هذا المقرر موجه إلى طلبة السنة الأولى حقوق. تحت مسمى تاريخ النظم القانونية. وهو يستهدف:

1- تمكين الطالب من الإحاطة بالنظم العامة(الدستورية والإدارية والعقابية...إلح) والخاصة (الأسرة، الملكية ...إلخ )التي كانت سائدة في زمن مضى. والتي لها دور في النظم الحاضرة

2- تمكين الطالب من المقارنة بين النظم المعاصرة والنظم القديمة من أجل إدراك مدى التطور الحاصل على مستوى النظم القانونينة المختلفة. 

3- تكوين ملكة قانونية لدى الطالب تمكنه من وقوف على مدى نحاج أو قصور النظم الحالية في تنظيم حياة الناس

4- تمكين الطالب من الفهم الصحيح للنظم الحاضرة على اعتبار أنها امتداد أو تصحيح لما كان سائدا من نظم قانونية سابقة. وذلك من أجل الوصول بالنظم الحاضرة إلى أفضل مستوى تستجيب من خلاله لتنظيم حياة الناس بشكلب أفضل. 

ومن أجل تحقيق هذا الأهداف فإنه يتم تقسيم الماد العلمية لهذا المقرر إلى أربعة محاور:

المحر الأول: مدخل إلى تاريخ النظم القانونية

المحور الثاني: النظم القانونية في الحضارات القديمة (حضارة بلاد الرافدين والحضارة الرومانية)

المحور الثالث: النظم القانونية في الحضارة الإسلامية

المحور الرابع: تاريخ القانوني الجزائري (في ثلاثة عصور)  

علم تاريخ النظم يشمل أساسا النظم القانونية في علاقتها بالمجتمع، أي في علاقتها مع النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة في المجتمع، وبيان مدى التفاعل بينهما، فلا يمكن تجريد القاعدة القانونية ودراستها منفصلة دون النظر إلى الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أثرت فيها أو تأثرت بها.

      وستقتصر دراستنا على أهم الشرائع القديمة التي أثرت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على نظمنا القانونية المعاصرة، وتركت أفكارا أو مصطلحات، لذا برنامجنا كالآتي:_

مقدمة:                                                                                                                                                

الباب الأول: القوانين والنظم في الحضارات القديمة                                                                                              

الفصل الأول: القوانين والنظم في المجتمعات الشرقية القديمة                                                                                   

المبحث الأول: النظم القانونية في بلاد الرافدين                                                                                                   

المبحث الثاني: النظم القانونية لمصر الفرعونية                                                                                                  

الفصل الثاني: القوانين و النظم في الحضارات الغربية القديمة (الإغريق – الرومان)                                                         

المبحث الأول: النظم القانونية للحضارة اليونانية (أثينا أو الإغريق)                                                                            

المبحث الثاني: النّظم القانونية الرّمانية                                                                                                             

الباب الثاني: تاريخ النظم القانونية الإسلامية والجزائرية                                                                                         

الفصل الأول: تاريخ النظم القانونية الإسلامية                                                                                                     

الفصل الثاني: تاريخ النظم القانونية الجزائرية                                                                                                     

الخاتمة           


مدخل عام لمادة تاريخ النظم القانونية: يميل الإنسان إلى الاجتماع ويعتمد على غيره في تحصيل ضروريات حياته، ما يجعله يدخل في علاقات اجتماعية مختلفة، ويقوم بالعديد من المعاملات مع أفراد المجتمع الذي يعيش فيه. غير أن اتصاف الإنسان بالأنانية وحب الذات والطمع يجعل هذه العلاقات تتصف بالصراع  والتناحر من أجل تلبية المصالح المتضاربة بين الأفراد.

ولهذا لا بد من وجود قانون كضرورة حتمية لتنظيم هذه المصالح وللموافقة بينها بشكل يحقق مصالح الأفراد من جهة ومصالح الجماعة ككل من جهة أخرى فالمجتمع الذي لا ينظمه ضابط معين مستحيل حيث يقول الفيلسوف1627 م - 1704 م Jacques-Bénigne Bossuet حيث يملك الكل فعل ما يشاءون، لا يملك أحد فعل ما يشاء، وحيث لا سيد فالكل سيد، وحيث الكل سيد فالكل عبيد . إن حاجة الإنسان إلى قانون أو تشريع ينظم به حياته، حاجة فطرية تتطلبها ضرورة تنظيم حياته وعلاقاته داخل المجتمع الذي يعيش فيه، وعلى هذا الأساس يعرف القانون بأنه مجموعة القواعد العامة والمجردة، التي تنظم علاقات الأفراد وسلوكياتهم داخل المجتمع، والتي تفرض بقوة السلطة العامة".

ولما كان القانون ينظم المجتمع البشري الذي هو في تغير مستمر، فان هذا التغيير لا محالة سيطال القانون، وبالتالي سيخضع لمبدأ التطور حتى يمكنه أن يتكيف مع أوضاع المجتمع المتطورة وعلاقاته المتجددة.

وعلى هذا الأساس فان القانون الذي يحكم المجتمعات الإنسانية يتطور بتطورها، ويتأثر بالعوامل التي تتأثر بها. فالمجتمع الإنساني خاضع للتطور والتغيير حسب المستويات التي يصل إليها الإنسان في كل وثبة حضارية، والتي تحدي نتيجة تفاعله مع محيطه.

ولذلك فان دراسة القواعد القانونية في مجتمع ما، يستوجب تحديد الفترة الزمنية التي وجدت فيها هذه القواعد، فدراسة القانون لا تقتصر على القانون الحاضر أو الحالي فقط، ولكن تمتد إلى ماضيه وتسير إلى مستقبله وهو ما يندرج تحت عنوان نطاق القانون.

