المبحث السادس/- المنهج الكمي و المنهج الكيفيي:
ماهية المنهج الكمي و المنهج الكيفي
إن طرق التحليل أو تجميع المتغيرات مختلفة جدا باختلاف المسائل المطروحة و المتغيرات المستخدمة فضلا عن ذلك، يستدعي كل منهج لتحليل المعلومات إجراءات تقنية خاصة.
المطلب الأول: مفهوم المنهج الكمي و الكيفي
الفرع الأول: التعريف بالمنهج الكمي و أهميته
هو منهج مشتق في محتواه من المنهج التجريبي ويعتمد في مرجعيته على الملاحظة المباشرة من حيث: الترتيب –العدد – الوزن – المستوى – النسب – الحجم ...إلخ باستخدام الوسائل الإحصائية المناسبة وهناك بعض فقه من عرفه على أنه من البحوث المتحررة من كل ما هو داخلي، ويعتمد على ما هو خارجي قابل للملاحظة
الفرع الثاني: التعريف بالمنهج الكيفي و أهميته:
هو مجموعة من الإجراءات المتبعة من طرف الباحث لتحديد الظاهرة محل الدراسة عن طريق:
-تحديد العبارات التي تدخل تحت تصنيف معين من الميول أو الأذواق أو الاتجاهات.
– تحديد التصرفات و أنواع السلوك التي يمكن أن تنطوي تحت نمط معين من أنماط الشخصية الإنسانية.
– تحديد المواقف الايجابية و السلبية وغير المكترثة من واقع إجابات معينة وفقا لموضوع معين....
وهناك من الفقه من يعبر عنه: إمكانية تحويل المعطيات الوصفية إلى رتب قابلة للتصنيف
المطلب الثاني: أهداف كلّ منهج و تقنياته
الفرع الأول: أهداف المنهج الكمي و خطواته
أولا/- الهدف من المنهج الكمي: يهدف المنهج الكمي في الأساس إلى قياس الظاهرة موضوع الدراسة، و مثال ذلك محاولة الباحث معرفة أسباب ومدى تطور ظاهرة الهجرة الغير الشرعية في الجزائر وقياس نسبتها في السنوات العشر الأخيرة. ومحاولة الباحث معرفة مدى تطور أسعار الاستهلاك في الجزائر وقياسها منذ 05 السنوات الأخيرة.
ثانيا/- إجراءات المنهج الكمي: على الباحث تجميع البيانات وفقا لخطة مدروسة، وتصنيفها وترميزها ثم تصبح الإجراءات سهلة للغاية من حيث تحليلها، أما التفسير فيحتاج إلى زيادة تمكين الباحث من بحثه وبالمراحل المختلفة له ومن استعابه له
الفرع الثاني: أهداف المنهج الكيفي و خطواته
أولا/- الهدف من المنهج الكيفي: فهم الظاهرة موضوع الدراسة ومثال ذلك
تركيز الباحث على دراسة الحالة، فعندما يحاول معرفة العلاج للحد من ظاهرة الإرهاب عليه أن يبحث في معاني هذا المصطلح، تعريفه، مكنونه، شروطه، أسبابه ... الخ
ثانيا/- إجراءات المنهج الكيفي: يسعى الباحث من خلال المنهج الكيفي إلى إرساء قواعد عامة للظاهرة محل الدراسة ودراسة عينية لتعميمها على الكل عن طريق التحليل والتفسير
و يقصد بالتحليل الكيفي الوصول إلى تفسيرات موضوعية للمعطيات اللفظية التي يسفر عنها البحث، و قد يتصور البعض أن التحليل الكيفي لا يتطلب نفس الجهد المبذول في التحليل الكمي، و هذا التصور بعيد عن الصواب، إذ أن التحليل الإحصائي قواعده و عملياته الرياضية التي لا تجانب الصواب على الإطلاق عندما يتبع الباحث الخطوات و الإجراءات التي تتطلبها المعالجة الإحصائية في حين أن تفسير المعلومات اللفظية عسير للغاية إذا لم توضع للباحث قيود على ذاتية الباحث، و حدود للربط و التركيب بالصورة التي تتلاءم مع موضوع البحث و أغراضه
المبحث الثاني: مقارنة المنهج الكمي بالمنهج الكيفي
المطلب الأول: أوجه الاختلاف
*يعتمد المنهج الكمي على صيغ رياضية وبالتالي هو الأكثر صرامة ودقة من المنهج الكيفي.
