المبحث الثالث/- المنهج التجريبي:
المطلب الأول/- ماهية المنهج التجريبي:
الفرع الأول/- تعريف المنهج التجريبي:
يعتبر المنهج التجريبي أكثر وأفضل المناهج البحث العلمي، لأنه يعتمد على التجربة العلمية، وهذا ما يتيح للباحث فرصة لسن القوانين عن طريق التجربة.
وهو قديم قدم الإنسان الذي استطاع عن طريق الملاحظة والتجريب الوصول إلى أبعد مما كان يتصور، ولكنه لم يظهر كمنهج علمي يرتكز على الفهم المادي للطبيعة وظواهرها إلا في حوالي 1600 ميلادي على يد الفيلسوف الانجليزي فرانسيس بيكون.
هو ذلك النوع من البحوث الذي يستخدم التجربة في اختيار فرض معين يقرر علاقة بين متغيرين، وذلك عن طريق الدراسة للمواقف المتقابلة التي ضبطت كل المتغيرات ماعدا المتغير الذي يهتم الباحث بدراسة تأثيره
ويقوم على التجربة وهي ملاحظة الظواهر بعد تعديلها تعديلا كبيرا أو قليلا، ثم التحكم في الظروف والشروط عن طريق بعض الظروف المصطنعة.
وهو أسلوب ناجح في العلوم الطبيعية من غير شك، باعتبار الحوادث الطبيعية تتميز عن بعضها، فهناك حوادث تتصل بالمادة الجامدة من حيث تركيبها (العلوم الفيزيائية )، وهناك عوامل تتصل بالمادة الحية كالبيولوجيا، و مثال ذلك أعمال الفيزيولوجي الروسيP. Pavlov (1849-1936) و التي كرّست المنهج التجريبي وأثبتته في دراسة الكائنات الحية بهدف تغيير سلوكياتها
الفرع الثاني/- تطبيقات المنهج التجريبي في العلوم القانونية:
يمكن استخدام المنهج التجريبي في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وفي هذه الحالة تحل الدراسة الميدانية محل التجربة، على الباحث أن يذهب إلى الميدان فيحدد عينة من المجتمع، فيدرس الظاهرة في صورتها الجزئية ثم يعمم ذلك على المجتمع، وعليه أن يسجل الملاحظات من الناحيتين الإيجابية والسلبية.
وهكذا طبق هذا المنهج في مجال العلوم القانونية على ظاهرة علاقة القانون بالحياة الاجتماعية (قانون التضامن الاجتماعي)، وعموما أكثر فروع العلوم القانونية قابلية لتطبيق المنهج التجريبي القانون الجنائي والعلوم الجنائية، القانون الإداري والعلوم الإدارية، وذلك لما تتميز به هذه العلوم من حيوية وحركية وتغير، والتصاق بالواقع المحسوس
المطلب الثاني/- خطوات المنهج التجريبي
إن خطوات المنهج التجريبي، هي نفسها خطوات المنهج العلمي بوجه عام، تتمثل هذه الخطوات في :
أولا/- الملاحظة: ونقصد بها الملاحظة العلمية أي المشاهدة الحسية المقصودة والمنظمة والدقيقة للحوادث والظواهر والأشياء، وهي تختلف اختلاف كبير عن الملاحظة العفوية دون تركيز أو دافع محدد .
تعتمد الملاحظة العلمية على وسائل تكنولوجية متطورة لتقوية ومساعدة الحواس كالمجهر، والمجهر الالكتروني، الكومبيوتر، سكانير......
كماتعتبر الملاحظة العلمية أيضا المحرك الأساسي لبقية خطوات المنهج التجريبي، إذ أنها تقودنا إلى وضع الفرضيات.
ثانيا/-صياغة الفرضيات: وتعرف هذه المرحلة بأنها تحليلية، إذ يقوم الباحث فيها بمحاولة تفسير الظواهر عن طريق وضع الفرضيات التي تبين العلاقة السببية بين أجزاء الظاهرة محل الدراسة، ويقال هذا في مجال العلوم الاجتماعية وما يطلق عليه الإشكالية والتساؤلات الناتجة عنها.
ثالثا/- التجربة: المطلوب من الباحث بعد ذلك اختبار مدى صحة الفرضيات بإجراء التجربة و التي عن طريقها يتم استبعاد الفرضيات الغير الصحيحة، ثم تنظيم القوانين الجزئية وهي مرحلة تركيبية، فالباحث يحاول أن يركب شيئا فشيئا القوانين الجزئية ليتسنى له وضع قانون كلي أو قانون عام أو الخروج بمبادئ عامة أو نظريات علمية.
