المبحث السادس/- المنهج الكمي و المنهج الكيفيي:

      ماهية المنهج الكمي و المنهج الكيفي

     إن طرق التحليل أو تجميع المتغيرات مختلفة جدا باختلاف المسائل المطروحة و المتغيرات المستخدمة فضلا عن ذلك، يستدعي كل منهج لتحليل المعلومات إجراءات تقنية خاصة.                                                           

المطلب الأول: مفهوم المنهج الكمي و الكيفي

الفرع الأول: التعريف بالمنهج الكمي و أهميته

      هو منهج مشتق في محتواه من المنهج التجريبي ويعتمد في مرجعيته على الملاحظة المباشرة من حيث: الترتيب –العدد – الوزن – المستوى – النسب – الحجم ...إلخ باستخدام الوسائل الإحصائية المناسبة وهناك بعض فقه من عرفه على أنه من البحوث المتحررة من كل ما هو داخلي، ويعتمد على ما هو خارجي قابل للملاحظة                                                                                                                            

الفرع الثاني: التعريف بالمنهج الكيفي و أهميته:

    هو مجموعة من الإجراءات المتبعة من طرف الباحث لتحديد الظاهرة محل الدراسة عن طريق:

-تحديد العبارات التي تدخل تحت تصنيف معين من الميول أو الأذواق أو الاتجاهات.

 – تحديد التصرفات و أنواع السلوك التي يمكن أن تنطوي تحت نمط معين من أنماط الشخصية الإنسانية.

 – تحديد المواقف الايجابية و السلبية وغير المكترثة من واقع إجابات معينة وفقا لموضوع معين....

وهناك من  الفقه من يعبر عنه: إمكانية تحويل المعطيات الوصفية إلى رتب قابلة للتصنيف

المطلب الثاني: أهداف كلّ منهج و تقنياته

الفرع الأول: أهداف المنهج الكمي و خطواته

    أولا/- الهدف من المنهج الكمي:  يهدف المنهج الكمي في الأساس إلى قياس الظاهرة موضوع الدراسة، و مثال ذلك محاولة الباحث معرفة أسباب ومدى تطور ظاهرة الهجرة الغير الشرعية في الجزائر وقياس نسبتها في السنوات العشر الأخيرة. ومحاولة الباحث معرفة مدى تطور أسعار الاستهلاك في الجزائر وقياسها منذ 05 السنوات الأخيرة.                                                                 

ثانيا/- إجراءات المنهج الكمي: على الباحث تجميع البيانات وفقا لخطة مدروسة، وتصنيفها وترميزها ثم تصبح الإجراءات سهلة للغاية من حيث تحليلها، أما التفسير فيحتاج إلى زيادة تمكين الباحث من بحثه وبالمراحل المختلفة له ومن استعابه له

الفرع الثاني: أهداف المنهج الكيفي و خطواته

     أولا/- الهدف من المنهج الكيفي: فهم الظاهرة موضوع الدراسة ومثال ذلك

تركيز الباحث على دراسة الحالة، فعندما يحاول معرفة العلاج للحد من ظاهرة الإرهاب عليه أن يبحث في معاني هذا المصطلح، تعريفه، مكنونه، شروطه، أسبابه ... الخ                                                                   

     ثانيا/- إجراءات المنهج الكيفي: يسعى الباحث من خلال المنهج الكيفي إلى إرساء قواعد عامة للظاهرة محل الدراسة ودراسة عينية لتعميمها على الكل عن طريق التحليل والتفسير

و يقصد بالتحليل الكيفي الوصول إلى تفسيرات موضوعية للمعطيات اللفظية التي يسفر عنها البحث، و قد يتصور البعض أن التحليل الكيفي لا يتطلب نفس الجهد المبذول في التحليل الكمي، و هذا التصور بعيد عن الصواب، إذ أن التحليل الإحصائي قواعده  و عملياته الرياضية التي لا تجانب الصواب على الإطلاق  عندما يتبع الباحث الخطوات و الإجراءات التي تتطلبها المعالجة الإحصائية في حين  أن تفسير المعلومات اللفظية عسير للغاية إذا لم توضع للباحث قيود على ذاتية الباحث، و حدود للربط و التركيب بالصورة التي تتلاءم مع موضوع البحث و أغراضه                                                                   

المبحث الثاني: مقارنة المنهج الكمي بالمنهج الكيفي

المطلب الأول: أوجه الاختلاف

*يعتمد المنهج الكمي على صيغ رياضية وبالتالي هو الأكثر صرامة ودقة من المنهج الكيفي.                                                                  

*النتائج المتوصل إليها في المنهج الكمي غير قابلة للنقاش، عكس النتائج التي تم التوصل إليها عن طريق المنهج الكيفي فتبقى خاضعة دوما للنسبية.

*إن تفسير المعلومات اللفظية في المنهج الكيفي أكثر صعوبة من تفسير المعلومات الإحصائية في المنهج الكمي.

*إن الطريقة الإحصائية في البحوث الاجتماعية باستخدام المنهج الكمي واحدة موحدة، على خلاف التحليل الكيفي سيلتزم تحديده وفقا لكل بحث وبحسب مضمونة.

       و هذه بعض نقاط الاختلاف التي توصلتا إليها الباحثتان، إلا أن الواقع يعكس تفاوتا بين هذين الاتجاهين- الكمي و الكيفي- من حيث أسلوب الإدراك المعرفي للظواهر الاجتماعية، حيث يستند التفاوت في هذا الأسلوب الى عنصرين: عنصر يعكس  تباينا بينهما في طريقة التفكير، و عنصر يستند الى تعارضهما في أسلوب التعبير عن نتائج هذا التفكير.                                           

       فالاتجاه الكيفي يسعى إلى إرساء قواعد البناء المنطقي لعلم الاجتماع، فيعمل على صوغ المفردات و وضع التفسيرات و القيام بالمشاهدات التجريبية، وهو في كل ذلك يجعل من وضوح الرؤية معيارا يسعى إلى تحقيقه.                             

         أما الاتجاه الكمي فانه يعمل على إرساء قواعد البناء المنطقي لعلم الاجتماع، و لكنه يتخذ من الدقة معيارا يحدد مسلك البحث الاجتماعي في مساره لإرساء  تلك  القواعد. و لهذا فهو يتناول ظواهر الواقع الاجتماعي ليحدد أبعادها الكمية، و يقيس مداها و يعبر عن ترابطها و تغيرها في صورة كمية                               

 المطلب الثاني: أوجه الترابط

      لقد حاولت نظرية التكامل المنهجي أن تحدث التكامل المنطقي بين المنهجين، وذلك لأن المصطلحات المعبرة عن الظاهرة هي من طبيعة كيفية، أما الأعداد والقياسات مهما كانت دقيقة لا تضيف شيئا للبحث إذ لم يكن هناك وصفا نوعيا عن طريق التحليل الكيفي وصولا إلى تفسير موضوعي للمعطيات اللفظية التي أسفر عنها البحث.                                                                   

إضافة إلى ما تقدم، فإن الظواهر الإنسانية ومهما كانت دقة القياسات الكمية المستعملة في قياسها، ستظل محتفظة ببعدها الكيفي، فعندما يتحدث المرء مثلا عن درجة الرضا عن العمل أو درجة النزعة المحافظة (conservatisme) لدى مجموعة بشرية ما، أو الازدهار في دولة ما، وهي كلها ظواهر لها قياسات حسابية، فإن المصطلحات المستعملة هي من طبيعة كيفية ونعود إلى حقائق إنسانية لا تستجيب أبدا للقياسات الكمية التي تمت تهيئتها من أجل ذلك. فالرضا والنزعة والمحافظة والازدهار مصطلحات تشير أصلا إلى تقدير الواقع، ويبقى الحساب ليس أكثر من مجرد تكميم

و عليه ينبغي على البحث العلمي أن يرفض زيف الثنائية المصطنعة للفصل بين الدراسات الكمية و الدراسات الكيفية، أو بين المدخل الإحصائي و المدخل غير الإحصائي في البحث الاجتماعي، في حين إن لتطابق الرياضيات في علم الاجتماع طابعا من الأهمية.

