ينفرد الإنسان عن المخلوقات الأخرى بقدرته على صنع الثقافة، كما ينفرد كلّ مجتمع بشري بخصائص ثقافية تميّزه عن باقي المجتمعات، وتتضمن ثقافة المجتمع وجهة نظر أفراده عن السلوك الفردي وموقفه من الآخرين، وتفضيلاته المتنوعة، وهي نتاج ما يختزنه الفرد من القيم والاتجاهات والمعايير عن طريق عملية التنشئة الاجتماعيّة، ونظرًا إلى القدرات الإبداعيّة الإنسانيّة فإنّه لا يكتفي بالتّعلم واكتساب ثقافة أجداده فحسب، بل يضيف إليها أشكالاً سلوكيّة مختلفة، ما يبعد عن أفراد البناء الاجتماعي الواحد صفة التطابق الكلّي، ويسمح لكلّ فرد بتشكيل نمط شخصيته المتفردة، ما يعني أنّ الإنسان كائن ثقافي، وعملية التحوّل الثقافي قد بدأت قبل ملايين السّنين، وانطوت في جوهرها على الانتقال من التكيّف الوراثي مع البيئة الطبيعيّة إلى التكيّف الثقافي، مع تراجع وطأة الغرائز وحلول الثقافة تدريجيًا محلها؛ فالتقسيم الجنسي للأدوار والمهام في المجتمعات البشرية قد نتج أساسًا عن الثقافة، حتى اعتقد البعض أن الإنسان لا يملك أيّ شيء طبيعي خالص، حتى الوظائف البشريّة المرتبطة بالحاجات الفيزيولوجية كالجوع والنوم والرغبة الجنسيّة وما إلى ذلك تمليها ثقافة مجتمعه، وتحدّد كيفية تلبية تلّك الحاجات، بمعنى أنها تقوم بتوجيه سلوكه، لذا فإنّ أمر شخص ما بالتصرّف بشكلٍ طبيعي؛ ما هو في حقيقته إلاّ أمرٌ بالتصرّف وفق النّموذج الثقافي المنقول إلى ذلك الشخص.
من هذا المنطلق، ونظرًا لمحورية موضوع علاقة الفرد بالثقافة وأهميته في تخصصات العلوم الاجتماعية في عمومها تمّ تخصيص مادّة الفرد والثقافة ليطلع الطالب على المفهومين وما يحيطهما من مقاربات نظرية، ومفاهيم أخرى مشابهة، ويطّلع على مخلفات هذه العلاقة وتمظهراتها في واقعه المعيش.
ويشكّل هذا المقرر دعمًا بيداغوجيًا مُركزًا ودقيقًا وهادفًا ومتماشيًا مع طبيعة نظام LMD في التكوين الجامعي، يهدف إلى الإحاطة الشاملة بمحتويات هذه المادّة باعتماده على المحاور الثلاثة الأساسية، وتوجيه الطالب إلى الاطلاع على محتويات مراجع أخرى واتجاهات نظرية وإسهامات فكرية مختلفة ومتعددة لتوسيع معارفه ومداركه، وإكسابه القدرة اللازمة والمرونة المطلوبة التي تمكّنه من تخطي القوقعة الفكرية أو حدود المحاكاة الآلية، واكتساب متطلبات التفكير العلمي، والقدرة على الفحص والتحليل والمساءلة لجعله أشد ارتباطًا بواقعه الثقافي، وأكثر فهمًا لما يحدث حوله من تغيرات في مجتمعه وفي العالم.
- Teacher: DAOUD OMAR