب بأمر من الفاطميين في مصر، وستوطنوا البلاد الجديدة بقوة السيف، ينظر تفاصيل هجرتهم عند ابن خلدون، المصدر السابق، ج4، ص ص 79-80.

[32] - ابن خلدون، نفسه، ص 80.

[33] - ينظر تفاصيل هذه الأخبار محمد كامل حسين، طائفة الدروز، تاريخها وعقائدها، دار المعارف، مصر، ط1، 1962م، ص ص 75-85.

[34] - هو أبو الحارث أرسلان التركي، الملقب بالمظفر، كان مقدما عند الخليفة العباسي القائم بأمر الله، ثم طغى وبغى وتمرد وخطب للفاطميين، ومات مقتولا سنة 451هـ، ابن كثير، المصدر السابق، ج12، ص 84.

[35] - نفسه، ص 85.

[36] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص 103.

[37] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص ص 105-103.

[38] - نفسه، ص  110.

[39] - خالد بن عبد الرحمن بن حمد القاضي، الحياة العلمية في مصر الفاطمية، الدار العربية للموسوعات، بيروت، ط1، 2008م، ص ص 135-136.

[40] - خالد بن عبد الرحمن بن حمد القاضي، المرجع نفسه، ص ص 115-121.

[41] - نفسه، ص ص 265-281.

[42] - ينظر أسماء هؤلاء الخلفاء ونبذ عن حياتهم أبو الحسن علي الروحي، بلغة الظرفاء في تاريخ الخلفاء، تحقيق محمد حسن إسماعيل، كتاب ناشرون، لبنان، ط1، 2010م،  ص ص 302-331.

[43] - عبد المنعم عبد الحميد سلطان، الحياة الاجتماعية في العصر الفاطمي، مركز الإسكندرية للكتاب، الإسكندرية، ط1، 2009م، ص ص 14-82.

[44] - المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، تحقيق محمد زينهم ومديحة الشرقاوي، مكتبة مدبولي، ط1، القاهرة 1997م، ج3، ص 388.

[45] - نفسه، ج2، ص 98.

[46] - نفسه، ص ص 400-408.

[47] - نفسه، ص 103.

[48] - المقريزي، إتعاظ الحنفاء، المصدر السابق، ص 57.

[49] - المقريزي، الخطط ، ج2، ص 103.

[50] - نفسه، ص 12.

[51] - نفسه، 375.

[52] - نفسه، 399.

[53] - المقريزي، إتعاظ الحنفاء، المصدر السابق، ص 219.

[54] - ينظر عن مفهوم العبودية والرق أحمد شفيق، الرق في الإسلام، ترجمة أحمد زكي، مكتبة النافذة، مصر ط1، 2010م، ص ص 71-81.

- [55] عبد المنعم عبد الحميد سلطان، المرجع السابق، ص ص 10-87.

[56] - هي ست الملك بنت العزيز بالله بن المعز لدين الله بن معد بن المنصور إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن عبيد الله الفاطمي العلوي، كانت من أحسن نساء زمانها جمالا، وأوفرهن عقلا...شاركت أخاها الحاكم بأمر الله في الملك...توفيت سنة 415هـ وحزن عليها أهل مصر، ينظر عن بقية أخبارها وسيرتها، زينب فواز، الدر المنثور في طبقات ربات الخدور، مكتبة ابن قتيبة، الكويت ط1، 1312هـ/1895م، ج1، ص ص 320-321.

[57] - نريمان عبد الكريم أحمد، المرأة في مصر في العصر الفاطمي،الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، ط1، 1993م، ص35.

[58] - نهلة عبد الفتاح الجالودي، دور المرأة في مصر خلال العصر الفاطمي، دراسة سياسية واجتماعية، رسالة ماجستير غير مطبوعة، جامعة آل البيت ، كلية العلوم الإنسانية، قسم التاريخ، 2010م، ص 61.

[59] - نفسه، ص ص 65-78.

[60] - نهلة عبد الفتاح الجالودي، المرجع السابق، ص ص61-63.

[61] - نفسه، ص89.

[62] - نفسه، ص93.

[63] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص 103.

[64] - نهلة عبد الفتاح الجالودي، المرجع السابق، ص ص113-114.

[65] - نريمان عبد الكريم أحمد، ص41.

[66] - نهلة عبد الفتاح الجالودي، ص154.

[67] - أيمن فؤاد سيد، الدولة الفاطمية في مصر، تفسير جديد، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ط1، 1992م، ص 399.

[68] - نفسه، ص ص 398-399.

[69] - أيمن فؤاد سيد، المرجع السابق، ص361.

[70] - المقريزي، المصدر السابق، ج1، ص 295، و نهلة عبد الفتاح الجالودي، ص ص 130-131

[71] - نفسه، ص 131.

[72] - أيمن فؤاد سيد، المرجع السابق، ص ص 97-137.

[73] - المقريزي، المصدر السابق، ج2، ص 184.

[74] - نفسه، ص ص 139-141.

[75] - عرب دعكور، الدولة الفاطمية، تاريخها السياسي والحضاري، ةدار المواسم، بيروت، ط1، 2004م، ص 187.

[76] - إبراهيم رزق الله أيوب، التاريخ الفاطمي الاجتماعي، الشركة العالمية للكتاب، بيروت، ط1، 1997م، ص ص 35-36.

[77] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص 76.

[78] - يوم الغدير: أو عيد الغدير يحتفل به الشيعة يوم 18 من ذي الحجة لاعتقادهم أن النبي (صلى الله عليه وسلم) عهد بالإمامة والخلافة لعلي بن أبي طالب بعده، بعد عودة المسلمين من حجة الوداع إلى المدينة في مكان يسمى "غدير خم"، ويرى أهل السنة أن ما قاله النبي مجرد بيان لفضل علي ومحبته، ينظر تفاصيل هذا الخبر عند الذهبي، سير أعلام النبلاء، المصدر السابق، ج8، ص 334.

[79] - محمد حسن دخيل، الدولة الفاطمية، الدور السياسي والحضاري للأسرة الجمالية، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت،ط1، 2009م، ص 88.

[80] - محمد جمال الدين سرور، نفسه، ص 77.

[81] - نفسه، ص 222.

[82] - أبو الحارث أسد الدين شيركوه بن شاذي بن مروان، قائد عسكري في الدولة الزنكية وعم صلاح الدين الأيوبي أسهم في تأسيس الدولة الأيوبية وإنقاذ مصر من الحملات الصليبية، توفي سنة 564هـ، الذهبي، المصدر السابق، ج15، ص 210.

[83] - هو عموري الأول بن فولك ملك صليبي لاتيني حكم بيت المقدس من سنة 1162 إلى سنة 1174م، كانت له عدة محاولات للاستيلاء على مصر غير أن الأيوبيين حالوا دون تمكنه من ذلك، ينظر عن حياته، حجازي عبد المنعم سليمان،  السياسة الخارجية لمملكة بيت المقدس عهد الملك عموري الأول، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط14، 2014م، ص ص 37-56.

[84] - محمد جمال الدين سرور، المصدر السابق، ص 224.

[85] - نفسه، ص 226.

[86] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص 117.

[87] - أيمن فؤاد سيد، المرجع السابق، ص ص 233-234.

[88] - يقال لها أيضا ذمياط بالذال المعجمة، مدينة بالديار المصرية على ساحل البحر قريبة من تنيس وإليها ينتهي نهر النيل، اشتهرت في حروب المسلمين مع التتار والصليبين بحكم قربها من البحر، الحميري، المصدر السابق، ص 257.

[89] - نفسه، ص 234.

[90] - أيمن فؤاد سيد، المرجع السابق، ص ص 234-241.


محاضرات مقياس: المشرق الإسلامي ما بين القرنين (8-15م) - السداسي السادس-

الخلافة الفاطمية في المشرق الإسلامي.

جامعة ابن خلدون

كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية.

قسم التاريخ.

المستوى الدراسي: السنة الثالثة تاريخ.

السداسي: 06.

المعامل: 02.

الحجم الساعي: 1سا ونصف.

أ.حاكمي حبيب.

أهداف المقياس: يتعرف الطالب من خلال دراسته لهذه المادة في السداسي السادس على تاريخ منطقة المشرق الإسلامي في ظل ظهور الدولة الفاطمية على مسرح الأحداث، والتعرف على أوضاع أقاليمها من النواحي السياسية والاقتصادية والمذهبية وتأثير ذلك على بنيتها الاجتماعية.

المحور الأول: الخلافة الفاطمية في المشرق الإسلامي.

المحاضرة 01: التشيع. مفاهيم وتعاريف.

المحاضرة 02: التشيع من الفكرة إلى الدعوة ثم الدولة.

المحاضرة 03: انتقال الدولة الفاطمية إلى المشرق (مراحل الاستقرار والتوسع).

المحور الثاني: المجتمع المشرقي في عهد الفاطمي.

المحاضرة 01: التركيبة البشرية والعنصرية للمجتمع..

المحاضرة 02: واقع المرأة ودورها في المجتمع الفاطمي بالمشرق..

المحاضرة 03: الأعياد والاحتفالات داخل المجتمع الفاطمي بالمشرق.

المحور الثالث: الأزمات السياسية والاقتصادية والصراعات المذهبية في عهد الدولة الفاطمية.

المحاضرة 01: الأزمات السياسية.

المحاضرة 02: الأزمات الاقتصادية.

المحاضرة 03: الصراعات المذهبية.

المحور الرابع: سقوط الدولة الفاطمية وظهور الدول السلطانية ( الأيوبيون والمماليك)

المحاضرة 01: سقوط الدولة الفاطمية(الأسباب والنتائج).

المحاضرة 02: الأيوبيون.

المحاضرة 03: المماليك.

المحاضرة 01: التشيع.

هدف المحاضرة: اطلاع الطلبة على مفهوم المذهب الشيعي من حيث التسمية وتاريخ الظهور، وفهم الأركان التي استندت عليها الدولة الفاطمية في قيامها، ذكرت مختلف المصادر التاريخية أن الانقسامات الفعلية بين المسلمين حدثت بعد فتنة مقتل الخليفة عثمان بن عفان، وكان لهذه الحادثة أثر بالغ في تعدد الآراء ونشوب الصراعات الداخلية التي نتج عنها ظهور الفرق والطوائف السياسية والعقدية، انقسم المسلمون الى فرق وجماعات منها الشيعة فمن هم الشيعة ومتى ظهروا وما هي أهم عقائدهم؟

1- الشيعة : القوم الذين يجتمعون على الأمر، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة، وكل قوم أمرهم واحد ، يتبع بعضهم رأي بعض ، فهم شِيَع ...

والشيعة : أتباع الرجل وأنصاره ، وجمعها شِيَع. وأشياع جمع الجمع.

ويقال شايعه ، كما يقال والاهُ ، من الوَلْيِ.

ومنه قوله تعالى }: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيم } : أي من شيعة نوح.

وأصل الشيعة : الفرقة من الناس[1].

   تعددت مسميات هذه الفرقة بين المصادر وتفرعت طوائفهم وتشعبت معتقداتهم، وقد فصل صاحب كتاب "الفرق بين الفرق" في أسمائهم وفرقهم ومعتقداتهم وأشهر أئمتهم، وهو ما يطول بيانها هنا[2]، وأما الشهرستاني فعرفهم: "الشيعة هم الذين شايعوا علياً  رضي الله عنه على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصية، إما جلياً، وإما خفياً، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده. وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين لا يجوز للرسل عليهم السلام إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة وإرساله"[3].