مثال ذلك في علم الفيزياء (قانون الغليان، قانون التبخر، قانون التجمد)، عند تركيب هاته القوانين الجزئية يمكن للباحث استخلاص قانون عام خاص بالماء .
المطلب الثالث/-خصائص المنهج التجريبي أولا/- الملاحظة العلمية: يقوم المنهج التجريبي على الملاحظة العلمية الدقيقة لاختبار صدق الفرضية، وهي ليست مجرد ملاحظة سلبية وإنما ملاحظة إيجابية فاحصة للوقوف على التغيير الذي يمكن أن يطرأ على المجموعتين نتيجة تلقى إحداهما تأثير عامل معين وحرمان الأخرى من تأثير هذا العامل.
وكل ذلك من أجل الكشف عن العلاقة السببية بين الظواهر، فهدفه الأساسي إذن هو الكشف عن العلاقة السببية بين المتغيرات والظواهر وذلك باعتماد المنهج والضوابط الدقيقة التي لا نجدها في المناهج الأخرى كـــــــــ
1/-الشرط التلازمي:كعلاقة التدخين بالإدمان، إن التدخين يعتبر شرطا ضروريا لحدوث ظاهرة الإدمان.
2/-الشرط الكافي: أن يكون وجوده كافيا لحدوث الظاهرة، كفقع العين يؤدي مباشرة إلى فقدان البصر، وقطع اللسان يؤدي مباشرة إلى أن يصبح الإنسان أبكم.
3/-الشرط الضروري: إن وجود الإنسان واستمرار حياته مرهون بوجود غاز 2O.
4/-الشرط المساعد:قد يكون هناك طرف يساعد على احتمال حدوث ظاهرة معنية، ولكنه يؤكد حدوثها مثلا التدخين لا يعتبر شرطا كافيا لحدوث ظاهرة الإدمان، بل لابد من عوامل أخرى كنقص الرقابة، وكثرة المشاكل.
5/-الشرط التوافقي: مثلا إذا ما عاش شخص في مجتمع يعتبر التدخين أمر طبيعي بتالي هناك توافق بين ظاهرة التدخين وما هو سائد في المجتمع.
ثانيا/-التجربة: قوة المنهج التجريبي تمكن في التجريب بين مجموعتين متكافئتين ومتساويتين من جميع الوجوه، ماعدا وجها أو متغير واحد فقط، وهو ما يسمى بالعامل التجريبي، وتسمى المجموعة التي يسلط عليها العامل التجريبي بالمجموعة التجريبية، بينما يطلق على المجموعة الأخرى بالمجموعة الضابطة.
ثالثا/ التحكم في المتغير المستقل: إن متانة المنهج التجريبي، تتمثل في خضوعه للتحكم والضبط، فالباحث لا يقوم فيه بوصف أو تفسير أو تحليل ما هو موجود، ولكن يتدخل في توجيه العوامل والظروف بالحذف أو التثبيت أو التنظيم أو الترتيب.... وهذا ما يطلق عليه التحكم في المتغير المستقل.
المطلب الرابع/- تقييم المنهج التجريبي:
الفرع الأول/- مميزات المنهج التجريبي
1/-يعتبر أكثر المناهج صلابة وصرامة.
2/-القدرة على دعم العلاقة السببية.
3/-التحكم في التأثيرات المتبادلة على الظاهرة المدروسة.
الفرع الثاني/- عيوب المنهج التجريبي
أغلب التجارب تكون مصطنعة وبالتالي فهي تعكس مواقف الحياة الحقيقية.
المبحث الرابع/- منهج تحليل مضمون مادة :
يعد هذا المنهج من التقنيات المستعملة لتحليل مادة (قانونية إعلامية، قرار سياسي )، فهو ليس أداة واحدة وإنما جملة من الأدوات يستعملها الباحث، تتغير بتغير أشكالها، قابلة للتكيف مع مجالات عديدة.