أولا/ نطاق القانون: يشتمل نطاق القانون على ثلاث أنواع من المواد الدراسية:

- دراسة القانون الوضعي الذي يهتم بدراسة وتحليل القواعد الحاضرة والمطبقة حاليا.

- دراسة تاريخ القانون الذي يدرس النظم القانونية والمصادر التي استقيت منها هذه النظم حتى وصلت إلى شكلها الحاضر. حيث تهدف الدراسة التاريخية للنظم والمؤسسات القانونية لدى مختلف الشعوب والحضارات القديمة إلى الوقوف على حقيقة القاعدة القانونية والكشف عن مضمونها الحالي الذي أملاه التطور التاريخي، وفي هذا الإطار يقول Savigny  القانون لم يكن وليد رأي واحد أو يوم واحد بل أنه وليد التاريخ وتداول الأيام والعصور، وهو بهذا يخضع لمبدأ التطور المستمر ويتكيف مع المجتمع الذي تتغير أفكاره وعاداته ونظمه مع الزمان، وعلى هذا فان الدراسة القانونية لا تقتصر على دراسة القانون في حاضره فحسب بل تمتد إلى ماضيه ومستقبله.

- علم التشريع أو السياسة الشرعية التي تدرس مستقبل القانون وكيفية تحسينه وهي الناحية الفلسفية والسياسية في الدراسة القانونية. ويجب الإشارة إلى أن دراسة تاريخ القانون تنتهي حيث تبدأ دراسة القانون الوضعي. فالقانون الحالي كان مسبوقا بأخر، وسيصبح تاريخا بالنسبة لقوانين المستقبل وفي حكم الماضي. فالقوانين تمر بعدة أدوار متصلة ببعضها، حيث يتصل ماضيها بحاضرها ويثير حاضرها مستقبلها،  وبهذا تتفرع الدراسة التاريخية للقانون بدورها إلى مواد مختلفة تختص كل واحدة منها بجانب معين ووف منهج خاص.

ثانيا/ التمييز بين مادة تاريخ القانون ومادة تاريخ النظم: يعتبر مصطلح تاريخ النظم أشمل من مصطلح تاريخ القانون، فمادة تاريخ النظم تتعرض بالدراسة والتحليل إلى القاعدة القانونية التي عرفتها الحضارات البشرية، وعلاقتها مع النظم الاقتصادية والاجتماعية، وكذا تأثرها بهذه العوامل عبر المراحل التاريخية المختلفة.

وبالتالي فان هذه الدراسة تبحث عن الظواهر القانونية الرئيسية في جوهرها وحقيقتها الاجتماعية. فالتجربة القانونية الإنسانية تختلف باختلاف العوامل الاجتماعية والانتربولوجية والاقتصادية والجغرافية، وتختلف حضارات الشعوب عن بعضها وتتفاوت تجاربها في كل ميدان من حيث النضج والنمو. كما أن تطور المجتمع لم يكن واحد في جميع الحضارات أو في كل فترات التاريخ بل حدي بدرجات مختلفة خاضعا بذلك إلى عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية ومعتقدات دينية وكذا باحتكاكها مع مختلف الحضارات الأخرى.

إن مادة تاريخ النظم تدرس القانون الذي أنتجته الحضارات الإنسانية المختلفة والعوامل المؤثرة والمساعدة التي أوجدته بتلك الصورة وعلى ذلك الشكل. فهذه المادة تدرس وتهتم بالقواعد القانونية البحتة سارية المفعول في العصور المختلفة، بصرف النظر عن علاقتها بعوامل التطور التاريخي والاقتصادي والسياسي أو الاجتماعي الذي مرت بها المجتمعات التي عرفت هذه القواعد، فهذه المادة لا تحاول الإجابة على علاقة القواعد التي تدرسها بالنظم الاقتصادية والاجتماعية أو تأثير هذه العوامل عليها، وهي كذلك لا تحاول إعطاء تفسير لنشأة القواعد التي تدرسها. وبهذا فان مادة تاريخ القانون تهتم فقط بالشكل الخارجي للقانون وبالتفاصيل الفنية للموضوعات القانونية المختلفة، دون ربط هذه التفاصيل بالإطار الحضاري الذي نشأت فيه.

مما قد يجعل مواضيع هذه الدراسة عرضية لا علاقة لها بالقوى الحقيقية التي أدت إلى ظهور القاعدة القانونية، كدراستها لقواعد الإجراءات مثلا.

ثالثا: أهمية دراسة تاريخ النظم القانونية: برزت أهمية دراسة تاريخ النظم القانونية في بداية القرن العشرين، وذلك بانعقاد المؤتمر الدولي لسنة 1900 الذي أكد على فائدة هذه الدراسة والتي تكمن أساسا فيما يلي:

اعتبار النظم القانونية الوضعية الحالية ما هي إلا تهذيب للنظم السابقة،و أن الفهم الجيد للقواعد الحالية يوجب الرجوع إلى الأصول التاريخية لها وتتبع تطورها، وأن تفسير القانون الوضعي القائم لا يتأتى بغير الرجوع إلى ماضيه، كما أن فهم قوانين المستقبل لا يمكن بغير الرجوع إلى أحكام القانون الوضعي الحالية. فالكثير من المصطلحات القانونية الحالية هي ذات أصل تاريخي قد يرجع إلى المسلمين أو الرومان أو الإغريق وغيرهم، والأمثلة كثيرة في هذا المجال كفكرة الح العيني والشخصي، أو الدفاع الشرعي، دعوى عدم نفاذ التصرفات، التقادم، الشورى...