 

 ما نختم إليه في الأخير أن المناهج الكمية التي تعتمد على الصيغ الرياضية و على الواقع، و مدى أهمية استعمالها في العلوم الطبيعية لأنها الأكثر صرامة ودقة من المناهج الكيفية، قد أظهر العلم مدى أهمية استعمالها أيضا بالنسبة للعلوم الاجتماعية والإنسانية كعلم الاقتصاد الجغرافيا- الاجتماع – النفس – علم القانون والإدارة.                                                                          

و من هنا يظهر الاتصال المنطقي، والمستمر بين المنهجين المرتكز على معيار وضوح الرؤية (التحديد لأبعاد الظاهرة)، و معيار الدقة والانتقال منهجيا من الدراسة الكيفية المنظمة إلى الدراسة الكمية الدقيقة.                                 

 

·       


 

المبحث الأول/-المنهج الاستدلالي  (الاستقرائي)(الاستنباطي).

     المطلب الأول/-  مفهوم المنهج الاستدلالي و أنواعه:

       الفرع الأول/- مفهوم المنهج الاستدلالي:  هو المنهج الذي يتناول دراسة المسائل النظرية والفلسفية بهدف الوصول إلى حقائق المعرفة والقواعد العامة فالمنهج الاستدلالي هو منهج تحليل، لا يهدف إلى إثبات صحة الفرضيات فحسب، بل إلى إقناع الغير بصحة رأي ما أو نظرية ما أو موقف أو مسالة عن طريق الاستدلال المنطقي الرياضي.

        كما يعرف على أنه عبارة عن تسلسل منطقي للأفكار، ينطلق من معطيات أولية وبديهيات للوصول إلى نتائج يستخلصها عن طريق المصادرة -التركيب – التحليل بدون اللجوء إلى التجربة

       كما يعرف أيضا على أنه البرهان الذي ينطلق من المسلمات ويندفع إلى الكشف عن قضايا أخرى، تنتج عنها بالضرورة دون اللجوء إلى تجربة، و يشترط في البحث عند إتباعه للمنهج التحليلي أن تتوافر فيه الضوابط التالية

1/- أن يكون مدققا، بمعنى ألا يهدر كلمة صغيرة أو كبيرة  في الفكرة أو النص الذي يخضعه للدراسة التحليلية ، و هذا يستلزم  من الباحث القراءة بعناية مرتين.

2/- أن يكون مبدعا، بمعنى أن الباحث حين تناوله قضية ما بالتحليل يجب فيه ألا يكون تقليديا عند المعاني الظاهرة بل يجب فيه أن يصل المعاني غير الظاهرة و هذه الأخيرة هي التي ستوحي إليه بالجديد من الأفكار أي الإبداع.

الفرع الثاني/-صور المنهج الاستدلالي:

أولا/-الاستقراء: إن كلمة استقراء هي ترجمة للكلمة اليونانية Enaywyn ومعناها "يقود "، والمقصود بها حركة قيادة العقل للقيام بعملية تؤدي إلى الوصول إلى قانون أو مبدأ أو قضية كلية تحكم الجزئيات

       ولقد استخدم أرسطو هذه الكلمة بمعان ثلاثة :

- الانتقال من الجزئيات إلى الكليات (الاستقراء)

- الانتقال من خلال الإحصاء العددي لكل الحالات

- البيان الكلي المتضمن في الجزئيات المعروفة (الاستنباط)

     ولذلك فهناك فرق بين الاستنباط والاستقراء:

الاستنباط يحاول استنباط و إثبات أن ما يصدق على الكل يصدق على الجزء من خلال أن الجزء يقع ضمن الكل.

أما الاستقراء فيبدأ الباحث بملاحظة الجزئيات ليستمد منها القوانين أو الجزيئات كنتائج لينتقل بها إلى شتى الحالات التي تنتمي إلى نفس النوع ليتم تعميمها.

وينقسم الاستقراء إلى نوعين رئيسين هما

أ/-الاستقراء التام: يقوم على ملاحظة جميع المفردات الخاصة بظاهرة و بعد ذلك يقوم بإصدار الحكم الذي يكون عبارة عن تلخيص للأحكام. و بمعنى أخر هو انتقال الفكر من الحكم الجزئي على كل فرد من أفراد المجموعة إلى حكم كلي يتناول كل أفراد هذه المجموعة،

ب/-الاستقراء الناقص: هو انتقال الفكر من بعض الجزئيات إلى حكم كلي يتناول كل هذه الجزئيات. بعبارة أخرى هو الانتقال من معرفة جزئية إلى معرفة كلية، يقوم فيه الباحث بدراسة بعض النتائج ثم يحاول الكشف عن القوانين العامة التي تخضع لها الحالات المتشابهة.

     وفضلا على الأسس التي يقوم عليها الاستقراء: الملاحظة – التجربة ووضع الفرضيات وتحقيقها، فان الطرق المستخدمة في الاستقراء للوصول إلى القوانين العامة هي

1/- طريقة التلازم في الوقوع: بين السبب والنتيجة في وجود الظاهرة .

2/- طريقة التلازم في التخلف: بين السبب والنتيجة في عدم وجود الظاهرة.

3/- طريقة التلازم في الوقوع والتخلف: وتعني إذا اختفى السبب اختفت النتيجة، و إذا ظهر السبب ظهرت النتيجة.

4/- طريقة التلازم في التغيير: إن كل تغيير يطرأ على السبب لابد وأن يطرأ على النتيجة نظرا لعلاقة التلازم الموجودة بينهما.

5/- طريقة البواقي: إن السبب لشيء ما لا يكون في الوقت نفسه سبب لشيء آخر مغاير للشيء الأول.

ثانيا/- الاستنباط: يتمثل في مجموعة عمليات ذهنية تدور في العقل بعيدة عن الواقع، و بالتالي الباحث يحاول اثبات أن ما يصدق على الكل يصدق على الجزء[1].

 

المطلب الثاني/- أنواع الاستدلال

الفرع الأول/-الاستدلال التحليلي الصوري: إنه الاستدلال الذي ينطلق من فرضيات أولية، مرورا بالتحليل المنطقي وصولا إلى نتائج صحيحة ومثاله:3+4=7، 2+5=7

أ=ب، ج=ب، ومنه أ=ج وبالتالي أ=ب=ج

الفرع الثاني/-الاستدلال الجدلي: إنه الاستدلال الذي يقوم على الجدل والمحاورة من أجل الوصول إلى الحقيقة (الصواب) وإقرارها عن طريق الحجة و الإقناع.

       وأمثلة ذلك: أن المحامي يقدم أدلة للقاضي من أجل تبرئة ساحة موكله من جريمة اتهم بها، حيث يبرهن أن موكله في الفترة التي وقعت فيها الجريمة لم يكن موجود في الجزائر بل كان في الولايات المتحدة الأمريكية، ويقدم كل المستندات التي تبرهن على ذلك، وبالتالي لا يمكن أن يكون موكله هو الذي ارتكب الجريمة في الجزائر بتاريخ 19/10/2016.

      ولقد كان يلجأ إلى هذا النوع من الاستدلال الفيلسوف أرسطو في محاوراته مع الغير وهو يقول في هذا الصدد "عندما أختلف أنا وأنت حول عدد حبات البيض الموجودة في السلة، أو حول طول قطعة الأرض، أو حول وزن كيس الحبوب، فإن الخلاف لا يصل بنا إلى حد المشاجرة، لأنه يمكننا الاحتكام للمعايير وأدوات الحساب والقياس والميزان لحسم الخلاف.

    أما عندما اختلف أنا وأنت حول ما هو جميل وقبيح، أو ما هو خير أو شر فالخلاف سوف يكون أشد وأعنف، ذلك لأننا لا نملك معايير دقيقة  نحتكم بها، وبالتالي لتجنب الصراع ما، علينا إلا أن ندخل في حوار وجدل من أجل الإقناع والوصول إلى الحقائق.

المطلب الثالث/-مبادئ الاستدلال

الفرع الأول/- البديهيات: ومعناها القضية بينة بنفسها لا تحتاج إلى البرهنة عليها، وأمثلتها: الشمس تشرق من المشرق-الكل أكبر من الجزء.

الفرع الثاني/- المصادرات: ليست قضية بينة بنفسها كالبديهيات، ولكن يطلب منا المصادقة على صحتها أي يطلب منا التسليم بصحتها، ومثالها :

- إن كل إنسان يطلب السعادة .

- إن كل إنسان يعمل لما يرى فيه نفع.

الفرع الثالث/- التعريفات:إنها تصورات أو أفكار نظرية يحاول بواسطتها الباحث، التعبير عن مكنون الأشياء والظواهر التي سجلت فيها، ومن خصائص التعريفات: أنها تكون جامعة – مانعة، مباشرة – غير مباشرة ، ويستعمل فيها التجريد والتعميم.

