المبحث الأول/-المنهج الاستدلالي  (الاستقرائي)(الاستنباطي).

     المطلب الأول/-  مفهوم المنهج الاستدلالي و أنواعه:

       الفرع الأول/- مفهوم المنهج الاستدلالي:  هو المنهج الذي يتناول دراسة المسائل النظرية والفلسفية بهدف الوصول إلى حقائق المعرفة والقواعد العامة فالمنهج الاستدلالي هو منهج تحليل، لا يهدف إلى إثبات صحة الفرضيات فحسب، بل إلى إقناع الغير بصحة رأي ما أو نظرية ما أو موقف أو مسالة عن طريق الاستدلال المنطقي الرياضي.

        كما يعرف على أنه عبارة عن تسلسل منطقي للأفكار، ينطلق من معطيات أولية وبديهيات للوصول إلى نتائج يستخلصها عن طريق المصادرة -التركيب – التحليل بدون اللجوء إلى التجربة

       كما يعرف أيضا على أنه البرهان الذي ينطلق من المسلمات ويندفع إلى الكشف عن قضايا أخرى، تنتج عنها بالضرورة دون اللجوء إلى تجربة، و يشترط في البحث عند إتباعه للمنهج التحليلي أن تتوافر فيه الضوابط التالية

1/- أن يكون مدققا، بمعنى ألا يهدر كلمة صغيرة أو كبيرة  في الفكرة أو النص الذي يخضعه للدراسة التحليلية ، و هذا يستلزم  من الباحث القراءة بعناية مرتين.

2/- أن يكون مبدعا، بمعنى أن الباحث حين تناوله قضية ما بالتحليل يجب فيه ألا يكون تقليديا عند المعاني الظاهرة بل يجب فيه أن يصل المعاني غير الظاهرة و هذه الأخيرة هي التي ستوحي إليه بالجديد من الأفكار أي الإبداع.

الفرع الثاني/-صور المنهج الاستدلالي:

أولا/-الاستقراء: إن كلمة استقراء هي ترجمة للكلمة اليونانية Enaywyn ومعناها "يقود "، والمقصود بها حركة قيادة العقل للقيام بعملية تؤدي إلى الوصول إلى قانون أو مبدأ أو قضية كلية تحكم الجزئيات

       ولقد استخدم أرسطو هذه الكلمة بمعان ثلاثة :

- الانتقال من الجزئيات إلى الكليات (الاستقراء)

- الانتقال من خلال الإحصاء العددي لكل الحالات

- البيان الكلي المتضمن في الجزئيات المعروفة (الاستنباط)

     ولذلك فهناك فرق بين الاستنباط والاستقراء:

الاستنباط يحاول استنباط و إثبات أن ما يصدق على الكل يصدق على الجزء من خلال أن الجزء يقع ضمن الكل.

أما الاستقراء فيبدأ الباحث بملاحظة الجزئيات ليستمد منها القوانين أو الجزيئات كنتائج لينتقل بها إلى شتى الحالات التي تنتمي إلى نفس النوع ليتم تعميمها.

وينقسم الاستقراء إلى نوعين رئيسين هما

أ/-الاستقراء التام: يقوم على ملاحظة جميع المفردات الخاصة بظاهرة و بعد ذلك يقوم بإصدار الحكم الذي يكون عبارة عن تلخيص للأحكام. و بمعنى أخر هو انتقال الفكر من الحكم الجزئي على كل فرد من أفراد المجموعة إلى حكم كلي يتناول كل أفراد هذه المجموعة،

ب/-الاستقراء الناقص: هو انتقال الفكر من بعض الجزئيات إلى حكم كلي يتناول كل هذه الجزئيات. بعبارة أخرى هو الانتقال من معرفة جزئية إلى معرفة كلية، يقوم فيه الباحث بدراسة بعض النتائج ثم يحاول الكشف عن القوانين العامة التي تخضع لها الحالات المتشابهة.

     وفضلا على الأسس التي يقوم عليها الاستقراء: الملاحظة – التجربة ووضع الفرضيات وتحقيقها، فان الطرق المستخدمة في الاستقراء للوصول إلى القوانين العامة هي

1/- طريقة التلازم في الوقوع: بين السبب والنتيجة في وجود الظاهرة .

2/- طريقة التلازم في التخلف: بين السبب والنتيجة في عدم وجود الظاهرة.

3/- طريقة التلازم في الوقوع والتخلف: وتعني إذا اختفى السبب اختفت النتيجة، و إذا ظهر السبب ظهرت النتيجة.

4/- طريقة التلازم في التغيير: إن كل تغيير يطرأ على السبب لابد وأن يطرأ على النتيجة نظرا لعلاقة التلازم الموجودة بينهما.

5/- طريقة البواقي: إن السبب لشيء ما لا يكون في الوقت نفسه سبب لشيء آخر مغاير للشيء الأول.