   ويرى ابن خلدون أن " أن الشيعة لغة هم الصحب و الأتباع و يطلق في عرف الفقهاء       و المتكلمين من الخلف و السلف على أتباع علي و بنيه رضي الله عنهم و مذهبهم جميعاً متفقين عليه أن الإمامة ليست من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة و يتعين القائم بها بتعيينهم بل هي ركن الدين و قاعدة الإسلام و لا يجوز لنبي إغفاله و لا تفويضه إلى الأمة بل يجب عليه تعيين الإمام لهم و يكون معصوماً من الكبائر و الصغائر و أن علياً رضي الله عنه هو الذي عينه صلوات الله و سلامه عليه بنصوص ينقلونها و يؤولونها على مقتضى مذهبهم لا يعرفها جهابذة السنة ولا نقله الشريعة بل أكثرها موضوع أو مطعون في طريقه أو بعيد عن تأويلاتهم الفاسدة[4].

2- بداية ظهور التشيع:

    اختلف المؤرِّخون والباحثون في تحديد تاريخ بداية ظهور التشيّع والشيعة، ويعود اختلاف الآراء وتعدّدها في هذه المسألة إلى أسباب عدَّة أبرزها: تعدّد الدلالات اللفظية لكلمة  "شيعة"، إذ خلط بعض الباحثين بين الدلالة اللغويّة والدلالة التاريخيّة أو الدلالة الاصطلاحيّة للكلمة، فالشيعة لغةً تعني القوم والأتباع والأنصار والحزب، وفي معناها الإصلاحي فهي للدلالة على أتباع علي بن أبي طالب وأنصاره بما روي من كلامه: "شيعتي"، وتباينت الأفكار السياسية لهذه الفرقة بعد موقعتي صفين سنة 37هـ بين علي بن أبي طالب وشيعته ومعاوية بن أبي سفيان، وموقعة النهروان سنة 38هـ بين علي والخوارج، وازداد تعصب أنصار علي بن أبي طالب بعد مقتلة سنة 40هـ/660م، وفي العهدين الأموي والعباسي تطور الفكر الشيعي من التوجه السياسي إلى التوجه العقدي وبخاصة بعد مقتل الحسين بن علي سنة61هـ/680م في العهد الأموي[5].

وإذا كان كتّاب الشيعة يردّون التشيّع إلى عهد الرسول(صلى الله عليه وسلم) أو بعد وفاته مباشرةً، فإنّهم لا ينكرون ما لمقتل الإمام الحسين من أثرٍ كبيرٍ في تطوير عقائدهم وتمايزها عن عقائد الإسلام السنيّ، فالتشيّع قبل مقتل الإمام الحسين كان مجرّد رأيٍ سياسيّ لم يصل إلى قلوب الشيعة، فلمّا قُتل امتزج التشيّع بدمائهم وتغلغل في أعماق قلوبهم وأصبح عقيدة راسخة في نفوسهم مقترنةً بأحقيّة آل البيت في تولي منصب الإمامة، وظهرت أصول ومعتقدات جديدة منها: العلم اللدنيّ والبداء والرجعة والمهدي المنتظر المرتبطة بنظريّة الإمامة[6].

 3- أئمة الشيعة:

   افترقت الشيعة إلى عدة فرق وطوائف، ومن أبرزها: الكيسانية والزيدية والإسماعيلية وغلاة الروافض وغيرهم، وقد وقع بينها اختلاف كبير في ذكر أئتهم وأسمائهم وعددهم وعصمتهم من عدمها، وتعتبر الشيعة الإثنى عشرية أو الإمامية أو الجعفرية الطائفة الأكثر بروزا في التاريخ[7]، وما أطلق لفظ الشيعة من دون تخصيص فإن المقصود به الشيعة الإثنى عشرية، وهي الطائفة الكبرى من حديث عدد الأتباع من بين الطوائف الشيعية الأخرى، تمييزا لهم عن الزيدية والإسماعيلية[8]، ولاعتقادهم بأنَّ النبي محمد قد نصَّ على اثني عشر إماماً خلفاءَ من بعده، فكانت عقيدة الإمامة هي الفارق الرئيس بينها وبين بقية الطوائف الإسلامية.

وهذه قائمة بأسماء الأئمة الإثنى عشر:

1-  علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، استشهد سنة 40 هـ
2-الحسن بن علي رضي الله عنه (3-5هـ)
3-  الحسين بن علي رضي الله عنه(4-61هـ)
4-علي زين العابدين بن الحسين(38-95هـ) ويلقبونه بالسجاد .
5-  محمد بن علي زين العابدين(57-114هـ) ويلقبونه بالباقر .
6- جعفر بن محمد الباقر (83-148هـ) ويلقبونه بالصادق .
7- موسى بن جعفر الصادق(128-183هـ) ويلقبونه بالكاظم .
8- علي بن موسى الكاظم(148-203هـ) ويلقبونه بالرضا .
9-  محمد الجواد بن علي الرضا 195- 220 هـ  ويلقبونه بالتقي .
10-علي الهادي بن محمد الجواد 212- 254 هـ  ويلقبونه بالنقي.
11-الحسن العسكري بن علي الهادي 232- 260 هـ  ويلقبونه بالزكي.
12- محمد المهدي بن الحسن العسكري ، ويلقبونه بالحجة القائم المنتظر .
ويزعمون أنه دخل سردابا في سامراء . وأكثر الباحثين على أنه غير موجود أصلا ، وأنه من اختراعات الشيعة[9].

4-أهم عقائد الشيعة وأصولهم:

1-  الإمامة: يرون أن إمامة الاثني عشر، ركن الإسلام الأعظم، وهي عندهم منصب إلهي كالنبوة، والإمام عندهم يوحى إليه، ويؤيد بالمعجزات، وهو معصوم عصمة مطلقة

2- الطعن في الصحابة - رضي الله عنهم: يزعم الشيعة أن الصحابة - رضي الله عنهم - ارتدوا عن الإسلام إلا ثلاثة أو أربعة أو سبعة، علَى اختلاف أساطيرهم.

3- محاولتهم النَيْل من كتاب الله -عز وجل-:  لَمّا كانت نصوص القرآن لا ذِكْر فيها الأئمة الاثني عشر، كما أنها تُثْنِي علَى الصحابة - رضي الله عنهم - وتُعْلي من شأنهم، تحيّر الشيعة فقالوا لإقناع أتباعهم: إن آيات الإمامة وسب الصحابة قد أسقِطَتْ من القرآن[10].

وبعض الشيعة قالوا بأن جبريل - عليه السلام - قد أخطأ في الرسالة فنزل علَى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، بدلًا من أن ينزل علَى عَلِيٍّ - رضي الله عنه -؛ لأن عليًّا يشبه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما يشبه الغرابُ الغرابَ؛ ولذلك سموا بالغرابية[11] .

4- عقيدة التقية عند الشيعة: التقية عند الشيعة هي التظاهر بعكس الحقيقة، وهي تبيح للشيعي خداع غيره فبناء علَى هذه التقية ينكر الشيعي ظاهرًا ما يعتقده باطنًا، وتبيح له أن يتظاهر باعتقاد ما ينكره باطنًا، ولذلك تجد الشيعة ينكرون كثيرًا من معتقداتهم أمام أهل السنة مثل القول بتحريف القرآن، وسب الصحابة، وتكفير وقذف المسلمين، إلى غير ذلك من المعتقدات[12] .

المحاضرة 02:  انتقال الخلافة الفاطمية إلى المشرق:

أ-الخلافة الفاطمية بالمغرب (297-358هـ/ 909-969م)

   يعود تأسيس الدولة الفاطمية في بلاد المغرب إلى فرقة الإسماعيلية إحدى فرق الشيعة نسبة إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق (ت143هـ)[13]، وقد سموا بالفاطميين نسبة إلى قولهم بالانتساب إلى فاطمة الزهراء بنت الرسول عليه السلام، وعلى الرغم من صحة هذا النسب من عدمه واختلاف المؤرخين بين مؤيد (ابن الأثير المقريزي ابن خلدون)، ومنكر لذلك (ابن خلكان- القلقشندي- ابن حزم- الذهبي- السيوطي إلا أن ما يهنا هو عوامل ظهور هذه الدولة وتداعياتها، ويرجع الفضل في نجاح الدعوة الإسماعيلية في بلاد المغرب إلى الداعية " أبو عبد الله الشيعي"  [14]الذي يعتبر المؤسس الحقيقي للدولة الفاطمية، غير أنه سبقه دعاة آخرون مهدوا لظهور دعوتهم، بحيث أن الإمام جعفر الصادق ث148هـ كان قد أوفد داعيين أحدهما يعرف بالحلواني والآخر بأبي سفيان[15] إلى بلاد المغرب وقال لهما: "إن المغرب أرض بور فاذهبا فاحرثا حتى يجيئ صاحب البذر" [16]، فذهبا وأخذا يدعوان الناس لطاعة آل البيت حتى استمالا الكثير من قبيلة " كتامة البربرية"، وظلا هناك إلى أن ماتا، وبعدها أرسل ابن حوشب[17] أبا عبد الله الشيعي وكلفه بالقيام بالدعوة للمذهب الإسماعيلي، فتمكن بعد لقائه بالحجاج الكتاميين في مكة الذين مهدوا له الطريق لدخول بلاد المغرب.[18]

كانت إفريقية في هذه الفترة في يد الأغالبة (184-296-هـ)، ولذلك انتقل أبو عبيد الله الشيعي من مرحلة الدعوة إلى مرحلة العمل المسلح، فكوّن جيشا عظيما من الكتاميين وسقطت بيده عدد من المدن منها ميلة وسطيف وغيرها[19]، وعلى الرغم من محاولات الأغالبة الوقوف في وجه المد الكتامي إلا أنهم لم يتمكنوا وسقطت عاصمتهم " القيروان" سنة 296هـ وبدأ حكم الفاطميين.

   كان الإمام الفاطمي عبيد الله المهدي مختفيا مع ابنه أبي القاسم عن العباسيين في بلدة "سلمية" [20] إلى أن أتاه وفد كتامة يخبرونه بالانتقال إلى بلاد المغرب التي أصبحت بأيديهم، ولأن ظروف انتقاله لم تكن ميسورة رغم تخفيه في هيئة التجار لجأ إلى سجلماسة[21] للتخفي عن أعين الأغالبة، ولكنهم عرفوا حاله وبإيعاز منهم تم سجنه هناك، وبعدما تمكن أبو عبد الله الشيعي من الانتصار على الأغالبة اتجه في جيوش كبيرة غربا فأنهى حكم الرستميين في تاهرت سنة 296هـ/908م، ثم اتجه إلى سجلماسة وقضى على من كان فيها وأفرج عن عبيد الله من سجنه وأعلنه إماما للفاطميين وتلقب بالمهدي ودون الدواوين وجبى الأموال[22]، وقد اتخذ من رقادة عاصمة مؤقتة لدولته، وبعدما تخلص من أبي عبد الله الشيعي بسبب أطماعه قام بإنشاء عاصمته الجديدة " المهدية"  سنة 300 هـ/1012م[23]، ثم توجهت أنظار المهدي إلى بلاد المشرق ومصر تحديدا لمكانتها السياسية وثرواتها فكانت أول حملة جهزها لغزو مصر سنة301هـ، ولم تحقق شيئا، ثم تلتها حملة سنة 306هـ، ولم تمكن الفاطميين من مصر بسبب قوة الجيوش العباسية بقيادة مؤنس الخادم[24]، وخلال هذه الفترة تعاقب على حكم الفاطميين ببلاد المغرب أربعة خلفاء هم:

1- المهدي عبيد الله أبو محمد(  297-322هـ(.

2- القائم بأمر الله محمد أبو القاسم بن المهدي( 322-334هـ. (

3- المنصور إسماعيل أبو طاهر( 334-341هـ(.

4- المعز لدين الله أبو تميم (341-362هـ(.