*النتائج المتوصل إليها في المنهج الكمي غير قابلة للنقاش، عكس النتائج التي تم التوصل إليها عن طريق المنهج الكيفي فتبقى خاضعة دوما للنسبية.
*إن تفسير المعلومات اللفظية في المنهج الكيفي أكثر صعوبة من تفسير المعلومات الإحصائية في المنهج الكمي.
*إن الطريقة الإحصائية في البحوث الاجتماعية باستخدام المنهج الكمي واحدة موحدة، على خلاف التحليل الكيفي سيلتزم تحديده وفقا لكل بحث وبحسب مضمونة.
و هذه بعض نقاط الاختلاف التي توصلتا إليها الباحثتان، إلا أن الواقع يعكس تفاوتا بين هذين الاتجاهين- الكمي و الكيفي- من حيث أسلوب الإدراك المعرفي للظواهر الاجتماعية، حيث يستند التفاوت في هذا الأسلوب الى عنصرين: عنصر يعكس تباينا بينهما في طريقة التفكير، و عنصر يستند الى تعارضهما في أسلوب التعبير عن نتائج هذا التفكير.
فالاتجاه الكيفي يسعى إلى إرساء قواعد البناء المنطقي لعلم الاجتماع، فيعمل على صوغ المفردات و وضع التفسيرات و القيام بالمشاهدات التجريبية، وهو في كل ذلك يجعل من وضوح الرؤية معيارا يسعى إلى تحقيقه.
أما الاتجاه الكمي فانه يعمل على إرساء قواعد البناء المنطقي لعلم الاجتماع، و لكنه يتخذ من الدقة معيارا يحدد مسلك البحث الاجتماعي في مساره لإرساء تلك القواعد. و لهذا فهو يتناول ظواهر الواقع الاجتماعي ليحدد أبعادها الكمية، و يقيس مداها و يعبر عن ترابطها و تغيرها في صورة كمية
المطلب الثاني: أوجه الترابط
لقد حاولت نظرية التكامل المنهجي أن تحدث التكامل المنطقي بين المنهجين، وذلك لأن المصطلحات المعبرة عن الظاهرة هي من طبيعة كيفية، أما الأعداد والقياسات مهما كانت دقيقة لا تضيف شيئا للبحث إذ لم يكن هناك وصفا نوعيا عن طريق التحليل الكيفي وصولا إلى تفسير موضوعي للمعطيات اللفظية التي أسفر عنها البحث.
إضافة إلى ما تقدم، فإن الظواهر الإنسانية ومهما كانت دقة القياسات الكمية المستعملة في قياسها، ستظل محتفظة ببعدها الكيفي، فعندما يتحدث المرء مثلا عن درجة الرضا عن العمل أو درجة النزعة المحافظة (conservatisme) لدى مجموعة بشرية ما، أو الازدهار في دولة ما، وهي كلها ظواهر لها قياسات حسابية، فإن المصطلحات المستعملة هي من طبيعة كيفية ونعود إلى حقائق إنسانية لا تستجيب أبدا للقياسات الكمية التي تمت تهيئتها من أجل ذلك. فالرضا والنزعة والمحافظة والازدهار مصطلحات تشير أصلا إلى تقدير الواقع، ويبقى الحساب ليس أكثر من مجرد تكميم
و عليه ينبغي على البحث العلمي أن يرفض زيف الثنائية المصطنعة للفصل بين الدراسات الكمية و الدراسات الكيفية، أو بين المدخل الإحصائي و المدخل غير الإحصائي في البحث الاجتماعي، في حين إن لتطابق الرياضيات في علم الاجتماع طابعا من الأهمية.
ما نختم إليه في الأخير أن المناهج الكمية التي تعتمد على الصيغ الرياضية و على الواقع، و مدى أهمية استعمالها في العلوم الطبيعية لأنها الأكثر صرامة ودقة من المناهج الكيفية، قد أظهر العلم مدى أهمية استعمالها أيضا بالنسبة للعلوم الاجتماعية والإنسانية كعلم الاقتصاد الجغرافيا- الاجتماع – النفس – علم القانون والإدارة.
و من هنا يظهر الاتصال المنطقي، والمستمر بين المنهجين المرتكز على معيار وضوح الرؤية (التحديد لأبعاد الظاهرة)، و معيار الدقة والانتقال منهجيا من الدراسة الكيفية المنظمة إلى الدراسة الكمية الدقيقة.
·
- Enseignant: قاصـــــدي فا يــــزة