التسليم بحتمية الافتراضات النظرية و بناء أبحاث و دراسات من منطلق نظري بعيدا عن الواقع الميداني، من خلال تجاوز مبادئ البحث الميداني و تعويضه بالبناء النظري من تفسيرات و تحاليل مستنبطة من مفاهيم نظرية تم إنتاجها في بيئة مغايرة لبيئة مجتمع الدراسة، واجد قطيعة بين الأبحاث في ميدان علم الاجتماع و واقع المجتمعات على غرار المجتمع الجزائري.
ولتجاوز هذه القطيعة تثبت دراسات الأستاذ جمال الدين غريد نجاعة أسلوبه النقدي القائم على عدم تقديس و التسليم المطلق بالتفسيرات النظرية الجاهزة ولكن التعويل على البحث الميداني بهدف تكيف تلك المفاهيم النظرية وطبيعة المجتمع الجزائري، فهو لا يسعى للطعن في صدق التنبؤات و التفسيرات النظرية في ميدان علم الاجتماع، لكنه في المقابل لا يؤمن بعمومية التفسيرات النظرية على المجتمعات النظرية المختلفة في بنائها الثقافي و الاجتماعي.
ومن منطلق الفيلسوف baruch spinoza "لا تضحك لا تبكي لا تكره ولكن حاول فقط أن تفهم" قدم جمال الدين غريد كتابه بعنوان « l’entre en sociologie _les limites de l’universel européen »
وفق الأستاذ غريد علينا أن ندرك حدود النظريات الاجتماعية أفاق تفسيراتها و مفاهيمها، إذ تدفعنا الموضوعية لتدارك حجم الاختلاف بين المجتمع الأوربي نبع معظم النظريات و الإيديولوجيات في ميدان علم الاجتماع و المجتمعات الإنسانية الأخرى.
أمام هذا المركب المنهجي بين حدود النظرية الاجتماعية و خصوصية المجتمع المحلي حاول الأستاذ جمال دين غريد في كتابه سابق الذكر امتحان النظريات الاجتماعية الكبرى بين واقع الميداني للمجتمعات الغربية، و الواقع الميداني لمجتمعات عالم الجنوب في إطار نقد الفكر الاجتماعي.
الديمقراطية، التصنيع في قالبه الحالي، الاشتراكية، إتناج فكري غربي تحتم على عالم الجنوب تبني هذه المفاهيم، ولكن حسب جمال دين غريد تكللت هذه التجارب في معظم مجتمعات الجنوب بالفشل، وهو ما دفعه لطرح إشكالية هذه التجارب في الجزائر وناقشها ضمن ثنائية الحداثة والتقليدي في دراسة بعنوان: l’exception algérienne la modernisation à l’épreuve de la société مبتدأ بسؤال في مدخل الكتاب: كيف وصلنا لهذه الحالة
المجتمع الجزائري و ثنائية التقليدي و الحداثة
السيرورة التاريخية للمجتمع الجزائري شهدت أحداثا استثنائية أربكت البناء الثقافي و الاجتماعي للجزائريين، ولعل أهم استثناء هو الاحتلال الفرنسي للجزائر وان كان ظاهريا احتلال عسكريا فالكامن في جوهر هذه الحملة كان مسعا ثقافيا وديني، لذلك يرى الأستاذ غريد "هناك قبل و بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر وهو الحدث الذي قسم الجزائر العربية الإسلامية إلى قسمين"[1].
صدمة الاحتلال الفرنسي للجزائر كان لها امتدادات ما بعد الاستقلال على عديد الأصعدة، عملت ترسبات نشاط الاحتلال على إحداث عناصر ثقافية دخيلة في المجتمع الجزائري و في بعض الحالات متناقضة مع العناصر المحلية، فمحاولات الاحتلال الفرنسي إعادة إنتاج ثقافة جديدة للمجتمع الجزائري تحت وطأة القهر أهم عناصر هذه الثقافة اللغة الفرنسية، الدين المسيحي، قيم و معاير الغربية، و لتتمكن من ذلك أتهجت سياسات تدميرية تجاه ثقافة الأهالي كمنع تعليم اللغة العربية و تعاليم الدين الإسلامي وذهبت لإحداث نوع جديد من الإبادة تغير أسماء الجزائريين المصطلح موجود فقط في اللغة الفرنسية، التضييق على الكتاتيب و الزوايا أهم مؤسسة في عملية التنشئة الثقافية للمجتمع الجزائري.