إن النظم القانونية السابقة تشكل المصدر التاريخي غير المباشر للقواعد القانونية الحالية، فنجد مثلا قوانين الأحوال الشخصية الحالية في معظم دول العالم الإسلامي مستمدة من الشريعة الإسلامية، كما نجد أن معظم القواعد القانونية الحالية التي تنتمي إلى مجموعة القوانين الرومانوجرمانية مصدرها الأساسي القانون الروماني والعادات الألمانية القديمة. وهذه القواعد موجودة في الكثير من دول العالم ومنها العالم العربي والإسلامي ومنها الجزائر.

 وبالتالي فان دراسة نظم الشريعة الإسلامية أو دراسة القانون الروماني ما هي إلا دراسة للمصدر الحقيقي غير المباشر لقواعدنا القانونية الحالية.

- تفيد مادة تاريخ النظم في الإطلاع على الجانب الاقتصادي والاجتماعي والديني والظروف التي نشأت فيها القوانين والمؤثرات التي أدت إلى تحسينها وانتشارها. فالنظم الإنسانية في مختلف الميادين تتأثر بعوامل داخلية وخارجية سواء عن طري التبادل الحضاري السلمي أو عن طريق الغزو. والدراسة التاريخية لكل هذا تسمح بالتعرف على مدى تأثر التشريعات الوطنية بالتشريعات الأجنبية مثلا.

- تعد مادة تاريخ النظم وسيلة لمعرفة كيفية تطور النظم القانونية وأسباب ذلك، مما يخلق لدى الباحث القدرة على تأصيل النظم القانونية وتصور مصيرها في المستقبل، فمثلا إذا عرفنا أن نظام الحسبة الإسلامي بني على فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كان بإمكاننا فهم سبب زواله المرتبط بانهيار الدولة الإسلامية ممثلة بالدولة العثمانية.

-الدراسة التاريخية للنظم القانونية أداة مفيدة جدا لتثقيف القانوني، حيث تساعد الباحث على الإلمام بمختلف المجتمعات والحضارات واستخلاص مستواها الحضاري من خلال شرائعها، على اعتبار القانون ظاهرة تؤثر وتتأثر بالعوامل التي تصيب المجتمع، فهذه الدراسة هي دخول لمخبر تجارب الماضي، وفائدة ذلك تحديد الطري الذي ننتهجه لتحسين القواعد والنظم القانونية وتطويرها بالمحاكاة مع تجارب الأمم السابقة.

إن التحليل العلمي السليم يقتضي النظر إلى التاريخ ليس باعتباره مجرد أسماء وحوادث وقعت في الماضي بل هو يتناول بالتحليل الحياة البشرية والاختبارات الإنسانية في شتى الميادين، والتي قد تكون متفقة أو مختلفة مع اختياراتنا.

رابعا: نشأة القانون: القانون هو مجموعة القواعد الملزمة التي تنظم سلوك الفرد داخل الجماعة ويترتب عن مخالفتها الجزاء.
فالإنسان مدني بطبيعته لا يستطيع أن يحصل على حاجياته إلا بالتعاون مع غيره، فكان لا بد من وجود قوانين لتنظيم العلاقات لذلك نشأت القوانين وتطورت بتطور المجتمعات فالقوانين الحالية هي تطور للقوانين القديمة . ولابد من الرجوع للقوانين القديمة لمعرفة القوانين الجديدة . والمشرع يحتاج لدراسة النظم لفهم نشأة القوانين لأن القانون يتكون من أجزاء ثابتة وأخرى متغيرة بتغير العصور والمجتمعات .والدراسة التاريخية بالنسبة للمشرع كالمخبر بالنسبة لعالم الطبيعة . والدراسات القانونية تتكون من ثلاث أنواع : القوانين الحاضرة والمعاصرة القانون الوضعي والقوانين الماضية تاريخ النظم القانونية ، وما ينبغي أن يكون عليه القانون في المستقبل " ونشأت النظم القانونية وتطورت لدى الشعوب والحضارات المختلفة تحت عوامل مختلفة نذكر منها:

-العقيدة الدينية السائدة بالمجتمع أو المعتنقة من قبل الدولة: النماذج الدينية كان لها التأثير الكبير على الحضارات الإنسانية، وقد شكلت هذه النماذج في جل الحضارات القديمة أو الحديثة على مدى تاريخ الإنسان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، الأساس الرئيسي للإبداع في خلق الحضارات ووضع النظم المختلفة. فالكون وما به من إعجاز والموت وما يثيره من خوف من المجهول، آثار لدى الإنسان مشاعر دينية قوية وعميقة ظهرت على شكل معتقدات مختلفة. وقد كانت لديانات البشر المختلفة سواء السماوية منها أو التي وضعها الإنسان، تأثير كبير وانعكاس مباشر على المجتمع وعلى القانون الذي ينظم به.

- العامل السياسي والاقتصادي: فتطور المجتمع اقتصاديا يؤدي إلى تطور القواعد القانونية من أجل مسايرة التطور الحاصل والقانون في بلاد الرافدين دليل على ذلك كما أن تطور أنظمة الحكم التي تسيطر على جماعة معينة يتبعه تغير للقواعد القانونية التي يرتكز عليها النظام السابق . فالعامل الاقتصادي شكل عند مختلف الشعوب عامل مهم جدا لتكوين المجتمع وتطويره، بل أن نوع النظام الاقتصادي المطبق كان له انعكاس مباشر على نظام الأسرة والملكية وتقسيم الطبقات الاجتماعية.

- العامل الاجتماعي: فتطور العلاقات الاجتماعية في جماعة معينة يفرض إيجاد قواعد قانونية جديدة لحكم هذه العلاقات، فمثلا العلاقة بين الرجل والمرأة احتاجت منذ بدأ الخليقة إلى تقنيين حتى لا تدخل في حالة الشيوع غير المقبولة إنسانيا.