ثانيا/- الاستنباط: يتمثل في مجموعة عمليات ذهنية تدور في العقل بعيدة عن الواقع، و بالتالي الباحث يحاول اثبات أن ما يصدق على الكل يصدق على الجزء[1].

 

المطلب الثاني/- أنواع الاستدلال

الفرع الأول/-الاستدلال التحليلي الصوري: إنه الاستدلال الذي ينطلق من فرضيات أولية، مرورا بالتحليل المنطقي وصولا إلى نتائج صحيحة ومثاله:3+4=7، 2+5=7

أ=ب، ج=ب، ومنه أ=ج وبالتالي أ=ب=ج

الفرع الثاني/-الاستدلال الجدلي: إنه الاستدلال الذي يقوم على الجدل والمحاورة من أجل الوصول إلى الحقيقة (الصواب) وإقرارها عن طريق الحجة و الإقناع.

       وأمثلة ذلك: أن المحامي يقدم أدلة للقاضي من أجل تبرئة ساحة موكله من جريمة اتهم بها، حيث يبرهن أن موكله في الفترة التي وقعت فيها الجريمة لم يكن موجود في الجزائر بل كان في الولايات المتحدة الأمريكية، ويقدم كل المستندات التي تبرهن على ذلك، وبالتالي لا يمكن أن يكون موكله هو الذي ارتكب الجريمة في الجزائر بتاريخ 19/10/2016.

      ولقد كان يلجأ إلى هذا النوع من الاستدلال الفيلسوف أرسطو في محاوراته مع الغير وهو يقول في هذا الصدد "عندما أختلف أنا وأنت حول عدد حبات البيض الموجودة في السلة، أو حول طول قطعة الأرض، أو حول وزن كيس الحبوب، فإن الخلاف لا يصل بنا إلى حد المشاجرة، لأنه يمكننا الاحتكام للمعايير وأدوات الحساب والقياس والميزان لحسم الخلاف.

    أما عندما اختلف أنا وأنت حول ما هو جميل وقبيح، أو ما هو خير أو شر فالخلاف سوف يكون أشد وأعنف، ذلك لأننا لا نملك معايير دقيقة  نحتكم بها، وبالتالي لتجنب الصراع ما، علينا إلا أن ندخل في حوار وجدل من أجل الإقناع والوصول إلى الحقائق.

المطلب الثالث/-مبادئ الاستدلال

الفرع الأول/- البديهيات: ومعناها القضية بينة بنفسها لا تحتاج إلى البرهنة عليها، وأمثلتها: الشمس تشرق من المشرق-الكل أكبر من الجزء.

الفرع الثاني/- المصادرات: ليست قضية بينة بنفسها كالبديهيات، ولكن يطلب منا المصادقة على صحتها أي يطلب منا التسليم بصحتها، ومثالها :

- إن كل إنسان يطلب السعادة .

- إن كل إنسان يعمل لما يرى فيه نفع.

الفرع الثالث/- التعريفات:إنها تصورات أو أفكار نظرية يحاول بواسطتها الباحث، التعبير عن مكنون الأشياء والظواهر التي سجلت فيها، ومن خصائص التعريفات: أنها تكون جامعة – مانعة، مباشرة – غير مباشرة ، ويستعمل فيها التجريد والتعميم.

المطلب الرابع/-أدوات الاستدلال

الفرع الأول/-تعريف القياس: لغة يعني التقدير واصطلاحا يعني إلحاق واقعة أو مسالة لا نص على حكمها بواقعة أو مسالة ورد نص بحكمها، لاشتراكهما في العلة، أو نقول إلحاق مجهول الحكم بمعلوم الحكم، حيث يعطى للأول حكم الثاني. و مثالها:الخمر مادة مسكرة تذهب بالعقل، فهي حرام ويقاس عليه، بأن كل مسكر مذهب للعقل حرام، ولما كانت المخدرات بأنواعها تذهب بالعقل، فهي كلها حرام.

الفرع الثاني/-أركان القياس :

أولا/- الأصل: وهو المقيس عليه أو المشبه به.

ثانيا/-الفرع: وهو المقيس (أي الواقعة التي نريد معرفتها).

ثالثا/-حكم الأصل: وهو الحكم الذي يراد بيان مساواة الفرع للأصل فيه.

رابعا/-العلة: وهي التي انبنى عليها تشريع الحكم في الأصل ويتساوى معه الفرع.

 

 

الفرع الثالث/- أنواع القياس:

           إذا وجدت حالة تمّ تنظيمها تشريعا و هي مشابهة للحالة المعروضة و التي لم يرد بها حكم فانه  يمكن تطبيق حكم الحالة الأولى على الثانية، و هذا هو ما اصطلح على تسميته بالقياس التشريعي، كما يمكن  أن  تقاس حالة  لم يرد لها حكم على مجموعة المبادئ القانونية و روح التشريع و حكمته و الهدف منه    و هذا هو ما اصطلح على تسميته بالقياس القانوني.