المطلب الرابع/-أدوات الاستدلال

الفرع الأول/-تعريف القياس: لغة يعني التقدير واصطلاحا يعني إلحاق واقعة أو مسالة لا نص على حكمها بواقعة أو مسالة ورد نص بحكمها، لاشتراكهما في العلة، أو نقول إلحاق مجهول الحكم بمعلوم الحكم، حيث يعطى للأول حكم الثاني. و مثالها:الخمر مادة مسكرة تذهب بالعقل، فهي حرام ويقاس عليه، بأن كل مسكر مذهب للعقل حرام، ولما كانت المخدرات بأنواعها تذهب بالعقل، فهي كلها حرام.

الفرع الثاني/-أركان القياس :

أولا/- الأصل: وهو المقيس عليه أو المشبه به.

ثانيا/-الفرع: وهو المقيس (أي الواقعة التي نريد معرفتها).

ثالثا/-حكم الأصل: وهو الحكم الذي يراد بيان مساواة الفرع للأصل فيه.

رابعا/-العلة: وهي التي انبنى عليها تشريع الحكم في الأصل ويتساوى معه الفرع.

 

 

الفرع الثالث/- أنواع القياس:

           إذا وجدت حالة تمّ تنظيمها تشريعا و هي مشابهة للحالة المعروضة و التي لم يرد بها حكم فانه  يمكن تطبيق حكم الحالة الأولى على الثانية، و هذا هو ما اصطلح على تسميته بالقياس التشريعي، كما يمكن  أن  تقاس حالة  لم يرد لها حكم على مجموعة المبادئ القانونية و روح التشريع و حكمته و الهدف منه    و هذا هو ما اصطلح على تسميته بالقياس القانوني.

الفرع الثاني/- التركيب: يتمثل التركيب في تفكيك الافتراضيات (الموضوع) ومحاولة إعادة تركيبها من جديد عقليا ليتبين صحتها.

الفرع الثالث/التجريب العقلي:هي خطوة سابقة على تنفيذ المشروع   plan du travailحيث يقوم الإنسان بإدخال في ذهنه كل الفروض والتحقيقات التي قد يكون من العسير على الباحث القيام بها في الخارج، حيث يتصور الطريقة المثلى لتركيبها حتى يتوصل إلى النتائج المرجوة .

وينقسم التجريب العقلي إلى قسمين هما:

أولا/- التجريب العقلي الخيالي: ومجاله الأدب (القصة والشعر) ،ولا قيمة له من الناحية العملية التطبيقية.

ثانيا/-التجريب العقلي العلمي: وهو ذو قيمة علمية كبيرة، حيث يتم القيام بالتجربة في العقل للخروج بنتائج.

الفرع الرابع/-استعمال الدالة المضادة: تستخدم من أجل استيعاب القضية المناقضة ومثالها: الخدمة الوطنية واجب وطني على الذكور فهذا يعني أنه ليس واجب على الإناث، إذا كانت مجموعة الطلبة مكونة من 50طالب،  حضر منهم 45طالب، فهذا يعني أن هناك 5 طلبة غائبين ونطلق عليها (مفهوم المخالفة).

الفرع الخامس/- الاستدلال السابق: نستدل على قضية استنادا على استدلال سابق ومثال ذلك: إذا كان قطف أزهار الحديقة العامة ممنوع، ويعاقب عليه القانون، فما بالك باقتلاعها وتحطيمها. 

المطلب الخامس/-تطبيقات المنهج الاستدلالي في العلوم القانونية : يستخدم رجال القانون المنهج الاستدلالي في تفسير وتركيب وتطبيق المبادئ والقواعد العامة المجردة في القضاء الجنائي بكثرة، وعلى أساس هذه القواعد يتم استنباط الحلول والأحكام بعد إجراء عمليات الإسناد والتكيف القانوني للظاهرة المطروحة.

       يستخدم المنهج الاستدلالي أيضا في تفسير ورسم السياسة التشريعية التي تركز على الأسس الفلسفية والأيديولوجية والدينية السائدة في المجتمع.

المبحث الثاني/- المنهج الوصفي :

المطلب الأول/-ماهية المنهج الوصفي:

الفرع الأول/: تعريف المنهج الوصفي

      هو طريقة من التحليل والتفسير العلمي المنظم، يستعمله الباحث من أجل الوصول إلى أغراض محددة لوضعية اجتماعية، أو مشكلة اجتماعية، وعليه فالمنهج الوصفي مرتبط منذ نشأته بدراسة المشكلات المتعلقة بالمجالات الإنسانية، وذلك لصعوبة استخدام الأسلوب التجريبي في  المثل هذه المجالات.

    يعتمد المنهج الوصفي على دراسة الظاهرة كما توجد في الواقع ويهتم بوصفها وصفا دقيقا كافيا يعني عنها عن طريق الكيف أو الكم.

      

       يبدأ بضبط الإشكالية (مشكلة البحث) ثم تحليلها و تحديد نطاقها و فحص جميع الوثائق المتعلقة بها ثم تفسير النتائج لنصل إلى استنتاجات في الأخير.

    و هناك من يعرفه على أنه منهج تعميم للحالة الخاصة عبر صفاته الأساسية، و هو يفضل الاستقراء الإحصائي على الاستقراء التحليلي، و مثال ذلك دراسة التغيرات التي تثيرها حالة البطالة،     و تأثيرها على العلاقة الزوجية في الأسرة الواحدة، و مدى تبدل سلوك الفرد، و بالتالي فالمنهج الوصفي ينتج وصف حالة واحدة في دراسة معمقة.

الفرع الثاني/-أهداف المنهج الوصفي :

      يهدف المنهج الوصفي إلى رصد الظاهرة من أجل فهم مضمونها، من خلال منهجية صحيحة، و تصوير النتائج التي يتم التوصل إليها عن طريق الأرقام، يمكن تحليلها و تفسيرها و تعميمها.

كما يهدف إلى

     -جمع معلومات مفصلة لظاهرة موجودة فعلا في المجتمع.

     -تحديد المشاكل الموجودة و المتعلقة بالظاهرة.

     -إجراء مقارنة للتقييم.

     -تحديد ما يفعله الأفراد في مشكلة ما، للاستفادة من آراءهم        و خبراتهم من أجل وضع تصور و خطط مستقبلية و اتخاذ قرارات مناسبة لمشاكل ذات طبيعة مشابهة.

     -إيجاد العلاقة بين الظواهر المختلفة.

المطلب الثاني/-أسس المنهج الوصفي و مراحله:

الفرع الأول/- أسس المنهج الوصفي:

        -إمكانية استخدام مختلف الأدوات للحصول على بيانات كالمقابلة -الملاحظة –ملأ استمارات بحث –تحليل وثائق –سجلات...

        -تعتمد الدراسات الوصفية على أخذ عينة من المجتمع توفيرا للجهد و الوقت و الكلفة.

        -لابد من اصطناع التجريد من خلال البحوث الوصفية حتى يمكن التمييز جيدا لخصائص الظاهرة المدروسة.

        -لابد من التعميم في الدراسات الوصفية من أجل استخلاص أحكام تصدق على جميع الفئات المكونة للظاهرة المدروسة،             و بالتالي أحسن معيار هو المعيار المميز استعمالا.

         -نظرا لاختلاف مستوى عمق كل دراسة وصفية، فهناك من يبحث حتى عن الأسباب المؤدية إلى الظاهرة المدروسة من أجل التغيير و التعديل.

الفرع الثاني/-مراحل البحث الوصفي:

يتم إجراء البحوث الوصفية على مرحلتين في الغالب

أولا/- مرحلة الاستكشاف والصياغة:

        تمثل هاته المرحلة (أي الاستكشاف) نقطة بداية البحث العلمي، حيث أن البداية هي أهم الخطوات، إذ يتوقف على نجاحها استمرار عملية البحث، ومهما بلغت دقة المنهجية المستعملة في باقي البحث، سوف تكون عديمة جدوى وبدون أية قيمة، إذا كانت البداية غير صحيحة.

       وتضم إجراءات الدراسات الاستكشافية :

1- تلخيص مختلف العناصر والنقاط المتصلة بالمشكلة للبحث.

2- استشارة الأفراد ذوي الخبرة العلمية والعملية بالمشكلة المراد طرحها.

3- تحليل بعض الحالات والتي تلقى الضوء والمزيد من الوضوح على مشكلة البحث.