لكن يجب الانتباه إلى أن العوامل الاقتصادية أو الاجتماعية لا تفسر نشأة القانون منذ بداية البشرية، وإنما تفسر هذه العوامل تطور القانون بعد وجوده الأولي، لذلك يطرح الباحثون في هذا الموضوع المزيد من الأسئلة كيف نشأ القانون؟ وما هي الصورة التي كان عليها وأتخذها في البداية، مع وجود الحاجة الإنسانية الفطرية لوجود قانون ينظم حياة الإنسان وعلاقاته داخل المجتمع؟

وقد ذهب بعض الدارسين والباحثين لنشأة القانون ومراحل تطوره وخاصة الغربيين منهم، إلى القول بأنه مر بنفس المراحل التي مر بها تطور الإنسان على هذه الأرض. وبهذا الصدد حاول الكثيرون منهم تطبيق نظرياتهم حول وجود الإنسان على الأرض وتقسيماتهم للمراحل التي مر بها إعمالا لنظرية تشارل دار وين المتعلقة بالتطور على النظم الاجتماعية التي عرفها الإنسان في مراحل تاريخه. ووفق هذه المقاربة اتجه كثير من الكتاب إلى اعتبار أن الإنسان الأول كان همجيا ومتوحشا، مما ترتب عليه تقرير أن القانون لديه كان هو قانون القوة والانتقام الفردي الخالي من كل أساس أخلاقي، فالقوة حسبهم عند الإنسان الأول هي التي تنشئ الحق وتحميه. لكن نظرية التطور لداروينCharles Robert Darwin لا تصلح أساسا للتفسير العلمي لوجود الإنسان فضلا عن عجزها عن تفسير التطور الاجتماعي البشري. وقد ثبت خطأ هذه النظرية وشذوذها فضلا على تعارضها مع نصوص ثابتة من القرآن الكريم، فالتفسير العلمي المقبول لتاريخ القانون وسعي الإنسان لتنظيم المجتمع على مر العصور، هو الذي يربط نشوء القانون بخل الإنسان وتطور النظم تبعا لظروف المجتمع. ويرى بعض الباحثين أن نشأة القانون وتطوره مر بأربعة مراحل هي :

المرحلة الأولى: مرحلة القوة والانتقام الفردي عاش الإنسان الأول في جماعات صغيرة متضامنة ومنفصلة عن غيرها من الجماعات الأخرى وحتى تدافع عن نفسها كانت القوة هي التي تنشئ الحق وتحميه وتقوم العلاقة بين هذه الجماعات على التبعية والخضوع لرئيس القبيلة ذو السلطة المطلقة كان الفرد المعتدي يوقع عليه العقاب أو أسرته ثم أصبح توافقيا أي باتفاق الجماعة .
ومن صور العقاب طرد الجاني من الجماعة أو القصاص أو تسليمه لأهل المجني عليه ، وبتطور المجتمعات لجأ رؤساء الجماعات إلى الكهان ورجال الدين لحل المنازعات فازدادت قوتهم حكما وإلزاما وبذلك حلت العقوبة بالتحكيم محل الانتقام الفردي .
المرحلة الثانية : مرحلة التقاليد الدينية : عبد الإنسان آلهة مختلفة كالظواهر الطبيعية وكان يخشى غضبها وكان الكاهن يتولى القيام بالشعائر الدينية وبالتالي أصبحت معظم الأحكام تنسب للآلهة مما أكسبها قوة الإلزام.

المرحلة الثالثة : مرحلة التقاليد العرفية : بقيت التقاليد الدينية سائدة زمنا طويلا وبفضل تطور المجتمعات حل محلها الأعراف والتقاليد وبذلك نشأ الحكم الديمقراطي حكم الأغلبية فأصبحت الأحكام تصدر باسم الشعب.

المرحلة الرابعة: مرحلة تدوين القانون: بعد اكتشاف الكتابة دونت المجتمعات قوانينها فانتشرت وتطورت بسرعة.

نشأة القانون من خلال التعاليم والتقاليد الدينية: ارتبط وجود الإنسان أصلا بتعاليم دينية، سواء كانت هذه التعاليم سماوية أو معتقدات أخرى. فحيث أننا نسلم أن الإنسان الأول قبل هبوطه إلى الأرض كان محكوما بالأحكام الإلهية وفق ما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ . وعندما أهبط أدم عليه السلام إلى الأرض كان عاقلا ومدركا وليس متوحشا وهمجيا. والدليل قوله تعالى وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ".كما أن ظهور الأسرة الأولى كان خاضعا

للقواعد الإلهية المنظمة للعلاقات بين الأفراد فقال تعالى "قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَاتينَّكُمْ مني هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ"  ومما يستأنس به في بيان هذا المعنى ما ورد عن بعض أئمة السلف في شرح قصة ابني أدم عليه السلام الواردة في القرآن الكريم في قوله تعالى وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَق إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إني أَخَافُ الله رَبَّ الْعَالَمِينَ إِني أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وإثمك فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ، فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأصْبَح مِنَ الْخَاسِرِين فَبَعَثَ الله غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغراب فَأوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأصْبَح مِنَ النَّادِمِينَ. فالملاحظ أن علاقة الزواج كانت في ذلك العهد مقننة ولها موانع مما يدل على وجود قواعد تنظيمية لا بد من احترامها في إبرام العقد.

