تعريف دعوى الإلغاء وخصائصها  

عرّف جانب من الفقه دعوى الإلغاء على أنها " خصومة قضائية يرفعها كل ذي مصلحة وبطالب فيها بإلغاء قرار إداري غير مشروع ". كما عرّفها البعض الآخر على أنها " الدعوى التي يقيمها أحد الأفراد أو إحدى الهيئات أمام القضاء الإداري يطلب فيها إعدام قرار إداري مخالف للقانون ". وعرّفها البعض الآخر على أنها " الدعوى التي يقيمها أحد الأفراد أو الموظفين أو إحدى الهيئات أمام القضاء الإداري يطلب فيها إعدام قرار إداري لعدم مشروعيته " .

ونخلص الى تعريفها انها " الدعوى القضائية الإدارية التي يرفعها صاحب الصفة والمصلحة أمام الجهات القضائية المختصة ويطلب فيها إلغاء أو إبطال قرار إداري غير مشروع ألحق ضررا بمركزه القانوني ".


دعوى الإلغاء

                 تشكل دعوى الإلغاء الطعن القضائي ضد القرارات الإداریة المشوبة بعیب من عیوب عدم المشروعیة، یترتب علیها بطلان القرارات الإداریة المخالفة للقانون ، مما جعلها الوسیلة الأكثر استعمالا وانتشارا لدى المتقاضین، ونظر لخطورتها أخضعها المشرع لرقابة القاضي الإداريا حت راما لمبدأ المشروعیة وتكریسا لدولة القانون، وهو ما یفسر اهتمام المشرع الجزائري بها فقد خصها بالعدید من الأحكام والشروط، وجعلها بمثابة رخصة في ید الأفراد لمواجهة الإدارة وذلك بهدف الاقرار بحقوقهم.

             وتتسم دعوى الإلغاء بخصائص تمیزها عن غیرها من الدعاوى، وتجعلها مستقلة بذاتها وهذا بالنظر لخطورتها وتعلقها بالنظام العام فلا یجوز الاتفاق على مخالفتها، مما أدى بذلك إلى وضع عملیة التمییز لتفریق بینها وبین الدعاوى الإداریة الأخرى.

وكما سبق ذكرهدعوى الإلغاء، هي الدعوى القضائية الإدارية التي تكرّس مبدأ المشروعية من خلال إعدام القرارات الإدارية غير المشروعة للإدارة العامة، وهي وسيلة الأفراد في حماية حقوقهم وحرياتهم في مواجهة هذه الإدارة وما تتمتع به من امتيازات السلطة العامة، والنتيجة التي تتحقق بواسطة دعوى الإلغاء لا يمكن أن تتحقق بواسطة أية دعوى إدارية أخرى مهما كانت، لذلك وصفها الفقه الفرنسي بأنها التقنية القانونية الأفضل على الإطلاق التي تم ابتكارها مع بداية القرن العشرين للدفاع عن حقوق وحريات الأفراد من تعسف الإدارة.

ولعلّ أهم ما يميز دعوى الإلغاء النظام القانوني الدقيق الذي يحكمها سواء من حيث شروطها الشكلية والموضوعية أو إجراءاتها ومواعيدها.

تعتبر دعوى الإلغاء من أهم الدعاوى الإدارية على الإطلاق، فهي دعوى متميزة خاصة من حيث النتائج المحققة بواسطتها. وللإلمام بهذه الدعوى من كل الجوانب لابد أن نتناول أولا التعريف بها وخصائصها، ثم الشروط الشكلية لقبولها، وفي عنصر ثالث الشروط الموضوعية لهذه الدعوى أو ما يطلق عليه أوجه الإلغاء، ثم ضمن عنصر أخير نتناول قواعد الاختصاص بالنظر في دعوى الإلغاء.

أولا : تعريف دعوى الإلغاء وخصائصها  

عرّف جانب من الفقه دعوى الإلغاء على أنها " خصومة قضائية يرفعها كل ذي مصلحة وبطالب فيها بإلغاء قرار إداري غير مشروع ". كما عرّفها البعض الآخر على أنها " الدعوى التي يقيمها أحد الأفراد أو إحدى الهيئات أمام القضاء الإداري يطلب فيها إعدام قرار إداري مخالف للقانون ". وعرّفها البعض الآخر على أنها " الدعوى التي يقيمها أحد الأفراد أو الموظفين أو إحدى الهيئات أمام القضاء الإداري يطلب فيها إعدام قرار إداري لعدم مشروعيته " .

ونخلص الى تعريفها انها " الدعوى القضائية الإدارية التي يرفعها صاحب الصفة والمصلحة أمام الجهات القضائية المختصة ويطلب فيها إلغاء أو إبطال قرار إداري غير مشروع ألحق ضررا بمركزه القانوني ".

 

تتصف دعوى الإلغاء بخصائص عديدة تتمثل في ما يلي :

-دعوى الإلغاء دعوى قضائية :

-دعوى الإلغاء دعوى عينية (موضوعية) :

-دعوى الإلغاء تنتمي إلى قضاء المشروعية :

-دعوى الإلغاء من النظام العام :

ثانيا : الشروط الشكلية لقبول دعوى الإلغاء

يتطلب رفع دعوى الإلغاء توافر شروط شكلية تتعلق بالقرار المطعون فيه ورافع الدعوى وكذلك احترام شرطي الميعاد والتظلم.

