من خلال مقياس منهجية البحث العلمي يتمكن الطالب من اكتساب مفهوم المنهج وبعده المناهج وعلاقتها بالعلم، ثم بعد ذلك يتعرف على تصنيفاتها التقليدية والحديثة ويميزها عن أدوات البحث العلمي.

        وفي نهاية هذا المقياس يتعرف على أنواع المناهج العلمية ذات العلاقة بالعلوم الانسانية وتطبيقاتها في  الدراسات القانونية .

من خلال ذلك سنتناول: أولا: التعددية المنهجية وأسبابها، ثانيا: المنهج الاستنباطي، ثالثا: الاستقرائي، رابعا: الجدلي، خامسا: التاريخي، سادسا: المقارن، سابعا: المنهج القانوني، ثامنا: المنهج الوصفي

  أولا: التعددية المنهجية وأسبابها: يهدف البحث الاجتماعي من العهد الاغريقي حتى وقتنا الحالي إلى محاولة الوصول إلى المعرفة اليقينية بشأن الظاهرة الاجتماعية المدروسة. ولا تتميز البحوث الاجتماعية و منها القانونية بأحادية المنهج و إنما بالتعددية المنهجية و هذا يدخل في إطار التكامل المنهجي و يمكن أن يرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل نذكر منها:

كون الظاهرة الانسانية والاجتماعية تشكل جزءا من الباحث في حد ذاته وهو جزء لا يتجزأ منها وليس مستقلا عنها مثلما هو الحال في مجال العلوم التطبيقية و الطبيعية.

- أن كلا منها هو وليد عصر ونتاج مفكر معين، ومعناه أن المنهج المعمول به في العهد اليوناني لم يعمل به في الروماني وهكذا  

-علاقة العلوم القانونية بغيرها من العلوم الاجتماعية يؤدي بالضرورة إلى استخدام مناهج أخرى،فمثلا للقانون علاقة كبيرة بعلم التاريخ فتستخدم بذلك العلوم القانونية في بحوثها المنهج التاريخي،و كذلك نظرا للعلاقة الوطيدة بين العلوم القانونية و العلوم الاقتصادية تستخدم المنهج الاحصائي...

  و في هذا المجال يقول"أرسطو" : "إن بعض العلوم لا يقبل الا لغة الرياضية،و البعض الاخر لا يريد الا أمثلة،و البعض يريد الاستشهاد بالشعر،و البعض يحتم في كل بحث برهانا محكما،بينما غيره يعتبر هذه الاحكام إسرافا...ولكن يجب أن يبدي بتعريف مقتضيات كل نوع من العلوم فلا وجوب لدقة الرياضية في كل موضوع و إنما فقط في الكلام عن المجردات،و لذلك فالمنهج الرياضي لا يصلح للعلم الطبيعي لأن الطبيعة تحتوي المادة".

-تعدد الظاهرة القانونية في حد ذاتها، وهذا يحتم عدم إمكانية استخدام منهج وحيد في دراستها،و في هذه الحالة يستخدم الباحث في مجال العلوم القانونية مزيج من مجموعة من المناهج في إطار التكامل المنهجي و كمثال على ذلك:

لدراسة ظاهرة الانتخابات يتوجب على الباحث أن يعتمد على المنهج الاستقرائي بالنسبة للمترشحين للعملية الانتخابية،و المنهج التاريخي لمعرفة نتائج العملية الانتخابية السابقة،و نعتمد على المنهج المقارن للمقارنة بين ماضي العملية الانتخابية و حاضرها كما نعتمد على المنهج الاحصائي عند قيامنا بقياس اتجاهات الرأي العام و كذا نسبة المشاركة على العملية الانتخابية و نسبة الاصوات المقبولة و الملفات. وفي الحالة نكون أمام تعددية منهجية في بحث قانوني، وهذا في إطار التكامل المنهجي. 

ثانيا: المنهج الاستنباطي:

1- تعريف الاستنباط : يعرف الاستنباط بأنه ذلك الاستدلال التنازلي الذي ينتقل فيه الباحث من الكل إلى الجزء ،  أي الدراسة الكلية الظاهرة معينة وصولا إلى جزئياتها.  وكمثال على ذلك يبدأ الباحث في دراسة السلطات الرئيسية في الدولة وهي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية  وانطلاقا من دراسة النظام السياسي للدولة وهي الظاهرة الكلية وصولا إلى دراسة كل سلطة على حدى أي وصولا إلى الظاهرة الجزئية المتفرعة عن الظاهرة الكلية و هي نظام الحكم السياسي المتبع في الدولة و في هذا المثال نلاحظ أن دراسة السلطات المختلفة للدولة تفرض علينا انطلاقا من دراسة نظام الحكم المتبع فيها، وفي هذه الحالة نكون أمام استدلال تنازلي تنتقل فيه من دراسة الظاهرة الكلية إلى دراسة الظاهرة الجزئية.

ويعرف المنهج الاستنباطي بأنه تلك الطريقة الاستدلالية التي تعتمد على قاعدة تحليل كل جزء من أجل الوصول إلى معرفة يقينة بشأن الظاهرة محل الدراسة و التحليل، ومن خلال ذلك يمكن القول أن الاستنباط هو كل استدلال لا تكبر نتيجة المقدمات التي تكون منها ذلك الاستدلال ، ففي كل دليل استنباطي تكون النتيجة دائما مساوية أو أصغر من مقدماتها، و كمثال على ذلك :

          أحــمـد إنــســان المقدمة الصغرى

          كل إنسان يموت المقدمة الكبرى

          أحــمـد يــمـوت النتيجة

ففي هذا المثال نلاحظ أن النتيجة أصغر من المقدمات السابقة عليها ، حيث أنها تتعلق بإنسان مجرد أي تخص فردا من الانسان و هو "أحمد" في حين أن المقدمة القائلة بأن كل انسان يموت فهي تتعلق بجميع الافراد .

ففي هذا المثال نلاحظ أن التفكير أخذ طريقةه من العام إلى الخاص أي من الكل إلى الجزء أي من المبدأ العام إلى التطبيقات الخاصة.

ففي المثال السابق كانت النتيجة أصغر من المقدمات نحاول أن نأخذ مثال تكون فيه النتيجة مساوية للمقدمات:

                        الحيوان إما صامت إما ناطق

                       و الصامت يموت و الناطق يموت                      

                       فالحيوان يموت

  ففي هذا المثال استنتجنا أن " الحيوان يموت" بطريقة استنباطية، و لكن نلاحظ أن النتيجة مساوية للمقدمة التي ساهمت في تكوين الدليل عليها القائلة " الصامت يموت و الناطق يموت" لأن الصامت و الناطق هما كل الحيوان بموجب المقدمة الاخرى القائلة "الحيوان إما صامت إما ناطق"

  ويرجع استخدام المنهج الاستنباطي إلى الفيلسوف " أفلاطون" من خلال أبحاثه السياسية و الاجتماعية، و يظهر ذلك من خلال مؤلفه "الجمهورية " كما يرجع استخدامه المنهج الاستنباطي إلى ثقافته الرياضية الواسعة.

2- مفهوم الاستدلال: مادام أن المنهج الاستنباطي هو استدلال تنازلي فلا بد أن نفهم معنى الاستدلال، ومبادئه

  أ- تعريف الاستدلال: يعرف بأنه البرهان الذي يبدأ من قضايا مسلم بها ويسير إلى قضايا تنتج عنها بالضرورة دون الالتجاء إلى التجربة.  و قد يكون هذا السير استنادا إلى الحساب أو بواسطة القول.

ويعرف الاستدلال كذلك بأنه "عملية عقلية يبدأ بها العقل من قضايا يسلم بها، و يسير رفقها إلى قضايا أخرى تنتج عنها بالضرورة.

والحقيقة يستخدم الاستدلال في مجال الرياضيات لكن تطبيقه انتقل إلى بقية العلوم ،ففي مجال العلوم القانونية يعتمد القاضي على الاستدلال في البحث عن الحل القانوني للمسألة المعروضة عليه، فهو يطبق الاستدلال بناء على ما لديه من قضايا.

ب- مبادئ الاستدلال:  يعتمد المنهج الاستنباطي على مجموعة من المبادئ الاستدلالية هي :

1- البديهية: يمكن تعريف البديهية بأنها أي افتراض يكون مقدمة لاستنتاج تصريحات أخرى منطقيا.

وتعرف كذلك بأنها قضية بينة بذاتها، و ليس من الممكن أن يبرهن عليها ، وتعد صادقة بلا برهان عند كل من يفهم معناها.

إذن يمكن القول أن البديهية تأخذ بشكل أساسي على أنها صحيحة و لا تحتاج إلى أي إثبات، ومن ثم جاءت تسمية "بديهية".

من خلال كل ذلك تمتاز البديهية بالمميزات التالية:

أ- هي بينة نفسية بحيث تتبين للعقل تلقائيا دون الحاجة إلى برهان.