لم تنجح فرنسا الاحتلال في إبادة الثقافة المحلية كما سعت وهنا تجدر الإشارة لما كتب في النصب التذكاري في سيدي فرج بمناسبة مؤوية الاحتلال" الجمهورية الفرنسية أعطت لهذا البلد السعادة و الحضارة مع العدالة"و كلمة الحضارة تحمل في طياتها الخطط الثقافية التي استهدفتها فرنسا اتجاه الجزائر، تكلل هذا المسعى في خلق عناصر ثقافية جديدة.
الواقع الذي فرض على المجتمع الجزائري بين عناصر ثقافية محلية و أخرى نتاج للاحتلال والتي أصبحت جزء من ثقافتنا، يتجلى في وجود تيارين على صعيد النخب الجزائرية تيار معرب اللسان و إسلامي القيم و المعاير و الاتجاهات، و تيار مفرنس اللسان و غربي القيم و الاتجاهات، جسدها الأستاذ غريد على مستوى الفاعلين في شخص الأمير عبد القادر و في الطرف الأخر حمدان خوجة و بين ابن باديس يقابله مشروع فرحات عباس ولازالت هذه الثنائية تتجلى في الجزائر المعاصرة من خلال خطابات الثنائية الحدثي و التقليدي التي اتخذ منها الباحث غريد وحدة تحليل لفهم المجتمع الجزائري و قضاياه الجوهرية التصنيع، الجامعة، نظام التعليم، علم الاجتماع.
[1])djamel guerid, l’exception algérienne la modernisation à l’épreuve de la société,casbah edition, alger, 2007
- Enseignant: BOUZIANE Abdennour
سعيد شيخي: مسألة الحداثة و علاقتها بالتنمية
هناك سؤال جوهري شكل المنطلق الأساسي لأبحاث الأستاذ و عالم الاجتماع سعيد شيخي هل واكبت ثقافة المجتمع الجزائري المشروع التنموي بعد الاستقلال القائم على التصنيع المستورد من نماذج صناعية في المجتمع الغربي المتسمة بالحداثة أم عجزت عن التكيف؟
الحداثة اختزلت في الآلة و تحاشت الإنسان
المغزى من هذا الطرح هو تفكيك التشابك بين مسألتين جوهرتين التقليدي و الحداثة و محل المجتمع الجزائري من هذه المعادلة، هل يندرج ضمن خانة التقليدي أو الحداثي، و التصور الأولي للأستاذ سعيد شيخي أن المجتمع الجزائري تمرد ظاهريا عن بعده التقليدي بتبني التصنيع و التنمية وفق النموذج الغربي، والانتقال من حقل الفلاحي إلى مصنع الحجار بعنابة (أبرز معالم السياسة التصنيعية في الجزائر بعد الاستقلال)، لكن هذا التمرد لم ينجح في سقل المجتمع الجزائري على شاكلة المجتمعات الصناعية الحداثية.
وكوحدة تحليل أساسية لاعتبارات منهجية خاصة بالأستاذ سعيد شيخي المتبني للتفسير الماركسي، وضع المسألة العمالية ، الطبقة، المصنع، حجر أساس لفهم طبيعة المجتمع الجزائري و دعم هذي النظرة بدلائل علمية تشرع هذا الاختيار في دراسته بعنوان المسألة العمالية و العلاقات الاجتماعية في الجزائر ويرى أن هناك دافعين لدراسة المسألة العمالية في الجزائر
أولا: دراسة المسألة العمالية تشكل امتحان حقيقي للعلاقات الاجتماعية في الجزائر، وتستدعي مناقشة العديد من القضايا و على مستويات مختلفة للنظام الاجتماعي مثل تكوين الجماعات العمالية و علاقتها بالمؤسسات المكونة، وشبكة المؤسسات الضابطة لسلوكياتهم المعاير و النماذج المطلوبة للعمل[1].