1. شرط القرار المطعون فيه : لكي تكون هناك دعوى إلغاء أو دعوى تجاوز السلطة، من الازم أن يكون  القرار محل النزاع قابلا للخصومة، فمن حيث المبدأ، كل قرار إداري يمكن أن محلا لدعوى الإلغاء، ومع ذلك، فإن تعريف القرار الإداري يمكن أن يثير بعض الصعوبات، حيث أن بعض القرارات بإمكانها الإفلات، لسبب أو لآخر من رقابة الإلغاء (مثل أعمال السيادة)، ولكي يكون القرار قابلا للطعن بالبطلان أو الإلغاء يجب أن يكون قرارا إداريا ذو طبيعة نهائية تنفيذية وصادر عن هيئة إدارية وطنية .

-القرار المطعون فيه في دعوى الإلغاء، قرار إداري .

- القرار الإداري تنفيذي نهائي .

- القرار الإداري صادر عن سلطة وطنية :

2. الشروط الواجب توافرها في رافع دعوى الإلغاء :

قبل أن يبحث القاضي في موضوع الدعوى، عليه أن يبحث في مدى توافر شروطها، فإذا تخلف شرط من شروطها حكم بعدم قبولها ولا ينتقل إلى دراسة موضوعها إلا إذا لاحظ توافر شروط قبولها.

وبالنسبة للشوط الواجب توافرها في رافع الدعوى عموما، تنص المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه : " لا يجوز لأي شخص، التقاضي ما لم تكن له صفة، وله مصلحة قائمة أو محتملة يقرها القانون.

يثير القاضي تلقائيا انعدام الصفة في المدعي أو في المدعى عليه.

كما يثير تلقائيا انعدام الإذن إذا ما اشترطه القانون ".

·المصلحة : لم يعّرف القانون المصلحة، أما الفقه عرّفها بأنها " الفائدة العملية المشروعة التي يراد تحقيقها باللجوء إلى القضاء " .

أما المصلحة بمعناها القانوني الدقيق كشرط من شروط قبول دعوى الإلغاء فتعني " الحالة القانونية التي يؤثر فيها القرار المطعون فيه مباشرة، سواء كانت تلك المصلحة حالة أو محتملة " ([1]).

 

الصفة :

وهي خاصية أن تكون المصلحة شخصية ومباشرة، والمقصود بها أن يكون رافع الدعوى هو نفسه صاحب الحق (المصلحة) التي أعتدي عليها، وهكذا استقر القضاء المصري على عدم قبول الدعوى المقامة من طرف شخص له قرابة مع من مس القرار المطعون فيه مصلحتهم، كالزوج الذي يطلب إلغاء قرار مس مصلحة زوجته لانعدام الصفة ([2]).

ويذهب بعض الفقه إلى التمييز بين شرط المصلحة وشرط الصفة، على أساس أن المصلحة هي التي تمكن الشخص الطبيعي أو الاعتباري من حماية مركزه القانوني، في حين أن الصفة هي التي تمكنه من المثول أمام القضاء مدعيا أو مدعى عليه، أصيلا أو وكيلا أو ممثلا قانونيا أو وصيا، أما البعض الآخر فيرى أن مدلول المصلحة (Intérêt) والصفة (Qualité) يندمجان مع بعضهما البعض خاصة في دعوى الإلغاء ([3]).

- الأهلية :

المقصود بها أهلية الآداء – (أهلية التصرف) – أمام القضاء، فطبقا للمادة 40 من القانون المدني، فإنه لا يكون أهلا لمباشرة حقوق المدنية إلا من بلغ سن الرشد 19 سنة كاملة وكان متمتعا بقواه العقلية ولم يحجر عليه. وفي حالة فاقد الأهلية أو ناقصها تطبق أحكام القانون المدني وقانون الأسرة، وعليه، يجب أن يتولى الطعن بالإلغاء الولي أو الوصي (بالنسبة للقاصر) أو القيم (بالنسبة للمحجور عليه).

3. شرط التظلم وشرط الميعاد :

أولا ما يجب أن نشير إليه بالنسبة للتظلم والميعاد كشروط شكلية لقبول دعوى الإلغاء أن قانون الإجراءات المدنية والإدارية قد وحّد الإجراءات والمواعيد (التظلم والميعاد) المتبعة أمام كل من مجلس الدولة الجزائري والمحاكم الإدارية باعتبار أنها صاحبة الاختصاص بالنظر في دعاوى الإلغاء.

أ- التظلم : وهو التماس يتقدم به الشخص المتضرر من عمل الإدارة إلى مصدر القرار ذاته (تظلم ولائي) أو رئيس مصدر القرار (تظلم رئاسي) يطلب فيه مراجعة العمل إما بتعديله أو إلغائه أو سحبه. ولقد كان التظلم في قانون الإجراءات المدنية القديم شرطا وجوبيا، لكن قانون الإجراءات المدنية والإدارية الحالي – القانون رقم 08 – 09 – جعله جوازيا كقاعدة عامة،  بحيث يكون للمتضرر من عمل الإدارة الخيار في أن يقوم به أو لا يقوم به وفقا للمادة 830 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ([4]).

ولكن المشرع الجزائري أبقى على التظلم الإداري كشرط مسبق إلزامي أو وجوبي في بعض المنازعات الخاصة مثل منازعات الصفقات العمومية ومنازعات الضرائب.

وتجدر الإشارة إلى أن قانون الإجراءات المدنية والإدارية قد  نص على التظلم الولائي، أي في حالة قيام المعني بالتظلم فلابد أن يقدمه إلى الجهة مصدرة القرار ذاتها.