ب- هي أولية منطقية بحيث أنها قضية أولية غير مستنتجة من قضية أخرى.

ج- هي قضية صورية عامة أو قضية مشتركة بحيث تقبل من كافة العقول ولا تعني فرعا واحدا من العلوم

فالبديهية تستعمل في الرياضيات، وتستعمل كذلك في مجال العلوم الاجتماعية ومن أمثلة البديهيات:

- إذا أضيفت أشياء متساوية إلى أشياء متساوية كانت النتائج متساوية.

- الكل أكبر من كل جزء من أجزائه

- إذا طرحت أشياء متساوية كانت النتائج متساوية

 2- المسلمة: المسلمات هي القضايا التركيبية التي وإن كانت غير بينة بنفسها الا أنها يصادق عليها ونتقبلها نظريا ونسلم بها لأنها لا تؤدي إلى تناقص ومثال ذلك قولنا الانسان يفعل دائما ما ينفعه، و أن كل إنسان يطلب السعادة.

3- التعريفات: التعريف هو عبارة تصف معنى مصطلح معين، و هذا هو المفهوم  العام للتعريف.

  أما المفهوم الدقيق التعريف هو تعبير عن ماهية الشيء المعرف بمصطلحات مضبوطة بحيث يصبح التعريف جامعا مانعا يجمع كل صفات الشيء و يمنع دخول صفات أو خصائص خارجة عنه.

  وإن الجمع و المنع هي الصفتان اللتان تمنحان للشيء المعرف هويته الحقيقية و من خصائص التعريف إذن أنه يكون جامعا مانعا و مباشرا أو غير مباشر و يستعمل التجريد و التعميم.

  و التعريف قد يكون رياضيا و هو التعريف الثابت غير المتغير ، و قد يكون دينيا بحيث يتطور بتطور الشيء ذاته و هذا ما يحصل أحيانا في مجال العلوم الانسانية و الاجتماعية نظرا لخصوصية هذه الدراسات و حركيتها و ديناميكيتها.

دور الاستدلال في العلوم القانونية: يعتبر المنهج الاستنباطي من أهم المناهج المستعملة في مجال البحث القانوني، ويعتبر الاستدلال بصفة خاصة أحد ركائز الدراسات القانونية نظرا لاستخدامه من طرف القضاة و المحاميين و الباحثين في مجال العلوم القانونية.

  وفي المسائل القانونية التي تطرح على القاضي يستخدم القاضي أداة القياس لتكييف النزاع المعروض عليه ، حيث يكيف القاضي المسألة ما إذا كانت مسألة واقع أم مسألة القانون، والفرق واضح بين مسألة الواقع ومسألة القانون ففي الحالة الاولى لا رقابة للمحكمة العليا عليها، في حين أن الحالة الثانية تخضع لرقابة المحكمة العليا حيث أن دور المحكمة العليا هو مراقبة تطبيق القانون

 مــثـال: قام عمر ببيع عقاره إلى أحمد بتاريخ 01/01/1994،و هذا الاخير لم يقم بتسجيل العقد و شهره،و بعد مرور سنة ، قام عمر ببيع العقار نفسه بتاريخ 01/01/1995 إلى المدعو علي الذي قام بتسجيله و شهره .

السـؤال : أي المشتريين الاسبق تاريخيا في شراء العقار؟

الجواب:

  - تاريخ 01/01/1994 أسبق من تاريخ 01/01/1995 ( مقدمة كبرى)

  - عقد البيع الخاص بأحمد مؤرخ في 01/01/1994 و عقد البيع الخاص بعلي مؤرخ في 01/01/1995 (مقدمة صغرى)

  - عقد أحمد أسبق تاريخيا من عقد علي ( النتيجة)

من خلال هذا المثال نلاحظ أن المقدمة الكبرى و المقدمة الصغرى تتكون من وقائع مادية ، وهذه الحالة تكون المسألة مسألة واقع.

  لكن إذا طرح السؤال بالطريقة التالية: إلى أي من المشتريين تنتقل الملكية؟

الجواب:

  - تنتقل ملكية العقار في عقد البيع بعد الشهر العقاري (مقدمة كبرى)

  -عقد البيع الخاص بأحمد لم يتم شهره،و عقد البيع الخاص بعلي تم شهره(مقدمة صغرى)

  - تنتقل الملكية إلى علي (نتيجة)

ففي هذا المجال نلاحظ أن المقدمة الكبرى هي مبدأ قانوني وفي هذه الحالة فالمسألة هي مسألة قانون تخضع لرقابة المحكمة العليا.

  من خلال ذلك يمكن القول أن التمييز بين مسألة الواقع و بين مسألة القانون يقدم على الربط بين وقائع مادية و وقائع مادية أخرى في حالة مسألة الواقع تقوم على الربط بين وقائع مادية و مبادئ قانونية في حالة مسألة القانون.

إذن من خلال ذلك يعتمد القاضي على الاستدلال في الوصول إلى الحكم و حل النزاع بحيث يتم الربط بين الوقائع المادية و المبدأ القانوني و يؤدي ذلك إلى الوصول إلى النتيجة المتمثلة في الحكم .

  من خلال كل ذلك ،فإن الاستدلال ارتكزت عليه الدراسات القانونية في مجال فلسفة القانون و علم الاجتماع القانوني ، و البحث عن أصل الدولة و السلطة و الامة و الديمقراطية.....إلخ

  بالاضافة إلى ذلك فإن المنهج الاستنباطي الاستدلالي له أهمية كبيرة في العمل القانوني من خلال تدقيق كلام الشهود و الوثائق لمعرفة صحتها ، وفي إعداد الابحاث و المذكرات القانونية بحيث تلتزم بالقواعد المنطقية وعملية تكييف المسائل القانونية.

يخضع كل علم في تحقيقه وإثباته إلى منهجية معينة تنير للباحث طريق الوصول إلى الحقيقة التي يسعى إليها عبر التقيد بمجموعة من التوجيهات والضوابط تحكم عمله سعياً للوصول إلى نتيجة مرجوة، ومن خلال استخدام أدوات للبحث لابد من الإحاطة بها وطريق لابد من سلوكه عند استعمال تلك الأدوات. فغاية المنهجية أن يحسن المرء توجيه فكره عند البحث عن الحقيقة في علم من العلوم؛ فقد تتساوى المعلومات والقدرات عند الأفراد أحياناً، ورغم ذلك فإنهم قد لا يتساوون في الاهتداء إلى الحقيقة التي يبحثون عنها، إذ يمكن أن تختلف وتتنوع أراءهم وأحكامهم في الموضوع ذاته، وعندها لا يمكن القول إن هذا التنوع سببه فقط كون البعض أكثر فطنة أو إدراكاً أو معرفة بالموضوع المبحوث فيه، بل إن سبب ذلك يعود لاختلاف المنهج الذي يحكم تفكير كل منهم، وتوفره عند البعض وفقدانه عند البعض الآخر. فالمنهج قد يدفع المرء إلى التركيز على أشياء وزوايا من شأنها أن تنير جوانب من بحثه تختلف عن الأشياء والزوايا التي يركز عليها من لا يمتلك مثل ذلك المنهج. وإذا كانت العقول الكبيرة مؤهلة للقيام بأسمى الفضائل، إلا أنها معرضة للوقوع بأكبر الرذائل. ولعل في المنهج الذي اعتمدته السلحفاة في سباقها مع الأرنب خير دليل على ذلك؛ فالذي يهديه منهجه إلى صراط مستقيم يمكنه ولو بخطى وئيدة أن يبلغ هدفه قبل غيره ممن يسابق الريح ولكنه ضل تلك الطريق؛ فالمنهج يزود صاحبه بحجة أقوى تنم عن فكر منظم يتصف بالوضوح، ويعطيه قدرة أكبر على الإقناع؛ المنهجية تعتبر مسلّمة لا يمكن لأي باحث تجاهلها؛ ولا بد لغير الممتهن من الرجوع إليها، وفي نفس الوقت لا يسع الممتهن إلا أن يفيد منها. وقد توصل ديكارت إلى مجموعة من القواعد في توجيه الفكر تتصف بعموميتها، وتلك القواعد هي:

القاعدة الأولى: عدم أخذ أي أمر على أنه حقيقة إلا إذا تجلت حقيقته بصورة واضحة، وهذا يفترض تجنب التسرع والأحكام المسبقة.

القاعدة الثانية: تجزئة الصعوبات موضوع البحث ـ أي بحث ـ إلى أكبر قدر ممكن من الجزئيات فيسهل حلها.

القاعدة الثالثة: توجيه الفكر بشكل منظم بدءاً بالمواضيع والأشياء الأبسط للفهم، ثم الارتقاء درجة درجة نحو الأشياء والمواضيع ومن ثم المعارف الأكثر تعقيداً.