ثانيا/-مرحلة التشخيص والوصف المتعمق:

      في هذه المرحلة يتوجه الباحث نحو فحص العلاقة الارتباطية بين متغيرين، على أساس وجود قدر كبير من البيانات عن المشكلة موضوع البحث، ومثال ذلك وصف دراسة التعرف على طبيعة الخدمات العامة التي يوفرها المجتمع للأفراد والجماعات، فندرس مثلا أوضاع الإسكان، الخدمات الصّحية والثقافية....

     مثال آخر: وصف وتصوير الخصائص الاجتماعية لقرية من القرى حينما نحصل على كافة البيانات المتعلقة بها: نسبة التعليم – نظام الملكية –الحيازة – نسبة المهنيين – الحالة الزواجية.....

المطلب الثالث/- خطوات المنهج الوصفي و تقويمه:

إضافة إلى الخطوات العلمية التي يسير عليها الباحث في أي بحث ووفقا لأي منهج، هناك المزيد لبعض الخطوات المفضلة في هذا المنهج.

الفرع الأول/- خطوات المنهج الوصفي:

       والتي تتمثل فيما يلي

1- الشعور بمشكلة البحث وجمع المعلومات وبيانات تساعد على تحديدها.

2- تحديد المشكلة التي يريد الباحث دراستها وصياغتها بشكل سؤال محدد أو أكثر من سؤال.

3- وضع مجموعة من الفرضيات كحلول مبدئية للمشكلة.

4-اختيار العينة التي ستجرى عليها الدراسة مع توضيح حجم هذه العينة وأسلوب اختيارها.

5- يختار الباحث أدوات البحث التي يستخدمها في الحصول على المعلومات كالاستبيان أو المقابلة أو الاختبار أو الملاحظة، وفقا لطبيعة مشكلة البحث وفروضه، ثم يقوم بتيقن من هذه الأدوات وحساب مدى صدقها وثيابها.

6- القيام بجمع المعلومات المطلوبة بطريقة دقيقة ومنظمة.

7- تحليل النتائج وتفسيرها واستخلاص التعميمات والاستنتاجات منها.

الفرع الثاني/- تقويم البحث الوصفي

1- يساعد في التنبؤ بمستقبل الظاهرة نفسها.

2- يقدم تفسير للظواهر والعوامل التي تؤثر فيها مما يساعد على فهمها.

3- يوضح العلاقة بين الظواهر المختلفة من حيث الواقع.

4- يقدم حقائق علمية عن واقع الظاهرة الحالية .



[1] عمار بوحوش، محمد محمود الذنيبات، المرجع السابق، ص146.


المبحث الثالث/- المنهج التجريبي:

المطلب الأول/- ماهية المنهج التجريبي:

الفرع الأول/- تعريف المنهج التجريبي:

        يعتبر المنهج التجريبي أكثر وأفضل المناهج البحث العلمي، لأنه يعتمد على التجربة العلمية، وهذا ما يتيح للباحث فرصة لسن القوانين عن طريق التجربة.

      وهو قديم قدم الإنسان الذي استطاع عن طريق الملاحظة والتجريب الوصول إلى أبعد مما كان يتصور، ولكنه لم يظهر كمنهج علمي يرتكز على الفهم المادي للطبيعة وظواهرها إلا في حوالي 1600 ميلادي على يد الفيلسوف الانجليزي فرانسيس بيكون.

         هو ذلك النوع من البحوث الذي يستخدم التجربة في اختيار فرض معين يقرر علاقة بين متغيرين،  وذلك عن طريق الدراسة للمواقف المتقابلة التي ضبطت كل المتغيرات ماعدا المتغير الذي يهتم الباحث بدراسة تأثيره

        ويقوم على التجربة وهي ملاحظة الظواهر بعد تعديلها تعديلا كبيرا أو قليلا، ثم التحكم في الظروف والشروط عن طريق بعض الظروف المصطنعة.

       وهو أسلوب ناجح في العلوم الطبيعية من غير شك، باعتبار الحوادث الطبيعية تتميز عن بعضها، فهناك حوادث تتصل بالمادة  الجامدة من حيث تركيبها (العلوم الفيزيائية )، وهناك عوامل تتصل بالمادة الحية كالبيولوجيا، و مثال ذلك أعمال الفيزيولوجي الروسيP. Pavlov (1849-1936) و التي كرّست المنهج التجريبي وأثبتته في دراسة الكائنات الحية بهدف تغيير سلوكياتها

الفرع الثاني/- تطبيقات المنهج التجريبي في العلوم القانونية:

         يمكن استخدام المنهج التجريبي في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وفي هذه الحالة تحل الدراسة الميدانية محل التجربة، على الباحث أن يذهب إلى الميدان فيحدد عينة من المجتمع، فيدرس الظاهرة في صورتها الجزئية ثم يعمم ذلك على المجتمع، وعليه أن يسجل الملاحظات من الناحيتين الإيجابية والسلبية.

      وهكذا طبق هذا المنهج في مجال العلوم القانونية على ظاهرة علاقة القانون بالحياة الاجتماعية (قانون التضامن الاجتماعي)، وعموما أكثر فروع العلوم القانونية قابلية لتطبيق المنهج التجريبي القانون الجنائي والعلوم الجنائية، القانون الإداري والعلوم الإدارية، وذلك لما تتميز به هذه العلوم من حيوية وحركية وتغير، والتصاق بالواقع المحسوس

المطلب الثاني/- خطوات المنهج التجريبي

    إن خطوات المنهج التجريبي، هي نفسها خطوات المنهج العلمي بوجه عام، تتمثل هذه الخطوات في :

أولا/- الملاحظة: ونقصد بها الملاحظة العلمية أي المشاهدة الحسية المقصودة والمنظمة والدقيقة للحوادث والظواهر والأشياء، وهي تختلف اختلاف كبير عن الملاحظة العفوية دون تركيز أو دافع محدد .

      تعتمد الملاحظة العلمية على وسائل تكنولوجية متطورة لتقوية ومساعدة الحواس كالمجهر، والمجهر الالكتروني، الكومبيوتر، سكانير......

     كماتعتبر الملاحظة العلمية أيضا المحرك الأساسي لبقية خطوات المنهج التجريبي، إذ  أنها تقودنا إلى وضع الفرضيات.

ثانيا/-صياغة الفرضيات: وتعرف هذه المرحلة بأنها تحليلية، إذ يقوم الباحث فيها بمحاولة تفسير الظواهر عن طريق وضع الفرضيات التي تبين العلاقة السببية بين أجزاء الظاهرة محل الدراسة، ويقال هذا في مجال العلوم الاجتماعية وما يطلق عليه الإشكالية والتساؤلات الناتجة عنها.

 ثالثا/- التجربة:  المطلوب من الباحث بعد ذلك اختبار مدى صحة الفرضيات بإجراء التجربة و التي عن طريقها يتم استبعاد الفرضيات الغير الصحيحة، ثم تنظيم القوانين الجزئية وهي مرحلة تركيبية، فالباحث يحاول أن يركب شيئا فشيئا القوانين الجزئية ليتسنى له وضع قانون كلي أو قانون عام أو الخروج بمبادئ عامة أو نظريات علمية.

    مثال ذلك في علم الفيزياء (قانون الغليان، قانون التبخر، قانون التجمد)، عند تركيب هاته القوانين الجزئية يمكن للباحث استخلاص قانون عام خاص بالماء .

المطلب الثالث/-خصائص المنهج التجريبي  أولا/- الملاحظة العلمية:  يقوم المنهج التجريبي على الملاحظة العلمية الدقيقة لاختبار صدق الفرضية، وهي ليست مجرد ملاحظة سلبية وإنما ملاحظة إيجابية فاحصة للوقوف على التغيير الذي يمكن أن يطرأ على المجموعتين نتيجة تلقى إحداهما تأثير عامل معين وحرمان الأخرى من تأثير هذا العامل.

    وكل ذلك من أجل الكشف عن العلاقة السببية بين الظواهر، فهدفه الأساسي إذن هو الكشف عن العلاقة السببية بين المتغيرات والظواهر وذلك باعتماد المنهج والضوابط الدقيقة التي لا نجدها في المناهج الأخرى كـــــــــ

1/-الشرط التلازمي:كعلاقة التدخين بالإدمان، إن التدخين يعتبر شرطا ضروريا لحدوث ظاهرة الإدمان.