فما لمقصود بمنهج تحليل مضمون مادة ؟وماهي أهم الخصائص التي تميز هذا المنهج ؟وماهي الخطوات المتبعة من طرف الباحث العلمي أثناء استعماله، وما مدى تطبيقاته في مجال العلوم القانونية؟
المطلب الأول/-ماهية منهج تحليل مضمون مادة:
الفرع الأول/- تعريف منهج تحليل مضمون مادة:
يجب أن نشير أنه لا يوجد تعريف جامع مانع لهذا المنهج، فالتعريف الذي يمكن أن نعطيه لمنهج تحليل مضمون مادة يختلف باختلاف المدارس الفقهية وباختلاف الحقب التاريخية.
فقد عرّفه كابلان في أواخر القرن العشرين وبالتحديد سنة 1943 بأنه " المعنى الاحصائي للخطب السياسية ".
وفي سنة 1952عرّفه "برلسيون Bernard Berleson"بأنه "أسلوب بحثي يتضمن الوصف الموضوعي المنسق والكمي للمحتوى الظاهر للرسالة".
وفي سنة 1966 عرّفه أستون بأنه :" أسلوب للوصول إلى استنتاجات وذلك بالتعرف الموضوعي على الصفات المحددة للرسالات .
وهكذا كانت بداية ظهور هذا المنهج في العلوم السياسية من خلال تحليل مضامين القرارات والرسائل السياسية، وبعد ذلك استعمل كأداة هامة من أدوات البحث العلمي عند تحليل وتصنيف المادة الإعلامية التي تذيعها الإذاعة والصحافة.
حيث كانت أول تجربة للباحثين العلميين "تشارلز ميليز، ولتر ليمبان" ما بين مارس 1997 - مارس 1920، إذ قاما كل منهما بتحليل جريدة نيويورك تايمز، وانكبت دراستهما حول تحليل مضمون أعداد التي أصدرتها هاته الجريدة، وكانت تتناول آنذاك الحديث حول الثورة الروسية.
وقد توصلا الباحثان إلى نتيجة هامة من خلال تحليلهما لتلك الأعداد و هي فشل الجريدة في عرض صورة موضوعية غير متحيزة للثورة الروسية، وبالتالي وجه لها نقد عدم إعطاء فرصة للقارئ من أجل تكوين وجهة نظر مستقلة.
وفي النصف الثاني من القرن العشرين ، كان هناك ثورة هامة في مجال المعلومات واستخدام الحاسوب، مما أثر ذلك على منهج تحليل مضمون مادة، فأصبح استخدامها كتقنية غير محددة المعالم.
الفرع الثاني/- مميزات منهج تحليل مضمون مادة:
يتميز هذا المنهج باعتماده على التحليل الكمي الذي يعتمد على الأرقام و الإحصائيات و الرموز و تكرار المصطلحات.
كما يتميز أيضا باعتماده في نفس الوقت على التحليل الكيفي و نقصد به تفسير النتائج و معرفة أسبابها و كشف خلفياتها.
المطلب الثاني/-خصائص منهج تحليل مضمون مادة :
1/- يجب أن يكون التحليل منتظم للمادة المرغوب دراستها، و ذلك عن طريق تفتيت الكل إلى أجزاء سواء كان تفتيت واقعي في العلوم الطبيعية، أو تفتيت ذهني في العلوم الاجتماعية.
2/-لا يقتصر التحليل على الجوانب الشكلية للمادة، بل أيضا يشمل الجوانب الموضوعية، فمثلا يجب التركيز على المصطلحات و دقها كالرموز و الأشكال و المعاني المتضمنة في التحليل.
3/- الالتزام بالموضوعية و الحياد.
4/-النتائج المتوصل إليها تكون في إطار عام و شامل.
المطاب الثالث/- خطوات المنهج:
تتوزع الخطوات ما بين خطوات تتبع من طرف الباحث و متعلقة بمشكلة البحث و خطوات أخرى تتعلق بالتحليل.
الفرع الأول/- خطوات المتعلقة بمشكلة البحث:
أولا/-الفهم الجيد للغة النص:إن الفهم الجيد للغة النص يعتبر من الضروريات الأساسية لفهم معناه و دلالته و بالتالي الوقوف على رأي و اتجاه صاحبه، و هذا الفهم يجب أن يتلاءم و موضوع النص و بالتالي يجب على الباحث و المحلل أن يبتعد عن الذاتية[1] التي تكون مصاحبة للأهواء و العواطف.
لذلك فالموضوعية أمر جد هام في منهج تحليل مضمون مادة حتى يحتاط الباحث بشكل ضروري و يتجنب الوقوع في الخطأ.