وأقرّ المشرع في قانون الإجراءات المدنية والإدارية أن المدة المقررة لرفع التظلم الإداري هي    4 أشهر ابتداء من تاريخ تبليغ القرار للمعني أو نشره.

ب- ميعاد رفع دعوى الإلغاء : يتوقف حساب ميعاد رفع دعوى الإلغاء على تبليغ أو نشر القرار الإداري، ويختلف الأمر فيما إذا كنا بصدر قرار إداري فردي أو قرار إداري جماعي أو تنظيمي.

·القرار الإداري الفردي، وهو ذلك القرار المخاطب لشخص واحد دون سواه، وهنا لابد لبدأ سريان مدة أربعة أشهر المقررة لرفع دعوى الإبطال أن يتم تبليغ المعني بالقرار الإداري شخصيا، ولتحقق التبليغ الشخصي لابد من تحقق شرطيين وهما :

- تسليم نسخة من القرار الإداري للشخص المخاطب به.

- تحرير محضر يؤكد ذلك التسليم، يتمثل في محضر التبليغ، و لابد أن يشار فيه إلى أجل رفع دعوى الإبطال وهو أربعة أشهر، وفي حالة عدم النص على تلك الإشارة، فإن أجل رفع الدعوى يبقى مفتوحا ولا ينقضي بمرور الأربعة أشهر. 

·القرار الإداري الجماعي أو التنظيمي : يبدأ سريان ميعاد الأربعة أشهر المقررة لرفع دعوى الإلغاء ضد قرار إداري تنظيمي ابتداء من تاريخ نشره، وتتم وسيلة النشر سواء بالتعليق في مقر الإدارة المصدرة له أو في الساحات العمومية، أو في الجريدة الرسمية بالنسبة للقرارات التنظيمية كالمرسوم والقرارات الوزارية ([5]).

إذن بالنسبة لمعياد رفع دعوى الإلغاء، سواء تعلق الأمر بدعوى الإلغاء المرفوعة أمام مجلس الدولة أو المحكمة الإدارية فإن الميعاد المقرر يختلف حسب ما إذا قام المعني بالتظلم، لذلك نميز بين حالتين : 

- في حالة رفع التظلم : فإن الميعاد المقررّ لرفع دعوى الإلغاء في حالة رفع التظلم هو شهران (02) ابتداء من تاريخ رد الإدارة على هذا التظلم الذي يرفع في غضون (04) أشهر ابتداء من تاريخ التبليغ أو النشر، أما إذا لم ترد الإدارة صراحة على هذا التظلم فنحسب شهرين (02) من تاريخ رفع التظلم المقرران لرد الإدارة التي سكتت، ويعتبر سكوتها هنا بمثابة رفض ضمني، إذن يكون الميعاد كالتالي : 04 أشهر لرفع التظلم، 02 شهران لرد الإدارة، 02 شهران لرفع دعوى الإلغاء ([6]).

- في حالة عدم رفع التظلم : في حالةعدم رفع التظلم (لأنه اختياري) فإن للمعني مدة أربعة أشهر لرفع دعوى الإلغاء أمام القضاء ابتداء من تاريخ تبليغ القرار الإداري أو نشره .

 

وتحسب المواعيد في الجزائر كاملة، بحيث لا يحتسب اليوم الأول للتبليغ أو النشر، كما لا يحتسب اليوم الأخير المقرّر لرفع الدعوى وفقا لنص المادة 405 من قانون الإجراءات المدنية     والإدارية ([7]).

وإذا صادف اليوم الأخير المقرّر لرفع الدعوى يوم عطلة، فإن الميعاد يمتد إلى أول يوم عمل يليه حسب المادة 405 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

كما نصت المادة 832 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على حالات قطع الميعاد وهي :

1- الطعن أمام جهة قضائية غير مختصة،

2- وفاة المدعي أو تغير أهلية،

3- طلب المساعدة القضائية،

4- القوة القاهرة أو الحادث الفجائي.

ويطلق على هذه الحالات تمديد الميعاد، بحيث ينقطع الميعاد لسبب من الأسباب المذكورة في المادة 832 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على سبيل الحصر، وعند زوال ذلك السبب يبدأ سريان الميعاد من جديد ([8]).

أ- حالة قطع الميعاد بسبب رفع الدعوى أمام جهة قضائية غير مختصة :

يعتبر رفع الدعوى أمام جهة قضائية إدارية غير مختصة سببا من أسباب قطع الميعاد،  ويجعله يسري من جديد لكل مدته القانونية، ولقد أوجد هذا الحل مجلس الدولة الفرنسي في قضية"رنيود " Reynaudبتاريخ 25 ماي 1928، وهذا قياسا على حالة رفع التظلم الإداري أمام جهة إدارية غير مختصة، ولنكون أمام قطع أو تمديد الميعاد وسريانه من جديد، يجب أن تتوافر الشروط التالية :

- أن ترفع الدعوى أمام جهة قضائية غير مختصة إدارية كانت أم عادية.

- أن ترفع تلك الدعوى خلال ميعاد رفع الدعوى القضائية المقررة قانونا.

- أن يصدر حكم أو قرار بعدم الاختصاص ولو على مستوى الاستئناف.