ومن الأدلة التي تدل على أن الإنسان بقي وجوده في الأرض محكوما بقواعد قانونية مستمدة من الوحي ما روى عن أبي ذ ر قال: قلت يا رسول كم الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة عشرون ألفا ، قلت يا رسول كم الرسل منهم؟ قال: ثلاثمائة وثلاث عشر جم غفير قلت: يا رسول من كان أولهم قال: أدم قلت: يا رسول : نبي مرسل قال: نعم خلقه الله بيده ثم نفخ فيه من روحه ثم سواه قبلا . والله سبحانه وتعالى لم يترك البشر همل بدون ضابط يحتكمون إليه في علاقاتهم، وبعث الرسل والأنبياء بقواعد إضافية لتنظيم العلاقات بالمجتمعات التي يبعثون إليها، فكان أساس القاعدة القانونية في نشأتها أساسا دينيا منذ بداية حياة الإنسان فوق الأرض. لكن وإحقاقا للحق وتحريا للموضوعية فان المتفحص لتاريخ النظم القانونية لدى الشعوب القديمة يجد الكثير من القواعد والشرائع البعيدة كل البعد عن منهج الأنبياء وعن الفطرة السليمة، فكيف تم ابتعاد هذه المجتمعات على الشرائع الإلهية وكيف تم خرق القواعد التي أتى بها الأنبياء؟

ويبدوا تفسيرا منطقيا وإجابة مقنعة أن اهتزاز الإيمان لدى الكثير من الجماعات الإنسانية وهجرة بعض القبائل منها إلى مناطق نائية أدى بها إلى الابتعاد عن الأحكام والقواعد التي كان الرسل والأنبياء يقررونها، وشيئا فشيئا أدى ذلك إلى ظهور قواعد قانونية لدى هذه الجماعات فيها شيء من المسحة الدينية ولكنها في جوهرها مخالفة للقواعد التي أتى بها الأنبياء. فظهر الشرك وتأليه الملوك والرؤساء ووجد الكهان وتحولت القواعد القانونية إلى وحي الآلهة وإرادتها كما تصورته هذه الشعوب. وهنا صار مصدر القوانين مجموعة من التقاليد الدينية، واعتبرت سرا لا يجوز الاطلاع عليه وبقيت حكرا على الملوك والحكام المؤلهين أو رجال الدين الدجالين، ما أدى إلى الفوضى وسيادة مبدأ القوة كأساس للعلاقات بين الناس وأصبح الأمر متروكا إلى القوة المجردة من أي أساس أخلاقي أو تلك المقرونة بمسحة دينية، وصارت القوة في معظم المجتمعات القديمة الوسيلة الأساسية من وسائل تنفيذ القواعد القانونية مع سيطرة الملوك والكهان على وضع القاعدة القانونية.

 تكرار التعاليم الدينية يجعلها تتحول إلى تقاليد عرفية:بعدما صارت القاعدة القانونية سرا دينيا يسيطر عليه الكهان ورجال الدين في المجتمعات التي حرفت شرائع الأنبياء، ظهر مع الزمن سيطرة الكهان والحكام المؤلهين على وضع القواعد القانونية. لكن ومع الزمن انتقلت السلطة من الحكام المؤلهين ورجال الدين إلى الطبقات الشريفة في المجتمع، وبفضل الصراع بين رجال الدين والحكام من جهة وبين الأشراف من جهة أخرى انفصل الحكم عن السلطة الدينية وحلت الأعراف محل التقاليد الدينية، فشيئا شيئا صارت القواعد القانونية تتراوح بين القواعد الدينية والقواعد العرفية بعدما استقرت نتيجة تطبيقها المتكرر. ونتج عن كل هذا سيطرت طبقة الأشراف على السلطة السياسية واحتكارها للقانون وتفسيره لصالحها. كما صارت القاعدة القانونية قاعدة مدنية وليست دينية وصار الجزاء على خرقها جزاء مدنيا ماديا وقد حصل هذا التطور عبر مراحل معنية وفي ظروف تختلف من حضارة إلى أخرى

 تدوين الأعراف: ظهرت الكتابة عند بعض الشعوب كحضارة ما بين النهرين أو الحضارة الفرعونية، مما جعل هذه المجتمعات تدون أعرافها أو أحكامها القضائية أو أوامر ملوكها وحكامها وتنشره بين الناس. وبهذا صار القانون معروفا بين الناس بعدما كان سرا يحتكر معرفته رجال الدين كما اكتسبت هذه المدونات أهمية شديدة واحترام كبير من قبل الناس، بسبب نسبتها إلى الآلهة بالنسبة إلى الحضارات التي بقيت القواعد القانونية فيها مختلطة بالقواعد الدينية، أو بسبب وضعها من قبل ملوك عظام، أو بسبب صدورها نتيجة أحداث سياسية واقتصادية واجتماعي هامة كما هو الحال بشأن الألواح ال 12 في الحضارة الرومانية، مع الإشارة إلى أن هذه المدونات احتوت على الأعراف والتقاليد التي نظمت علاقات الأفراد قبل اكتشاف الكتابة وما جاءت هذه الأخيرة إلا كاشفة لوجودها.