2/-الشرط الكافي: أن يكون وجوده كافيا لحدوث الظاهرة، كفقع العين يؤدي مباشرة إلى فقدان البصر، وقطع اللسان يؤدي مباشرة إلى أن يصبح الإنسان أبكم.

3/-الشرط الضروري: إن وجود الإنسان واستمرار حياته مرهون بوجود غاز 2O.

4/-الشرط المساعد:قد يكون هناك طرف يساعد على احتمال حدوث ظاهرة معنية، ولكنه يؤكد حدوثها مثلا التدخين لا يعتبر شرطا كافيا لحدوث ظاهرة الإدمان، بل لابد من عوامل أخرى كنقص الرقابة، وكثرة المشاكل.

5/-الشرط التوافقي: مثلا إذا ما عاش  شخص في مجتمع يعتبر التدخين أمر طبيعي بتالي هناك توافق بين ظاهرة التدخين وما هو سائد في المجتمع.

ثانيا/-التجربة: قوة المنهج التجريبي تمكن في التجريب بين مجموعتين متكافئتين ومتساويتين من جميع الوجوه، ماعدا وجها أو متغير واحد فقط، وهو ما يسمى بالعامل التجريبي، وتسمى المجموعة التي يسلط عليها العامل التجريبي بالمجموعة التجريبية، بينما يطلق على المجموعة الأخرى بالمجموعة الضابطة.

ثالثا/ التحكم في المتغير المستقل: إن متانة المنهج التجريبي، تتمثل في خضوعه للتحكم والضبط، فالباحث لا يقوم فيه بوصف أو تفسير أو تحليل ما هو موجود، ولكن يتدخل في توجيه العوامل والظروف بالحذف أو التثبيت أو التنظيم أو الترتيب.... وهذا ما يطلق عليه التحكم في المتغير المستقل.

المطلب الرابع/- تقييم المنهج التجريبي:

الفرع الأول/- مميزات المنهج التجريبي

1/-يعتبر أكثر المناهج صلابة وصرامة.

2/-القدرة على دعم العلاقة السببية.

3/-التحكم في التأثيرات المتبادلة على الظاهرة المدروسة.

الفرع الثاني/- عيوب المنهج التجريبي

  أغلب التجارب تكون مصطنعة وبالتالي فهي تعكس مواقف الحياة الحقيقية.

المبحث الرابع/- منهج تحليل مضمون مادة :

        يعد هذا المنهج من التقنيات المستعملة لتحليل مادة (قانونية إعلامية، قرار سياسي )، فهو ليس أداة واحدة وإنما جملة من الأدوات يستعملها الباحث، تتغير بتغير أشكالها، قابلة للتكيف مع مجالات عديدة.

فما لمقصود بمنهج تحليل مضمون مادة ؟وماهي أهم الخصائص التي تميز هذا المنهج ؟وماهي الخطوات المتبعة من طرف الباحث العلمي أثناء استعماله، وما مدى تطبيقاته في مجال العلوم القانونية؟

المطلب الأول/-ماهية منهج تحليل مضمون مادة:

الفرع الأول/- تعريف منهج تحليل مضمون مادة:

يجب أن نشير أنه لا يوجد تعريف جامع مانع لهذا المنهج، فالتعريف الذي يمكن أن نعطيه لمنهج تحليل مضمون مادة يختلف باختلاف المدارس الفقهية وباختلاف الحقب التاريخية.

      فقد عرّفه كابلان  في أواخر القرن العشرين وبالتحديد سنة 1943 بأنه " المعنى الاحصائي للخطب السياسية ".

     وفي سنة 1952عرّفه "برلسيون Bernard Berleson"بأنه "أسلوب بحثي يتضمن الوصف الموضوعي المنسق والكمي للمحتوى الظاهر للرسالة".

     وفي سنة  1966 عرّفه أستون بأنه :" أسلوب للوصول إلى استنتاجات وذلك بالتعرف الموضوعي على الصفات المحددة للرسالات .

      وهكذا كانت بداية ظهور هذا المنهج في العلوم السياسية من خلال تحليل مضامين القرارات والرسائل السياسية، وبعد ذلك استعمل كأداة هامة من أدوات البحث العلمي عند تحليل وتصنيف المادة الإعلامية التي تذيعها الإذاعة والصحافة.

       حيث كانت أول تجربة للباحثين العلميين "تشارلز ميليز، ولتر ليمبان" ما بين مارس 1997 - مارس 1920، إذ قاما كل منهما بتحليل جريدة نيويورك تايمز، وانكبت دراستهما حول تحليل مضمون أعداد التي أصدرتها هاته الجريدة، وكانت تتناول آنذاك الحديث حول الثورة الروسية.

     وقد توصلا الباحثان إلى نتيجة هامة من خلال تحليلهما لتلك الأعداد و هي فشل الجريدة في عرض صورة موضوعية غير متحيزة للثورة الروسية، وبالتالي وجه لها نقد عدم إعطاء فرصة للقارئ من أجل تكوين وجهة نظر مستقلة.

     وفي النصف الثاني من القرن العشرين ، كان هناك ثورة هامة في مجال المعلومات واستخدام الحاسوب، مما أثر ذلك على منهج تحليل مضمون مادة، فأصبح استخدامها كتقنية غير محددة المعالم.

الفرع الثاني/- مميزات منهج تحليل مضمون مادة:

        يتميز هذا المنهج باعتماده على التحليل الكمي الذي يعتمد على الأرقام و الإحصائيات و الرموز و تكرار المصطلحات.

      كما يتميز أيضا باعتماده في نفس الوقت على التحليل الكيفي و نقصد به تفسير النتائج و معرفة أسبابها و كشف خلفياتها.

 

 

 

المطلب الثاني/-خصائص منهج  تحليل مضمون مادة :

1/- يجب أن يكون التحليل منتظم للمادة المرغوب دراستها، و ذلك عن طريق تفتيت الكل إلى أجزاء سواء كان تفتيت واقعي في العلوم الطبيعية، أو تفتيت ذهني في العلوم الاجتماعية.

2/-لا يقتصر التحليل على الجوانب الشكلية للمادة، بل أيضا يشمل الجوانب الموضوعية، فمثلا يجب التركيز على المصطلحات و دقها كالرموز و الأشكال و المعاني المتضمنة في التحليل.

3/- الالتزام بالموضوعية و الحياد.

4/-النتائج المتوصل إليها تكون في إطار عام و شامل.

المطاب الثالث/- خطوات المنهج:

 تتوزع الخطوات ما بين خطوات تتبع من طرف الباحث و متعلقة بمشكلة البحث و خطوات أخرى تتعلق بالتحليل.

الفرع الأول/- خطوات المتعلقة بمشكلة البحث:

أولا/-الفهم الجيد للغة النص:إن الفهم الجيد للغة النص يعتبر من الضروريات الأساسية لفهم معناه و دلالته و بالتالي الوقوف على رأي و اتجاه صاحبه، و هذا الفهم يجب أن يتلاءم و موضوع النص و بالتالي يجب على الباحث و المحلل أن يبتعد عن الذاتية[1] التي تكون مصاحبة للأهواء و العواطف.

        لذلك فالموضوعية أمر جد هام في منهج تحليل مضمون مادة حتى يحتاط الباحث بشكل ضروري  و يتجنب الوقوع في الخطأ.

ثانيا/- خطوات المتعلقة بالتحليل:

      من المفيد أن نؤكد على أن مختلف المراحل المنهجية التي يجتازها الباحث في تحليل المضمون لا تختلف عن مثيلاتها في البحوث الأخرى في مختلف العلوم الإنسانية.إلا أنه باستخدام هذا المنهج، فالباحث يقطع ثلاث مراحل أساسية أهمها.

1/-مرحلة التحليل  الأولى (الاستطلاعي):  و هي إجراء دراسة استكشافية عن طريق:

- تحديد العينة –اختيار وحدة التحليل –التحقق على ضوء الجداول.

2/- مرحلة تحليل البيانات (تحليل متن النص): حيث هناك عدة أنواع للتحليل لهذا أطلق عليه على أنه منهج مركب.

أ/-التحليل المعجمي: الغاية منه معرفة شخصية صاحب النص المراد تحليله.

ب/-التحليل التواتري: الغاية منه البحث عن عدد الكلمات التي تكررت في النص.

ج/-التحليل التقييمي: الغاية منه الوقوف الجيد على دقة معنى المصطلح.

د/-التحليل الموضوعي: الغاية منه تقسم النص إلى وحدات             و فقرات.

ه/-التحليل التواردي: الغاية منه إيجاد العلاقة بين عناصر الخطاب.