في خضم تحليل المسألة العمالية نتعقب تطور العلاقات الاجتماعية في الجزائر باعتماد على تاريخ الجماعات العمالية و طريقة تشكلها، و أبعاد سياسات التسيير المنتهجة المصنع وما ينبثق على ذلك من تأثيرات اجتماعية و ثقافية
ثانيا: حسب الأستاذ سعيد شيخي الدافع الثاني لدراسة المسألة العمالية يتمثل في دراسة قدرة العمل الجماعي لفئة الجماعات العمالية و درجة تأثيرها في مجالات حيوية مثل دمقرطة المجتمع الجزائري في شقه السياسي و الاجتماعي، كفاعل له هامش حرية التأثير إلى جانب الدولة وليس تحت سيطرة الدولة.
توصل الأستاذ سعيد شيخي في دراسة المسألة العمالية إلى النتائج التالية:
لا ينظر للعامل الجزائري كشريك اجتماعي أو كجزء من التغيرات الهيكلية الاجتماعية الحاصلة في المجتمع الجزائري، وذلك راجع في الأساس لجذور الأزمة الاجتماعية و الاقتصادية في الجزائر المتمثلة في كون الخطط التنموية المنتهجة تنبع وفق سعيد شيخي من إرادة سياسية بحتة وفي الغالب تكون سياسة شعبوية وليست انعكاس لمتطلبات اقتصادية و اجتماعية الدليل على ذلك عند تتبع مسار تبني السياسات التنموية في الجزائر نجد أنها تتغير ليس لفشلها ولكن عندما تتغير أجزاء النظام السياسي مثل ما حدث بعد وفات الرئيس الراحل هواري بومدين تم التخلي عن السياسات التنموية السابقة و تعويضها بسياسات معاكسة فرضتها الحاجة السياسية.
النظام التقني المنتهج في عملية الإنتاج و التسيير تجرد العامل الجزائري من هوية العمل، وذلك لان النظام التقني للإنتاج مستورد من نماذج غربية و وضع وفق متطلبات المجتمع الغربي، وهو ما يفرض على العامل الجزائري سلوكيات و معاير لا تتماشى و الثقافة الجزائرية، الأمر الذي يؤدي حتما وفق الأستاذ سعيد شيخي لمقاومة العمل وهو موضوع مقالة قدمها سعيد شيخي العنوان الأصلي" les ouvrier face au travaille » يبن في هذه المقالة كيف يقاوم العامل الجزائري العمل ليس بهدف تعطيل عجلة التنمية أو انه يبغض العمل ولكن نتيجة عدم وجود تناسق بين العمل و الطبيعة الاجتماعية و الثقافية للفرد الجزائري، أي بين نموذج عمل(التسيير التخطيط) صيغا حسب متطلبات و خصوصية فرد في مجتمع غربي حداثي، وبين فرد تتميز ثقافته بالتوجه التقليدي، لم تتكيف الثقافة الجزائرية مع نموذج التصنيع المتبنى بعد الاستقلال وكانت عائق لتحقيق نجاعته، وسبب ذلك لا يكمن في الثقافة ذاتها وإنما في عملية تطبيق النموذج التنموي الذي أخذ منحى متسارع تغاضى تهيئة الفرد التدريجية لتقبل التغيرات الطارئة.