القاعدة الرابعة: إحصاء كل الأمور بشكل كامل ثم إجراء مراجعة شاملة وعامة حتى لا يغفل أو يهمل شيء.

وإذا كان يصح اعتماد تلك القواعد في مختلف العلوم، فلا شك أنها تنطبق على علم القانون حيث تحتمل كلمة قانون معنيين يكمّل بعضهما البعض:

المعنى الأول: يدل على مجموعة معينة من القواعد القانونية تنظِّم جانباً معيناً من جوانب الحياة الاجتماعية واردة بأرقام متسلسلة وبترتيب معين ضمن قانون صادر عن السلطة التشريعية كقانون السير أو قانون العقوبات أو قانون الايجار.

المعنى الثاني: يدل على جميع القواعد القانونية التي تنظم العلاقات الاجتماعية وتحكم سلوك الأفراد في المجتمع، فيظهر كقواعد سلوكية اجتماعية مقرونة بجزاء، الأمر الذي يفرض على الأفراد الانصياع لها وإلا تعرضوا للجزاء، ومن ثم عندما يقال أن القانون يضع حلاً لقضية معينة، فيعني ذلك أن هناك قاعدة قانونية تنظم تلك القضية مع غيرها من القضايا المماثلة وتضع لها حلاً قانونياً.

وينتج عن المعنيين المتقدمين لكلمة "قانون" أن القانون وليد الحياة الاجتماعية ويتطلب الإحاطة بأنواع مختلفة من المعرفة والعلوم؛ فالقانون هو ثمرة الحياة الاجتماعية؛ أي أنه نتيجة حتمية لعيش الإنسان ضمن المجتمع؛ فعندما كان يعيش الإنسان في الحياة البدائية لم يكن هناك حاجة لقواعد قانونية تنظم حياته وتحدد له سلوكه، ولكن بعد أن انتقل من الحالة البدائية إلى الحالة الاجتماعية، كان لابد من وضع قواعد سلوكية للأفراد تؤمن انتظام الحياة في المجتمع. وقد تطورت تلك القواعد بتطور الحياة الاجتماعية، فأصبح القانون ملازماً لحياة الفرد في كل مظاهر نشاطه.

وإذا كان الإنسان أحياناً لا يعير وزناً للقانون، إلا أنه يبقى على احتكاك دائم به لأنه يلازم حياته اليومية، وفي كل عمل يقوم به من قيادة السيارة (قانون السير) إلى العمل الذي يتعاطاه (قانون العاملين الأساسي أو قانون العمل أو قانون التجارة)، أو داخل منزله وعلاقته مع أفراد عائلته (قانون الأحوال الشخصية أو قانون الملكية أو قانون الايجار). من هنا يظهر القانون كحقيقة ملازمة لحياة الإنسان ضمن المجتمع، ولكنها حقيقة تنظم حياة الإنسان وتفرض عليه التزام سلوك معين يتحقق من خلاله التآلف والانسجام داخل المجتمع؛ وبعبارة أخرى، فإن الحاجة إلى القانون لا تتجلى إلا عند عيش الإنسان ضمن المجتمع؛ فالإنسان ككائن اجتماعي ميال بطبعه إلى العيش في مجتمع وإلى علاقات اجتماعية مع بقية أقرانه.. والحياة الاجتماعية تُبرز بذاتها فكرة القانون وذلك لعدة أسباب منها: يمنع حكم القوي ويمنع العنف ويعترف لأفراد المجتمع بحقوقهم، ومن ثم يتجه لحماية تلك الحقوق عن طريق إيجاد حلول للنزاعات التي يمكن أن تنشب بين أفراد المجتمع؛ فالنزاعات ضمن المجتمع هي في صلب معنى القانون؛ لذلك يتطلب علم القانون الإحاطة بأنواع مختلفة من المعرفة والعلوم؛ فكل قانون وكل قاعدة من القواعد القانونية تحتوي بذاتها على مجموعة من المعطيات المستمدة من صميم الحياة الاجتماعية وعلى حلول يتضمنها القانون لذلك الجانب من جوانب الحياة.

والحقيقة، أنّ فهم تلك المعطيات لا يقتصر على فهم القاعدة القانونية والحلول التي تقررها القواعد، بل يتطلب أيضاً فهم الأحداث اليومية المرتبطة بالقاعدة القانونية سواء ظهر الارتباط في مرحلة تكوين القاعدة أو مرحلة تطبيقها. ولا شك في أن تكوين القاعدة القانونية وتطبيقها يعتبران مؤشران على المستوى الثقافي والحضاري للمجتمع الذي ولدت فيه القاعدة. وإذا كانت القاعدة القانونية توفر بذاتها أنواعاً كثيرة من المعرفة، إلا أنها تبقى مرتبطة بالعلوم المختلفة برابطة وثيقة لأن كل تطور يطال بقية العلوم، كالفلسفة والطب والهندسة والمعلوماتية، لابد أن يترك بصماته على القانون.

وفي هذا السياق، يقول الفقيه "فرنسوا جيني" في كتابه عن مصادر القانون والمنهج لتفسيره: هناك وجهان في كل نوع من أنواع المعرفة؛ الوجه الأول، هو المبادئ والوجه الثاني، هو التطبيقات. فالمبادئ تنتمي إلى العلم، أما التطبيقات فتجسد الفن بوضع هذا العلم موضع التطبيق. وهذا التمييز بين العلم والتطبيق الذي تخضع له كل أنواع المعرفة يضفي بظلاله ويهيمن على كل الأبحاث والدراسات القانونية؛ إذ هناك نوعان من القانون؛ النوع الأول هو القانون المحض والنوع الثاني هو القانون في وجهه التطبيقي؛ والقانون المحض هو القانون المثالي الذي يرتكز على ثوابت الطبيعة البشرية ومقومات الحياة الاجتماعية التي تنصب على التمييز بين العدالة والظلم بالمطلق، أي بصرف النظر عن حدود الزمان والمكان.. وهذا هو علم القانون. أما القانون في وجهه التطبيقي، فهو يهتم بحل المشاكل ضمن حدود الزمان والمكان، وهنا يظهر القانون بمظهر القانون الوضعي والمكتوب، والذي يتناسب مع الغايات التي حتّمت وجوده وهو الذي يعطي الحلول للمشاكل المعقدة والمتنوعة والمنبثقة من حياة الإنسان ضمن المجتمع. وإذا كانت الحياة القانونية تُختصر فيما مضى بعبارات الفطنة أو الحس السليم أو العادة أو الخبرة التي تتوافر عند رجل القانون، فإن جهوداً كبرى بُذلت من قبل بعض جهابذة القانون لإثبات أن علم القانون يخضع لمنهجية تحكمه أسوة ببقية العلوم

فالقانون هو بحث دائم عن المعرفة وممارسة يومية يتعاطاه من يضع القاعدة القانونية, من يدرسها, من يفسرها, من يطبقها، من يبحث عن الحلول التي تتضمنها, ومن ثم هناك أعمال متنوعة تتعلق بالقانون وتختلف باختلاف موضوعها والغاية منها. فهناك الأعمال التي تنصب على حل نزاع قانوني سواء طرح النزاع على الطالب بشكل مسألة عملية، أو طرح على المحامي لإعطاء النزاع مجراه القانوني للوصول إلى الحل، أو طرح على القاضي للفصل فيه. وهؤلاء يحاولون أثناء  الدراسة تلمس المنهجية التي تمكنهم من إنجاز العمل، علَّ المنهجية تهديه إلى الطريق القويم عبر ربط العناصر الواقعية للنزاع بالقاعدة القانونية وفقاً لمنهجية علمية توصلاً للحل المنشود عن طريق القياس المنطقي المعروف في علم المنطق الشكلي، حيث يستطيع الباحث أن يصل إلى القاعدة الكبرى  ـ النص القانوني ـ ويطبقها على القاعدة الصغرى ـ الواقعةـ ليصل إلى الرأي الذي يحسم به الدعوى أو النزاع القانوني. وشأن علم المنطق في قيامه بهذه الوظيفة شأن علم أصول الفقه الذي يتكون من المناهج التي تبين للفقيه الطريق الذي يلتزمه في استخراج الأحكام من أدلتها وترتيب الأدلة من حيث قوتها؛ فالمنهجية والمنطق كلاهما ميزان يضبط العمل ويعصمه من الخطأ في الفكر ويمنعه من الخطأ في الاستنباط، وعن طريقهما يتبين الاستنباط الصحيح من الاستنباط الباطل.

وفي ضوء ما تقدم، نرى إدخال علم المنطق والمنهجية العلمية كأحد العلوم الأساسية التي تدرّس في كليات الحقوق، باعتبار أن هذين العلمين لا غنى عنهما لتدريب العقل على أصول التفكير السليم، وهما من العلوم التي تساعد على التطبيق السليم للعلوم القانونية في دنيا الواقع.