دخول الفاطميين مصر:

بعد اسـتقرار المعـز لدين الله الفاطمي في مصر، تمّ إحكـام نظام إداري للدولة يمكن وصفه بالعلمية لرقيه ودقته، كما أحكم نظام الدعوة، ويعدُّ يعقوب بن كلـس[25] 380هـ) وزير العزيز بالله365-386هـ أهم بناة النظام الإداري والدَعَوي للدولة الفاطمية، واستطاع هذا النظام أن يبقي الدولة الفاطمية حيَّة مدة تفوق القرنين، على الرغم من أن الخلفاء الذين تعاقبوا على عرش القاهرة لم يتسموا بالمقدرة والكفاءة السياسية والإدارية التي اتسم بها من سبقهم من الخلفاء[26].

حينما تمكن الفاطميون من إحكام السيطرة على مصر، بدا تحدي الإسماعيلية للنظام العباسي والفكر السني أكثر قرباً وأشد خطراً، وصار للفاطميين دولة واسعة الأرجاء، شملت وهي في ذروة قوتها: مصر وسورية وشمالي إفريقيا وصقلية والحجاز واليمن بما في ذلك المدينتان المقدستان مكة والمدينة[27]، وسيطر الفاطميون على جيش من الدعاة، وعلى ولاء عدد لا يحصى من الأتباع في الأراضي التي كانت خاضعة للحكم العباسي فعلياً أو اسمياً.

كانت ردت أفعال الخلافة العباسية تجاه قيام الدولة الفاطمية محتشمة، إذ لم تتعَدَّ بعض إجراءات أمن ضد الدعاة، وحرباً دعائية ضد السلالة الفاطمية التي اتهمت في مقال نشر في بغداد سنة 402هـ1011/م[28]، ومع الأيام بدأت جذوة الحركة الفاطمية تخبو، وأخذ الإسلام السني يسترد نشاطه وكانت أهم أسباب إخفاق الدعوة الفاطمية ما عانته من تمزق داخلي وظهور الأتراك على مسرح الأحداث وإقامتهم للدولة السلجوقية[29].

من أهم الأحداث التي واجهت الدولة الفاطمية، انفصال شمالي إفريقيا عن جسم الدولة، ففي عهد الأمير الزيري المعز بن باديس[30] ( (407-454تم الانفصال عن الفاطميين رسمياً، وعندما لم تستطع الخلافة الفاطمية إيقاف حركة الانفصال هذه، شجعت عدداً من القبائل العربية التي كانت قد هاجرت إلى مصر وعلى رأسها قبائل سليم وهلال[31]، على عبور النيل والاتجاه غرباً بعد أن كانوا يمنعونهم منه، ومنحوا كل عابر منهم ديناراً مع أشياء أخرى كفروة أو بعير، واجتاز هؤلاء مصر إلى الغرب موجة إثر موجة، وأقامت سليم في برقة وانتشر بنو هلال في ولاية إفريقية، ولكن هذه الهجرة لم تحقق عودة إفريقية للحكم الفاطمي، وإن كانت قد حققت بعض التغيير، فقد أشاعت الفوضى وانعدام الأمن من جهة، ولكنها من جهة أخرى صبغت شمالي إفريقيا بالصبغة العربية نهائياً[32].

من أهم المشكلات الداخلية التي تعرض لها الفاطميون، كانت تلك المتعلقة بالدعوة، ثم بعض الأزمات الاقتصادية، وأخيراً استيلاء الجند على مقاليد الأمور، فمنذ بداية قيام الخلافة الفاطمية كان هناك خلافات داخل الحركة الإسماعيلية بين فئات يمكن تسميتها بالمتطرفة، وأخرى يمكن دعوتها بالمحافظة، وكان على الخلفاء أن يواجهوا بين الحين والآخر انشقاقاً في الحركة وحتى مقاومة مسلحة، ولعلَّ أهم حركات الانشقاق كانت تلك التي بدأت زمن الحاكم بأمر الله الخليفة السادس، ولاسيما بعد اختفائه سنة 411هـ/1021م في ظروف غامضة، فاعتقد جماعة من الإسماعيلية بأن الحاكم كان ذا صفات إلهية وأنه لم يمت، بل ذهب إلى الستر والغيبة، ولذلك رفضوا الاعتراف بخليفة على العرش الفاطمي، وانفصموا عن الجسم العام للفرقة، ونالوا بعض النجاح وخاصة في بلاد الشام، وعرفوا باسم الدروز، وما تزال فئات كبيرة منهم تعيش في بلاد الشام[33].

في عصر الخليفة المسـتنصر بالله427-487هـ، وصلت الخلافة الفـاطمية إلى ذروتها ثم هوت بـسرعة كبيـرة، وجرى في أيامه ما لم يجر في أيام أحد من أهل بيته، فخطب البساسيري[34] في بغـداد باسـمه مدة سنة، وخطب علي بن محمد الصليحي في بلاد اليمن باسمه ولكن الخطبة قطعت باسمه في إفريقية سنة 443هـ، وقطع اسمه من الحرمين سنة 449هـ، وذكر اسم الخليفة العباسي القائم بأمر الله422-467هـ[35]، وفي سنة 446هـ نكبت مصر بالوباء والقحط وكان وقعهما شديداً فيها فعمت الفوضى والمجاعة وعاد الوباء أشد ما يكون في سنة 456هـ ، والذي استمر حتى سنة 464هـ1071م مقترناً بالفتن والحروب، وامتدت يد السلاجقة إلى الشام حتى كادت تخرج من أيدي الفاطميين، فاستدعى المستنصر بالله بدر الجمالي إلى مصر من عكا سنة 466هـ/1073م، ليكون القائم بتدبير الدولة وإصلاح الأمور[36].

أبحر بدر في حرسه الخاص من الأرمن وفي جنده المخلصين من عكا قاصداً مصر، وقضى على الأمراء الذين أثاروا الفتن، وأعاد الهدوء إلى العاصمة، واستمر يتتبع المفسدين في كل جهة من جهات مصر حتى استتبت الأمور وسكنت الفتن وفرض النظام والهدوء، ونصب المستنصر بالله بدراً أميراً للجيوش ولُقب بكافل قضاة المؤمنين (قاضي القضاة) و(هادي دعاة المؤمنين (داعي الدعاة وعيَّن وزيراً للسيف لا يتقدمه أحد، وفوَّض إليه جميع سلطاته فأصبح بدر الجمالي صاحب الحل والعقد، له أن يولي كبار موظفي الدولة ويعزلهم، وهكذا أصبحت الوزارة في أواخر عهد المستنصر بالله حتى نهاية العصر الفاطمي وزارة تفويض بعد أن كانت وزارة تنفيذ في الفترة ما بين 358-465هـ.[37]

ضعف نفوذ الخلفاء الفاطميين كثيراً بعد وفاة المستنصر، بينما زادت سلطة الوزراء الذين استفحلت قوتهم وتضخمت ثروتهم وأصبح في أيديهم أمر تعيين الخلفاء وعزلهم، وكان بعضهم يؤثر اختيار أحد أمراء البيت الفاطمي الضعاف حتى يكون ألعوبة في أيديهم، وتجلت هذه الظاهرة في عهد الوزير الأفضل بن بدر الجمالي أمير الجيوش فعندما عزم المستنصر بالله على أخذ البيعة لابنه الأكبر نزار، ماطل الأفضل في مبايعته لأنه كان يميل إلى أبي القاسم أحمد بن المستنصر من زوجته أخت الأفضل، فلما مات المستنصر بالله، اجتمع الأفضل بالأمراء والخواص وخوَّفهم من نزار وأشار عليهم بمبايعة أخيه الأصغر أحمد، وكان حديث السن، فبايعوه، وأجلسه الأفضل على مقعد الخلافة سنة487هـ/1094م، ولقّبه المستعلي بالله، فهرب نزار إلى الإسكندرية وثار هناك فلاحقته قوات الأفضل أمير الجيوش وقضت عليه وعلى ثورته، وأدّى اختيار المستعلي إلى انشقاق الدعوة الإسماعيلية إلى قسمين، فقد رفض الإسماعيلية في المشرق الاعتراف بالخليـفة الجديـد وفي سنة 525هـ/1130م بعد مقتل الخليفة الآمر بن المستعلي، رفض الإسماعيلية المستعلية الاعتراف بالخليفة الجديد في القاهرة، وتبنوا عقيدة فيها أن طفلاً رضيعاً للآمر يدعى الطيب كان قد فُقِد حيث استتر وهو سيكون الإمام المنتظر، وهكذا لم يعد للمستعلية أئمة بعده.[38]

حكم بعد الآمر أربعة خلفاء من الأسرة الفاطمية، لكنهم كانوا بلا صلاحيات أو نفوذ، وضعفت مصر في عهدهم ضعفاً شديداً، وكانت الحروب الصليبية قد بدأت، وحـاول الصليبيون احتلال مصـر، فاستنجد الخليفة الفاطمي العاضـد بنور الـدين زنكي الـذي أرسل قواته لنجدته وأبطل التدخل الصليبي، وفي عام 567هـ/1171م ألغى صلاح الدين الأيوبي بأمر من نور الدين الخلافة الفاطمية وأعاد مصر إلى حظيرة الخلافة العباسية.

اهتم الفاطميون منذ أن استقر سلطانهم في مصر بالعمل على نشر الثقافة العلمية والأدبية، فضلاً عن الثقافة المذهبية التي تتصل بالدعوة الإسماعيلية، كالفقه والتفسير، وكان للجامع الأزهر أثر كبير في النهوض بالحياة الثقافية في مصر، وفاقت شهرته جميع المساجد الجامعة في مصر منذ أن أشار الوزير يعقوب بن كلس سنة378هـ/988م على الخليفة العزيز بتحويله إلى معهد للدراسة بعد أن كان مقصوراً على إقامة الدعوة الفاطمية، فاستأذنه في أن يُعيّن بالأزهر بعض الفقهاء للقراءة والدرس على أن يعقدوا مجالسهم بهذا الجامع في كل جمعة من بعد الصلاة حتى العصر، فرحب العزيز بذلك ورتب لهؤلاء الفقهاء أرزاقاً شهرية ثابتة وأنشأ لهم داراً للسكنى بجوار الأزهر، وظل الأزهر مركز الفقه الفاطمي إلى أن بنى الحاكم بأمر الله جامعه، فانتقل إليه الفقهاء لإلقاء دروسهم[39].

كذلك اهتم الفاطميون بإنشاء المكتبات، فألحقوا بالقصر الشرقي الكبير مكتبة زودوها بأندر المؤلفات في مختلف العلوم والفنون حتى تميزت من غيرها من مكتبات العالم الإسلامي بما في خزائنها من كتب قيمة، وقد فقدت مكتبة القصر الفاطمي عدداً غير قليل من الكتب القيمة في غضون الشدة العظمى التي حلت في عهد المستنصر بالله، فاستولى الجند والأمراء على الكثير مما في خزانة الكتب، وعلى الرغم من ذلك كله، بقي في خزائن القصر كتب لم تصل إليها يد العبث، واستطاع الفاطميون فيما بعد أن يعوضوا ما فقدوه، فجلبوا إلى مكتبة القصر كثيراً من الكتب الجديدة، حتى أصبح في قصر العاضد آخر الخلفاء الفاطميين مكتبة كبيرة، ومن المراكز الثقافية بمصر دار الحكمة التي أسسها الحاكم بأمر الله سنة395هـ/1004م، وأطلق عليها هذه التسمية رمزاً إلى الدعوة الشيعية لأن مجالس الدعوة كانت تسمى مجالس الحكمة، وزود الحاكم هذه الدار بمكتبة عرفت باسم دار العلم، حوت الكثير من الكتب في سائر العلوم والآداب من فقه ونحو ولغة وكيمياء وطب، وسمح لسائر الناس على طبقاتهم بالتردد عليها[40].