- أن ترفع الدعوى القضائية الثانية أمام الجهة القضائية المختصة خلال الميعاد المقرر قانونا لرفع الدعوى، والذي يبدأ سريانه كاملا ابتداء من تبليغ القرار القضائي بعدم الاختصاص للمدعي، وعلى ذلك فالميعاد ينقطع ابتداء من يوم رفع الدعوى أمام الجهة القضائية غير المختصة، ويستمر الانقطاع إلى غاية صدور حكم أو قرار بعدم الاختصاص وتبليغ للمدعي، وبعد التبليغ نكون بصدد ميعاد جديد والذي يحسب كاملا ([9]).

ب- حالة طلب المساعدة القضائية :

وهو طلب يتقدم به صاحب الشأن للمحكمة بنظر الدعوى لإعفائه من رسومها لعدم مقدرته على أدائها. ويرتب هذا الطلب قطع لميعاد الطعن بالإلغاء إلى حين صدور قرار البت فيه بالقبول أو بالرفض، حيث يبدأ الميعاد في السريان من جديداعتبارا من تاريخ هذا القرار ويشترط أن يقدم هذا الطلب خلال ميعاد الطعن بالإلغاء ([10]).

ج- وفاة المدعي أو تغير أهليته :

تؤدي وفاة المدعي أو تغير أهليته إلى قطع الميعاد وسريانه من جديد، لأن الشخص المتوفى لا يستطيع مباشرة حقوقه والتي تنتقل إلى ورثته بعد إعدادالفريضة، وكذا الحال بالنسبة للشخص الذي تتغير أهليته، كأن يصاب بعارض من عوارض الأهلية مثل حالتي الجنون أو العته، أو يصاب بمرض خطير يقعده في الفراش ويجعله غير قادر على رفع الدعوى الإدارية، وعلى ذلك  فإن كان ميعاد رفع الدعوى قد بدأ، فإنه يسري من جديد بالنسبة للورثة أو للمثل القانوني لمن تغيرت أهليته وهو إما المقدم أو الوصي أو الولي الخ ... ([11]).

د- حالة القوة القاهرة :

تعتبر حالة القوة القاهرة هي الحالة الرابعة التي يترتب على تحققها قطع الميعاد، وأساس ذلك أن الأصل العام يقتضي عدم سريان المواعيد في حق من يستحيل عليه اتخاذ الإجراءات للمحافظة على حقه. ويعتبر من قبيل القوة القاهرة كل طارئ مفاجئ يخرج عن إرادة الفرد ولم يكن بإمكانه تقويمه أو دفعه، كالحرب أو الثورة أو الفيضان المدمر، أو أية كارثة طبيعية أو أي طارئ آخر يتعذر معه على صاحب الشأن رفع الدعوى في المهمة المحددة للطعن بالإلغاء ([12]).

 

ثالثا : الشروط الموضوعية لقبول دعوى الإلغاء (أوجه الإلغاء)

يقصد بأوجه الإلغاء – أو أسباب الإلغاء – مختلف العيوب التي قد تصيب القرار الإداري غير المشروع وتؤدي بالتالي إلى الحكم بإلغائه. وتتمثل العيوب التي قد تلحق القرار الإداري في عيب عدم الاختصاص، عيب الشكل والإجراءات، عيب انعدام السبب، عيب مخالفة القانون وأخيرا عيب إساءة استعمال السلطة (عيب الانحراف بالسلطة).

وإذا شاب القرار الإداري عيب من هذه العيوب فإنه يصبح غير مشروع (illégal) وبالتالي تكون رقابة القاضي الإداري عليه رقابة مشروعية.

1. عيب عدم الاختصاص : كل سلطة إدارية لا تمارس إلا الاختصاص المحدد لها، واحترام هذا التحديد هو من النظام العام، والخروج عنه يجعل العمل غير مشروع ([13]).

لقد عرّف الأستاذ لافريير (Laferrière) عيب عدم الاختصاص على أنه " عدم الأهلية الشرعية لسلطة إدارية لاتخاذ قرار، أو إبرام عقد لا يدخل ضمن صلاحياتها ". أما الفقيه بونار (Bonnard) فقد عرّفه كما يلي : " يكون القرار معيبا بعيب عدم الاختصاص إذا كان من الممكن  اتخاذه لكن اتخذ من طرف عون آخر غير العون الذي كان من الممكن أن يتخذ من طرفه ".

ويمكن تعريف عيب عدم الاختصاص في دعوى الإلغاء بأنه " عدم القدرة على مباشرة عمل قانوني معين، لأن المشرع جعله من سلطة هيئة أو فرد آخر ".

لعيب عدم الاختصاص صورتان بينهما الفقه والقضاء الإداريين، وهما عيب عدم الاختصاص الجسيم ويطلق عليه اغتصاب السلطة، أما الصورة الثانية فتتمثل في عيب عدم الاختصاص البسيط ([14]).

أ- عيب عدم الاختصاص الجسيم (اغتصاب السلطة) :

تتجسد حالة اغتصاب السلطة عندما يتخذ قرار إداري سواء من شخص أجنبي تماما عن سلم  الأعوان الإداريين، أو من سلطة إدارية والتي تتخذ قرارها مخالفة بذلك المبادئ القانونية الأولية والتي تعتدي على اختصاصات السلطة القضائية أو التشريعية، تحت تحفظ تطبيق نظريات المرونة كما هو عليه الحال بالنسبة للموظفين الفعليين أو نظرية الظروف الاستثنائية، وتؤدي هذه المخالفة الجسيمة إلى أن يكون القرار المتخذ قرارا منعدما ([15]).