[1]Said chikhi ,question ouvrière et rapport sociaux en Algérie. thèse de doctorat,paris7,theses.fr,1986,p
- Enseignant: BOUZIANE Abdennour
عالم اجتماع و باحث جزائري وضع بصمته الفكرية و المنهجية في ميدان علم الاجتماع من خلال غزارة إنتاجه الفكري و دقة البناء المنهجي لأبحاثه و دراساته ليؤسس بناء على هذه الثنائية لعلم اجتماع جزائري، ضبط إلى جانب كوكبة من الباحثين الجزائريين بوصلة البحث السوسيولوجي و اللبنة الأساسية لمنهجية و فكر اجتماعي يواكب خصوصيات و تطلعات المجتمع الجزائري، بعيدا عن التعميمات النظرية و الإيديولوجية التي لا تراعي الفروقات الثقافية و الاجتماعية للمجتمعات الإنسانية و تقدم في المقابل التفسير الأوحد الغير قابل للتعديل و التكيف.
أنخرط على الكنز مباشرة بعد إتمامه تكوينه الرسمي بين مدينة سكيكدة مسقط رأسه و مدينة قسنطينة حيث التحق بمدرسة المعلمين تخصص فلسفة ثم تكوينه الجامعي بالجزائر العاصمة تخصص علم اجتماع، ليتولي بعد التخرج وظائف إدارية أهم محطاتها تعينيه أستاذ معيد في قسم الفلسفة بجامعة الجزائر 1969_1972 ثم أستاذ متعاقد بقسم علم الاجتماع 1974_1979 بعدها أستاذ بمعهد العلوم السياسية بجامعة الجزائر 1984.
علي الكنز ماركسي منفتح
نلاحظ من خلال أفكار الأستاذ علي الكنز في كتباته و أبحاثه أنه ينتهج التفسير الماركسي كإطار منهجي كونه يتلاءم و طبيعة المجتمع الجزائري و المجتمعات العربية عموما في الحقبة التي عايشها الأستاذ علي الكنز، و كا برديغم يشمل مكانيزمات تحليلية و منهجية قادرة على فهم و تفسير العديد من الظواهر الاجتماعية في مجتمعاتنا، فالمقاربة الماركسية تتوافق في طرحها و طبيعة البناء الاجتماعي و الاقتصادي للمجتمع الجزائري نظرا للعديد من المعطيات أهمها:
1) تبني الدولة الجزائرية بعد الاستقلال للنهج الاشتراكي في تسير الشأن الاقتصادي و المؤسسات الصناعية الكبرى و رسم خطط التنمية و الانعكاسات الاجتماعية و الثقافية لهذا النهج، وهو ما يدفع الباحث في ميدان علم الاجتماع المهتم بدراسة المجتمع الجزائري للارتكاز على النظرية الماركسية في فهم البناء الاجتماعي و الثقافي باستخدام أدوات التحليل المنهجية لنظرية الصراع( الملكية العامة، البروريتارية، الوعي الطبقي ....)
2) شهد المجتمع الجزائري في القرن الماضي العديد من الأحداث المتتالية التي رسمت ملامح مجتمع غير مستقر اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا، بعد قرن و ثلاثين سنة من الاستعمار كانت له انعكاسات مست جل المستويات، و المرحلة التي عايشها علي الكنز مرحلة الاستقلال و البناء شهدت مجموعة من الصراعات الداخلية بين عناصر ثقافية مختلفة تجسدت في ثنائية التقليدي و الحداثة، أمام هذا الواقع الثقافي و الاجتماعي تبنى الأستاذ علي الكنز التنظير الماركسي لفهم طبيعة الصراع داخل المجتمع الجزائري.