 

المناهج المستعلمة في العلوم القانونية: قبل التطرق لمختلف مناهج البحث العلمي لابد أن نتطرق إلى مفهوم العلوم القانونية بمختلف أنواعها وأقسامها ثم نعرج على مفهوم علم المناهج، وأخيرا إلى دراسة مناهج البحث وتطبيقاته في ميدان العلوم القانونية.

   أولا: مفهوم العلوم القانونية و علاقتها بالعلوم الأخرى

1-   تعريف القانون: يرجع أصل هذه الكلمة إلى الأصل اليوناني"kanon"و هي تعني العصا المستقيمة،غير أن استخدامها في اللغة اليونانية كان بطريقة مجازية للتعبير عن معنى"القاعدة أو المبدأ"،فهم لا يقصدون بها الدلالة على العصا كأداة للضرب أو التأديب،بل يقصدون بها الدلالة على الاستقامة في القواعد و المبادئ القانونية . وقد انتقلت هذه الكلمة إلى عدة لغات،ففي اللغة الفرنسية نقول"droit"و في اللغة الايطالية نقولdirito"". فالقانون لغة:معناه الخط المستقيم الذي يعتبر  مقياسا للانحراف.

-الاستعمالات المختلفة لكلمة "قانون": ميزت اللغة الفرنسية بين عدة مفردات:هناكdroit  و هناكcode  وهناكloi   

ففيما يتعلق بكلمة قانون droit  فهي تستعمل للتعبير عن مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الافراد وعلاقاتهم فيما بينهم في المجتمع على وجه ملزم، وهذا يدخل في المعنى العام مثل:علم القانون،كلية القانون

   و هناك استعمال كلمة قانون بمفرد التقنين:code و يقصد بالتقنين مجموعة النصوص القانونية التي تنظم فرعا من فروع القانون مثل:التقنين المدني،تقنين العقوبات ...و تسمى باللغة الفرنسية code فنقول:code civil و code fénal

   و هناك استعمال كلمة قانون بمعنى تشريع loi فالتشريع هو مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية في صورة مكتوبة،دون غيرها من القواعد التي تنشأ من المصادر الاخرى مثال ذلك:قانون تنظيم الجامعات،قانون،الخدمة الوطنية...

3-فروع القانون: ينقسم القانون إلى قانون عام و قانون خاص

-القانون العام مجموع القواعد القانونية التي تنظم العلاقات أيا كان نوعها إذا كانت الدولة طرفا فيها باعتبارها صاحبة سيادة وسلطة

-القانون الخاص: مجموع القواعد القانونية التي تنظم العلاقات أيا كان نوعها فيما بين الافراد أو فيما بين الافراد و الدولة باعتبارها شخصا معنويا لا يمارس سيادة و لا سلطة.

4-علاقة القانون بالعلوم الاخرى: تعتبر العلوم القانونية فرعا مهما من العلوم الاجتماع و ترتبط بها ارتباطا وثيقا يتجلى في كافة مجالات الحياة الاجتماعية. إن الظاهرة القانونية هي ظاهرة اجتماعية و ليست ظاهرة منعزلة عن المجتمع، فقد حاول بعض رجال القضاء دراستها بعزل عن كل الظواهر الاجتماعية الاخرى (أنصار النظرية الصافية للقانون)الا أنهم فشلوا في نهاية المطاف.

  إن العلوم القانونية بمختلف تخصصاتها مثل:فلسفة القانون- القانون المدني –القانون الدولي –القانون الاقتصادي –تاريخ النظم القانونية....تربط فيما بينها روابط وثيقة،بل أن هذه العلوم مرتبطة بالظاهرة الاجتماعية في عمومها .

أ-علاقة العلوم القانونية بعلم الاجتماع: إن القانون وجد من أجل تنظيم المجتمع،و من ثم كانت الظاهرة القانونية جزء لا يتجزأ من الظاهرة القانونية و أبعادها الاجتماعية. إن الدراسات الاجتماعية هي الخلفية الحقيقية لرجال القانون،حيث يوفر علماء الاجتماع لرجال القانون المعطيات الاجتماعية الواقعية من إحصائيات مضبوطة دراسة سياسية حاسمة لرسم الاصلاحات الضرورية .

ب-علاقة العلوم القانونية بعلم النفس: يدرس على مستوى معاهد الحقوق في العالم بكامله"علم الاجرام و العقاب" أو ما يسمى أحيانا بـ"علم النفس الجنائي" حيث يدرس هذا العلم "الظاهرة الاجرامية بمختلف أبعادها النفسية". و يقدم علم النفس هذا المجال المعطيات الضرورية من أجل وضع القوانين الجنائية و كيفية التعامل مع السجناء. فقد نبهت الدراسات النفسية من خطورة العوامل النفسية السيوكولوجية التي تقف وراء السلوك الشاذ و تدفع بالشخص إلى فقدان التوازن و الاعتداء على الغير.

ج-علاقة العلوم القانونية بعلم الاقتصاد: يهتم علم الاقتصاد بالمشكلة الاقتصادية،حيث يدرس قضايا الانتاج و قضايا الاسعار والتكاليف و التضخم ونظام الصرف والتوزيع و التسويق و إشكالية العرض و الطلب...الخ.

ويتمثل دور القانون في كل هذه الحالات بتقنين حل المشكل الاقتصادي من وجهة نظر أداة الحكم التي تملك سلطة القرار السياسي والاقتصادي،فإذا كانت أداة الحكم تسمح بملكية وسائل الانتاج للدولة فقط،فلأن القانون يترجم هذا التصور من خلال عملية تقنين تدخل في إطار النص على ملكية وسائل الانتاج للدولة،و العكس صحيح.

   د-علاقة العلوم القانونية بالسياسة:  يظهر الارتباط بين القانون و السياسة واضح من خلال ما نلاحظه في الواقع،فإذا كان القانون يقوم بتقنين حل المشكل الاقتصادي في مجال علم الاقتصاد،فإن دوره في مجال علم السياسة يتمثل في كيفية القيام بحل المشكلة السياسية و علاج أزمة الحريات عن طريق ما يسمى بالقانون الدستوري خصوصا و القانون العام عموما، بحيث يجسد حكم النخبة في ظل الانظمة الحزبية .

  هـ-علاقة العلوم القانونية بعلم التاريخ: يدرس علم التاريخ الاحداث و الظواهر الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية التي تمر بها الشعوب في زمان معين و مكان معين.و هذه الدراسة لها انعكاس على النظم القانونية المعاصرة،و ذلك لأن النظم القانونية السائدة داخل مجتمع هي وليدة تطور تاريخي،لهذا تدرس على مستوى معاهد الحقوق دراسة تاريخ النظم القانونية في الحضارات السابقة.

ثانيا: مفهوم علم المناهج: بعدما تطرقنا في السداسي الاول إلى مفهوم البحث العلمي ومراحل إعداد البحوث العلمية، نتطرق في هذا المجال إلى المناهج العلمية التي تستخدمها العلوم القانونية وقبل ذلك لابد أن نعطي لمحة عن مفهوم علم المناهج.

1-تعريف علم المناهج:  تتكون المنهجية في اللغة الفرنسية من كلمتين "methode" وتعني النهج و"logie" وتعني العلم، ومن خلال التركيب نحصل على"methodologie"ونقصد بها "علم المناهج" إذن علم المناهج هو ذلك العلم الذي يهتم بدراسة الناهج المطبقة في البحوث العلمية وقد جاءت هذه المناهج التي اعتمدها علم المناهج استنادا إلى دراسات متخصصة من طرف الكثير من العلماء المناهج،و يود تطبيقها إلى الوصول إلى نتائج سليمة للبحوث.

وفي الواقع يمكن أن يسير البحث وفق خطوات منظمة ودقيقة بطريقة تلقائية، حيث أن السير الطبيعي للعقل إذا لم تحدد أصوله مسبقا وكان منظما من شأنه أن يسطر لنفسه منهجا بدون الاعتماد على ما هو موجود من قواعد منهجية مسطرة مسبقا. الا أن المنهج التلقائي قد يعرض صاحبه للخطأ، حيث أن الاعتماد على المناهج المعتمدة والموضوعة من قبل باحثين متخصصين في علم المناهج يقلل من هذه الصعوبات ويساعد على الوصول لنتائج سليمة  من خلال ذلك يمكن القول أن علم المناهج هو عبارة عن ذلك العلم الذي يبين لنا مجموع القواعد والقوانين التي تبين لنا الخطأ والصواب في خطوات البحث، وطرق البحث عن الحقيقة.                        