الفرع الثاني/- التركيب: يتمثل التركيب في تفكيك الافتراضيات (الموضوع) ومحاولة إعادة تركيبها من جديد عقليا ليتبين صحتها.

الفرع الثالث/التجريب العقلي:هي خطوة سابقة على تنفيذ المشروع   plan du travailحيث يقوم الإنسان بإدخال في ذهنه كل الفروض والتحقيقات التي قد يكون من العسير على الباحث القيام بها في الخارج، حيث يتصور الطريقة المثلى لتركيبها حتى يتوصل إلى النتائج المرجوة .

وينقسم التجريب العقلي إلى قسمين هما:

أولا/- التجريب العقلي الخيالي: ومجاله الأدب (القصة والشعر) ،ولا قيمة له من الناحية العملية التطبيقية.

ثانيا/-التجريب العقلي العلمي: وهو ذو قيمة علمية كبيرة، حيث يتم القيام بالتجربة في العقل للخروج بنتائج.

الفرع الرابع/-استعمال الدالة المضادة: تستخدم من أجل استيعاب القضية المناقضة ومثالها: الخدمة الوطنية واجب وطني على الذكور فهذا يعني أنه ليس واجب على الإناث، إذا كانت مجموعة الطلبة مكونة من 50طالب،  حضر منهم 45طالب، فهذا يعني أن هناك 5 طلبة غائبين ونطلق عليها (مفهوم المخالفة).

الفرع الخامس/- الاستدلال السابق: نستدل على قضية استنادا على استدلال سابق ومثال ذلك: إذا كان قطف أزهار الحديقة العامة ممنوع، ويعاقب عليه القانون، فما بالك باقتلاعها وتحطيمها. 

المطلب الخامس/-تطبيقات المنهج الاستدلالي في العلوم القانونية : يستخدم رجال القانون المنهج الاستدلالي في تفسير وتركيب وتطبيق المبادئ والقواعد العامة المجردة في القضاء الجنائي بكثرة، وعلى أساس هذه القواعد يتم استنباط الحلول والأحكام بعد إجراء عمليات الإسناد والتكيف القانوني للظاهرة المطروحة.

       يستخدم المنهج الاستدلالي أيضا في تفسير ورسم السياسة التشريعية التي تركز على الأسس الفلسفية والأيديولوجية والدينية السائدة في المجتمع.

المبحث الثاني/- المنهج الوصفي :

المطلب الأول/-ماهية المنهج الوصفي:

الفرع الأول/: تعريف المنهج الوصفي

      هو طريقة من التحليل والتفسير العلمي المنظم، يستعمله الباحث من أجل الوصول إلى أغراض محددة لوضعية اجتماعية، أو مشكلة اجتماعية، وعليه فالمنهج الوصفي مرتبط منذ نشأته بدراسة المشكلات المتعلقة بالمجالات الإنسانية، وذلك لصعوبة استخدام الأسلوب التجريبي في  المثل هذه المجالات.

    يعتمد المنهج الوصفي على دراسة الظاهرة كما توجد في الواقع ويهتم بوصفها وصفا دقيقا كافيا يعني عنها عن طريق الكيف أو الكم.

      

       يبدأ بضبط الإشكالية (مشكلة البحث) ثم تحليلها و تحديد نطاقها و فحص جميع الوثائق المتعلقة بها ثم تفسير النتائج لنصل إلى استنتاجات في الأخير.

    و هناك من يعرفه على أنه منهج تعميم للحالة الخاصة عبر صفاته الأساسية، و هو يفضل الاستقراء الإحصائي على الاستقراء التحليلي، و مثال ذلك دراسة التغيرات التي تثيرها حالة البطالة،     و تأثيرها على العلاقة الزوجية في الأسرة الواحدة، و مدى تبدل سلوك الفرد، و بالتالي فالمنهج الوصفي ينتج وصف حالة واحدة في دراسة معمقة.

الفرع الثاني/-أهداف المنهج الوصفي :

      يهدف المنهج الوصفي إلى رصد الظاهرة من أجل فهم مضمونها، من خلال منهجية صحيحة، و تصوير النتائج التي يتم التوصل إليها عن طريق الأرقام، يمكن تحليلها و تفسيرها و تعميمها.

كما يهدف إلى

     -جمع معلومات مفصلة لظاهرة موجودة فعلا في المجتمع.

     -تحديد المشاكل الموجودة و المتعلقة بالظاهرة.

     -إجراء مقارنة للتقييم.