 تطور النظم القانونية في حضارة ما بين النهرين: يطل على النظم القانونية التي كانت معروفة بحضارة ما بين النهرين قصد بالنظم الميزوبوتامية. وكلمة ميزوبوتامي هي كلمة إغريقية مشتقة من كلمتين ميزوس وتعني وسط، وبوتاموس وتعني النهر، كما تسمى أرض ما بين النهرين كذلك بأرض الهلال الخصيب وحضارات الهلال الخصيب السومريّة: التي اتخذت من المناطق الجنوبيّة لبلاد الرافدين موطناً لها، وكانت بداية الظهور لها في الألفيّة السادسة قبل الميلاد. الأكاديّة: قطنت المناطق الغربيّة من نهر الفرات، وكانت مزدهرةً خلال فترة امتدت من 22ق إلى 24ق قبل الميلاد، وكانوا يستعملون اللهجة السامية في اللغة الأكاديّة. البابليّة: عُرفت بايم باباروش من قبل الفرس، وظهرت هذه الحضارة بين 18ق و 6 قبل الميلاد، واهتمّت بأمور الزراعة فضلاً عن الصناعة، وتعتبر من أهمّ الحضارات على مرّ التاريخ، فهي تحتوي على حدائق بابل المعلقة المشيدة بطرق هندسيّة رائعة، وتعتبر بابل واحدة من المحافظات الحاليّة في العراق. الآراميّة: كانت تقطن الجزء الأوسط، والشماليّ من البلاد السوريّة وامتدت إلى الجهة الشماليّة، والغربيّة من بلاد ما بين النهرين، ويعود موطنهم الأصلي إلى الجزيرة العربيّة، وتعتبر اللغة الآرميّة هي الرسميّة التي كانت تمارس من قبلهم. حضارات مختلفة: يوجد العديد من الحضارات كالأنباط، والميديّة، والآشوريّة، والكنعانيّة، والعمونيّة، والمؤابيّة، والميتانيّة، والأدوميّة، الإسلامية العربية، والفارسيّة، والسلوقيّة، والرومانيّة، والبيزنطيّة. دول الهلال الخصيب يتكوّن الهلال الخصيب من خمس دول عربيّة، بالإضافة إلى الأجزاء التي احتلها الكيان الصهيوني من فلسطين، فيبدأ هذه الهلال من المناطق الشماليّة وهي بلاد العراق والتي عُرفت ببلاد الرافدين، وتقدر مساحتها بـ 438,317 كيلو متر مربع، وتتخذ من بغداد عاصمةً لها، والبلاد السوريّة، والتي تصل مساحتها إلى 185180 كيلو متر مربع، وتُعتبر دمشق عاصمةً لها، وحلب هي أكبر المدن فيها من حيث المساحة، والدولة اللبنانيّة، وتمتلك مساحة 10,452 كيلو متر مربع، وعاصمتها بيروت وهي أكبر مدنها، والدولة الأردنيّة التي مساحتها 89،287 كيلو متر مربع، وعاصمتها عمّان وهي أكبر مدنها، وفلسطين والكيان الصهيونيّ بمساحة إجماليّة تقدر بـ 26,990 كيلو متر مربع.

إن ما يميز حضارة وادي الرافدين عن كل الحضارات الإنسانية القديمة هو ما شرعته من قوانين، فمن خلال التنقيبات الأثرية التي تمت في أواخر القرن التاسع عشر وحتى الربع الأخير من القرن العشرين اكتشفت أقدم الش ا رئع في الحضارة المي وبوتامية. وتبين من دراسة هذه الآثار القيمة القانونية لها، ودرجة النضج والتقدم والتنظيم التي كانت عليها، ما يجعلنا نقبل على دراسة هذه المجموعات القانونية رغم قدم العهد الذي وجدت فيه.

وقد مرت بالحضارة الميزوبوتامية عدة دويلات أو إمبراطوريات في عهود  زمنية مختلفة، استتبع ظهور كل منها ظهور مجموعات قانونية مختلفة، بسبب ارتباط القانون في حضارة ما بين النهرين بنظام الحكم. وأهم هذه الإمبراطوريات السومارية الأكادية السومارية والحضارة البابلية. ونحاول التعرف على النظم القانونية لهذه الحضارة، من خلال دراسة والمجموعات القانونية المشكلة لها وأسباب وعوامل ظهورها وتطورها. كما نحاول التعرف على بعض مظاهر هذه النظم على مستوى نظام الحكم والأسرة والعقوبات.

المطلب الأول: المجموعات القانونية الميزوبوتامية كأقدم القوانين المكتوبة: ظهرت أول دولة في حضارة ما بين النهرين بظهور الدولة السومارية حوالي 3200 قبل الميلاد، ولم يتف العلماء على أصل السوماريين، غير أنه من المؤكد أنهم أول من سكن جنوب الميزوبوتامي حيث أسسوا مدن أهمها أورولكش ولارسا. وبعد طوفان سيدنا نوح عليه السلام تكونت بجانبهم الإمبراطورية الأكادية التي ضمت الأكاديين، الذين لهم أصل سامي وقد جاءوا من سوريا وهجموا على الحضارة السومارية واستولوا على الحكم برئاسة سارغون الأكادي وبقوا في الحكم من 2350 إلى 2150 قبل الميلاد، ولكن بعد ذلك قامت ثورات من مدن أورولكش السومارية واسترجعت قوتها.

عرفت الدولة السومارية والدولة السومارية الأكادية أقدم النصوص القانونية المعروفة لدينا إلى حد الآن، لكن هذه النصوص وصلت إلينا ناقصة ومخربة جزئيا، بحيث لا يمكن دراستها دراسة كاملة وشاملة، بالرغم من قيمتها التاريخية الكبيرة.

كما تأسست الإمبراطورية البابلية في حضارة ما بين النهرين حوالي القرن 18 ق.م  واستمرت إلى غاية القرن 6 قبل الميلاد. وأصل البابليون سامي جاءوا من سوريا واستقروا في بابل. حيث تكونت أول أسرة حققت الوحدة بفضل سادس ملوكها وهو حمو اربي الذي انتشر بقانونية ودام حكمه 13 سنة ويعد أهم أثر قانوني تملكه الإنسانية حاليا هو قانون حمورابي، الذي يشكل جوهر أي دراسة للقانون في العصور القديمة والذي وصل الينا شبه كامل.

الفرع الأول: أقدم المجموعات القانونية التي وصلت إلينا غير كاملة: عرفت حضارة ما بين النهرين الأكادية أقدم النصوص القانونية المعروفة لدينا إلى حد الآن خاصة في ظل حكم الدولة السومارية، غير أن هذه النصوص وصلت إلينا ناقصة ومخربة جزئيا، بحيث لا يمكن دراستها دراسة كاملة وشاملة، بالرغم من قيمتها التاريخية الكبيرة، وتتمثل هذه النصوص أساسا في:

أولا: إصلاحات أوروكاجينيا: نجد أن أقدم الإصلاحات المدونة التي وصلت إلينا وجدت في هذه الفترة، وهي تتعلق بالحياة اليومية من جوانبها الاقتصادية والاجتماعية وقام بها آخر حكام لكش وهو أوركاجينا 2355 ق.م  من أجل نشر العدل والحق تنفيذا لرغبة الآلهة كما ذكر.