2-إشكالية تكوين علم المناهج: اختلف الفلاسفة في مجال تكوين علم المناهج،و قد أثار"كلود برنار" هذا الاشكال في كتابه"المدخل لدراسة الطب التجريبي". و قد ظهرت ثلاثة آراء حول كيفية تكون المناهج العلمية،و هل يتم وضعها من طرف فلاسفة و علماء متخصصين في علم المناهج مسبقا، أم يتم وضعها من طرف العلماء المتخصصين في مختلف العلوم،حيث يتخصص كل عالم بوضع المناهج التي تلاؤم بحثه. وقد  ظهرت ثلاثة آراء في هذا المجال:

الرأي الأول: يرى أنصاره أن المناهج يجب أن تصاغ من طرف فلاسفة وعلماء مناهج، حيث أن هذه العملية فلسفية، ويحتاج الامر إلى عملية الكشف عن الروابط والعلاقة ما بين المبادئ التي تحكم العلوم انطلاقا من فكرة وحدة العقل الانساني و وحدة المنهج.

من خلال ذلك، يرى أنصار هذا الاتجاه أن صياغة المناهج لا يقوم بها الباحثين أو العلماء المتخصصين،حيث أن الباحث أو العالم المتخصص لا يمكنه الوصول إلى الروابط التي تحكم العلوم بمختلف أنواعها،في حين أن الفيلسوف أو عالم المناهج يستطيع الوصول إلى ذلك،لأن هذه العملية هي عملية فلسفة بالدرجة الاولى.

الرأي الثاني: ومن زعماء هذا الاتجاه "كود برنار"، حيث يرى أن المناهج يضعها العلماء المتخصصون كل حسب ميدان تخصصه، فالعالم المتخصص في ميدان معين أدرى بذلك التخصص من غيره في المجالات الاخرى،و أدرى بالمناهج المتبعة في هذا المجال و ما يخدم بحثه و موضوعه،فلا يستطيع الفيلسوف أن يضع منهجا يسير عليه الباحث المتخصص لعدم درايته بكل دقائق هذا التخصص و ما يتطلبه من وسائل و أدوات منهجية.

الرأي الثـالـث: يعتمد هذا الاتجاه على المزج بين الرأي الاول و الرأي الثاني فهو يرى أن الفيلسوف هو وحده من يكشف على العلاقات بين مختلف العلوم و الروابط بينها،و لهذا فالفيلسوف يضع المبادئ الاساسية لكل منهج،و دور العالم المتخصص هو البحث عن آليات تطبيق المنهج في تخصصه،فيكون بذلك للفيلسوف مجاله،و يكون للعالم المتخصص مجاله الخاص به.

3-اختلاف علماء المناهج حول تصنيف المناهج العلمية:  من بين التصنيفات الحديثة في مجال التصنيفات الحديثة في مجال علم المناهج هناك: -تصنيف ويثني"withney"   -تصنيف ماركيزMarquis""     -تصنيف جود و سكيتس (good/scates)

1-تصنيف ويتني"Withney":  يقسم"ويتني"المناهج إلى: -منهج وصفي-منهج تاريخي-منهج تجريبي-البحث الفلسفي

-البحث الاجتماعي -البحث الابداعي.  ومن خلال هذا التقسيم الذي اعتمده"ويتني" نلاحظ أنه يخلط بين المنهج والبحث،فالبحث الاجتماعي مثلا ليس منهجا و إنما هو من أنواع البحوث،  وهذا البحث يحتاج إلى منهج في إعداده.

2-تصنيف ماركيز"Marquis": -المنهج الفلسفي -منهج دراسة الحالة -المنهج التاريخي -منهج المسح -المنهج التجريبي

يعتبر هذا التقسيم منهج دراسة الحالة ومنهج المسح منهجين أساسيين، لكن هما في الأصل منهجيين فرعيين تابعين للمنهج الوصفي.

3-تصنيف "good/scates": التاريخي -  الوصفي - المسح الوصفي – التجريبي - دراسة الحالة - دراسة النمو والتطور والوراثة

نلاحظ أن هذا التقسيم، وقع في نفس التقسيم الذي اعتمده التقسيم السابق في ما يخص منهج المسح ومنهج دراسة الحالة،و اعتبارهما منهجيين أساسيين.

  -العلوم الانسانية و المناهج العلمية: يطرح البعض إشكالية خضوع العلوم الانسانية لقواعد المنهج،و هذا يطرح من جهة أخرى مدى علمية العلوم الانسانية بالمعنى الدقيق للعلم.ففي السابق لم يتقبل العلماء تطبيق المناهج العلمية في مجال العلوم الانسانية فقد كان البعض ينظر إلى هذه العلوم بأنها ليست علوما كما هو الحال بالنسبة للعلوم الطبيعية،الا أن هذا الامر من جهة أخرى يطرح خصوصية العلوم الانسانية و تعقد ظواهرها،و عدم تجانسها وعدم ثباتها و صعوبة استخدام التجريب في هذا المجال بالاضافة إلى ضعف الموضوعية في مجال الدراسات الانسانية نظرا لاتصالها بالانسان موضوع الدراسة.

1-تعقيد الظواهر الانسانية: تتعلق الظاهرة الانسانية بعناصر متعددة و معقدة،مثل العناصر الجغرافية والاقتصادية والسياسية والثقافية بالاضافة إلى المعتقدات والعادات والاعراف من خلال كل ذلك يجد الباحث نفسه في مجال الدراسات الانسانية والاجتماعية أمام تنوع كبير ومتغيرات كثيرة تتدخل الظاهرة الانسانية ويزيدها تعقيدا.

  وإذا كان من خصائص العلم هو السببية و التعميم  بالنسبة كنتائج التي تنتج من نفس الاسباب فإن الامر بالنسبة للعلوم الانسانية معقد جدا،لدرجة أننا نجد صعوبة كبيرة في تحديد هذه الاسباب بالكامل.

2-عدم تجانس الظاهرة الانسانية: يقوم البحث العلمي على فرضية التجانس أو فرضية وحدة الطبيعة،و الظواهر الطبيعية نتيجة تشابه بعضها يمكن تقسيمها إلى فئات متجانسة و استخراج القوانين التي تحكم كل فئة على حدا.لكن الظواهر السلوكية ظواهر فردية و يصعب تكرارها و من ثم من الصعب أن نحصل على تعميمات.

3-ديناميكية الظواهر السلوكية: نظرا لسرعة تغير الظاهرة الانسانية والسلوكية، فإن الباحث قد يجد نفسه في الوقت الذي يدرس فيه تلك الظاهرة أنه يدرسها من الناحية التاريخية وليس دراستها في الوقت الراهن لأن ثمة تغير حدث للظاهرة المدروسة.

4-عدم القدرة على استخدام التجريب في مجال الظاهرة الانسانية: إذا كانت التجربة من ركائز البحث العلمي،فإنها في مجال العلوم الانسانية لا مكان لها،فالظاهرة الانسانية ظاهرة سلوكية لا نستطيع إخضاعها للتجريب،فهي ظاهرة معنوية غير ملموسة.و قد بدأ الباحثون في مجال علم النفس محاولة استخدام التجريب الدراسات النفسية الا أن ذلك يبقى محدودا جدا.

5-صعوبة التقيد بضوابط الموضوعية في مجال الدراسات الانسانية:  إن الموضوعية هي من خصائص العلم و البحث العلمي وقد يحاول الباحث في مجال العلوم الانسانية أن يتقيد بضوابط الموضوعية، إلا أنه يجد نفسه أحيانا في اتجاه فكري معين، وقد تجعل الباحث يوصف بأنه متحيز إلى تيار معين، مثل الاتجاه الاشتراكي أو الاتجاه الليبرالي، أو غير ذلك.

إن دراسة الباحث الاجتماعي لظاهرة إنسانية معينة تجعله يسعى لتحقيق نتائج في البحث تتوافق مع معتقداته و ذاتيته أي مع عواطفه و أحاسيسه و غير ذلك،في حين أن الامر في مجال العلوم الطبيعية يجعل من الظاهرة المدروسة ظاهرو مادية موجودة خارج فكر ووعي الانسان و هنا يجد نفسه يتعامل معها بكل حياد.

  من خلال كل ما تطرقنا له، نلاحظ أن الظاهرة الانسانية هي ظاهرة معقدة وصعبة التعامل معها من خلال ذلك اعتبر بعض العلماء أن العلوم الانسانية لا يمكن أن نطبق عليها المنهج العلمي الذي يتميز بالتجريد و العموم و الوصول إلى نتائج نستطيع تعميمها،و من ثم فقد اعتبرها البعض بأنها لا ترقى إلى درجة العلم،و الاعتقاد بعدم إمكانية تطبيق المناهج العلمية عليها

المناهج المطبقة في العلوم القانونية.