و/-التحليل المؤسساتي: ظهر سنة 1961 على يد Felix Guattani

 و ذلك عند تحليل الخطابات المتعلقة بعمال المؤسسة الذين يعانون من مشاكل اجتماعية نفسية.

3/-مرحلة التفسير العام للنتائج و تأويلها: و من الأفضل حسب رأي الفقيه برلسيون أن يتسنى لباحثين آخرين، و في نفس الشروط التحليل للوصول إلى نتائج موضوعية، على أن نتعامل مع النص في ذاته و لذاته و كما يقول زعيم الوجودية الفيلسوف " كانت" يجب أن نفكر في اللاّمفكر فيه .Pence impossable

 

المطلب الرابع/-تطبيقات منهج تحليل مضمون مادة:

الفرع الأول/-في العلوم الأخرى :

         يستخدم هذا المنهج في تحليل الأوضاع الاجتماعية                     و الاقتصادية و السياسية القائمة في أي مجتمع في الماضي              أو الحاضر أو المستقبل، حيث أنه مفيد بالنسبة لمعرفة عوامل التغير الاجتماعي، و ردود فعل الرأي العام حول قرار سياسي مثلا، أو معرفة دولة ما لنوايا دولة أخرى خاصة إذا كانتا في صراع فيسعى المحلل السياسي إلى تحليل مضمون الرسائل و التصريحات             و الوثائق و ما تم نشره إعلاميا من طرف الدولة الأخرى.

         لو أردنا أيضا مثلا دراسة نوعية الأفلام التي تعرضها التلفزة في الجزائر، و مدى تأثير تلك الأفلام على تصرفات الشباب الجزائري، فما علينا إلا أن نستعمل منهج تحليل مضمون مادة لكي نتعرف على التأثيرات السلبية و الإيجابية لها على الشباب من خلال :

تحليل مضمون الأفلام –تحليل تصرفات الشباب –وصولا إلى الآراء حول الأفلام.

الفرع الثاني/- في العلوم القانونية :

             يعتمد فقهاء القانون في تفسير الفقه على هذا المنهج، و كذا المحامي في تحليله للأحكام و القرارات، و قاضي التحقيق في أقوال و تصريحات المتهم، كما يستخدم هذا المنهج أيضا في تحليل الاتفاقيات و المعاهدات على ضوء القانون و الحكم على مدى شرعيتها، و كذا تحليل أنواع الجرائم و بيئتها و مسبباتها، تحليل مضمون الشكاوى المنشورة في الصحافة.

المطلب الخامس/-مزايا و عيوب هذا المنهج:

الفرع الأول/-المزايا :

1/-عدم الاتصال المباشر بالمصادر من شأنه أن يقلل الوقوع في الخطأ.

2/-لا يؤثر الباحث في المعلومة و التي تبقى كما هي قبل و بعد تحليله.

3/-هناك إمكانية إعادة الدراسة مرة ثانية، و مقارنة النتائج مع المرة الأولى لنفس الظاهرة.

الفرع الثاني/-العيوب:

1/- هناك بعض الوثائق ليست واقعية و إنما هي صورة مثالية للواقع.

2/-قد تكون بعض الوثائق محرفة أو مزورة، مما يؤدي إلى نتائج خاطئة.



[1] معنى الذاتية: الميول –الأهواء –الرغبات–الحاجات السياسة –الدينية –الأيديولوجية...)

 


المبحث الخامس/-منهج دراسة الحالة :

المطلب الأول/- تعريف المنهج:

      يطلق عليه في فرنسا La Méthode Monographique، وهو يعني وصف و دراسة لوحدة محددة مثل دراسة هيكل تنظيمي لمؤسسة، أو دراسة ظاهرة الاجرام عند الصبية     و هو حالة يتعذر علينا أن نفهمها، أو يصعب إصدار الحكم عليها نظرا لوضعيتها الفريدة، فيمكننا التركيز عليها بمفردها، بجمع البيانات و المعلومات المتعلقة بها، و نقوم بتحليلها و التعرف على جوهر موضوعها، ثم نتوصل إلى نتيجة واضحة بشأنها.

      فقد عرفه "فيرتشايلد" بأنه" عبارة عن دراسة متعمقة لنموذج واحد أو أكثر لعينة، يقصد منها الوصول إلى تعميمات و إلى ماهو أوسع عن طريق دراسة نموذج مختار".

        وهناك من يعرفه على أنه منهج لتنسيق و تحليل المعلومات التي يتم جمعها عن الفرد و عن البيئة التي يعيش فيها، بهدف الوصول إلى فهم أعمق للظاهرة المدروسة.

         هاته البيانات التي يتم جمعها تمثل الوضع الحالي للظاهرة و كذلك ماضيها و علاقتها.

       كما يرى الفقيه Allport أن عناصر هذا المنهج هي: وصف حاضر للحالة، مع سرد المؤثرات السابقة، و إشارة للعلاج المستقبلي.

   و الحالة التي يتم اختيارها حسب رأيه تقسم إلى عدة أنواع بالنظر إلى واقعيها،حالة واقعية و أخرى وهمية، من حيث الحجم، حالة طويلة و أخرى قصيرة ،من حيث مضمونها،حالة تاريخية و حالة تقويمية، و من حيث تركيبتها حالة تسلسلية، حالة عنقودية ،من حيث أسلوب عرضها، حالة مكتوبة و حالة مرتجلة، حالة تقمص الأدوار، حالة سمعية و بصرية.

المطلب الثاني/-خطوات منهج دراسة الحالة

1/- اختيار الحالات التي تمثل المشكلة المدروسة، باعتبارها حالات نموذجية دقيقة شاملة كافية و ليس حالات من الموضوع العام ككل.

2/- جمع المعلومات و تدقيقها،يمكن الرجوع إلى السّجلات، المهم التأكد من صّحتها و صّدقها، ثم تنظيمها و التنسيق بين عناصرها.

3/- وضع الفرضيات، و التي هي بمثابة التشخيص الأولي للعوامل التي تسبب المشكلة المدروسة.

4/- اقتراح نوع المعالجة، على ضوء الظروف البيئية التي تساعد على نجاح العلاج.

5/-المتابعة و الاستمرار، أي مراقبة الباحث لاستجابة الفرد للعلاج.

       ولكي تكون دراسة الحالة فعالة يجب أن يكون الباحث قد تدرب تدربا جيدا في مجالات عديدة كعلم النفس و علم الاجتماع،   و إذا كانت دراسة الحالة واقعة على فرد فيجب أن تتصف بالسّرية التامة فلا يطّلع على المعلومات الخاصة بالفرد إلا الباحث.

المطلب الثالث/- تطبيقات منهج دراسة الحالة :

        يستخدم هذا المنهج حتى في حياتنا اليومية، و كذا العملية فالعلمية في حياتنا عند اختيارنا للصديق، فإننا ندرس سلوكه الحالي و السابق، أما في حياتنا العملية كالطبيب الذي يقوم بدراسة حالة المريض للتعرف على مدى تطور حالته الصحية السابقة          و كذا صلته بالمرضى.

       في حياتنا العلمية عند دراسة حالة الأسرة الفقيرة و التي تحتاج إلى مساعدة، عند دراسة حالة الطفل المنحرف و الذي يحتاج إلى توجيه، عند دراسة حالة الإرهاب بالنظر إلى الأسباب و التي لها أثر في ضرب وحدة    الأوطان (فرجل القانون في الجزائر مثلا يقوم بدراسة قانون الوئام رقم 99/08).

       ولهذا نستطيع القول أن هذا المنهج هو وسيلة فعالة لدراسة المشكلات الاجتماعية و الاقتصادية، بطريقة تحليلية استكشافية للأسباب و العوامل التي لها أثر في كيان وحدة الموضوع.

 

المطلب الرابع/--خصائص منهج دراسة الحالة

1/- ذو طابع عميق لدراسة الحالة، إذ لا يكفي الوصف الخارجي (الظاهري)، بل التعمق في وصف الحالة.

2/- يتميز بالتركيز على موضوع معين (فرد، مؤسسة، نظام، دولة، قانون...)

3/-ينصب على دراسة الوحدات الاجتماعية سواء كانت كبيرة أو صغيرة، بحيث تصبح هاته الأخيرة جزء من الحالة، فمثلا إذا كانت الدراسة منصبه على الجماعة المكونة للمجتمع، فإن الفرد يعتبر بمثابة إجراء أو عامل أو موقف داخل الحالة.