ثانيا/- خطوات المتعلقة بالتحليل:
من المفيد أن نؤكد على أن مختلف المراحل المنهجية التي يجتازها الباحث في تحليل المضمون لا تختلف عن مثيلاتها في البحوث الأخرى في مختلف العلوم الإنسانية.إلا أنه باستخدام هذا المنهج، فالباحث يقطع ثلاث مراحل أساسية أهمها.
1/-مرحلة التحليل الأولى (الاستطلاعي): و هي إجراء دراسة استكشافية عن طريق:
- تحديد العينة –اختيار وحدة التحليل –التحقق على ضوء الجداول.
2/- مرحلة تحليل البيانات (تحليل متن النص): حيث هناك عدة أنواع للتحليل لهذا أطلق عليه على أنه منهج مركب.
أ/-التحليل المعجمي: الغاية منه معرفة شخصية صاحب النص المراد تحليله.
ب/-التحليل التواتري: الغاية منه البحث عن عدد الكلمات التي تكررت في النص.
ج/-التحليل التقييمي: الغاية منه الوقوف الجيد على دقة معنى المصطلح.
د/-التحليل الموضوعي: الغاية منه تقسم النص إلى وحدات و فقرات.
ه/-التحليل التواردي: الغاية منه إيجاد العلاقة بين عناصر الخطاب.
و/-التحليل المؤسساتي: ظهر سنة 1961 على يد Felix Guattani
و ذلك عند تحليل الخطابات المتعلقة بعمال المؤسسة الذين يعانون من مشاكل اجتماعية نفسية.
3/-مرحلة التفسير العام للنتائج و تأويلها: و من الأفضل حسب رأي الفقيه برلسيون أن يتسنى لباحثين آخرين، و في نفس الشروط التحليل للوصول إلى نتائج موضوعية، على أن نتعامل مع النص في ذاته و لذاته و كما يقول زعيم الوجودية الفيلسوف " كانت" يجب أن نفكر في اللاّمفكر فيه .Pence impossable
المطلب الرابع/-تطبيقات منهج تحليل مضمون مادة:
الفرع الأول/-في العلوم الأخرى :
يستخدم هذا المنهج في تحليل الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية القائمة في أي مجتمع في الماضي أو الحاضر أو المستقبل، حيث أنه مفيد بالنسبة لمعرفة عوامل التغير الاجتماعي، و ردود فعل الرأي العام حول قرار سياسي مثلا، أو معرفة دولة ما لنوايا دولة أخرى خاصة إذا كانتا في صراع فيسعى المحلل السياسي إلى تحليل مضمون الرسائل و التصريحات و الوثائق و ما تم نشره إعلاميا من طرف الدولة الأخرى.
لو أردنا أيضا مثلا دراسة نوعية الأفلام التي تعرضها التلفزة في الجزائر، و مدى تأثير تلك الأفلام على تصرفات الشباب الجزائري، فما علينا إلا أن نستعمل منهج تحليل مضمون مادة لكي نتعرف على التأثيرات السلبية و الإيجابية لها على الشباب من خلال :
تحليل مضمون الأفلام –تحليل تصرفات الشباب –وصولا إلى الآراء حول الأفلام.
الفرع الثاني/- في العلوم القانونية :
يعتمد فقهاء القانون في تفسير الفقه على هذا المنهج، و كذا المحامي في تحليله للأحكام و القرارات، و قاضي التحقيق في أقوال و تصريحات المتهم، كما يستخدم هذا المنهج أيضا في تحليل الاتفاقيات و المعاهدات على ضوء القانون و الحكم على مدى شرعيتها، و كذا تحليل أنواع الجرائم و بيئتها و مسبباتها، تحليل مضمون الشكاوى المنشورة في الصحافة.
المطلب الخامس/-مزايا و عيوب هذا المنهج:
الفرع الأول/-المزايا :
1/-عدم الاتصال المباشر بالمصادر من شأنه أن يقلل الوقوع في الخطأ.
2/-لا يؤثر الباحث في المعلومة و التي تبقى كما هي قبل و بعد تحليله.
3/-هناك إمكانية إعادة الدراسة مرة ثانية، و مقارنة النتائج مع المرة الأولى لنفس الظاهرة.
الفرع الثاني/-العيوب:
1/- هناك بعض الوثائق ليست واقعية و إنما هي صورة مثالية للواقع.
2/-قد تكون بعض الوثائق محرفة أو مزورة، مما يؤدي إلى نتائج خاطئة.
- Enseignant: قاصـــــدي فا يــــزة