ثانيا: قانون أورنامو: عرفت المجموعات القانونية الموجودة في هذه الفترة أقدم نص تشريعي وهو بالمجموعة السومارية الأكادية والمعروف باسم قانون أورنامو ، و هو قانون سبق قانون حمورابي بثلاثة قرون . هو أقدم قانون مكتشف لحد الآن حيث عُثر على قسم من الألواح التي تضمنت هذا القانون في مدينة نفر و القسم الآخر منها في مدينة أور.

أورنامو: هو مؤسس أسرة أور الثالثة (عصر الانبعاث السومري) ، و قد استمر حكم هذا الملك سبعة عشر عاماً من الفترة ما بين (2112 إلى 2095) ق.م  .

أما مواد القانون فهي 31 مادة لم يصلنا إلا القليل منها حيث أن جزء كبيرا من الألواح التي كُتب عليها و تم اكتشافها كان متآكلا وممسوحا، و من القدر القليل الذي تم التعرف عليه كان يعالج في مسائل قانونية. من أمثلة المواد التي تم التعرف عليها:
المواد من 4 إلى 12، كانت تعالج مسائل الأحوال الشخصية كالطلاق والخيانة الزوجية و الخطوبة،  حيث تنصص المادة 4 على حق الزوج بقتل زوجته الزانية و إطلاق سراح الرجل الذي ارتكب معها الزنا .و المادة5 تتعلق بحالة اغتصاب رجل لأمة بكر وكانت العقوبة هي تعويض مالك الأمة بخمس شيقلات من الفضة .والمواد 6،7،8 كانت تحدد شروط الطلاق .أما المادة 11 تناولت اتهام شخص لأي من الزوجين بالخيانة الزوجية و وسيلة إثبات ذلك الاتهام و كذلك عقوبة الاتهام الكاذب .و تناولت المادة 12 حق الخاطب الذي تقدم بهدايا إلى خطيبته و والدها وعدل الأخير عن الخطبة وقام بتزويجها إلى شخص آخر فكان للخطيب الأول الحق في تعويض يقدر بضعف ما قد دفعه من هدايا. والمادتان 13و14 تناولتا مسألة هروب الرقيق .أما المواد من 15 إلى 23 تناولت حالات إيذاء الأشخاص الاعتياديين أو الرقيق وحالات اعتداء الرقيق على أسيادهم .وعالجت المادتين 25و26موضوع شهادة الزور، بالنص على عقوبة توقع على شاهد الزور و هي تغريمه خمسة عشرة شيقلا من الفضة أما إذا أدلى الشخص في قضية ورفض أن يؤدي اليمين على هذه الشهادة التزم بدفع غرامة تساوي قيمة الحق المتنازع عليه. أما بقية المواد فكانت تتعلق بموضوعات الاعتداء على الأراضي الزراعية وبعض الأمور المتعلقة بالزراعة . موجودة بمتحف باسطنبول