4/-يهدف إلى تحديد مختلف العوامل المؤثرة على الوحدة،                 و الكشف عن علاقات السببية القائمة بين الأجزاء الظاهرة.

 

 

المطلب الخامس/-تقييم منهج دراسة حالة

الفرع الأول/-مزايا منهج دراسة الحالة :

   1/- لا يكتفي الباحث بوصف الجوانب السطحية للظاهرة، بل لابد له النفاذ إلى أعماق الظاهرة، و صياغة الفرضيات، التي تستدعي المزيد من الملاحظة و استخدام كل الطرق و الوسائل الموضوعية الدقيقة في جمع المعلومات و تفسيرها للوصول إلى النتائج و ربطها بالعوامل المختلفة التي أدت إليها.

2/-يعتبر هذا المنهج وسيلة تطوير لمدارك و قدرات الباحث العلمي عن طريق التمحيص و التمعن و مناقشة حالات حية غالبا، و تصور حلولا لها، و من ثم اقتراح حل مرجح للتنفيذ.

الفرع الثاني/-عيوب منهج دراسة الحالة :

1/-صعوبات ترجع إلى الباحث نفسه، إذا ما قام بعملية التفسير وفقا لميوله و مشاعره الخاصة و كذا معتقداته.

2/ -صعوبة تحديد مدى صدق المعطيات و تفسيرها.

3/-يقوم هذا المنهج على حالة واحدة مفردة، تكون مكلفة جدا من ناحية المادية.


المطلب الأول: مفهوم  المنهج التاريخي.

في ضوء التعريفات السابقة للتاريخ نستطيع أن نحدد مفهوم المنهج التاريخي وذلك باعتبار أنه منهج لا ينفصل عن علم التاريخ ،ثم نتعرض الى خطواته الأساسية .

الفرع الأول : تعريف المنهج التاريخي.

       المنهج البحث التاريخي هو أداة علم التاريخ في تحقيق ذاته بتحقيق ما حدث من عمليات وأمور في الماضي. كما أنه الطريقة التاريخية التي تعمل على تحليل وتفسير الحوادث التاريخية الماضية كأساس لفهم المشاكل المعاصرة والتنبؤ بما سيكون عليها المستقبل.

كما عبر عنه الأستاذ الراشدي فكار بأنه: هو طريق بحث عن طريق طرح الأسئلة التالية : كيف نشأ؟، كيف تطور؟ ، ثمّ كيف آل ؟ و هنا نسميه المنهج الاستردادي و هو جزء من المنهج التاريخي الذي يعتمد على سرد الأحداث الماضية بطريقة استقرائية يغلب عليها التحليل و التركيب دون التطرق إلى  تقنيات و الخطوات التي يتبعها الباحث التاريخي، أي دون التطرق أثناء جمع المعلومات عن الأحداث والحقائق الماضية، إلى فحصها ونقدها وتحليلها للتأكد من صحتها و عرضها وترتيبها وتفسيرها، واستخلاص التعميمات والنتائج العامة.

أما المنهج التاريخي يقوم على أساس الفحص الدقيق والنقد الموضوعي للمصادر المختلفة للحقائق التاريخ المعلومات ونقدها وترتيبها وتنظيمها وتفسيرها واستخلاص النتائج العامة منها كثيرا من وسائل البحث العلمي وأدواته التي تستخدمها مناهج البحث الأخرى.

ومنهج البحث التاريخي هو المراحل التي يسير خلالها الباحث حتى يبلغ الحقيقة التاريخية ويقدمها إلى المختصين بخاصية القراءة، وتلخص هذه المراحل في تزويد الباحث نفسه بالثقافة اللازمة له، ثم اختار موضوع البحث، وجمع الأصول والمصادر واثبات صحتها، وتعيين شخصية المؤلف وتحديد زمان التسويق ومكانه وتحري نصوص الأصول وتحديد العلاقة بينها، ونقدها نقد ايجابيا وسلبيا واثبات الحقائق التاريخية وتنظيمها وترتيبها، والانتهاء فيها وتعليلها وإنشاء الصيغة التاريخية ثم عرضها عرضا تاريخيا معقولا.

الفرع الثاني: الخطوات الأساسية للمنهج التاريخي.

هناك عدة خطوات تعتبر ضرورية حين نلجأ للأسلوب التاريخي في البحث وتتمثل فيمايلي:

أ-اختيار موضوع البحث وتحديده.

يتمّ اختيار البحث التاريخي على ضوء المعايير لاختيار مشكلات البحوث مع الأخذ بعين الاعتبار أبعاد جديدة تتعلق بالمكان والزمان الذي حصلت فيه الظاهرة، أو تم فيه الحدث التاريخي، وكذلك نوع الأنشطة التي تضمنها والأشخاص الذين تناولهم.

ب-جمع البيانات والمعلومات.

بعد تحديد موضوع البحث مكانيا وزمانيا، وتحديد الأنشطة المتعلقة بالموضوع والأشخاص الذين اتصلوا به من قريب أو بعيد، يقوم الباحث بجمع المعلومات من مصادرها الأولية والثانوية، وبطبيعة الحال، فإن المصادر الأولية مفصلة عن المصادر الثانوية في حالات ية، ويستعمل في جمع المعلومات ونقدها وترتيبها وتنظيمها وتفسيرها واستخلاص النتائج العامة منها كثيرا من وسائل البحث العلمي وأدواته التي تستخدمها مناهج البحث الأخرى.

ومنهج البحث التاريخي هو المراحل التي يسير خلالها الباحث حتى يبلغ الحقيقة التاريخية ويقدمها إلى المختصين بخاصية القراءة، وتلخص هذه المراحل في تزويد الباحث نفسه بالثقافة اللازمة له، ثم اختار موضوع البحث، وجمع الأصول والمصادر واثبات صحتها، وتعيين شخصية المؤلف وتحديد زمان التسويق ومكانه وتحري نصوص الأصول وتحديد العلاقة بينها، ونقدها نقد ايجابيا وسلبيا واثبات الحقائق التاريخية وتنظيمها وترتيبها، والانتهاء فيها وتعليلها وإنشاء الصيغة التاريخية ثم عرضها عرضا تاريخيا معقولا.

الفرع الثاني: الخطوات الأساسية للمنهج التاريخي.

هناكعدة خطوات تعتبر ضرورية حين نلجأ للأسلوب التاريخي في البحث وتتمثل فيمايلي:

أ-اختيار موضوع البحث وتحديده.

يتمّ اختيار البحث التاريخي على ضوء المعايير لاختيار مشكلات البحوث مع الأخذ بعين الاعتبار أبعاد جديدة تتعلق بالمكان والزمان الذي حصلت فيه الظاهرة، أو تم فيه الحدثالتاريخي، وكذلك نوع الأنشطة التي تضمنها والأشخاص الذين تناولهم.

ب-جمع البيانات والمعلومات.

بعد تحديد موضوع البحث مكانيا وزمانيا، وتحديد الأنشطة المتعلقة بالموضوع والأشخاص الذين اتصلوا به من قريب أو بعيد، يقوم الباحث بجمع المعلومات من مصادرها الأولية والثانوية، وبطبيعة الحال، فإن المصادر الأولية مفصلة عن المصادر الثانوية في حالات

كثيرة، ونستطيع القول أن من أهم الأعمال التي يقوم بها المؤرخ في الحصول على أفضل مادة علمية لحل المشكلة التي هو بصدد البحث فيها.

وتتمثل المصادر الأولية في كل من الآثار والوثائق فأما الآثار فهي بقايا حضارة ماضية أو أحداث وقعت في الماضي مثل الأهرامات، أما الوثائق فهي سجلات لأحداث او وقائع قد تكون مكتوبة أو مصورة أو شفوية.

أمّا المصادر الثانوية فهي وثائق مشتقة ومقتبسة عن المصادر الأولية أو الوثائق التاريخية الأصلية، وقد تكون هذه الوثائق المشتقة المنقولة والمقتبسة من الأصل التاريخي من الدرجة الأولى، وقد تكون من الدرجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، وهكذا وفقا لدرجة رقبها او بعدها من المصدر الأصلي وتبعا لتعدد المراجع الواسطة بينها وبين المصدر أو الوثيقة الأصلية.

ت-نقد مصادر المعلومات والمادة التي جُمعت.

إنّ الشك هو بداية الحكمة في الدراسات التاريخية، ولكي يعطي المؤرخ الإنسانية

وصفا صادقا للأحداث الماضية يخضع المادة التي يرجع إليها لنقد داخلي وخارجي صارم.