   شجع الفاطميون العلماء والكتّاب؛ وهو ما أثره لدى طائفة كبيرة منهم في مصر، فاشتهر من المؤرخين في العصر الفاطمي، أبو الحسن علي بن محمد الشابشتي 388هـ) صاحب كتاب "الديارات" الذي اتصل بخدمة الخليفة العزيز فولاه خزانة كتبه واتخذه من جلسائه، كما نبغ من المؤرخين الأمير المختار عز الملك المعروف بالمسبحي 420هـ)، وكان من جلساء الحاكم بأمر الله وخاصته وشغف بكتابة التاريخ، وألَّف فيه عدة كتب منها تاريخه الكبير "تاريخ مصر" ومن أعلام المؤرخين أبو عبد الله القضاعي  454هـ) وكان من أقطاب الحديث والفقه الشافعي، له كتاب "مناقب الإمام الشافعي وأخباره" أوفده الخليفة المستنصر بالله سفيراً إلى تيودورا إمبراطورة الدولة البيزنطية سنة (447هـ) ليحاول عقد الصلح بينها وبين مصر، ومن الكتاب المؤرخين الذين ظهروا في أواخر العصر الفاطمي، أبو القاسم علي بن منجب الصيرفي  542هـ)الذي اشتهر ذكره وعلا شأنه في البلاغة والشعر[41].

خلفاء الدولة الفاطمية في مصر:

•                  الخليفة المعز لدين الله:

أبو تميم معد بن منصور العبيدي، رابع خلفاء الدولة الفاطمية بشكلٍ عام، وأول خليفة في مصر بشكلٍ خاصٍ وبدأت خلافته عام) (358هـ، واستمرت لعام 365) هـ(؛ وهي سنة وفاته، وفي عهده بُنيَت مدينة القاهرة على يد القائد جوهر الصقليّ خلال 3 سنوات، والمعز هو الذي سماها بالقاهرة.

•                    الخليفة العزيز بالله

نزار بن معد بن الخليفة المعز لدين الله، بدأ حكمه عام 365)  هـ(   سنة وفاة والده، واستمر حتى وفاته عام 386)هـ).

 

•                    الخليفة الحاكم بأمر الله

المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام (386هـ(  ، واستمرت حتى وفاته عام 411)هـ(.

•                    الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله

أبو الحسن علي بن الحاكم بأمر الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام 411)هـ)، واستمرت حتى وفاته عام( 427هـ)

•                    الخليفة المستنصر بالله

أبو تميم معاذ، وهو ابن الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام 427هـ) وكان صغيراً في السن، واستمر حتى وفاته (487 هـ)، وبسبب صغر سنه كانت فترة حكمه تمتاز بسيطرة الوزراء على الدولة وقوة تحكمهم.

•                    الخليفة المستعلي بالله

هو ابن الخليفة المستنصر بالله بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام(487هـ)، واستمرت حتى وفاته عام 494هـ.

•                    الخليفة الآمر بأحكام الله

أبو علي المنصور ابن الخليفة المستعلي، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام494هـ، واستمرت حتى وفاته عام (523هـ.

•                    الخليفة الحافظ لدين الله

أبو الميمون عبد المجيد وهو ابن عم الخليفة الآمر بأحكام الله، وبدأت فترة حكمه بعد وفاة ابن عمه عام  (523هـ (، واستمرت حتى وفاته عام544هـ.

•                    الخليفة الظافر بدين الله

إسماعيل ابن الخليفة الحافظ لدين الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام 544هـ، واستمرت حتى وفاته عام 549هـ،  وقد مات مقتولاً.

•                    الخليفة الفائز بنصر الله

وهو عيسى بن الخليفة إسماعيل الظافر بدين الله، بدأت فترة حكمه بعد وفاة أبيه عام 549هـ، واستمرت حتى وفاته عام 555هـ.

•                    الخليفة العاضد لدين الله

عبد الله بن يوسف ابن الخليفة الحافظ لدين الله، وهو آخر خلفاء الدولة الفاطمية، بدأ حكمه عام 555هـ/1160م، واستمر حتى تم خلعه عام567هـ/1171م[42].

المحور الثاني: المجتمع المشرقي في عهد الفاطميين:

المحاضرة 01: تركيبة المجتمع وعناصره:

   عرفت التركيبة السكانية داخل المجتمع المصري في العصر الفاطمي تنوعا بين مختلف الأجناس والأعراق، ويعود السبب في ذلك أن البيئة المصرية بيئة جالبة للسكان، وهو ما يفسر كثرة الهجرات إليها من مختلف الأقاليم والأمصار منذ الحضارات القديمة، بالإضافة إلى عدم نفور سكان مصر الأصليين ممن وفد عليهم  وسكن بينهم، ومن أشهر عناصر المجتمع في هذه الحقبة نجد:

أ- العرب والأقباط والأفارقة:

   تختلف الدراسات حول تحديد  أوائل الشعوب التي سكنت مصر من بني البشر حتى قبلف وجود الفراعنة ، غير أن ما يهمنا معرفته هو التركيبة البشرية لمصر في زمن الفاطميين تحديدا، ويكاد يجكع الباحثون على أن العناصر العربية شكلت وافدا مهما بعد فتح عمرو بن العاص لمصر سنة 20هـ/641م، بحيث استوطنت قبائل وبطون عربية كثيرة الديار المصرية، وامتزجت مع من سكنها قبلهم من الأفارقة والأقباط والأتراك وغيرهم، ومن أشهر القبائل العربية التي استقر بها المقام في مدينة القاهرة وغيرها من المدن المصرية في العصر الفاطمي نجد: (طيء- جذام بن عدي- لخم- جهينة- الأزد- حمير- قيس- مذحج- القبائل اليمنية- وغيرها) ، ومن سكانه طائفة الأقباط المسيحيون الذين صالحوا عمرو بن العاص على أموالهم وديانتهم وكنائسهم ومن أشهر مدنهم الإسماعيلية و الإسكندرية، كما سكنها الأفارقة السود والذين اشتهروا في عهد الفاطميين باسم السودان[43].

ب- المغاربة:

   هم مجموعة من القبائل سموا باسم الإقليم الذي انتسبوا إليه وهو بلاد المغرب الإسلامي، وقد ازدادت أعدادهم بشكل كبير مع دخول الفاطميين إلى مصر، ومن أشهر هذه القبائل:

1- كتامة: قبيلة بربرية وتعتبر من أكبر القابائل البربرية في بلاد المغرب وبخاصة في المنطقة الشرقية منه ، وقد سكن الكتاميون القاهرة ، وعرفت إحدى حاراتها ( حارة كتامة) ، وكان لهم دور كبير في تكوين الجيوش الفاطمية[44].

2- زويلة: إحدى القبائل البربرية، وعند بناء القاهرة اتخذ شيوخها حارة خاصة بهم باسم   (حارة زويلة) ، ولقد توالت هجرات هذه القبيلة إلى مصر ما بعد سنة 358هـ/968م، ومن أشهر آثارهم في القاهرة إلى جانب الحارة (بئر زويلة) ، وباب زويلة أحد أبواب مدينة القاهرة الشهيرة[45].

3- المصامدة: قبيلة بربرية تعرف بمصمودة ، إحدى مكونات الجيوش الفاطمية ، دخلت مصر مع الخليفة الفاطمي المعز لدين الله ، وذكرت المصادر أن أعدادها في عصر المستنصر بالله الفاطمي حوالي 20 ألف رجل، وقد ظهرت باسمهم حارة عرفت باسم       (حارة المصامدة )، وأخرى بـ (حارة سوس)، إحدى فروع المصامدة[46] .

4- لواتة: هي إحدى القبائل البربرية؛ وهي بطون كثيرة استوطنت مصر في العصر الفاطمي، وقد قيا بلغ عددهم في خلافة المستنصر بالله نحو 50 ألف رجل، وأشار المقريزي إلى أن بعضهم استوطن مدينة المنوفية[47].

5ـ- صنهاجة : قبيلة بربرية كثيرة العدد انتشرت في منطقة شمال إفريقيا حتى قيل هي ثلث أمم المغرب، وقد انتقلت أعداد كثيرة منها إلى مصر مع المعز لدين الله الفاطمي، ولا يعرف

بالتحديد مناطق استيطانهم في القاهرة[48].

6- بنو الشعرية: احدى البطون البربرية المغاربية انتقلوا مع جوهر الصقلي إلى مصر وأسهموا في تأسيس مدينة القاهرة، وإليهم ينسب أحد أبواب القاهرة " باب الشعرية"[49].

7- البرقية: قبائل بربرية كثيرة تنسب إلى إقليم برقة في ليبيا الحالية ولذلك سميت بالرقية، دخلوا مع جوهر الصقلي إلى مصر سنة (358هـ/968م) ، وقيل وفدت مع المعز لدين الله الفاطمي سنة 362هـ، اتخذت لنفسها حارة عرفت باسمها "حارة البرقية "، وإليها ينسب "باب الرقية" أحد أبواب القاهرة[50]، وإلى يومن هذا تعرف إحدى سلالات الأغنام في مصر باسم " الأغنام البرقية" فلعل ذلك يعود إلى أصحابها.

8- المحمودية: إحدى البطون البربرية التي وفدت على مصر في عهد الخليفة العزيز بالله الفاطمي بحسب ما ورد في المصادر التاريخية، وإليها تنسب (حارة المحمودية)، في القاهرة[51].

9- العدوية: اجدى الطواءف المغاربية والتي يرجح أنها من البربر ظهرت في جيش العزيز بالله الفاطمي، وإليها تنسب (حارة العدوية)، بالقاهرة[52].

    تعددت أسماء القبائل البربرية المغاربية بحسب اختلاف بطونها وأفخاذها التي دخلت مصر واستوطنت مدنها؛ والمتتبع لألقاب المصريين وأسمائهم المتوارثة يدرك هذه الحقيقة كـألقاب الزناتي والمليجي والكومي والمصمودي ورزين والمرغني والهواري والتلمساني والنفزي والملزوزي والزواغي والدراجي، ويدرك أهمية الاستيطان الكبير الذي عرفته القبائل البربرية في مصر في العصر الفاطمي، ولا يستبعد معه أنها كانت تتحدث فيما بينها بلسانها البربري؛ ولذلك نجد إلى يومنا هذا بعض التعابير والكلمات ذات الأصل البربري، غير أن لغتهم ادثرت مع مرور الزمن بحكم غلبة اللسان العربي ومكانة اللغة العربية وكتابتها الحضارية في العصر الإسلامي.

ج- الأتراك:

   اشتهر الأتراك في الفترة التي سبقت ظهور الدولة الفاطمية بأعدادهم الكبيرة في الجيوش الإسلامية، وهذا بسبب التراكم التاريخي في ظهورهم منذ عصر المعتصم بالله العباسي الذي خصص لهم مكانة كبيرة في تكوينات الجيش العباسي في بغداد ومصر وخراسان، واستمرت هذه التنشئة في مصر إلى غاية قدوم الفاطميين، ففي عهد العزيز بالله الفاطمي   (325-382هـ) ظهرت أعدادهم بشكل كبير بحيث جلبوا من بلاد الشام بقيادة القائد التركي  "أفتكين "، وبجوار الجامع الأزهر اشتهرت حارتهم باسم "حارة الأتراك"، بل جعل العزيز جيوش الفاطميين من الكتاميين والمغاربة تحت إمارة القائد التركي "أفتكين"، ثم اشتهر القائد ناصر الدولة بن حمدان الذي دخل في صراعات مع العبيد السودان، ولم تنته سطوتهم إلا بعد مجيء بدر الدين الجمالي في عهد المستنصر بالله فأنهى سطوتهم وأبعدهم عن شؤون الجيش والدولة[53].

