المدخل: تابع 

أما عن المحتوى العربي فقد ظھر علم اللسانیات الحدیثة عند العرب في أواخر القرن العشرین، واستمد أصوله ومناھجه من النظریات اللسانیة الغربیة كعلم حدیث متصل بالعلوم الأخرى مثل الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع والریاضیات وقد كان لظھور اللسانیات بالغ الأثر على دعوات تجدید النحو وتیسیره علما بأن أزمة النحو لیست ولیدة العصر الحدیث، بل كانت موجودة على وقت النحویین القدماء معاصرة لھم، نجدھا متناثرة في الكثیر من الكتب التراثیة تدعو إلى تیسیر النحو وتتذمر منه ومن مسائل العویصة حتى صار  الناس یسخرون من النحویین ومن حججھم وضاق الشعراء بقیود النحو التي كبلتهم.

 وبرزت أزمة النحو العربي حین صار نوعا من التحلیل الفلسفي لم تراعى فیه طبیعة اللغة، فكثرت المسائل الخلافیة، وتم الاسراف في التفصیل والتفسیر والولوع بالاستشھاد والاحتجاج والتعلیل ومن أبرز المشكلات التي عانى منھا النحو التقلیدي٤:

.١كثرة التقدیر ونتج ھذا عن تعسف بعض النحویین في نظریة العامل أو القیاس، لأنھم جعلوا سبب كل حركة اعرابیة عاملا لفظیا أو معنویا ،ومن الصعب على النحویین أن یجدوا لكل حركة اعرابیة عاملا لفظیا یأتي قبلھا أو تستقیم لھم القاعدة دائما لیقیسوا علیھا ولھذا لجأوا إلى التقدیر في اختصاص أدوات الشرط بالدخول على الأفعال نحو: في قولھ تعالى: ((وإن أحد من المشركین استجارك فاجره حتى یسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنھم قوم لا یعلمون))،٥لماذا رفع أحد قالو: ھو مرفوع بفعل محذوف تقدیره (وإن استجارك أحد من المشركین استجارك).

وقولھ تعالىtriste(إذا الشمس كورت))٦ وسألتھم عن العامل الذي رفع كلمة الشمس أجابوك: أنه فعل مستتر تقدیره كورت فتصبح الآیة (إذا كورت الشمس كورت).

.٢اختلاف الأقوال في المسألة الواحدة لأن النحویین القدماء حین قعدوا قواعدھم أقحموا اللھجات العربیة بصفاتھا وخصائصھا المتباینة ونظروا إلیھا على أنھا صور مختلفة من اللغة المشتركة.

.٣تداخل المصطلحات وتعددھا للمفھوم الواحد والتباسھا مما أدى إلى الاضطراب وعدم الوضوح نحو: الخصومة بین البصریین والكوفیین في رفضھم لمصطلحات بعضھم مثلا نجد سیبویه یسمي عطف البیان بدلا، ویطلق الفراء التفسیر على ما یعرف عند البصریین بمصطلح المفعول لأجلھ ویطلقه أیضا على التمییز وھكذا ولا یتجاوز النحو العربي الوظیفي النحو التقلیدي تجاوزا جوھریا كبیرا، فھو یكتفي بالقواعد التقلیدیة التي تؤدي الوظیفة الأساسیة للنحو.