     -تحديد ما يفعله الأفراد في مشكلة ما، للاستفادة من آراءهم        و خبراتهم من أجل وضع تصور و خطط مستقبلية و اتخاذ قرارات مناسبة لمشاكل ذات طبيعة مشابهة.

     -إيجاد العلاقة بين الظواهر المختلفة.

المطلب الثاني/-أسس المنهج الوصفي و مراحله:

الفرع الأول/- أسس المنهج الوصفي:

        -إمكانية استخدام مختلف الأدوات للحصول على بيانات كالمقابلة -الملاحظة –ملأ استمارات بحث –تحليل وثائق –سجلات...

        -تعتمد الدراسات الوصفية على أخذ عينة من المجتمع توفيرا للجهد و الوقت و الكلفة.

        -لابد من اصطناع التجريد من خلال البحوث الوصفية حتى يمكن التمييز جيدا لخصائص الظاهرة المدروسة.

        -لابد من التعميم في الدراسات الوصفية من أجل استخلاص أحكام تصدق على جميع الفئات المكونة للظاهرة المدروسة،             و بالتالي أحسن معيار هو المعيار المميز استعمالا.

         -نظرا لاختلاف مستوى عمق كل دراسة وصفية، فهناك من يبحث حتى عن الأسباب المؤدية إلى الظاهرة المدروسة من أجل التغيير و التعديل.

الفرع الثاني/-مراحل البحث الوصفي:

يتم إجراء البحوث الوصفية على مرحلتين في الغالب

أولا/- مرحلة الاستكشاف والصياغة:

        تمثل هاته المرحلة (أي الاستكشاف) نقطة بداية البحث العلمي، حيث أن البداية هي أهم الخطوات، إذ يتوقف على نجاحها استمرار عملية البحث، ومهما بلغت دقة المنهجية المستعملة في باقي البحث، سوف تكون عديمة جدوى وبدون أية قيمة، إذا كانت البداية غير صحيحة.

       وتضم إجراءات الدراسات الاستكشافية :

1- تلخيص مختلف العناصر والنقاط المتصلة بالمشكلة للبحث.

2- استشارة الأفراد ذوي الخبرة العلمية والعملية بالمشكلة المراد طرحها.

3- تحليل بعض الحالات والتي تلقى الضوء والمزيد من الوضوح على مشكلة البحث.

ثانيا/-مرحلة التشخيص والوصف المتعمق:

      في هذه المرحلة يتوجه الباحث نحو فحص العلاقة الارتباطية بين متغيرين، على أساس وجود قدر كبير من البيانات عن المشكلة موضوع البحث، ومثال ذلك وصف دراسة التعرف على طبيعة الخدمات العامة التي يوفرها المجتمع للأفراد والجماعات، فندرس مثلا أوضاع الإسكان، الخدمات الصّحية والثقافية....

     مثال آخر: وصف وتصوير الخصائص الاجتماعية لقرية من القرى حينما نحصل على كافة البيانات المتعلقة بها: نسبة التعليم – نظام الملكية –الحيازة – نسبة المهنيين – الحالة الزواجية.....

المطلب الثالث/- خطوات المنهج الوصفي و تقويمه:

إضافة إلى الخطوات العلمية التي يسير عليها الباحث في أي بحث ووفقا لأي منهج، هناك المزيد لبعض الخطوات المفضلة في هذا المنهج.

الفرع الأول/- خطوات المنهج الوصفي:

       والتي تتمثل فيما يلي

1- الشعور بمشكلة البحث وجمع المعلومات وبيانات تساعد على تحديدها.

2- تحديد المشكلة التي يريد الباحث دراستها وصياغتها بشكل سؤال محدد أو أكثر من سؤال.

3- وضع مجموعة من الفرضيات كحلول مبدئية للمشكلة.

4-اختيار العينة التي ستجرى عليها الدراسة مع توضيح حجم هذه العينة وأسلوب اختيارها.

5- يختار الباحث أدوات البحث التي يستخدمها في الحصول على المعلومات كالاستبيان أو المقابلة أو الاختبار أو الملاحظة، وفقا لطبيعة مشكلة البحث وفروضه، ثم يقوم بتيقن من هذه الأدوات وحساب مدى صدقها وثيابها.

6- القيام بجمع المعلومات المطلوبة بطريقة دقيقة ومنظمة.

7- تحليل النتائج وتفسيرها واستخلاص التعميمات والاستنتاجات منها.

الفرع الثاني/- تقويم البحث الوصفي

1- يساعد في التنبؤ بمستقبل الظاهرة نفسها.

2- يقدم تفسير للظواهر والعوامل التي تؤثر فيها مما يساعد على فهمها.

3- يوضح العلاقة بين الظواهر المختلفة من حيث الواقع.

4- يقدم حقائق علمية عن واقع الظاهرة الحالية .



[1] عمار بوحوش، محمد محمود الذنيبات، المرجع السابق، ص146.