وتعتبر العلوم القانونية أحد فروع الانسانية والاجتماعية وبذلك فهي تخضع من حيث الدراسة المنهجية إلى كل الاسس والركائز المعتمدة في مجال الدراسات الاجتماعية بصفة عامة.  وتتميز العلوم الاجتماعية ومن بينها العلوم القانونية بأنها تستخدم مجموعة من المناهج في البحث الواحد وهذا ما يسمى بالتعددية المنهجية، وهذا ما تقضيه الدراسات الاجتماعية والقانونية

 


تعتبر العلوم القانونية أحد فروع الانسانية والاجتماعية وبذلك فهي تخضع من حيث الدراسة المنهجية إلى كل الاسس والركائز المعتمدة في مجال الدراسات الاجتماعية بصفة عامة.  وتتميز العلوم الاجتماعية ومن بينها العلوم القانونية بأنها تستخدم مجموعة من المناهج في البحث الواحد وهذا ما يسمى بالتعددية المنهجية، وهذا ما تقضيه الدراسات الاجتماعية والقانونية

من خلال ذلك سنتناول: أولا: التعددية المنهجية وأسبابها ، ثانيا: المنهج الاستنباطي، ثالثا: الاستقرائي، رابعا: الجدلي، خامسا: التاريخي، سادسا: المقارن، سابعا: المنهج القانوني، ثامنا: المنهج الوصفي

  أولا: التعددية المنهجية وأسبابها: يهدف البحث الاجتماعي من العهد الاغريقي حتى وقتنا الحالي إلى محاولة الوصول إلى المعرفة اليقينية بشأن الظاهرة الاجتماعية المدروسة. ولا تتميز البحوث الاجتماعية و منها القانونية بأحادية المنهج و إنما بالتعددية المنهجية و هذا يدخل في إطار التكامل المنهجي و يمكن أن يرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل نذكر منها:

كون الظاهرة الانسانية والاجتماعية تشكل جزءا من الباحث في حد ذاته وهو جزء لا يتجزأ منها وليس مستقلا عنها مثلما هو الحال في مجال العلوم التطبيقية و الطبيعية.

- أن كلا منها هو وليد عصر ونتاج مفكر معين، ومعناه أن المنهج المعمول به في العهد اليوناني لم يعمل به في الروماني وهكذا  

-علاقة العلوم القانونية بغيرها من العلوم الاجتماعية يؤدي بالضرورة إلى استخدام مناهج أخرى،فمثلا للقانون علاقة كبيرة بعلم التاريخ فتستخدم بذلك العلوم القانونية في بحوثها المنهج التاريخي،و كذلك نظرا للعلاقة الوطيدة بين العلوم القانونية و العلوم الاقتصادية تستخدم المنهج الاحصائي...

  و في هذا المجال يقول"أرسطو" : "إن بعض العلوم لا يقبل الا لغة الرياضية،و البعض الاخر لا يريد الا أمثلة،و البعض يريد الاستشهاد بالشعر،و البعض يحتم في كل بحث برهانا محكما،بينما غيره يعتبر هذه الاحكام إسرافا...ولكن يجب أن يبدي بتعريف مقتضيات كل نوع من العلوم فلا وجوب لدقة الرياضية في كل موضوع و إنما فقط في الكلام عن المجردات،و لذلك فالمنهج الرياضي لا يصلح للعلم الطبيعي لأن الطبيعة تحتوي المادة".

-تعدد الظاهرة القانونية في حد ذاتها، وهذا يحتم عدم إمكانية استخدام منهج وحيد في دراستها،و في هذه الحالة يستخدم الباحث في مجال العلوم القانونية مزيج من مجموعة من المناهج في إطار التكامل المنهجي و كمثال على ذلك:

لدراسة ظاهرة الانتخابات يتوجب على الباحث أن يعتمد على المنهج الاستقرائي بالنسبة للمترشحين للعملية الانتخابية،و المنهج التاريخي لمعرفة نتائج العملية الانتخابية السابقة،و نعتمد على المنهج المقارن للمقارنة بين ماضي العملية الانتخابية و حاضرها كما نعتمد على المنهج الاحصائي عند قيامنا بقياس اتجاهات الرأي العام و كذا نسبة المشاركة على العملية الانتخابية و نسبة الاصوات المقبولة و الملفات. وفي الحالة نكون أمام تعددية منهجية في بحث قانوني، وهذا في إطار التكامل المنهجي. 

ثانيا: المنهج الاستنباطي:

1- تعريف الاستنباط : يعرف الاستنباط بأنه ذلك الاستدلال التنازلي الذي ينتقل فيه الباحث من الكل إلى الجزء ،  أي الدراسة الكلية الظاهرة معينة وصولا إلى جزئياتها.  وكمثال على ذلك يبدأ الباحث في دراسة السلطات الرئيسية في الدولة وهي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية  وانطلاقا من دراسة النظام السياسي للدولة وهي الظاهرة الكلية وصولا إلى دراسة كل سلطة على حدى أي وصولا إلى الظاهرة الجزئية المتفرعة عن الظاهرة الكلية و هي نظام الحكم السياسي المتبع في الدولة و في هذا المثال نلاحظ أن دراسة السلطات المختلفة للدولة تفرض علينا انطلاقا من دراسة نظام الحكم المتبع فيها، وفي هذه الحالة نكون أمام استدلال تنازلي تنتقل فيه من دراسة الظاهرة الكلية إلى دراسة الظاهرة الجزئية.

ويعرف المنهج الاستنباطي بأنه تلك الطريقة الاستدلالية التي تعتمد على قاعدة تحليل كل جزء من أجل الوصول إلى معرفة يقينة بشأن الظاهرة محل الدراسة و التحليل، ومن خلال ذلك يمكن القول أن الاستنباط هو كل استدلال لا تكبر نتيجة المقدمات التي تكون منها ذلك الاستدلال ، ففي كل دليل استنباطي تكون النتيجة دائما مساوية أو أصغر من مقدماتها، و كمثال على ذلك :

          أحــمـد إنــســان المقدمة الصغرى

          كل إنسان يموت المقدمة الكبرى

          أحــمـد يــمـوت النتيجة

ففي هذا المثال نلاحظ أن النتيجة أصغر من المقدمات السابقة عليها ، حيث أنها تتعلق بإنسان مجرد أي تخص فردا من الانسان و هو "أحمد" في حين أن المقدمة القائلة بأن كل انسان يموت فهي تتعلق بجميع الافراد .

ففي هذا المثال نلاحظ أن التفكير أخذ طريقةه من العام إلى الخاص أي من الكل إلى الجزء أي من المبدأ العام إلى التطبيقات الخاصة.

ففي المثال السابق كانت النتيجة أصغر من المقدمات نحاول أن نأخذ مثال تكون فيه النتيجة مساوية للمقدمات:

                        الحيوان إما صامت إما ناطق

                       و الصامت يموت و الناطق يموت                      

                       فالحيوان يموت

  ففي هذا المثال استنتجنا أن " الحيوان يموت" بطريقة استنباطية، و لكن نلاحظ أن النتيجة مساوية للمقدمة التي ساهمت في تكوين الدليل عليها القائلة " الصامت يموت و الناطق يموت" لأن الصامت و الناطق هما كل الحيوان بموجب المقدمة الاخرى القائلة "الحيوان إما صامت إما ناطق"

  ويرجع استخدام المنهج الاستنباطي إلى الفيلسوف " أفلاطون" من خلال أبحاثه السياسية و الاجتماعية، و يظهر ذلك من خلال مؤلفه "الجمهورية " كما يرجع استخدامه المنهج الاستنباطي إلى ثقافته الرياضية الواسعة.

2- مفهوم الاستدلال: مادام أن المنهج الاستنباطي هو استدلال تنازلي فلا بد أن نفهم معنى الاستدلال، ومبادئه

  أ- تعريف الاستدلال: يعرف بأنه البرهان الذي يبدأ من قضايا مسلم بها ويسير إلى قضايا تنتج عنها بالضرورة دون الالتجاء إلى التجربة.  و قد يكون هذا السير استنادا إلى الحساب أو بواسطة القول.

ويعرف الاستدلال كذلك بأنه "عملية عقلية يبدأ بها العقل من قضايا يسلم بها، و يسير رفقها إلى قضايا أخرى تنتج عنها بالضرورة.

والحقيقة يستخدم الاستدلال في مجال الرياضيات لكن تطبيقه انتقل إلى بقية العلوم ،ففي مجال العلوم القانونية يعتمد القاضي على الاستدلال في البحث عن الحل القانوني للمسألة المعروضة عليه، فهو يطبق الاستدلال بناء على ما لديه من قضايا.

ب- مبادئ الاستدلال:  يعتمد المنهج الاستنباطي على مجموعة من المبادئ الاستدلالية هي :

1- البديهية: يمكن تعريف البديهية بأنها أي افتراض يكون مقدمة لاستنتاج تصريحات أخرى منطقيا.

وتعرف كذلك بأنها قضية بينة بذاتها، و ليس من الممكن أن يبرهن عليها ، وتعد صادقة بلا برهان عند كل من يفهم معناها.

إذن يمكن القول أن البديهية تأخذ بشكل أساسي على أنها صحيحة و لا تحتاج إلى أي إثبات، ومن ثم جاءت تسمية "بديهية".