ويترتب على اعتبار القرار منعدما في هذه الحالة عدة نتائج هامة، تتمثل في تجريد القرار من كل أثر باعتباره عملا ماديا وليس تصرفا قانونيا. كما أن القرارات المنعدمة تمثل استثناء عل آثار انقضاء ميعاد الطعن بالإلغاء، بحيث أن الطعن فيها لا يتقيد بشرط الميعاد، فيمكن سحبها أو إلغاؤها بعد انتهاء ميعاد الستين يوما المحددة للطعن بالإلغاء ([16]).

ويمكن أن تتجسد حالة اغتصاب السلطة من خلال صورتين هما:

- صدور القرار الإداري عن فرد عادي : وتتحقق هذه الصورة عندما يقحم شخص عادي نفسه في الاختصاصات الإدارية، فيكون عمله منبت الصلة بالأعمال الإدارية ولا أثر له ([17]).

- الاعتداء على اختصاص السلطتين التشريعية والقضائية:كأن يتناول القرار الإداري تنظيم أمر لا يملك أن ينظمه إلا المشرع وفقا لأحكام الدستور، أو أن تحاول الإدارة حسم منازعات من اختصاص القضاء بقرارات إدارية، ومن أمثلة القرارات المتعلقة بالحالة الأولى (التعدي على اختصاص السلطة التشريعية) أن يصدر عن الوزير قرار يشمل قيودا تحد من تشاط الأفراد وحرياتهم في التعامل ويتضمن قواعد عامة، ومن المؤكد أن هذه القواعد لا يجوز أن تصدر إلا بقانون أو على الأقل لابد أن تستند إلى قانون وبالتالي يكون القرار الوزاري المتضمن لقواعد عامة تحد من حرية الأفراد من التعامل باطلا في موضوعه ([18]).

أما بالنسبة لاعتداء السلطة التنفيذية على اختصاصات السلطة القضائية فيمكن أن نستدل بالقرار الصادر بإلزام الموظف بقيمة العجز وتحصيله منه عن طريق الخصم من راتبه، وهو ما يعد فصل في منازعة مدنية مما يدخل في اختصاص القضاء العادي ويخرج من ولاية السلطات التأديبية ([19]).

ب- عيب عدم الاختصاص البسيط : 

تقوم السلطة التنفيذية بمباشرة اختصاصاتها عن طريق توزيعها على الإدارات والهيئات التابعة لها، فإذا ما وقع تجاوز من إدارة معنية أو موظف لهذه الحدود المقررة بالقوانين، فإن القرارات الصادرة في هذه الحالة تكون مشوبة بعيب عدم الاختصاص. ومن الواضح أن عدم الاختصاص البسيط يقع داخل السلطة التنفيذية وبين إدارتها وموظفيها.

ويتخذ عيب عدم الاختصاص البسيط أو العادي ثلاثة صور تقليدية متفق عليها من طرف الفقه، فقد يكون موضوعيا (ماديا)  أو زمنيا أو مكانيا.

- عدم الاختصاص الموضوعي  : نكون بصدد عدم الاختصاص الموضوعي أو المادي عندما يكون موضوع القرار المطعون فيه خارج اختصاص الشخص الذي اتخذ هذا القرار ([20]).

إذن يقع عدم الاختصاص من حيث الموضوع عند صدور القرار الإداري ممن لا يملك سلطة إصداره في مسألة معينة تدخل في اختصاص هيئة عضو آخر. وعلى هذا الأساس فإن هذا النوع من عدم الاختصاص يمثل اعتداء من هيئة إدارية على اختصاص هيئة أخرى، أو من عضو على اختصاص عضو آخر ([21]).

وقد يقع هذا الاعتداء من سلطة إدارية على اختصاص سلطة أخرى مساوية لها، أو من سلطة إدارية أدنى على اختصاص سلطة إدارية أعلى منها أو من سلطة رئاسية على اختصاص سلطة إدارية أدنى، وكذلك اعتداء سلطة مركزية على اختصاص مقرر لسلطة لا مركزية، وقد تتحقق صورة عدم الاختصاص المادي عند صدور القرار بناء على تفويض أو حلول مخالف للقانون ([22]).

- عيب عدم الاختصاص الزماني:

تتحقق حالة عدم الاختصاص الزماني عندما تتصرف السلطة الإدارية – سبب المدة غير المحترمة – وهي غير مختصة بعد، أو تتصرف بعد فقدها لاختصاصها، ونكون بصدد هذه الحالة :

· عندما تتخذ السلطة الإدارية قرارات سابقة لتعيينها.

· تلك القرارات التي تتخذها بعد انتهاء وظائفها، باستثناء فرضية الحكومة التي قدمت استقالتها، والتي عليها معالجة القضايا الجارية، أو عندما لا يتخذ أي إجراء للحلول أو للإنابة.

· عندما تعين سلطة إدارية في وظيفة ما، لكن لم يتم تنصيبها في تلك الوظيفة وتقوم باتخاذ قرارات إدارية.

· عندما تكون المدة التي كانت في متناول الإدارة للتصرف قد انتهت.

وقد يحدد القانون مدة وظائف بعض  السلطات الإدارية، كما هو عليه الحال بالنسبة للمجالس التداولية ورؤساء البلديات، ووفقا لهذه الشروط، فالقرارات المسبقة لن تكون ذات قيمة قانونية، إذا كانت متخذة لبدأ سريانها في تاريخ لاحق لانتهاء سلطات مصدرها ([23]).  