3) الانتماء الجنوبي للجزائر و المقصود بالجنوب هو الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية الذي تنتمي إليه الجزائر فكريا و حضاريا و في المرحلة التي عايشها علي الكنز كان الجنوب اشتراكي و تتميز بيئته الثقافية الاجتماعية بميكنزمات تتوافق و النظرية الماركسية التي دعي إليها على الكنز في ميدان علم الاجتماع لتقوية جسور الترابط جنوب جنوب إلى جانب الأستاذ أمين سمير و المناضل اللبناني مهدي عامل[1]
كل هذه المعطيات الموضوعية ساهمت في تبلور منهجية علي الكنز التي مزجت بين أفكار النظرية المركسية و خصوصية المجتمع الجزائري، أي أن الأستاذ علي الكنز بقدر ما أسقط التحليل المنهجي لنظرية الصراع على المجتمع الجزائري بقدر ما عمل على تلين و تكيف هذي النظرية و الخصوصيات الثقافية و الاجتماعية للمجتمع الجزائري، و من هذا المنطلق دعي الاستاذ الكنز الباحثين العرب للابتعاد عن الدوغماتية في قوله" قد نجد ماركسي القاهرة أكثر قطعية من نظرائهم الماركسين في برلين، وأتباع النظرية الوظيفية في الرباط أكثر تشددا من أصحابها في نيويورك",
فهو يرى أن الصراع محرك التاريخ لكنه يدرك أن إسقاط الصراع الطبقي الذي حدده كارل ماركس في الصراع بين الطبقة البرجوازية و طبقة البروريتارية على المجتمعات الجنوبية و خصوصا العربية بينها المجتمع الجزائري بأنه دوغماتية تربك موضوعية التحليل السوسيولوجي، واقترح علي الكنز في هذا الشأن تكيف النظريات وفق خصوصيات المجتمعات الغير غربية، مثلا لا يوجد صراع بين الطبقة البورجوازية و البروريتارية في المجتمع الجزائري لكن ذلك لا يعني التخلي عن نظرية الصراع بل يوجد أنواع أخرى من الصراع داخل المجتمع الجزائري كالصراع بين أنصار الحداثة و أنصار التقليدي أو بين النخبة الناطقة بالفرنسية و المعربة ، وهو ما يشكل مادة أساسية لنظرية الصراع.
ثنائية الميدان و دقة اللغة
أوصلت هذه الثنائية التي تبناها الأستاذ علي الكنز في صياغة أبحاثه و دراساته، لنتائج علمية دقيقة في ميدان يشهد الكثير من الدارسات السطحية المفعمة بالحشو اللغوي الذي لا يراعي حدود الفكرة والموضوع و يستهدف فقط تضخيم عدد أوراق البحث و هو ما يعارضه و انتقده الأستاذ علي الكنز في الأبحاث السوسيولوجيا خاصة المكتوبة باللغة العربية، أما الشق الثاني الذي يعول عليه الكنز ويرى أنه مفقود في أبحاثنا هو الميدان إذ تتبنى معظم الأبحاث الصادرة عن الجامعات في الوطن العربي المفاهيم النظرية الجاهزة و التفسيرات القبلية وهو ما جعل معظم الدراسات إعادة رسكلة للدراسات السابقة.
تعتبر دراسة علي الكنز بعنوان "التجربة الصناعية في الجزائر" 1987 نموذج يقتدي به في الالتزام المنهجي و تسلسل الأفكار و سلاسة اللغة، بحيث اعتمد الباحث على عينة مضبوطة تتكون من خمسة أشخاص عايشهم لمدة خمس سنوات بهدف تحليل علاقة الموظف ببنية العمل من خلال مقابلات عميقة استقى منها نتائج رسمت ملامح علم الاجتماع الصناعي في الجزائر أهم هذه النتائج ربطها علي الكنز بمتغيرين التسيير الإداري التكنولوجية
[1]8)مهدي عامل هو حسن عبد الله حمدان مفكر و فيلسوف و مناضل ماركسي لبناني درس في دار المعلمين بمدينة قسنطينة أين تلقى بعلي الكنز تم اغتياله في لبنان سنة 1987.
- Enseignant: BOUZIANE Abdennour
أخذ على عاتقه مشروع الحضارة و بحث معمقا في أسبابي أفولها في العالم الإسلامي و ممكنات ازدهارها من جديد، وسخر لهذا المسعى إنتاجا فكريا ملتزما بمنهجية علمية استنبطها من تكوينه الأكاديمي في تخصص علم الكهرباء ، وكان لهذا دورا في إضفاء الدقة و البساطة في طرح أفكاره و قوة التناسق بين متغيرات ظاهرة الحضارة (التخلف، النهضة، الثقافة، الأفكار....)