من خلال كل ذلك تمتاز البديهية بالمميزات التالية:

أ- هي بينة نفسية بحيث تتبين للعقل تلقائيا دون الحاجة إلى برهان.

ب- هي أولية منطقية بحيث أنها قضية أولية غير مستنتجة من قضية أخرى.

ج- هي قضية صورية عامة أو قضية مشتركة بحيث تقبل من كافة العقول ولا تعني فرعا واحدا من العلوم

فالبديهية تستعمل في الرياضيات، وتستعمل كذلك في مجال العلوم الاجتماعية ومن أمثلة البديهيات:

- إذا أضيفت أشياء متساوية إلى أشياء متساوية كانت النتائج متساوية.

- الكل أكبر من كل جزء من أجزائه

- إذا طرحت أشياء متساوية كانت النتائج متساوية

 2- المسلمة: المسلمات هي القضايا التركيبية التي وإن كانت غير بينة بنفسها الا أنها يصادق عليها ونتقبلها نظريا ونسلم بها لأنها لا تؤدي إلى تناقص ومثال ذلك قولنا الانسان يفعل دائما ما ينفعه، و أن كل إنسان يطلب السعادة.

3- التعريفات: التعريف هو عبارة تصف معنى مصطلح معين، و هذا هو المفهوم  العام للتعريف.

  أما المفهوم الدقيق التعريف هو تعبير عن ماهية الشيء المعرف بمصطلحات مضبوطة بحيث يصبح التعريف جامعا مانعا يجمع كل صفات الشيء و يمنع دخول صفات أو خصائص خارجة عنه.

  وإن الجمع و المنع هي الصفتان اللتان تمنحان للشيء المعرف هويته الحقيقية و من خصائص التعريف إذن أنه يكون جامعا مانعا و مباشرا أو غير مباشر و يستعمل التجريد و التعميم.

  و التعريف قد يكون رياضيا و هو التعريف الثابت غير المتغير ، و قد يكون دينيا بحيث يتطور بتطور الشيء ذاته و هذا ما يحصل أحيانا في مجال العلوم الانسانية و الاجتماعية نظرا لخصوصية هذه الدراسات و حركيتها و ديناميكيتها.

دور الاستدلال في العلوم القانونية: يعتبر المنهج الاستنباطي من أهم المناهج المستعملة في مجال البحث القانوني، ويعتبر الاستدلال بصفة خاصة أحد ركائز الدراسات القانونية نظرا لاستخدامه من طرف القضاة و المحاميين و الباحثين في مجال العلوم القانونية.

  وفي المسائل القانونية التي تطرح على القاضي يستخدم القاضي أداة القياس لتكييف النزاع المعروض عليه ، حيث يكيف القاضي المسألة ما إذا كانت مسألة واقع أم مسألة القانون، والفرق واضح بين مسألة الواقع ومسألة القانون ففي الحالة الاولى لا رقابة للمحكمة العليا عليها، في حين أن الحالة الثانية تخضع لرقابة المحكمة العليا حيث أن دور المحكمة العليا هو مراقبة تطبيق القانون

 مــثـال: قام عمر ببيع عقاره إلى أحمد بتاريخ 01/01/1994،و هذا الاخير لم يقم بتسجيل العقد و شهره،و بعد مرور سنة ، قام عمر ببيع العقار نفسه بتاريخ 01/01/1995 إلى المدعو علي الذي قام بتسجيله و شهره .

السـؤال : أي المشتريين الاسبق تاريخيا في شراء العقار؟

الجواب:

  - تاريخ 01/01/1994 أسبق من تاريخ 01/01/1995 ( مقدمة كبرى)

  - عقد البيع الخاص بأحمد مؤرخ في 01/01/1994 و عقد البيع الخاص بعلي مؤرخ في 01/01/1995 (مقدمة صغرى)

  - عقد أحمد أسبق تاريخيا من عقد علي ( النتيجة)

من خلال هذا المثال نلاحظ أن المقدمة الكبرى و المقدمة الصغرى تتكون من وقائع مادية ، وهذه الحالة تكون المسألة مسألة واقع.

  لكن إذا طرح السؤال بالطريقة التالية: إلى أي من المشتريين تنتقل الملكية؟

الجواب:

  - تنتقل ملكية العقار في عقد البيع بعد الشهر العقاري (مقدمة كبرى)

  -عقد البيع الخاص بأحمد لم يتم شهره،و عقد البيع الخاص بعلي تم شهره(مقدمة صغرى)

  - تنتقل الملكية إلى علي (نتيجة)

ففي هذا المجال نلاحظ أن المقدمة الكبرى هي مبدأ قانوني وفي هذه الحالة فالمسألة هي مسألة قانون تخضع لرقابة المحكمة العليا.

  من خلال ذلك يمكن القول أن التمييز بين مسألة الواقع و بين مسألة القانون يقدم على الربط بين وقائع مادية و وقائع مادية أخرى في حالة مسألة الواقع تقوم على الربط بين وقائع مادية و مبادئ قانونية في حالة مسألة القانون.

إذن من خلال ذلك يعتمد القاضي على الاستدلال في الوصول إلى الحكم و حل النزاع بحيث يتم الربط بين الوقائع المادية و المبدأ القانوني و يؤدي ذلك إلى الوصول إلى النتيجة المتمثلة في الحكم .

  من خلال كل ذلك ،فإن الاستدلال ارتكزت عليه الدراسات القانونية في مجال فلسفة القانون و علم الاجتماع القانوني ، و البحث عن أصل الدولة و السلطة و الامة و الديمقراطية.....إلخ

  بالاضافة إلى ذلك فإن المنهج الاستنباطي الاستدلالي له أهمية كبيرة في العمل القانوني من خلال تدقيق كلام الشهود و الوثائق لمعرفة صحتها ، وفي إعداد الابحاث و المذكرات القانونية بحيث تلتزم بالقواعد المنطقية وعملية تكييف المسائل القانونية.

يخضع كل علم في تحقيقه وإثباته إلى منهجية معينة تنير للباحث طريق الوصول إلى الحقيقة التي يسعى إليها عبر التقيد بمجموعة من التوجيهات والضوابط تحكم عمله سعياً للوصول إلى نتيجة مرجوة، ومن خلال استخدام أدوات للبحث لابد من الإحاطة بها وطريق لابد من سلوكه عند استعمال تلك الأدوات. فغاية المنهجية أن يحسن المرء توجيه فكره عند البحث عن الحقيقة في علم من العلوم؛ فقد تتساوى المعلومات والقدرات عند الأفراد أحياناً، ورغم ذلك فإنهم قد لا يتساوون في الاهتداء إلى الحقيقة التي يبحثون عنها، إذ يمكن أن تختلف وتتنوع أراءهم وأحكامهم في الموضوع ذاته، وعندها لا يمكن القول إن هذا التنوع سببه فقط كون البعض أكثر فطنة أو إدراكاً أو معرفة بالموضوع المبحوث فيه، بل إن سبب ذلك يعود لاختلاف المنهج الذي يحكم تفكير كل منهم، وتوفره عند البعض وفقدانه عند البعض الآخر. فالمنهج قد يدفع المرء إلى التركيز على أشياء وزوايا من شأنها أن تنير جوانب من بحثه تختلف عن الأشياء والزوايا التي يركز عليها من لا يمتلك مثل ذلك المنهج. وإذا كانت العقول الكبيرة مؤهلة للقيام بأسمى الفضائل، إلا أنها معرضة للوقوع بأكبر الرذائل. ولعل في المنهج الذي اعتمدته السلحفاة في سباقها مع الأرنب خير دليل على ذلك؛ فالذي يهديه منهجه إلى صراط مستقيم يمكنه ولو بخطى وئيدة أن يبلغ هدفه قبل غيره ممن يسابق الريح ولكنه ضل تلك الطريق؛ فالمنهج يزود صاحبه بحجة أقوى تنم عن فكر منظم يتصف بالوضوح، ويعطيه قدرة أكبر على الإقناع؛ المنهجية تعتبر مسلّمة لا يمكن لأي باحث تجاهلها؛ ولا بد لغير الممتهن من الرجوع إليها، وفي نفس الوقت لا يسع الممتهن إلا أن يفيد منها. وقد توصل ديكارت إلى مجموعة من القواعد في توجيه الفكر تتصف بعموميتها، وتلك القواعد هي:

القاعدة الأولى: عدم أخذ أي أمر على أنه حقيقة إلا إذا تجلت حقيقته بصورة واضحة، وهذا يفترض تجنب التسرع والأحكام المسبقة.

القاعدة الثانية: تجزئة الصعوبات موضوع البحث ـ أي بحث ـ إلى أكبر قدر ممكن من الجزئيات فيسهل حلها.

القاعدة الثالثة: توجيه الفكر بشكل منظم بدءاً بالمواضيع والأشياء الأبسط للفهم، ثم الارتقاء درجة درجة نحو الأشياء والمواضيع ومن ثم المعارف الأكثر تعقيداً.