ومن القرارات التي يمكن أن نستشهد بها بخصوص عيب عدم الاختصاص الزماني، قرار مجلس الدولة الجزائري (الغرفة الثانية) الصادر بتاريخ 25-02-2003 في قضية س/ضد مدير التربية لولاية سطيف (الملف رقم 7462)، بحيث قضى مجلس الدولة في قضية الحال أنه لا يجوز لجهة الإدارة ممثلة في مدير التربية لولاية سطيف إصدار قرار تأديبي في زمن يتمتع فيه الموظف بعطلة قانونية ([24]).

- عيب عدم الاختصاص المكاني  :

إذا كانت بعض الهيئات الإدارية والموظفين كرئيس الحكومة والوزراء يزاولون اختصاصاتهم على صعيد الدولة ككل فهناك بعض الهيئات مثل الهيئات الا مركزية الإقليمية فليس لها أن تمارس اختصاصاتها وفقا للقانون إلا على المجال الإقليمي الذي يشكل مجالا لاختصاصها ([25]).

فإذا ما قامت الهيئة الإدارية بمباشرة اختصاصاتها خارج المجال الإقليمي المحدد لها، تكون قراراتها مشوبة بعيب عدم الاختصاص المكاني. وحالات عدم الاختصاص المكاني ليست كثيرة الوقوع عمليا، وترجع عادة إلى عدم دقة تحديد الدائرة المكانية لممارسة الاختصاصات الإدارية ([26]).

. عيب الشكل والإجراءات :

يحدث عيب الشكل والإجراءات عند مخالفة الإدارة للقواعد والإجراءات الشكلية التي قررها القانون بمناسبة إصدارها لقراراتها، ويستوي في ذلك أن تكون هذه المخالفة كاملة أو جزئية.

والأصل أنه لا يشترط  في القرارات الإدارية شكل خاص لصدورها، ما لم يقرر القانون عكس ذلك على سبيل الاستثناء، وعندئذ لا تكون القرارات مشروعة إلا إذا صدرت ممن يملك إصدارها، وبإتباع الشكليات المحددة، وباتخاذ الإجراءات المقررة ([27]).

فقد يتطلب المشرع ضرورة صدور القرار الإداري في شكل معين، كأن يكون مكتوبا أو مسببا، أو قد يستلزم أخذ رأي جهة معينة قبل إصداره، ولكي يكون القرار مشروعا لابد من مراعاة هذه الشكليات، خاصة إذا نص المشرع على البطلان كجزاء على مخالفة قواعد الشكل والإجراءات المقررة، وفي هذه الحالة يصدر القرار معيبا وباطلا. أما إذا سكت المشرع عن ذكر هذا الجزاء، فإن المسألة تعود إلى القضاء الإداري، الذي يبحث في مدى أهمية الشكل المطلوب، والذي صدر القرار مخالفا، لكي يحدد ما إذا كانت هذه المخالفة تؤثر على مشروعية القرار أم أن لها أهمية ثانوية ولا تؤثر بالتالي على هذه المشروعية ([28]).

وفيما يتعلق بموقف القضاء الجزائري من عيب الشكل فإن أغلب الحالات التطبيقية لعيب الشكل المعروضة على الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا سابقا وعلى  مجلس الدولة حاليا على قلتها، تتعلق بثلاث أنواع أو حالات من العيوب، وتتمثل في عدم قانونية تشكيل لجنة إدارية، وعدم التسبيب ([29]) لقرار أو عقد إداري، وكذا في عدم احترام الشكليات المتعلقة بالتبليغ والإشهار ([30])

3. عيب السبب :

لقد عرّف عيب السبب على أنه العيب الذي " يتعلق بعنصر من عناصر القرار الإداري والمتكوّن من بواعث القرار، أي الوقائع السابقة والخارجية للقرار، والتي حمل وجودها مصدر القرار إلى إصداره "

ويمكن أن نؤكد أن رقابة القضاء الإداري على أسباب القرارات الإدارية هي الرقابة التي تطورت كثيرا وفتحت مجالا كبيرا لإعمال رقابة القاضي الإداري على القرارات الإدارية ([31]).

ومن المسلم به أن الإدارة ليست ملزمة بأن تذكر سبب ([32]) تدخلها إلا إذا أمرها القانون بذلك، فيصبح التسبيب عنصرا من العناصر الشكلية الجوهرية التي يترتب على إغفالها بطلان القرار من الناحية الشكلية، إلا أنه من المفروض في كل قرار إداري – حتى ولو صدر خلوا من ذكر الأسباب – أن يكون مستندا في الواقع إلى دواع قامت لدى الإدارة حين أصدرته، وإلا كان القرار باطلا لفقدانه ركنا أساسيا هو سبب وجوده ومبررا إصداره([33]).

لقد تطورت رقابة القضاء الإداري الفرنسي على احترام الإداري لركن السبب تطورا ملحوظا لتشمل الرقابة على وجود الوقائع والرقابة على تكييف الوقائع ثم أخيرا الرقابة على ملاءمة الوقائع.

. عيب المحل (مخالفة القانون) :

ركن المحل في القرارات الإدارية هو الأثر القانوني المباشر والحال الذي يترتب عن صدور القرار الإداري، ويؤدي إلى إحداث تغيير في الهيكل القانوني السائد، وذلك عن طريق إنشاء مركز قانوني جديد أو تعديل أو إلغاء مركز قانوني كان قائما وموجودا، فمحل قرار التعيين في وظيفة ما، هو الأثر القانوني المباشر والحال المتولد عن هذا القرار والمتمثل في إسناد شخص معين إلى مركز وظيفي شاغر، وإضفاء علاقة وصفة الموظف العام على هذا الشخص ([34]).