كما عول على رصيده المعرفي في بناء صورة متكاملة حول واقع العالم الإسلامي و تاريخه ليس فقط بالاعتماد على التثقف و البحث، و إنما كذلك من خلال التمثلات المعيشية كشاهد على القرن و هو عنوان مذكراته، لمواكبته العديد من الأحداث المصيرية في الجزائر و العالم الإسلامي، وتنقله من الحجاز إلى القاهرة ومن طرابلس إلى الجزائر مثلت هذه المحطات فرصة لمالك بن نبي للاطلاع على مجريات الأحداث في معظم أجزاء العالم الإسلامي، أما الضفة الثانية العالم الغربي كانت تجربة بين أحقاد ماسينيون[1] و الذي يمثل الجانب المظلم للحضارة الغربية وما تحمله من معاني سلبية: الاستعمار، الحروب، تفكيك و تدمير المجتمعات، في القابل تمثل زوجته التي تعرف عليها داخل أسوار الجامعة الجانب الإنساني لهذه الحضارة كما أوردا مالك بن نبي في كتابه العفن.
كل هذه المعطيات أسست لفكر مالك بن نبي القائم على تشريح ظاهرة الحضارة علميا و تاريخيا بهدف تحليل أسباب التدهور الحضاري في العالم الإسلامي، وضبط مقومات النهضة لإعادة بعث الإشعاع الحضاري.
)لويس ماسينيون: مستشرق فرنسي مقرب من الإدارة
الاستعمارية تحدث عنه مالك بن نبي في مذكراته العفن و دوره في التضييق على الطلبة الجزائريين
و محاولة زرع الفرقة بين الجزائريين و المغاربة. جذور نظرية الحضارة لمالك بن نبي قدم مالك بن نبي تصورا متكاملا حول ظاهرة الحضارة محاولا
الجمع بين بساطة الطرح و دقة الأفكار لتفادي التعقيد الملم بهذا الموضوع، و
تراكمات الأبحاث و التصورات السابقة التي
كانت في مجملها فلسفية تعاملت مع ظاهرة الحضارة كمفهوم غامض غير قابل للتجزئة لذلك
في إطار بحثه المعمق ارتكز مالك بن نبي على ثلاث مقاربات حول الحضارة أو لها علاقة
بالحضارة : أولا: فكر ابن خلدون و نظرية نشوء الدولة أسس ابن خلدون نظرية الدولة وفق التفسير
الدائري من نشوء و تأسيس، قوة و ازدهار، أفول و اندثار، وهي نفس الدورة الطبيعية
للكائن البيولوجي، ويرى ابن خلدون أن نشوء الدولة مرتبط بعنصر أساسي و هو العصبية
حافز التأسيس و التشييد، و يشير هذا المصطلح إلى الصلة الدموية و القرابة التي
تجمع الأفراد و الجماعات و تقوي تماسكهم "وذلك أن صلة الرحم طبيعي في البشر
إلا في الأقل ومن صلتها النصرة على ذوي القربى و أهل الأرحام إن تصيبهم هلكة فإن
القريب يجد في نفسه فضاضة من ظلم قريبه أو العداء عليه"[1]. وفق ابن خلدون العصبية هي اللبنة الأساسية
لتشكل الدول و بزوغها، وعندما تندثر العصبية تفقد الدولة عناصر التماسك مما يعجل
عملية انهيارها، وان تحاشى مالك بن نبي فكرة العصبية في قيام الحضارة إلا انه تبنى
نفس مبدأ ابن خلدون حول ضرورة وجود عنصر محفز للنشوء وهو ما يسميه مالك بن نبي
الفكرة الدينية، إذا تتلاقى نظرية الدولة لابن خلدون و نظرية الحضارة لمالك بن نبي
في عنصر التحفيز المسؤل عن عملية البناء و البزوغ. ثانيا:جوزيف أرنولد توينبي الحضارة و الدين arnold toynbee قضى توينبي قرابة أربعين سنة في تأليف كتابه
دراسة للتاريخ a study of history 1934_1961 قدمه في 12 مجلد، إذ جعل من الحضارة لب
الموضوع و قدم نظريته الشهيرة "التحدي و الاستجابة" التي تعود جذورها
لفكرة عالم النفس السلوكي carl jung مفادها