   يضاف إلى ما ذكر من التركيبة المجتمعية في العصر الفاطمي ظهور الأرمن والديلم والفرس والسودان والأعاجم وغيرهم.   

عناصر المجتمع:

   لا يمكن الحديث في العصور الإسلامية الوسطى عن طبقات المجتمع بذات المصطلح المتداول في العصور القديمة لاختلاف الدلالات السياسية والدينية والاجتماعية، ذلك لأن الإسلام لم يكن دين طبقي ولا المجتمع الإسلامي مجتمعا طبقيا بنصوص شرعية من القرآن والسنة النبوية؛ ومنها قوله تعالى: ( والله فضل بعضكم على بعض على بعض في الرزق)، وفي السنة ما يدلل على عدم التفرقة على أساس العرق واللون والطائفة، بل شجع الإسلام على تحرير العبيد حتى جعل كفارة المذنب في انتهاك الحدود وحرمات الله تحرير العبيد (رقبة مؤمنة) تكفيرا عن ذنبه، ولذلك فالعبودية موروث من عهد الجاهلية حاول الإسلام التخلص منها ومحاربتها، (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) [54] ، وقد تبنت النظريات الحديثة مصطلح "الطبيقية"؛ بحيث ظهر بقوة في الأدبيات الماركسية؛ وهو مفهوم يدل على وجود تفاوت طبقي في المجتمع سواء كان هذا التفاوت اقتصاديا أم اجتماعيا، بينما ينظر الإسلام إلى التباين الاقتصادي والاجتماعي بين الناس بنظرة التفضيل الرباني في الأرزاق والعطايا، ولا يقلل الفقر والعوز من قيمة الإنسان ومكانته، ولا يفرض عليه ما يفرض على غيره على أساس الغنى والفقر؛ ولذلك وجب أن يستبدل مصطلح        "الطبقات" بمصطلح "عناصر المجتمع وشرائحه"؛ وهو ما سيتم الحديث عنه بهذا التوصيف داخل المجتمع الفاطمي في مصر.

-الخاصة: ويعرفون ببياض الحضرة، وأهل القصر وأهل السلطان، وعلى رأسهم الخليفة وحاشيته من وزراء وحجاب وعمال وكبار قادة الجيش، ورجالات الدولة.

-العامة: باقي شرائح المجتمع في الدولة الفاطمية منهم: الفقهاء والأدباء والتجار والمزارعون وأهل الصنائع والحرف؛ وهو يشكلون الغالبية العظمى من ساكنة الدولة.

- العبيد: وتشمل العبيد والخدم على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وألقابهم ( البيض والسود والصقالبة والخصيان).، وتختلف مهامهم وأعمالهم بحسب طبيعة وظائفهم في القصور والبيوت والأسواق، كانوا يباعون ويشترون في أسواق النخاسة أو من سبي الحروب أو يقدمون كهدايا للملوك والأمراء.

-أهل الذمة: أقلية من غير المسلمين، ويطلق هذا المصطلح في العادة على (اليهود والنصارى)، لهم مالهم وعليهم ما عليهم بحسب مقتضى النصوص الشرعية في التعامل مع النصارى واليهود من حيث تعاملاتهم وعلاقاتهم بالمسلمين، فتشمل لباسهم وكنائسهم وعبادتهم، ولا اختلاف بين المؤرخين أن النصارى الأقباط تواجدوا في مصر مع الفتح الإسلامي في الإسكندرية ودمياط والفسطاط وغيرها من المدن المصرية، وما كان على ولاة مصر بداية من عمرو بن العاص وإلى غاية الدولة الفاطمية أن يتجاهلوا حقيقة وجودهم ودورهم كعناصر فعالة داخل المجتمع المصري[55].

المحور الثاني: المجتمع المشرقي في عهد الفاطميين:

المحاضرة 03: دور وواقع المرأة في المجتمع الفاطمي:

   سجلت المرأة في المجتمع المصري في العهد الفاطمي حضورا لافتا من خلال مشاركتها في مختلف مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولا تخلو المصادر التاريخية والأدبية من إظهار تلك الجوانب المهمة  في حياة نساء العصر الفاطمي، بحيث أدّت المرأة دوراً محورياً في انتقال السلطة، وفي بعض الأحيان كانت هي من تدير شؤون الدولة، وهنا يمكننا ذكر دور "سِت المُلك"[56]، التي أدارت السلطة في الفترة الانتقاليّة بين موت الخليفة الحاكم بأمر الله، وتولّي ابنه الظاهر لإعزاز دين الله، ودور أمّ الخليفة المستنصر بالله التي كانت هي الحاكم الفعلي للبلاد، حين تولّى ابنها الخلافة وهو طفل حسبما تجمع المصادر التاريخيّة.

اختلف تأثير النساء في المجتمع المصري بحسب مكانتهن الاجتماعية، وهو ما يجعلنا نصنفهن على أساس الدرجة والمكانة إلى :

ـأ- نساء الخاصة: وتضم نساء الخليفة من زوجات وجواري، ونساء رجال الحاشية المقربة من الخليفة، وفي العادة لا يختلطن بنساء العامة إلا نادرا لدواعي أمنية واجتماعية فرضتها الظروف المعمول بها في العصر الفاطمي، وقد تميزن بلباسهن وحليهن وطرق تعليمهن وآدابهن عن بقية نساء العامة، وكن يطلق عليهن "الحريم" والقصر الذي يقمن فيه يسمى "قصر الحريم"[57].

-ب- نساء العامة: يشكلن أغلبية النساء في المجتمع المصري، وتختلف وظائفهن بحسب تمايزهن الاجتماعي، فهناك الماكثات في البيوت والعاملات في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والصناعية والحرفية، كما نال الكثير منهن حظا وافرا من التعليم، فلقد منح الفاطميون حرية التعليم لفئات العامة مع مراعاة الضوابط الشرعية، فبرز منهن المؤدبات والمعلمات والطبيبات والموسيقيات والمغنيات وغيرهن[58].  

-ج- الجواري: عرف المجتمع الفاطمي شريحة واسعة من الجواري اللواتي تواجدن في القصور والبيوت، وقد خصصت لهن أسواق خاصة في القاهرة عرفت بأسواق النخاسة والعبيد (الرق)، وكن يجلبن من مختلف المناطق في العالم فمنهن الصقلبيات والتركيات والفارسيات والنصارى والسودان، وكن بارعات في فنون شتى منها: الغناء والرقص والشعر والطبخ، وتميزن بالجمال والأناقة، وكانت الواحدة الماهرة منهن تباع بأبهظ الأثمان فالخليفة العزيز بالله زوجته كانت جارية نصرانية، وهي "أم ست الملك" أخت الحاكم بأمر الله الفاطمي، والخليفة الظاهر بالله أمه كانت جارية وتزوج من جارية أنجبت له ابنه الحكم المستنصر بالله، ومن المعروف أن الجارية إذا تزوجت من سيدها وأنجبت منه فإن مكانتها ترتفع إلى " أم ولد" وتحظى بما تحظى بها سيدات القصر[59].

-د- نساء أهل الذمة: فرضت على نساء أهل الذمة من اليهود والنصارى في العصر الفاطمي جملة من الأحكام والقرارات ذات صلة بلباسهن وزواجهن، ومعاملتهن مع المسلمين، ومن بين أشهر ما ميز نساء أهل الذمة في العهد الفاطمي هو ممارستهن لضروب التجارة النسائية كالنسيج والحياكة وبيع الحلي وتربية دودة القز والعمل في البساتين، وفرضت عليهن ألبسة خاصة حتى لا يتشبهن بالمسلمات كالزنار وهو حزام يتوسط الجسد، ووضع قلائد في العنق عليها كلمة ذمي، وأحذية بلونين مختلفين أحمر وأسود، والإسلام لا يمنع الزواج من الكتابية، ولذلك تزوج العزيز بالله الفاطمي من نصرانية، غير أن الحاكم بأمر الله الفاطمي ضيق الزواج بغير المسلمة بالنسبة للخلفاء، وزداد التضييق على نساء أهل الذمة في عهد المستنصر بالله الفاطمي أيضا[60].

- دور المرأة الفاطمية في المشرق الإسلامي:

أ- دورها في الجوانب السياسية:  أسهمت المرأة في العصر الفاطمي من فرض وجودها في دواليب الحياة السياسية، وبخاصة اللواتي ينتمين إلى الأسرة الحاكمة، سواء زوجات الخلفاء أو الأميرات من أخوات الخلفاء وبناتهم، ومن أشهرهن حضورا في التاريخ الفاطمي في مصر "ست الملك" (ت415هـ/1024م) ابنة الخليفة العزيز بالله الفاطمي وأخت الخليفة الحاكم بأمر الله، فقد كانت ذا شأن كبير في حياة والدها العزيز، وذلك لرجاحة عقلها وحكمتها، وحسن تدبيرها عند استشارتها في شؤون السياسة والحكم، وظهر أثرها أكثر في حياة أخيها الحاكم بأمر الله ثم ابنه الظاهر بالله، غير أن المؤرخين يوردون عدة روايات تثبت نشوب الصراع بين " ست الملك" وأخيها الحاكم بأمر الله  وهو ما حدا به إلى التخلي عنها ومناصبتها العداء، غير الأمر انتهى بمقتله على يدها سنة 411هـ/1020م وتولية ابنه الظاهر بالله والوصاية عليه لصغره، وإدارة أمور الدولة بدلا عنه[61].

    كانت هذه الحادثة بداية التدخل المفرط للنساء في شؤون الحكم والسياسة على مدار القرن الخامس الهجري، والذي عرف بداية تدهور الأوضاع الداخلية للدولة وضعفها، فقد ظهر دور زوجة الظاهر بالله التي كانت من أصول نصرانية وتأثيرها على زوجها خدمة للنصارى وأهل الذمة عموما (امتيازات) ، ثم ظهرت السيدة "رصد" أم الخليفة المستنصر بالله (ت487هـ/1094م) وهي كانت جارية سوداء ظهر تأثيرها بعد وصول ابنها للخلافة وهو صغير، فتدخلت في شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وكانت تختم الرسائل باسمها، ومن أبرز أعمالها إدخال الجنود السود حتى تتغلب على العناصر التركية[62]، غير أن هذا انتهى بانتشار الصراعات الدامية بين الجيوش الفاطمية فأنهك الدولة وأفسد دواليبها، وتزامن ذلك مع ظهور الأزمة الاقتصادية التي عرفت بالشدة المستنصرية[63].

   استمر تأثير تدخل النساء إلى غاية أواخر عهد الدولة؛ ففي عهد الخليفة العاضد  لدين الله (ت567هـ/1171م) كانت أمور الدولة تدار من عمتيه الكبرى والصغرى وبخاصة الصغرى المسماة "سيدة القصور"، والتي استمرت دسائسها ومؤامراتها على الوزراء وقادة الجيش إلى غاية دخول صلاح الدين الأيوبي وإسقاطه للدولة الفاطمية سنة 567هـ[64].

ب- دور المرأة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية: 

   لا تطلعنا المصادر التاريخية عن معلومات كافية حول نشاطات النساء في الحياة الاقتصادية في عهد الدولة الفاطمية في مصر إلا ما ورد عرضا من الممارسات الاعتيادية للنساء كالخياطة والنسيج والحرف، على الرغم من أن العهد الفاطمي في مجمله تميز بالثراء وتنوع الموارد المالية، وأبلغ ما ورد عن قيام نساء القصر بأعمال الصدقات كحفر الآبار وبناء المساجد وترميم بيوت الفقراء، وإنشاء أوقاف خاصة للأيتام وكبار السن والمرضى، فزوجة الخليفة الآمر بأحكام الله المسماة "علم الآمرية" أقامت دارا خاصة بالعجائز والأرامل سنة 526هـ/1131م، وكان لها صدقات كثيرة[65].