ويقتضي عيب المحل الذي قد يشوب القرار الإداري أن يكون معيبا في فحواه أو مضمونه، كأن يكون الأثر القانوني المترتب على ذلك القرار الإداري مخالف للقانون لمفهومه الواسع، حيث بعد عيب المحل من أهم أوجه عدم المشروعية التي قد تصيب القرار الإداري من الناحية العملية، ويمكن أن يتخذ عيب المحل الذي يطلق عليه عيب مخالفة القانون عدة صور، ترتبط أساسا بالمخالفة المباشرة للقانون بمفهومه الواسع، أو الخطأ في تفسيرها أو تطبيقها ([35]).

·المخالفة المباشرة للقاعدة القانونية :تتحقق هذه الصورة عندما تتجاهل الإدارة القاعدة القانونية وتتصرف على خلافها. وتجاهل القاعدة القانونية قد يكون بتصرف إيجابي من طرف الإدارة كأن تعمد إلى إصدار قرار إداري يتعارض مع القانون بمعناه الواسع، أو قد يكون تصرفها سلبيا كأن تمتنع الإدارة عن القيام بعمل عهد به إليها القانون. كأن يمتنع رئيس المجلس الشعبي البلدي عن منح رخصة البناء للمالك الذي تتوفر فيه الشروط القانونية لذلك، دون مبرر أو أن يمتنع وزير الداخلية عن منح الاعتماد بتأسيس حزب سياسي جديد لفئة من الأشخاص التي استوفت الشروط القانونية اللازمة للحصول على الاعتماد.

·الخطأ في تفسير القاعدة القانونية : قد تعطي الإدارة تفسيرا لم يقصده المشرع من وراء إصداره للنص القانوني، وقد يكون هذا الخطأ دون قصد لغموض في القاعدة القانونية مما يجعلها تحتمل التأويل، كما قد يكون الخطأ متعمدا من الإدارة في إعطاء القاعدة القانونية تفسيرا بعيدا كل البعد عن التفسير الصحيح للنصوص القانونية.

· الخطأ في تطبيق القاعدة القانونية : وهي الحالة التي تطبق فيها الإدارة النص القانوني على حالة غير الحالة التي قصدها المشرع، كأن تصدر الإدارة قرارا إداريا بتسليط عقوبة تأديبية من الدرجة الرابعة في حين أن المخالفة التي ارتكبها الموظف تقتضي أن توقع عليه عقوبة من الدرجة الثالثة. فإن كان المستقر عليه فقها وقضاء أن للإدارة سلطة تقديرية في تقدير ظروف القرار الإداري  ومدى ملاءمته، وكذا سلطة تقدير إصداره، إلا أنه يجب لصحة القرار أن يقوم على وقائع صحيحة وقائمة ([36]).  

5. عيب الانحراف بالسلطة :

وهو العيب الذي أطلق عليه المشرع في قانون مجلس الدولة تسمية " إساءة استعمال السلطة " Le détournement de pouvoir، ويقصد بهذا العيب أن يستعمل رجل الإدارة سلطته التقديرية لتحقيق غرض غير معترف له به، فهو عيب موضوعي يتشارك مع عيب مخالفة القانون في هذه الخاصية ([37]).

وقد ترتب على دقة عمل القاضي في فحص الانحراف أن انتهى كمجلس الدولة الفرنسي – وقد سايره في ذلك مجلس الدولة المصري – إلى أن أضفى على عيب الانحراف صفة الاحتياطية (subsidiaire)، بمعنى أنه لو طعن في مشروعية قرار معيب بعيب آخر إلى جانب عيب الانحراف بالسلطة فإن القضاء يبحث في العيب الآخر، وإذا أثبت توافر هذا العيب حكم بإلغاء هذا القرار دون الحاجة إلى التعرض لعيب الانحراف ([38])

الأصل أن تستهدف الإدارة عند اتخاذها القرار الإداري تحقيق المصلحة العامة، بحيث لم يعترف القانون للإدارة بالامتيازات والسلطات التي تتمتع بها إلا باعتبارها وسائل من شأنها أن تساعدها على الغاية الأساسية التي تسعى إليها، وهي المصلحة العامة، وإذا استهدفت الإدارة تحقيق غاية تبتعد عن المصلحة العامة، يكون القرار الذي اتخذته مشوبا بعيب إساءة استعمال السلطة وقابلا للإلغاء إذا ما طعن فيه أمام القضاء الإداري ([39]).

ويتخذ عيب الانحراف بالسلطة صورتين أساسيتين هما صورة مجانبة المصلحة العامة وصورة مخالفة تخصيص الأهداف.

-أ- مجانبة المصلحة العامة : تقوم الإدارة في هذه الحالة باستهداف تحقيق هدف لا يمت للمصلحة العامة بصلة، فيقوم رجل الإدارة باستعمال سلطته لتحقيق أغراض لا تتعلق بالمصلحة العامة، فيمكن أن يستخدم سلطته بغرض :

- تحقيق نفع شخصي.

- مباشرة السلطة بقصد الانتقام.

- استخدام السلطة لغرض سياسي ([40]).