"يتعرض الأفراد لازمات وبعد مرحلة الصدمة تأتي مرحلة رد الفعل التي تكون عن
طريق ناهجين إما تصرف سلبي وهو عدم مواجهة التحدي و الركون للماضي أي محاولة
التمسك بمرحلة قبل الأزمة، أما النهج الايجابي وفق carl jung يتمثل في مواجهة
التحدي و العمل على إيجاد حلول ناجعة. يري توينبي أن الجماعات البشرية تمر بنفس
المسار، تتعرض لتحديات فتسلك سبل مختلفة، إما تستجيب إجابة إيجابية و تواجه هذي
التحديات و هو مسار بزوغ الحضارة، أو ترضخ لتلك التحديات و تبتعد عن مسار الحضارة،
وهو ما لاحظه توينبي في تشكل أولى الحضارات البشرية. كانت البداية عن طريق تعرض
منطقة الشرق الأوسط حاليا لتحديات مناخية حيث كانت التجمعات البشرية البدائية تعيش
في سهوب خصبة و مراعي واسعة، إلا أن تحدي مناخ حولها لمناطق صحراوية فرضت على
الجماعات البشرية واقع جديد وكان دافعا للبعض منها للانتقال الى مناطق أخرى
واكتشاف و تطوير طرائق الزراعة فتأسست الحضارات الأولى في العراق و سوريا (
السومرية، البابلية، الأشورية) وفي مصر(الحضارة الفرعونية)أي أن مواجهة التحدي و الاستجابة
الايجابية هي منبع الحضارة. ويرى تويني في الشق الثاني من نظريته محورية
الدين و خاصة الديانات السماوية في تشكل الحضارات، "وينتهي إلى نتيجة مفادها
أن الأديان العلية ليست مسؤولة عن هلاك أي حضارة"[2]
، ولعل تعليله لذلك أن الحضارات التي استمرت إلى وقتنا الحالي كلها مرتبطة بالدين
مثلا الحضارة الإسلامية منبعها الدين الإسلامي، الحضارة الغربية منبعها المسيحية
كما الحضارة الهندية و الدين الهندوسي. و وفق توينبي تنهار الحضارة عند غياب
الاستجابة و الابتكار. يلتقي طرح توينبي حول الحضارة و رؤية مالك بن
نبي في محورية الدين كعامل تماسك لظاهرة الحضارة ثالثا: اسوالد شبنغلر الحضارة و المدينة oswald spengler يقوم تصور شبنغلر للحضارة انطلاقا من مبدأ
الكائن البيولوجي يولد جبريا أي فوق إرادته وهو نفس قدر الحضارة( كون شبنغلر يتبنى
الفلسفة الجبرية نحن لا ندرك أسباب الحقيقية لظهور الحضارة بل هي مسألة جبرية)، ثم
ينتقل الكائن البيولوجي الى مرحلة الشباب تقابلها في طور الحضارة مرحلة القوة و
الازدهار وأعلى درجات التمدن، وهي المرحلة السابقة لشيخوخة الحضارة و اندثارها،
حسب شبنغلر" إن المدينة هي المصير المحتوم للحضارة، المدينة بوصفها نتيجة
منطقية جوهرية مفهومة و تحققا متكاملا و نهاية لمطاف الحضارة"[3]. يتفق مالك بن نبي مع نظريو شينجلر أن مرحلة
العقل في مراحلها المتقدمة و التي تقابلها مرحلة التمدن عند شبنجلر تؤدي حتما
لاندثار الحضارة. [1]3)عبد الرحمن إبن خلدون،العبر و ديوان المبتدأ و
الخبر في أيام العرب و العجم و البربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الاكبر.دار
الكتاب اللبناني،1983،ص226 )يعقوب مختار بوشيبة محمد،الحضارة و التجربة
الدينية عند أرنولد توينبي.مجلة الإحياء،العدد28،2021،ص343. [2]
[3] )اسوالد شبنغلر، تدهور الحضارة الغربية.ترجمة:أحمد
الشيباني،دار مكتبة الحياة للنشر،د،ت،ن، العدد1، المجلد8،ص78. مالك بن نبي ناتج الحضارة و مراحلها "الحضارة هي مجموع الشروط الأخلاقية و
المادية التي تتيح لمجتمع معين أن يقدم لكل فرد في كل طور من أطوار وجوده منذ
الطفولة إلى شيخوخة المساعدة الضرورية لنموه"[1].