- دور المرأة في الحياة الدينية والثقافية:

    لم تظهر صورة إسهامات المرأة في العصر الفاطمي بشكل واضح في الحياة الدينية والثقافية إلا ما كان من أخبار عن نساء القصر اللواتي أسهمن في بناء مدارس وجوامع اتخذت فيها حلقات علمية وتعليمية، ومنها "جامع القرافة" الذي بنته السيدة "تغريد" زوجة الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وهو ثاني جامع بعد الأزهر ومسجد السيدة "رقية" الذي شيدته " علم الآمرية" زوجة الخليفة الآمر بأحكام الله سنة 527هـ/1132م، وممن شاركن في التعليم وإلقاء الدروس نجد السيدة "أم الخير الحجازية" التي كانت واعظة تدرس النساء في جامع عمرو بن العاص، وظهر إقبال النساء على مجالس العلم في أماكن منفردة[66].

أضرحة نساء آل البيت:

   يشير بعض المؤرخين إلى ظهور عدد كبير من شواهد القبور في القرن العاشر في مصر، لنساء آل البيت اللائي حظين بقدسية لدى الشيعة الإسماعيلية (الفاطميين)، وبتبجيل كبير أيضا لدى السُنة المصريين، لافتين إلى أن الكثير من ممارسات الشيعة الإسماعيليّة تتمحور حول القبور.

   يشير الباحث أيمن فؤاد سيد، أستاذ التاريخ المتخصص في الدراسات الإسماعيلية، في كتابه الشهير "الدولة الفاطمية في مصر: تفسير جديد"، أن مصر لم تعرف المساجد التي تحتوي على أضرحة إلا في عهد الفاطميين، سواء التي تضم جسماناً مدفوناً بها، أو تلك التي كانت مجرد أضرحة رمزية (وهي الأغلب)، أو ما عرفت بـ"مشاهد الرؤيا"، حيث يُبنى مسجد ويقام به ضريح لشخص لم يدفن به، ومع ذلك يتوجه إليه الناس ويطلبون البركة[67]،

    والمتتبع لما ذكره الباحث فؤاد سيد يجد أنها لازالت موجودة بالقاهرة إلى اليوم، إنشاء عدد من المساجد باسم نساء من آل البيت، كالسيدة سكينة بنت الحسين بن علي، السيّدة رقية بنت الإمام علي الرضا والسيّدة عاتكة عمّة النبي محمّد، وهي نماذج لمشاهد أو أضرحة رمزيّة، بالإضافة للأضرحة الحقيقيّة، وتلك التي أُعيد إحياؤها، كضريح السيّدة نفيسة بنت الحسن، حفيدة الحسن بن علي بن أبي طالب، المدفونة به منذ بداية القرن الثالث الهجري، قبل قيام الدولة الفاطميّة نفسها، حيث أنشأ الفاطميون قبّة على الضريح، ومسجداً لازال قائماً في القاهرة إلى الآن، بل هو من أشهر مساجدها[68].  

 

 

- العمارة والأوقاف:

   كان للنساء في العصر الفاطمي إسهام في وقف أملاكهنّ على مساجد ومرافق عامة لخدمة الناس، وكانت تلك الأوقاف وهذه الأعمال تقام بأسمائهنّ، لا باسم الدولة أو باسم الخليفة، وبرعايتهن المباشرة، وكان يتولى الإشراف على الأوقاف في العصر الفاكمي ديوان يعرف بـ "ديوان الأحباس"[69].

 ففي سنة 363هـ/ 973-974م، عندما أصبح العزيز بالله وليّاً للعهد، بَنَتْ والدته "دورزان" وتسمّى أيضاً "تغريد"، زوجة المعزّ لدين الله الفاطمي، ما يُعرف بـ"منازل العزّ،" التي كانت تطلّ على النيل، وهي منتجع كان يتنزّه فيه الخلفاء والأسرة الحاكمة، وصارت بعد ذلك مدرسة للفقه الشافعي في العصر الأيوبي، أما العمل الأهمّ لـدورزان فهو بناء "مسجد القرافة"، أو ما عرف بعد ذلك بـ"مسجد الأولياء"[70].

   تبعت دورزان ابنتها "ست المُلك" عام 977م، وأنشأت حوضاً للمياه بجوار مسجد القرافة، إن "ست المُلك" حفيدة دورزان، وأخت الحاكم بأمر الله، سارت على نفس التقليد في بناء المرافق العامة، وكانت توقف أموالها على بناء مساجد ومبانٍ عامّة، ولكن لا توجد مبانٍ تحمل اسمها قائمة الآن لعدّة احتمالات، منها الدمار الذي طال أجزاء كبيرة من الآثار الفاطميّة في فترات تاريخيّة لاحقة، ومنها على سبيل المثال قصر الخلافة نفسه، الذي انمحى أثره وأقيمت على أطلاله بنايات متعدّدة، بدءاً من العصر الأيوبي وما تلاه، كذلك بَنَتْ رَصَد أم الخليفة المستنصر حوضاً آخر للمياه بالقرب من القرافة[71].

- المحور الثالث: الأزمات السياسية والاقتصادية والصراعات المذهبية في عهد الدولة الفاطمية.

المحاضرة 01: الأزمات السياسية و الاقتصادية:

   فقدت الدولة الفاطمية الكثير من نفوذها في بلاد الشام بسبب كثرة الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعرضت لها وأنهكتها في آخر عهدها ، وعلى الرغم من الاختلافات الواضحة بين المؤرخين في حصرها، إلا أنه يمكن أن نجمل أسباب هذا التراجع الكبير الذي أدى في نهاية المطاف إلى سقوطها النهائي في عهد آخر خلفائها العاضد لدين الله الفاطمي على يد الناصر صلاح الدين الأيوبي سنة 567هـ/1172م إلى ما يلي:

أ- كثرة النزاعات: كثرة النزعات بين عناصر الجيوش الفاطمية ذات الولاءات المختلفة، والطوائف العرقية المتعددة ( مغاربة ، أتراك، فرس وغيرهم)، فاختل الأمن وانتشرت الفوضى في مصر وبلاد الشام[72].

ب- الشدة المستنصرية: (من سنة457هـ إلى سنة464هـ ) : ظهرت في مصر في منتصف القرن 5هـ/11م أزمة اقتصادية حادة بسبب نقص مياه نهر النيل وشح الأمطار مما أدى إلى الجفاف وتراجع الزراعة، فظهرت المجاعة وتفشت الأوبئة وغلت الأسعار على مدار 7 سنوات، وقد وصف مؤرخ مصر المقريزي هذه الشدة بقوله: " وقع في أيام المستنصر الغلاء الفاحش...حيث أكلت الكلاب والقطط، فبيع الكلب ليؤكل بخمسة دنانير، وتزايد الحال حتى أكل الناس بعضهم بعضا ، فكانت طوائف تجلس بأعلى بيوتها ومعهم سلب وحبال فيها كلاليب، فإذا مر بهم أحد ألقوها عليه ونشلوه في أسرع وقت وشرّحوا لحمه وأكلوه"[73].

   لم تنته هذه الشدة إلا بعد ظهور الوزير بدر الدين الجمالي (ت487هـ) الذي استدعاه الخليفة المستنصر بالله الفاطمي من بلاد الشام، والذي تمكن من إعادة الوضع على ما كان عليه، إلا أن ذلك لم يدم طويلا بسبب ضعف الخلفاء وظهور الخلافات بين الوزراء وقادة الجيش[74].

ج- تغلب الوزراء على منصب الخليفة الفاطمي، وتولي الصبية برعاية من نساء القصر ومن حالفهم من الوزراء والقادة؛ وهو ما أضعف هيبة منصب الخليفة بين الرعية، وأسهم بزرع الفتن داخل البيت الفاطمي وأضعف سلطتهم[75].

د-أصدر الحاكم بأمر الله سنة 402هـ/1011م قوانين ضد النصارى واليهود تتصف بالصرامة، بحيث عين لهم لباسا خاصا، ووضع الصلبان على أعناقهم، وأمر بهدم الكنائس، وهو ما أغضبهم وحز في نفوسهم وقد أعطوا الأمان على ذلك منذ فتح مصر، ومع اعتراضهم في حضرته إلا أنه خيرهم بين اعتناق الإسلام أو الرضوخ للأمر الواقع[76].

المحاضرة 02: الصراعات المذهبية:

   نشر الفاطميون المذهب الإسماعيلي بمجرد وصولهم إلى مصر ، وشجعوا علماءهم على بذل الجهد في التعريف به وتدريسه في مساجدهم وبخاصة الجامع الأزهر؛ فألفت الكتب في فقه الشيعة الإسماعيلية وأصول الدين والعبادات، ومن أبرز ما أدخله الفاطميون عند دخولهم مصر هو صيام شهر رمضان من دون تحري رؤية الهلال؛ وهو ما استنكره أهل مصر ورفضوه غير أن إصرار الفاطميين على الصيام دون رؤية الهلال أصبح أمرا واقعا، وانقطع طلب الهلال بمصر طوال حكم الفاطميين، وأمروا بالجهر بالبسملة في الصلاة، وإضافة عبارة "حي على خير العمل" للأذان، والاحتفال باليوم العشر من المحرم وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين في كربلاء[77]، والاحتفال بعيد الغدير[78].

   استمر هذا التوجه العقدي للشيعة في زمن الأزمات والشدة؛ وهو ما سجله المؤرخون عن دور دبر الدين الجمالي وأسرته الحاكمة، فقد كان متحمسا للمذهب الفاطمي والمدافع عنه، ومن أمثلة ذلك أنه حبس أقواما رووا فضائل الصحابة، وأحيى الكثير من طقوس الشيعة ومعتقداتهم[79] .

   اهتم الفاطميون بالمزارات الخاصة بآل البيت كمزار الحسين والسيدة زينب، وأضرحة آل البيت على سعة انتشارها في مصر، ومع ذلك لم تضيق سلطة الفاطميين على أهل السنة وعلمائهم، وإنما فتحوا أبواب الحرية والمناظرات العلمية بين مختلف العقائد والمذاهب، غير أن هذا لم يمنع من ظهور بعض النزاعات العقدية والمذهبية والطائفية بين الشيعة وأهل السنة الذين نصبوا العداء للشيعة ومعتقداتهم وطعنوا بذلك في أهليتهم لقيادة شؤون المسلمين وإمامتهم، وهو ما شهدت أحداثه الدامية مدينة الإسكندرية بين المصريين من الشيعة والمغاربة[80].

المحور الرابع:  سقوط الدولة الفاطمية وظهور الدول السلطانية ( الأيوبيون والمماليك)

المحاضرة 01: سقوط الدولة الفاطمية (الأسباب والنتائج).

المحاضرة 02: الأيوبيون.

المحاضرة 03: المماليك.

المحاضرة 01: سقوط الدولة الفاطمية (الأسباب والنتائج).

شهدت السنوات الأخيرة من عمر الدولة الفاطمية سلسلة من الصراعات والحروب بين ولاة الأقاليم المتنافسين على منصب الوزارة بالاستعانة بالقوى الخارجية.