-ب- مخالفة تخصيص الأهداف :

الصورة الثانية للانحراف بالسلطة هي خروج غاية القرار الإداري عن قاعدة تخصيص الأهداف المحددة، بحيث تقتضي قاعدة تخصيص الأهداف أن تتجه إرادة مصدر القرار إلى تحقيق الغرض الخاص المنوط به تحقيقه دون غيره من الأغراض الأخرى، وإلا كان القرار الإداري مشوبا بعيب الانحراف في استعمال السلطة الإدارية لمخالفته لقاعدة تخصيص الأهداف، فإذا تم تحديد الهدف الذي يجب على الإدارة السعي إلى تحقيقه كان اختصاصها مقيدا، لأنه في هذه الحالة تكون هناك وحدة بين سبب القرار والغاية منه ([41]).

والأمثلة عن مخالفة تخصيص الأهداف كثيرة ومتعددة،  منهامباشرة إجراءات الاستلاء المؤقت بقصد نزع الملكية وحالة اتخاذ نقل الموظفين كجزاء تأديبي ([42])

رابعا : توزيع الاختصاص بين جهات القضاء الإداري بنظر دعوى الإلغاء

وزع الاختصاص بنظر دعوى الإلغاء في الجزائر بين هيئتين قضائيتين إداريتين هما المحاكم الإدارية ومجلس الدولة الجزائري، وحددت معالم اختصاص كل منهما بنظر هذه الدعوى بموجب قواعد قانون الإجراءات المدنية الإدارية 08 – 09 وكذلك القانون الخاص بكل منهما.

1. اختصاص المحاكم الإدارية بنظر دعوى الإلغاء :

تنص المادة 801 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أن : " تختص المحاكم الإدارية كذلك بالفصل في:

1- دعاوى إلغاء القرارات الإدارية والدعاوى التفسيرية ودعاوى فحص المشروعية للقرارات الصادرة عن:  

-     الولاية والمصالح غير الممركزة للدولة على مستوى الولاية.

-     البلدية والمصالح الإدارية الأخرى للبلدية.

-     المؤسسات العمومية المحلية ذات الصيغة الإدارية.

2- دعاوى القضاء الكامل.

3- القضايا المخولة لها بموجب نصوص خاصة ".

إذن وفقا لنص هذه المادة تختص المحاكم الإدارية بالنظر في دعوى الإلغاء متى تعلق الأمر بقرارات صادرة عن الهيئات الإدارية غير المركزية، والمتمثلة في القرارات الصادرة عن الولاية والمصالح غير الممركزة للدولة على  مستوى الولاية مثل مديريات التربية وغيرها، إضافة إلى القرارات الصادرة عن البلدية والمصالح الإدارية الأخرى للبلدية مثل ملحقات الحالة المدنية ([43]).

كما تنظر كذلك المحاكم الإدارية في دعاوى إلغاء القرارات الصادرة عن المؤسسات العمومية المحلية ذات الصبغة الإدارية، ومثالها المستشفيات والقطاعات الصحية والتي لها شخصية معنوية واستقلالية مالية، وكل مؤسسة عمومية ذات طابع إداري منح لها التنظيم استقلالية مالية ([44]).

2. اختصاص مجلس الدولة الجزائري بنظر دعوى الإلغاء :

تنص المادة 901 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أن : " يختص مجلس الدولة كدرجة أولى وأخيرة، بالفصل في دعاوى الإلغاء وتفسير وتقدير المشروعية في القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية المركزية. كما يختص بالفصل في القضايا المخولة له بموجب نصوص خاصة ".

إضافة إلى ذلك ،تنص المادة 9 من القانون رقم 98 – 01 المؤرخ في 30 ماي 1998، المتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله على ما يلي : " يختص مجلس الدولة كدرجة أولى وأخيرة، بالفصل في دعاوى الإبطال، والتفسير وتقدير المشروعية في القرارات الإدارية الصادرة عن السلطات الإدارية المركزية والهيئات العمومية الوطنية والمنظمات المهنية الوطنية.

ويختص أيضا بالفصل في القضايا المخولة له بموجب نصوص خاصة ".

من الملاحظ أن نص المادتين قد حدد ثلاث جهات تكون قراراتها قابلة للطعن بالإلغاء أمام مجلس الدولة وهي:

- السلطات الإدارية المركزية.

- الهيئات العمومية الوطنية.

- المنظمات المهنية الوطنية.

ويقصد بالسلطات الإدارية المركزية كل الهيئات الإدارية المتمثلة في الوزرات، أما عبارة         " الهيئات العمومية الوطنية " فإنها تتميز بنوع من العمومية والتجريد، ومن المؤكد أنه يندرج في إطارها السلطات الإدارية المستقلة (Les autorités administratives indépendantes) ([45])،وهي هيئات ظهرت في الجزائر مع بداية التسعينيات، منها مجلس النقد والقرض، المجلس الأعلى للإعلام، مجلس المنافسة، تتمثل صلاحياتها في حماية حقوق الأفراد وحرياتهم، حماية المواطنين من تعسف الإدارة، التدخل كسلطة ضابطة في المسائل المتعلقة بالاقتصاد والمالية ([46]).  

وأما " المنظمات المهنية الوطنية " فهي تلك الجمعيات المهنية ذات الطابع الوطني التي نص قانون تأسيسها على أن بعض نزاعاتها يعود الفصل فيها لمجلس الدولة الجزائري مثل منظمة المحامين والغرفة الوطنية للموثقين ([47]).

 

 



 

 

 

([4]) تنص الفقرة 1 من المادة 830 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه " يجوز للشخص المعني بالقرار الإداري، تقديم تظلم إلى الجهة الإدارية مصدرة القرار في الأجل المنصوص عليه في المادة 829 أعلاه ".