الحضارة ظاهرة تمس مجمل مناحي الحياة و تواكب تطلعات و مطالب الأفراد ، فهي وعاء مادي أخلاقي يهدف لخدمة الأفراد و
تنميتهم، ولخصها مالك بن نبي في ثلاثة مشتركة تساوي الناتج الحضاري وهي الإنسان، التراب،
الوقت، ومثال المصباح يوضح انسجام العناصر الثلاثة " في المصباح مثلا يوجد
إنسان خلق العملية الصناعية التي يعد المصباح ثمرتها و التراب في عناصره موصل و
عازل و هو يدخل في نشأة الإنسان العضوية، و الوقت يبرز في جميع المعطيات، وهو ينتج
المصباح بمساعدة عنصرين الإنسان و التراب"[2] وان
مثلت هذي العناصر الثلاثة المكونات الرئيسة للحضارة وفق مالك بن نبي، فهي لا تعدو
أن تكون عناصر متفرقة في حالة جمودها، لذلك هي بحاجة لمحفز يحولها لفواعل منسجمة،
و الفكرة الدينية هي أصل التحفيز فالحضارة تنشئ عندما تبزغ الفكرة الدينية و تمهد لما
يسميه مالك بن نبي مرحلة الروح أو مرحلة التأسيس. الفكرة الدينية مثل ظهور الدين الإسلامي
وتحويله لقبائل متشتت لحضارة مس إشعاعها العلمي و الثقافي العالم، وكتبت بانجازاتها
قسما من تاريخ تطور البشرية، ولا يعني ذلك أن الفكرة الدينية دائما تكون في شكل
دين سماوي، قد تكون معتقد أو أفكار ترقى عند أصحابها لمستوى الدين مثل
الإيديولوجية الشيوعية، وتعمل الفكرة الدينية على تحفيز روح الإنسان ليرقى لمراتب
متقدمة من الأخلاق و السمو و تعلو الروح على العقل و الغريزة وينسجم الإنسان و
التراب و الوقت ليشكل حضارة ، وفي الحضارة الإسلامية بدأت هذه المرحلة مع بزوغ
الدين الإسلامي و هجرة النبي محمد صلى الله عليه و سلم وتأسيسه للمدينة أصل
الحضارة،و استمرت إلى غاية معركة صفين أين غلب العقل و المصلحة الروح، وهي بدية
المرحلة الثانية مرحلة العقل أين يعلو العقل على الروح وتطفو على الإنسان المصلحة
و الذاتية و يميزها في شقها الايجابي الازدهار و التطور و الرقي العلمي و الأدبي
ويظل الإنسان يبحث في هذه المرحلة على الكماليات و وسائل الرخاء التي يوفرها العقل
على حساب ضعف الفكرة الدينية مقارنة بمرحلة الروح، وهو ما يمهد لمرحلة الغريزة
فيصبح هدف إشباعها هو الهدف الأعلى في المجتمع و تبدأ بوادر الاندثار باختفاء
الفكرة الدينية وجمود العناصر الثلاثة
الإنسان التراب الوقت.
- Enseignant: BOUZIANE Abdennour