   تولى شاور بن مجبر السعدي الوزارة سنة 558هـ/1163م لدى الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله، غير أنه وجد منافسة قوية من أبو الأشبال ضرغام بن عامر المنذري مقدم الأمراء، ودخلا في قتال انتهى بمقتل الأمير " طي ابن الوزير شاور " وانهزام جيش الوزير شاور؛ وهو ما اضطره إلى الفرار إلى الشام مستنجدا بالسلطان نور الدين محمود صاحب دمشق، وتعهد إن هو ساعده على دخول مصر واستعادة منصبه أن يدفع له ثلث خراج مصر، وأن يكون تحت تصرف السلطان نور الدين[81]، وهو ما اعتبره الباحثون مؤشر على ضعف الدولة الفاطمية وبداية نهايتها.       

   استغل نور الدين محمود مرحلة الضعف التي آلت إليها مصر الفاطمية، ووجدها فرصة لضمها إلى محور جبهة محاربة الصليبين في بيت المقدس فأرسل مع الوزير شاور جيشا على رأسه أسد الدين شيركوه[82] سنة 559هـ/1164م لأجل إعادة شاور إلى منصبه، ولما بلغ

الخبر أبو الأشبال ضرغام سارع إلى التحالف مع عموري[83] ((Amaury ملك بيت المقدس إلا أن محاولته باءت بالفشل بحكم حصار نور الدين للصليبين في طريقهم إلى مصر، وبالفعل تمكن أسد الدين شيركوه من دخول مصر والتغلب على ضرغام، وإعادة شاور إلى منصبه في الوزارة[84]، غير أن ضرغام خالف عهده وطلب من أسد الدين مغادرة مصر؛ بل وتحالف مع ملك بيت المقدس، محذرا إياه من محاولة نور الدين ضم مصر ومن ثم محاصرة الصليبين برا وبحرا، وهو ما حمله ملك بيت المقدس محمل الجد وسارع إلى إرسال جيوشه إلى مصر للوقوف في وجه زحف جيش نور الدين محمود وانتقامه من الوزير شاور، وبالفعل التقى الجيشان: جيش الفرنجة الصليبيين مدعومة بالجيش المصري في مواجهة جيش أسد الدين شيركوه في منطقة تعرف بـ" البابين" بالقرب من المنيا، فكان النصر حليف أسد الدين شيركوه، ثم دخل الإسكندرية وعين ابن أخيه صلاح الدين واليا عليها، ولما أدرك الفرنجة وشاور نوايا الأيوبيين في ضم مصر إلى سلطانهم هموا بمحاصرة الإسكندرية والتضييق على جيوش الأيوبيين، وانتهى الأمر بعقد اتفاقية يتراجع بموجبها الأيوبيون عن مصر ويبقي الصليبيون محمية صغيرة في مصر لضمان عدم غدر الأيوبيين وبموافقة من الوزير شاور[85].

    تراجعت جيوش الأيوبيين إلى بلاد الشام، غير أن الفرنجة الصليبين بدأو يخططون لغزو مصر بعدما اطلعوا على ضعف حصونها وهوان جيشها، بالإضافة إلى ما تدره من خراج وأموال على من يحتلها، وبالفعل جهز الفرنجة حملة لغزو مصر سنة 564هـ/1169م.

   لما علم شاور بالأمر عمد إلى إخلاء مدينة الفسطاط وإشعال النيران فيها حتى لا يتخذها الفرنجة معسكرا لهم، ودخل القاهرة وحصنها وجهز جيشها للدفاع عنها، وأرسل للفرنجة يعرض عليهم الصلح ودفع ألف ألف دينار سنويا لهم مقابل التراجع عن دخول مصر، وفي الوقت نفسه أرسل لنور الدين محمود يطلب النجدة، كما أرسل له الخليفة العاضد لدين الله يستنجده هو كذلك خشية أن تقع مصر في يد الفرنجة، ولكن هذه المرة تعهد بأن يتنازل المصريون عن ثلث بلاد مصر للأيوبيين، وأن يأذن لأسد الدين شيركوه بالإقامة في مصر وأن يكون له وجيشه إقطاعات خاصة بهم، ولما رأى الفرنجة قوة جيوش الأيوبيين لم يكن أمامهم إلا التراجع والتسليم لهم، والعودة إلى فلسطين، بينما تمكن أسد الدين شيركوه من دخول مصر بترحيب من أهلها، واستقبله الخليفة العاضد لدين الله وخلع عليه، واحتفى به[86]،

   استغل أسد الدين قربه من الخليفة وتفقا على عزل الوزير شاور، ولا يكون ذلك إلا بقتله؛ وهو ما تم سنة 564هـ/1196م، وفور التخلص من شاور خلع العاضد لأسد الدين خلع الوزارة وفوض إليه شؤون الحكم وقيادة الجيوش، غير أنه لم يلبث طويلا حتى مات فجأة في ذات السنة، ولم يكن أمام الخليفة إلا تعيين نائبه صلاح الدين وزيرا لاعتقاده أنه أقل حظا من أسد الدين ويسهل التحكم فيه[87]

   خلع العاضد على صلاح الدين ولقبه بـ "الملك الناصر"، حاول العبيد السودان من التآمر على صلاح الدين إلا أنه أنهى شوكتهم وأحرق حارتهم المنصورية بالقاهرة، أدرك حينها الفرنجة الصليبيون أن الأيوبيين يرديون السيطرة على مصر فأرسلوا حملة صليبية بأسطول بحري كبير استطاع الوصول إلى مدينة "دمياط"[88] ومحاصرتها لمدة خمسين يوما غير أن قوات الأيوبيين استطاعت فك الحصار عنها بعدما قدّم نور الدين محمود يد المساعدة بهجومه على إمارات الصليبيين في الشام مما خفف الضغط عن دمياط واضطرار القوات الصليبية مغادرة الأراضي المصرية[89].

   أدخل صلاح الدين إصلاحات إدارية ومالية وعسكرية ودينية داخل الدولة الفاطمية مما مكنه من التحكم في دواليب الدولة والسيطرة عليها، ومن أشهر ما قام به تقوية المذهب السني وإضعاف المذهب الإسماعيلي؛ بحيث ألغى الكثير من الطقوس الشيعية الإسماعيلية المنتشرة في مصر ومنها إبطال عبارة "حي على خير العمل" من الأذان، ومنع سب الصحابة، وأن يذكر أسماء الخلفاء الراشدين في خطب الجمعة، وعزل جميع القضاة الإسماعيليين، وفي سنة 567هـ/1171م جاءت الخطوة الحاسمة في القضاء على الخلافة الفاطمية في مصر عندما أسقط صلاح الدين خطبة الفاطميين وأمر الخطباء بالدعوة للخليفة العباسي المستضيء بأمر الله وذلك في 7 من المحرم/10سبتمبر وأعاد السواد شعار العباسييين، وفي ذات السنة توفي آخر خليفة فاطمي العاضد لدين الله[90].  



[1] - ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الإفريقي، لسان العرب، دار صادر، بيروت،(د ط)، ج8 ص 189.

[2]- ينظر تفصيل ذلك عند عبد القاهر بن طاهر البغدادي، الفرق بين الفرق، تحقيق محمد عثمان الخشت، مكتبة ابن سينا، القاهرة، ط1، 1988م، ص ص 41-71.

[3]- الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم، الملل والنحل، تحقيق أمير علي مهنا و علي حسن فاعود، دار المعرفة، بيروت، ط2، 1993م، ج1، ص ص 169.

[4] -ابن خلدون، المقدمة، تخريج وتعليق عبد الله الدرويش، دار يعرب، دمشق، ط1، 2004م، ص 373.

[5]- ينظر تفاصيل هذه الأخبار عند الطبري، تاريخ الرسل والأمم والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، مصر، ط2، 1972م، ج5، ص ص 5-64.

[6] - ابن خلدون، المصدر السابق، ص ص 373-375.

[7] - إحسان إلهي ظهير، الشيعة والتشيع فرق وتاريخ، إدارة ترجمان السنة، باكستان، 1995م، ص 267.

[8] - نفسه، ص ص 209-229.

[9] - ينظر تفصيل أخبار هؤلاء الأئمة عند الشهرستاني، المصدر السابق، ص ص 198-203.

[10] - إحسان إلهي ظهير، المرجع السابق، ص 343.

[11] - ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل، تحقيق محمد إبراهيم نصر و عبد الرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت، ط2، 1996م، ج5،   ص42.

[12] - محمد بن علي سلمان الوصابي، التقية عند الفرق، مجلة الأندلس للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة الأندلس للعلوم والتقنية، اليمن، العدد 77 المجلد 10، سنة 2023م، ص ص 62-69.

[13] - الشهرستاني، المصدر السابق، ج1، ص 197.

[14] - هو الحسين بن محمد بن زكريا، ويلقب بالمعلم من دعاة الإسماعيلية، أصله من صنعاء، انتقل إلى بلاد المغرب وتمكن من نشر دعوة الإسماعيلية إلى غاية ظهور دولتهم، توفي مقتولا على يد عبيد الله المهدي سنة 296هـ، المقريزي، إتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء، ج1، ط2، القاهرة، ص 57.

[15] - القاضي النعمان، كتاب افتتاح الدعوة، الشركة التونسية للتوزيع،ط2، تونس، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1986م،  ص 25.

[16] - نفسه، ص 29.

[17] - هو أبو القاسم الحسن بن فرح بن حوشب بن زادان الكوفي، أحد أشهر دعاة المذب الإسماعيلي في المشرق، ينظر عنه القاضي النعما، المصدر نفسه، ص 29.

[18] - ابن عذاري المراكشي، البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق ج.كولان، وليفي بروفنسال، دار الثقافة، بيروت، ط3، 1983م،ج1، ص 124.

[19] - ابن خلدون، المصدر السابق، ج4، ص 43.

[20] - مدينة في بلاد الشام، من أعمال قنسرين على طرف البادية، وهو حصن كالمدينة صغير عامل وآهل، الحميري، المصدر السابق، ص 320.

[21] - مدينة في صحراء المغرب، بينها وبين البحر خمس عشرة مرحلة، وهي على نهر يقال له زيز بنيت سنة 140هـ أسسها مدرار بن عبد الله، الحميري، نفسه ، ص ص 305-306.

[22] - ابن خلدون المصدر السابق، ص 47.

[23] - ابن خلدون المصدر السابق، ص48.

[24] - يلقب بالمظفر المعتضدي، أحد الخدام الذين بلغوا رتبة الملوك، وكان قائدا لجند مصر بأمر من الخلفاء بني العباس، توفي مقتولا بأمر الخليفة القاهر بالله العباسي سنة 321هـ، الذهبي، سير أعلام النبلاء، المصدر السابق، ج15، ص 57.

[25] - هو أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن ارباهيم، وزير وأحد كتاب الدولة الفاطمية، كان يهوديا ثم أسلم ، كان داهية ماكرا فطنا، الذهبي، نفسه، ج16، ص 444.

[26] -  محمد جمال الدين سرور، تاريخ الدولة الفاطمية، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1995م، ص ص 127-128.

[27] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص ص 311-364

[28] - ابن خلدون، المصدر السابق، ص ص 47-56.

[29] - محمد جمال الدين سرور، نفسه، ص 345.

[30] - هو أبو تميم شرف الدولة المعز بن باديس بن منصور بن مناد الصنهاجي رابع أمراء الدولة الزيرية، في عهده انفصلت دولته عن الفاطميين ومبايعة العباسيين، توفي سنة 454هـ ، الذهبي، سير أعلام النبلاء، المصدر السابق، ج18، ص 140.

[31] - تعرف هجرتهم بالهجرة الهلالية، من أشهر هذه القبائل العربية : بنو سليم وبنو هلال وبنو عدوان، هاجروا من مصر إلى بلاد المغرب بأمر من الفاطميين في مصر، وستوطنوا البلاد الجديدة بقوة السيف، ينظر تفاصيل هجرتهم عند ابن خلدون، المصدر السابق، ج4، ص ص 79-80.