1-النقد الخارجي: يحاول المؤرخ عن طريق النقد الخارجي أن يتأكد من صدق الوثيقة أو الأثر، وذلك لكي يقرر ما إذا كان سيقبله كدليل في بحثه ويثير المؤرخ تساؤلات كثيرة لكي يكشف مصادر المادة الأولية الأصلية ومن ذلك متى ولماذا ظهرت هذه الوثيقة، من هذا المؤلف أو الكاتب؟ هل كتب المؤلف المنسوبة إليه الوثيقة مادتها فعلا، هل هذه النسخة الأصلية التي كتبها المؤلف أم نسخة مقلدة عنها؟ وإذا لم تكن فهل يمكن العثور

على الأصل؟ تساؤلات يظل الباحث يثيرها حتى يعرف على وجه اليقين متى ظهرت الوثيقة وأين؟ ولماذا؟ ومن الذي كتبها؟

ويصل هذا النقد بالتأكد من صحة الوثيقة أو القول أو الأثر إلى زمن معين أو ثقافة معينة او شخص معين، وذلك بمراجعة المادة التي تحويها الوثيقة على ضوء معطيات العصر أو ملامح الثقافة أو أسلوب الشخص المنسوب إليه.

2-النقد الداخلي: ويكون للتأكد من حقيقة المعاني والمعلومات أو البيانات التي اشتملت عليها الوثيقة بشتى الطرق المختلفة والوقوف على ما تضمنته من متناقضات أو أخطاء.

ويهتم النقد الداخلي بالتحقق من معنى وصدف المادة الموجودة في الوثيقة ولكي يصل المؤرخ إلى هذا نجده يبحث عن إجابات للأسئلة التالية:

-       ما الذي يعنيه المؤلف من كل كلمة وكل عبارة؟

-       هل العبارات التي كتبها المؤلف يمكن الوثوق بها ؟

إن الصدق من النقد الداخلي هو تحديد الظروف التي أنتجت فيها الورقة أو الوثيقة والتحقق من صدق المقدمات الفكرية التي تبني عليها الكاتب أحكامه والوصول إلى تفسير صحيح للمعلومات الواردة بها.

ويتضمن النقد الداخلي الأمور التالية:

-       تحديد المضمون الفعلي لنص الوثيقة

-       بيان حدود أهلية كاتب الوثيقة للكتابة من حيث سنه حين كتبها او من حيث لغة الوثيقة وألفاظها.

-       دراسة ظروف تدوين الوثيقة وهل تمن كتابتها مباشرة إثر الحدث أو نقلا عن شهود عيان وقفوا على الحدث أو آخرون نقلوا عن من سمعوا عن الحدث.

-       دراسة من الارتباط بين جوانب ما تحويه الوثيقة ومدى خلوها من التناقض او الشطب أو الإضافة.

-       دراسة مدى الارتباط بين ما حوته الوثيقة ووثائق أخرى تدور حول نفس الموضوع.

-       دراسة الوثيقة من حيث تحيزها لفئة معينة أو مذهب معين أو غير ذلك من وجوه النقد.

ث-صياغة الفروض وتحقيقها.

حتى إذا تم الباحث التاريخي جمع معلوماته وفحصها ونقدها وتحليلها داخليا وخارجيا فإن عليه ان يخطو بعد ذلك خطوة رابعة وهي صياغة الفروض التي تفسر الاحداث والظواهر والتحقق من صدق كل فرض يفترضه في ضوء المعلومات والأدلة المتوفرة لديه والنتائج المترتبة عليه مستعملا في هذا التحقق من جميع الطرق العلمية الممكنة.

وعلى المؤرخ بعد صياغته لفروضه ان يجمع الأدلة بعناية ويحللها ناقدا كي يتحقق من أن فرضه يعطي تفسيرا أكثر اقناعا من الفروض الأخرى([1]) .

إنّ الفروض في البحث العلمي التاريخي يبدأ على هيئة تصور ذهني عام ينطلق نه الباحث فيعمل على تجميع البيانات الممكنة التي يحتمل أن تزيد ذلك لتصور جلاء أو وضحا حين تترابط في كل ذو معنى مما يقود في مراحل تقدمه جلاء أو وضوحا حين تترابط في كل معنى، مما يقود في مراحل تقدمه إلى زيادة التحديد في الفروض، وبالتالي المساعدة على اختيار صحة الفروض في صورها المعدلة وليس في ضورها الأصلية التي مثلن نقطة الانطلاق في البحث.

إنّ المشكلة الكبرى في البحوث التاريخية هي نجاح الباحث في تركيب المادة التي يجمعها في إطار موحد لا تناقض فيه، فمثل هذا التجمع يكون سهلا في البحوث الأخرى نسبيا،

أما في البحث التاريخي فهو يتصل بالماضي الذي انتهى ولا تتوافر إلا بيانات جزئية غير محققة، وتخضع لتفسيرات وتأويلات متباينة ولذلك فالفروض في البحوث التاريخية وإن تشابهت مع الفروض في البحوث الأخرى يتبقى ذات طبيعة مميزة.

ج-استخلاص النتائج وكتابة تقرير البحث .

وبانتهاء المؤرخ من جمع معلوماته ونقدها وفحصها وتحليلها ومن صياغة الفروض المختلفة لتفسير الحوادث والظواهر التاريخية التي يدرسها ومن تحقيق واختبار كل فرض من الفروض التي قدمها فإن عليه أن ينتقل إلى المرحلة النهائية والأخيرة من بحثه وهي مرحلة استخلاص النتائج وكتابة تقرير بحثه الذي يلخص فيه الحقائق والنتائج التي توصل إليها في أسلوب علمي بعيدا عن المبالغات والخيال والمحسنات المبالغ فيها.

المطلب الثاني: مدى تطبيق المنهج التاريخي في مجال العلوم القانونية والادارية.

يعتبر النهج التاريخي من المناهج التي كان لها صدى في مجال العلوم القانونية والادارية وهذا ما سنتطرق له.

تطبيقات المنهج التاريخي في مجال العلوم القانونية والادارية.

يقوم المنهج التاريخي بدور كبيرلإثبات واكتشاف الحقائق التاريخيةالقانونية والإدارية بطريقة علمية موضوعية ودقيقة وذلك عن طريق تأصيل وإثبات وتأكيد هوية الوثائق القانونية التاريخية وتفسيرها وتحليلها تاريخيا واستخراج الحقائق والنظريات العلمية حول هذه الحقيقة.

إن معظم الأفكار والظواهر والنظريات القانونية ترجع في جذورها وأصولها التاريخية إلى أبعاد وأعماق التاريخ البعيد.

إن معرفة قواعد وأحكام وأصول النظم القانونية والإدارية الحالية تقتضي معرفة أصولها

وجذورها التاريخية الماضية، وهذا لا يتحقق إلا باستخدام المنهج التاريخي فعن طريقه يمكن معرفة جذور مبادئ وأحكام نظرية الالتزام في ماضي الحضارات الانسانية المختلفة واحكام ومبادئ نظريات العقود المسؤولية البطلان المركزية الإدارية.

فعلاوة على الرصيد التاريخي الهائل للتجارب والنماذج القانونية المختلفة التي عرفتها المجتمعات البشرية عبر تاريخها الطويل، فإنه يبرز لنا الدور الاستراتيجي الذي يلعبه النظام القانونية في بناء المجتمع وضمان استقرار الحياة الاجتماعية هذا الدور جعله ينتقل بالمجتمعات البشرية من عصور الانحطاط والدكتاتورية إلى عصور الحرية والديمقراطية.

 



[1]- عمر محمد الشيباني، المرجع السابق، ص107- 108.


ورقات بحثية خاصة بالأعمال الموجهة لطلبة س1حقوق

في مقياس القانون الدستوري

 للأفواج25و26و27

 

تكليف بالبحث

يكلف كل طالب بالبحث فيما يلي:

-تحديد الإطار المفاهيمي للقانون الدستوري(من حيث المفهوم، المصادر، التمييز بين القانون الدستوري وفروع القانون الأخرى(العام والخاص)

-استقراء ديباجة الدستور الجزائري النافذ(التعديل الدستوري لعام2020) واستخراج أهم المبادئ والأحكام العامة التي تضمنها

- تحديد مفهوم الدولة، أركانها، أشكالها

بالتوفيق

د.بالجيلالي خالد