القاعدة الرابعة: إحصاء كل الأمور بشكل كامل ثم إجراء مراجعة شاملة وعامة حتى لا يغفل أو يهمل شيء.

وإذا كان يصح اعتماد تلك القواعد في مختلف العلوم، فلا شك أنها تنطبق على علم القانون حيث تحتمل كلمة قانون معنيين يكمّل بعضهما البعض:

المعنى الأول: يدل على مجموعة معينة من القواعد القانونية تنظِّم جانباً معيناً من جوانب الحياة الاجتماعية واردة بأرقام متسلسلة وبترتيب معين ضمن قانون صادر عن السلطة التشريعية كقانون السير أو قانون العقوبات أو قانون الايجار.

المعنى الثاني: يدل على جميع القواعد القانونية التي تنظم العلاقات الاجتماعية وتحكم سلوك الأفراد في المجتمع، فيظهر كقواعد سلوكية اجتماعية مقرونة بجزاء، الأمر الذي يفرض على الأفراد الانصياع لها وإلا تعرضوا للجزاء، ومن ثم عندما يقال أن القانون يضع حلاً لقضية معينة، فيعني ذلك أن هناك قاعدة قانونية تنظم تلك القضية مع غيرها من القضايا المماثلة وتضع لها حلاً قانونياً.

وينتج عن المعنيين المتقدمين لكلمة "قانون" أن القانون وليد الحياة الاجتماعية ويتطلب الإحاطة بأنواع مختلفة من المعرفة والعلوم؛ فالقانون هو ثمرة الحياة الاجتماعية؛ أي أنه نتيجة حتمية لعيش الإنسان ضمن المجتمع؛ فعندما كان يعيش الإنسان في الحياة البدائية لم يكن هناك حاجة لقواعد قانونية تنظم حياته وتحدد له سلوكه، ولكن بعد أن انتقل من الحالة البدائية إلى الحالة الاجتماعية، كان لابد من وضع قواعد سلوكية للأفراد تؤمن انتظام الحياة في المجتمع. وقد تطورت تلك القواعد بتطور الحياة الاجتماعية، فأصبح القانون ملازماً لحياة الفرد في كل مظاهر نشاطه.

وإذا كان الإنسان أحياناً لا يعير وزناً للقانون، إلا أنه يبقى على احتكاك دائم به لأنه يلازم حياته اليومية، وفي كل عمل يقوم به من قيادة السيارة (قانون السير) إلى العمل الذي يتعاطاه (قانون العاملين الأساسي أو قانون العمل أو قانون التجارة)، أو داخل منزله وعلاقته مع أفراد عائلته (قانون الأحوال الشخصية أو قانون الملكية أو قانون الايجار). من هنا يظهر القانون كحقيقة ملازمة لحياة الإنسان ضمن المجتمع، ولكنها حقيقة تنظم حياة الإنسان وتفرض عليه التزام سلوك معين يتحقق من خلاله التآلف والانسجام داخل المجتمع؛ وبعبارة أخرى، فإن الحاجة إلى القانون لا تتجلى إلا عند عيش الإنسان ضمن المجتمع؛ فالإنسان ككائن اجتماعي ميال بطبعه إلى العيش في مجتمع وإلى علاقات اجتماعية مع بقية أقرانه.. والحياة الاجتماعية تُبرز بذاتها فكرة القانون وذلك لعدة أسباب منها: يمنع حكم القوي ويمنع العنف ويعترف لأفراد المجتمع بحقوقهم، ومن ثم يتجه لحماية تلك الحقوق عن طريق إيجاد حلول للنزاعات التي يمكن أن تنشب بين أفراد المجتمع؛ فالنزاعات ضمن المجتمع هي في صلب معنى القانون؛ لذلك يتطلب علم القانون الإحاطة بأنواع مختلفة من المعرفة والعلوم؛ فكل قانون وكل قاعدة من القواعد القانونية تحتوي بذاتها على مجموعة من المعطيات المستمدة من صميم الحياة الاجتماعية وعلى حلول يتضمنها القانون لذلك الجانب من جوانب الحياة.

والحقيقة، أنّ فهم تلك المعطيات لا يقتصر على فهم القاعدة القانونية والحلول التي تقررها القواعد، بل يتطلب أيضاً فهم الأحداث اليومية المرتبطة بالقاعدة القانونية سواء ظهر الارتباط في مرحلة تكوين القاعدة أو مرحلة تطبيقها. ولا شك في أن تكوين القاعدة القانونية وتطبيقها يعتبران مؤشران على المستوى الثقافي والحضاري للمجتمع الذي ولدت فيه القاعدة. وإذا كانت القاعدة القانونية توفر بذاتها أنواعاً كثيرة من المعرفة، إلا أنها تبقى مرتبطة بالعلوم المختلفة برابطة وثيقة لأن كل تطور يطال بقية العلوم، كالفلسفة والطب والهندسة والمعلوماتية، لابد أن يترك بصماته على القانون.

وفي هذا السياق، يقول الفقيه "فرنسوا جيني" في كتابه عن مصادر القانون والمنهج لتفسيره: هناك وجهان في كل نوع من أنواع المعرفة؛ الوجه الأول، هو المبادئ والوجه الثاني، هو التطبيقات. فالمبادئ تنتمي إلى العلم، أما التطبيقات فتجسد الفن بوضع هذا العلم موضع التطبيق. وهذا التمييز بين العلم والتطبيق الذي تخضع له كل أنواع المعرفة يضفي بظلاله ويهيمن على كل الأبحاث والدراسات القانونية؛ إذ هناك نوعان من القانون؛ النوع الأول هو القانون المحض والنوع الثاني هو القانون في وجهه التطبيقي؛ والقانون المحض هو القانون المثالي الذي يرتكز على ثوابت الطبيعة البشرية ومقومات الحياة الاجتماعية التي تنصب على التمييز بين العدالة والظلم بالمطلق، أي بصرف النظر عن حدود الزمان والمكان.. وهذا هو علم القانون. أما القانون في وجهه التطبيقي، فهو يهتم بحل المشاكل ضمن حدود الزمان والمكان، وهنا يظهر القانون بمظهر القانون الوضعي والمكتوب، والذي يتناسب مع الغايات التي حتّمت وجوده وهو الذي يعطي الحلول للمشاكل المعقدة والمتنوعة والمنبثقة من حياة الإنسان ضمن المجتمع. وإذا كانت الحياة القانونية تُختصر فيما مضى بعبارات الفطنة أو الحس السليم أو العادة أو الخبرة التي تتوافر عند رجل القانون، فإن جهوداً كبرى بُذلت من قبل بعض جهابذة القانون لإثبات أن علم القانون يخضع لمنهجية تحكمه أسوة ببقية العلوم

فالقانون هو بحث دائم عن المعرفة وممارسة يومية يتعاطاه من يضع القاعدة القانونية, من يدرسها, من يفسرها, من يطبقها، من يبحث عن الحلول التي تتضمنها, ومن ثم هناك أعمال متنوعة تتعلق بالقانون وتختلف باختلاف موضوعها والغاية منها. فهناك الأعمال التي تنصب على حل نزاع قانوني سواء طرح النزاع على الطالب بشكل مسألة عملية، أو طرح على المحامي لإعطاء النزاع مجراه القانوني للوصول إلى الحل، أو طرح على القاضي للفصل فيه. وهؤلاء يحاولون أثناء  الدراسة تلمس المنهجية التي تمكنهم من إنجاز العمل، علَّ المنهجية تهديه إلى الطريق القويم عبر ربط العناصر الواقعية للنزاع بالقاعدة القانونية وفقاً لمنهجية علمية توصلاً للحل المنشود عن طريق القياس المنطقي المعروف في علم المنطق الشكلي، حيث يستطيع الباحث أن يصل إلى القاعدة الكبرى  ـ النص القانوني ـ ويطبقها على القاعدة الصغرى ـ الواقعةـ ليصل إلى الرأي الذي يحسم به الدعوى أو النزاع القانوني. وشأن علم المنطق في قيامه بهذه الوظيفة شأن علم أصول الفقه الذي يتكون من المناهج التي تبين للفقيه الطريق الذي يلتزمه في استخراج الأحكام من أدلتها وترتيب الأدلة من حيث قوتها؛ فالمنهجية والمنطق كلاهما ميزان يضبط العمل ويعصمه من الخطأ في الفكر ويمنعه من الخطأ في الاستنباط، وعن طريقهما يتبين الاستنباط الصحيح من الاستنباط الباطل.

وفي ضوء ما تقدم، نرى إدخال علم المنطق والمنهجية العلمية كأحد العلوم الأساسية التي تدرّس في كليات الحقوق، باعتبار أن هذين العلمين لا غنى عنهما لتدريب العقل على أصول التفكير السليم، وهما من العلوم التي تساعد على التطبيق السليم للعلوم القانونية في دنيا الواقع.