[32] - ابن خلدون، نفسه، ص 80.

[33] - ينظر تفاصيل هذه الأخبار محمد كامل حسين، طائفة الدروز، تاريخها وعقائدها، دار المعارف، مصر، ط1، 1962م، ص ص 75-85.

[34] - هو أبو الحارث أرسلان التركي، الملقب بالمظفر، كان مقدما عند الخليفة العباسي القائم بأمر الله، ثم طغى وبغى وتمرد وخطب للفاطميين، ومات مقتولا سنة 451هـ، ابن كثير، المصدر السابق، ج12، ص 84.

[35] - نفسه، ص 85.

[36] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص 103.

[37] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص ص 105-103.

[38] - نفسه، ص  110.

[39] - خالد بن عبد الرحمن بن حمد القاضي، الحياة العلمية في مصر الفاطمية، الدار العربية للموسوعات، بيروت، ط1، 2008م، ص ص 135-136.

[40] - خالد بن عبد الرحمن بن حمد القاضي، المرجع نفسه، ص ص 115-121.

[41] - نفسه، ص ص 265-281.

[42] - ينظر أسماء هؤلاء الخلفاء ونبذ عن حياتهم أبو الحسن علي الروحي، بلغة الظرفاء في تاريخ الخلفاء، تحقيق محمد حسن إسماعيل، كتاب ناشرون، لبنان، ط1، 2010م،  ص ص 302-331.

[43] - عبد المنعم عبد الحميد سلطان، الحياة الاجتماعية في العصر الفاطمي، مركز الإسكندرية للكتاب، الإسكندرية، ط1، 2009م، ص ص 14-82.

[44] - المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، تحقيق محمد زينهم ومديحة الشرقاوي، مكتبة مدبولي، ط1، القاهرة 1997م، ج3، ص 388.

[45] - نفسه، ج2، ص 98.

[46] - نفسه، ص ص 400-408.

[47] - نفسه، ص 103.

[48] - المقريزي، إتعاظ الحنفاء، المصدر السابق، ص 57.

[49] - المقريزي، الخطط ، ج2، ص 103.

[50] - نفسه، ص 12.

[51] - نفسه، 375.

[52] - نفسه، 399.

[53] - المقريزي، إتعاظ الحنفاء، المصدر السابق، ص 219.

[54] - ينظر عن مفهوم العبودية والرق أحمد شفيق، الرق في الإسلام، ترجمة أحمد زكي، مكتبة النافذة، مصر ط1، 2010م، ص ص 71-81.

- [55] عبد المنعم عبد الحميد سلطان، المرجع السابق، ص ص 10-87.

[56] - هي ست الملك بنت العزيز بالله بن المعز لدين الله بن معد بن المنصور إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن عبيد الله الفاطمي العلوي، كانت من أحسن نساء زمانها جمالا، وأوفرهن عقلا...شاركت أخاها الحاكم بأمر الله في الملك...توفيت سنة 415هـ وحزن عليها أهل مصر، ينظر عن بقية أخبارها وسيرتها، زينب فواز، الدر المنثور في طبقات ربات الخدور، مكتبة ابن قتيبة، الكويت ط1، 1312هـ/1895م، ج1، ص ص 320-321.

[57] - نريمان عبد الكريم أحمد، المرأة في مصر في العصر الفاطمي،الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، ط1، 1993م، ص35.

[58] - نهلة عبد الفتاح الجالودي، دور المرأة في مصر خلال العصر الفاطمي، دراسة سياسية واجتماعية، رسالة ماجستير غير مطبوعة، جامعة آل البيت ، كلية العلوم الإنسانية، قسم التاريخ، 2010م، ص 61.

[59] - نفسه، ص ص 65-78.

[60] - نهلة عبد الفتاح الجالودي، المرجع السابق، ص ص61-63.

[61] - نفسه، ص89.

[62] - نفسه، ص93.

[63] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص 103.

[64] - نهلة عبد الفتاح الجالودي، المرجع السابق، ص ص113-114.

[65] - نريمان عبد الكريم أحمد، ص41.

[66] - نهلة عبد الفتاح الجالودي، ص154.

[67] - أيمن فؤاد سيد، الدولة الفاطمية في مصر، تفسير جديد، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ط1، 1992م، ص 399.

[68] - نفسه، ص ص 398-399.

[69] - أيمن فؤاد سيد، المرجع السابق، ص361.

[70] - المقريزي، المصدر السابق، ج1، ص 295، و نهلة عبد الفتاح الجالودي، ص ص 130-131

[71] - نفسه، ص 131.

[72] - أيمن فؤاد سيد، المرجع السابق، ص ص 97-137.

[73] - المقريزي، المصدر السابق، ج2، ص 184.

[74] - نفسه، ص ص 139-141.

[75] - عرب دعكور، الدولة الفاطمية، تاريخها السياسي والحضاري، ةدار المواسم، بيروت، ط1، 2004م، ص 187.

[76] - إبراهيم رزق الله أيوب، التاريخ الفاطمي الاجتماعي، الشركة العالمية للكتاب، بيروت، ط1، 1997م، ص ص 35-36.

[77] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص 76.

[78] - يوم الغدير: أو عيد الغدير يحتفل به الشيعة يوم 18 من ذي الحجة لاعتقادهم أن النبي (صلى الله عليه وسلم) عهد بالإمامة والخلافة لعلي بن أبي طالب بعده، بعد عودة المسلمين من حجة الوداع إلى المدينة في مكان يسمى "غدير خم"، ويرى أهل السنة أن ما قاله النبي مجرد بيان لفضل علي ومحبته، ينظر تفاصيل هذا الخبر عند الذهبي، سير أعلام النبلاء، المصدر السابق، ج8، ص 334.

[79] - محمد حسن دخيل، الدولة الفاطمية، الدور السياسي والحضاري للأسرة الجمالية، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت،ط1، 2009م، ص 88.

[80] - محمد جمال الدين سرور، نفسه، ص 77.

[81] - نفسه، ص 222.

[82] - أبو الحارث أسد الدين شيركوه بن شاذي بن مروان، قائد عسكري في الدولة الزنكية وعم صلاح الدين الأيوبي أسهم في تأسيس الدولة الأيوبية وإنقاذ مصر من الحملات الصليبية، توفي سنة 564هـ، الذهبي، المصدر السابق، ج15، ص 210.

[83] - هو عموري الأول بن فولك ملك صليبي لاتيني حكم بيت المقدس من سنة 1162 إلى سنة 1174م، كانت له عدة محاولات للاستيلاء على مصر غير أن الأيوبيين حالوا دون تمكنه من ذلك، ينظر عن حياته، حجازي عبد المنعم سليمان،  السياسة الخارجية لمملكة بيت المقدس عهد الملك عموري الأول، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط14، 2014م، ص ص 37-56.

[84] - محمد جمال الدين سرور، المصدر السابق، ص 224.

[85] - نفسه، ص 226.

[86] - محمد جمال الدين سرور، المرجع السابق، ص 117.

[87] - أيمن فؤاد سيد، المرجع السابق، ص ص 233-234.

[88] - يقال لها أيضا ذمياط بالذال المعجمة، مدينة بالديار المصرية على ساحل البحر قريبة من تنيس وإليها ينتهي نهر النيل، اشتهرت في حروب المسلمين مع التتار والصليبين بحكم قربها من البحر، الحميري، المصدر السابق، ص 257.

[89] - نفسه، ص 234.

[90] - أيمن فؤاد سيد، المرجع السابق، ص ص 234-241.


أنموذج الإجابة المحتملة لمقياس المشرق الإسلامي/ السنة الثالثة تاريخ/ السداسي الخامس.     أ. حاكمي

الوضوع الأول:

مقدمة: وفيها يوجز الطالب الحديث عن أوضاع بلاد المشرق في نهاية عصر المأمون وعلاقة أخيه المعتصم بالله به...كما يمكن الحديث عن العصر العباسي الأول بشكل مختصر يتم فيه التعرض إلى المكانة التي بلغتها بغداد في عصر الخلفاء الأقوياء سياسيا واقتصادية وثقافيا في فقرة لا تتعدى 8 أسطر (03ن).                                                            

العرض: وفيه يتعرض الطالب إلى الحياة التعليمية والعسكرية للمعتصم وأبرز محطات    حياته (218-227هـ)...ثم يسهب في الحديث عن أوضاع بلاد المشرق الإسلامي سياسيا واقتصاديا وعمرانيا وثقافيا وعسكريا مركزا على النقاط التالية: كل عنصر (03ن).                                                                                                                          

- إدخال المعتصم بالله للعنصر التركي ودوره في تجاوز النزاع العنصري بين العرب والفرس داخل الجيش العباسي....وعدم تدخله في أمر المعتزلة ومواصلة التشديد على المخالفين لما أقره أخوه المأمون...

- إخماد الثورات في الأقاليم ومنها ثورة قبائل الهنود الزط 220هـ...والقضاء على حركة بابك الخرمي سنة 223هـ والقضاء على زعيمها بابك الخرمي....

- فتح مدينة عمورية أسبابه ونتائجه سنة 223هـ....مع ايجاز تفاصيل عملية الفتح ومراحلها... وأشهر القادة الأتراك الذين أسهموا في الحملة العسكرية...( الأفشين ...أشناس..).

- بناء مدينة سامراء ( سر من رأى ) بتاريخ227هـ على ضفاف نهر دجلة...عاصمة عسكرية...

- وفاة المعتصم بالله 227هـ وخلافة ابنه الواثق بالله .(01ن).

الخاتمة: رأي الطالب حول أوضاع بلاد المشرق في عصر المعتصم بالله ودوره في تغليب العناصر التركية في الجيش العباسي وتأثير ذلك على سلطة الخليفة ...(01ن).  

الوضوع الثاني: مقدمة: وفيها يوجز الطالب الحديث عن أوضاع بلاد المشرق في نهاية عصر المعتصم بالله وابنه الواثق بالله...كما يمكن الحديث عن العصر العباسي الأول بشكل مختصر يتم فيه التعرض إلى المكانة التي بلغتها بغداد في عصر الخلفاء الأقوياء سياسيا واقتصادية وثقافيا في فقرة لا تتعدى 8 أسطر (03ن).  العرض: وفيه يتعرض الطالب إلى وفاة الواثق وأبرز محطات حياة أخيه المتوكل على الله (232-247هـ)...ثم يسهب في الحديث عن أبرز ما عرفته الخلافة العباسية في بداية حكمه مركزا على النقاط التالية:  كل عنصر (02ن).:                                                                       

- في عهده ازداد نفوذ الأتراك وتعسفوا في استعمال سلطتهم...                                                                                                  

- إظهار المتوكل ميله إلى أهل السنة ونصر أهلها..وإنهائه لفتنة القول بخلق القرآن..إخراجه للسجناء من الفقهاء ومنهم المحدث أحمد بن حنبل...

- كثرت الزلازل بين سنتي 242-245هـ...فعم الخراب وتضررت البلاد...

- عقد الولاية لأبنائه الثلاثة ( المنتصر ثم المعتز ثم المؤيد )...

- محاولة المتوكل السيطر على نفوذ العناصر التركية والحد من سطوتهم (إيتاخ)...

- انتقال المتوكل إلى دمشق وسببه...

- دور القادة الأتراك  "وصيف وبغا " في التدبير لقتل المتوكل بمساعدة ابنه المنتصر ودوافع ذلك...

- مقتل المتوكل سنة 247هـ وتفاصيل خبره...وبداية تمكن الأتراك من السلطة وظهور الدول المستقلة.

الخاتمة: رأي الطالب حول أوضاع بلاد المشرق في عصر المتوكل وتأثير تغلب العناصر التركية على منصب الخلافة...(01ن).