 ثالثا: قانون لبت عشتر: يعد قانون لبت عشتار اسبق في الظهور من قانون حمورابي بحوالي قرنين وبذلك يعد مصدرا تاريخيا لشريعة حمورابي الذي تأثر بها كثيرا. وقانون لبت عشتار اقترن باسم واضعه وهو الملك لبت عشتار خامس ملوك سلالة ايسن والذي حكمها منذ (1885- 1875 ق.م ) وقد صدرت هذه القوانين باللغة السومرية حيث ابتدأت بمقدمة تمثل كيفية انتقال الحكم الى الملك لبت عشتار والتي استندت على نظرية التفويض الالهي وان كل من الالهين انو و انليل قد فوضا السلطة الى الراعي الحكيم لبت عشتار الذي سينشر على يده العدل في البلاد ووأد الفتن والعداوة وان تعم الرفاهية للشعب السومري وكذلك تضمنت تلك الديباجة تمجيدا للالهان انو وانليل اللذين سلما مقاليد الحكم الى الملك لبت عشتار حيث وردت فيها هذه العبارة (عندما عززت رفاهية بلاد سومر واكــد أقمت هذه  المسلة) ويعقب المقدمة مضمون القانون الذي هو عبارة عن (37 مادة ) تناولت بشكل عام مواضيع كثيرة تشمل المعاملات المالية مثل كيفية تاجير القوارب الزراعية ثم بحثت بشيء من التفصيل العقوبات التي تفرض على مرتكبي الجرائم التي بينتها المواد القانونية منها عقوبة من يستخدم عبداً او امة مملوكين لشخص اخر وكذلك عقوبة من يتهرب من دفع الضريبة وفرض غرامات مالية على من يستاجر ثوراً لاغراض النقل والزراعة ويتسبب ذلك باضرار للاخرين والتي تناولها بشيء من التفصيل حسب درجة الضرر والعضو المتضرر ، كما تناولت بعض المواد القانونية انواع الكاهنات والوضع القانوني لاولاد الزوجة الاولى والثانية وكذلك بينت حقوق الامة التي تلد طفلا وحقوقها وحقوق ذلك الطفل ومدى احقيته في الميراث فضلا عن حقوق اولاد الزوجة غير الشرعية و مسؤولية الرجل تجاه ابنائه من مومس تمتهن الدعارة في الساحة العامة والتي تتمثل بتحمل مسؤولية تربيتهم والقيام بواجباته في رعاية وتوفير مأوى وغذاء وملابس لهم وحقوقهم في الإرث في حالة عدم إنجابه أبناء وبنات من زوجته الشرعية وكذلك بين عدم أحقية المومس بمشاركة الزوجة الشرعية بالسكن طالما كانت الأخيرة على قيد الحياة  وحقوق الزوجة وعقوبة الأب الذي يزوج ابنته لشخص أخر غير خطيبها، وهناك بعض المواد التي تناولت أحكام الوصية وعقوبة المستأجر الذي يلحق أضرارا بالمأجور وإصلاح النظام الإداري والقضاء على فساد الموظفين ، كما تناولت أيضا مواد قانونية تخص حماية البيئة وعقوبة من يتجرأ على قطع أشجار الآخرين والتي كانت عبارة عن غرامات مالية تفرض على مرتكب الفعل، وكذلك مسؤولية الجار في أن يكون بناؤه رصيناً لردع اللصوص. وهناك بعض العقوبات التي وردت في شريعة لبت عشتار والتي امتازت بالشدة والقسوة منها: أن عقوبة السارق هي الرجم، وكذلك عقوبة المرأة التي تتزوج بأكثر من رجل هي الرجم أيضا حتى الموت وقد أخذ بهذه العقوبة العبرانيون القدماء في حالة مخالفة شريعتهم فعاقبوا بها القديس استيفان أول كاهن للمسيحيين في بيت المقدس وكذلك كانت عقوبة المرأة الزانية فعاقبوا بها مريم المجدلية ، إلا أن هذه العقوبات على شدتها لا تنفي التلطيف في العقوبات التي جاءت بها قوانين لبت عشتار حيث نلاحظ أن غالبيتها عقوبات مالية وليست جسدية. وبصورة عامة فان هذا القانون كان نتاجاً للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي كان يمر بها المجتمع السومري وانه جاء لمعالجة ابرز المشاكل التي كانت سائدة آنذاك إذ انه كانت ضرورة تقتضيها تلك الأوضاع .  فقد أشارت  المواد (20-25) توضيح حماية النساء وخاصة الزوجة الأولى الحرة من أي انتقاص لحقوقها في حالة الطلاق أو زواج الرجل من امرأة أخرى أو من زانية من الشارع ) ويبدو أن هذه المادة جاءت نتيجة استشعار سوء معاملة الرجال لزوجاتهم. وكذلك المادة (22) التي أشارت إلى أن من حق الفتاة أن تبدي رأيها في الزواج رفضاً أو قبولاً حيث لم تكن موافقة الأب المبدئية نهائية بل كان يشترط موافقة والدتها. وتلت تلك المواد القانونية الخاتمة التي هي بمثابة عهد مقدم من الملك لبت عشتار إلى الإلهان انو وانليل اللذين فوضاه السلطة وسلماه مقاليد الحكم  بنشر العدل والقضاء على العنف والفتن وتحقيق الرفاه للمجتمع السومري وكذلك تضمنت الخاتمة استنزال اللعنات التي ستحل بمن يتجرأ على تغيير مواد هذا القانون أو يكتب اسمه عليه . وقد كانت المواد القانونية مكتوبة بصورة تراتيل دينية باللغة السومرية كما أن هناك نصوصاً أخرى كتبت باللغة الاكدية السامية ومن أبرزها نص للملك لبت عشتار يقول فيه ( انه أقام وأسس العدالة في جميع بلاد سومر واكد ) وقد أصبحت إصلاحاته مناهج تدرس في المدارس حتى بعد موته  بقرون  عديدة.  ويلاحظ على المواد القانونية التي كان يتكون منها قانون لبت عشتار أنها متأثرة بشريعة اورنامو في معظم ما جاء فيها. وقد تم اكتشاف قانون لبت عشتار في مدينة نفر عام 1947 من قبل بعثة التنقيب من جامعة بنسلفانيا الأمريكية ويذهب هؤلاء المنقبون إلى أن قانون لبت عشتار لم يكن مدونا على الواح طينية وإنما دون على مسلة كبيرة أنشئت في ساحة في وسط المدينة وهذه الحقيقة كما يرى أولئك المنقبون يمكن اكتشافها من مقدمة تشريع لبت عشتار وخاتمته ويوجد نص القانون محفوظ حاليا بمتحف فيلادلفيا بالولايات المتحدة الأمريكية.

 رابعا: قانون أشنونة: صدر في 1930 ق.م . فهو متقدم على قانون حمو رابي بما يقرب من القرنين من الزمن. ولم يكتشف علماء الآثار أكثر من إحدى وستين مادة من مواد هذا القانون . ويظهر من دراسة هذه المواد إن مشرعها كان قد اهتم ببعض المسائل الاجتماعية . من ذلك وضع حد أدنى لأجور العمال ، وتسعير بعض السلع ، وتقسيم المجتمع إلى طبقات . فقد وردت في هذا القانون أول إشارة إلى تقسيم المجتمع العراقي القديم إلى طبقات ثلاثة هي طبقة الأحرار ، وطبقة شكينوم ، وطبقة العبيد ويلاحظ أن بعض نصوص هذا القانون لها مثيل في القوانين السومرية مثل قانون أورنامو، وقانون لبت عشتار، وأن شريعة حمورابي قد اقتبست بعض هذه النصوص، وهذا ما دعا بعض الفقهاء إلى القول بأن قانون أشنونا يعد همزة الوصل بين القوانين السومرية والقوانين البابلية. ويحتوي هذا القانون على مقدمه قصيرة كتبت بالسومرية وهذه المقدمة ناقصة وتختلف عن مقدمات القوانين الأخرى بأنها لم تقتبس منها شيئاً يذكر ونالت الأحكام الجزائية النصيب الأكبر من هذه المواد شأنها في ذلك شأن سائر القوانين في وادي الرافدين . كما عالج القانون مسائل قانونية متفرقة أهمها تحديد أسعار بعض السلع، والإيجار، والقرض، والوديعة،والزواج، والطلاق ، والتبني، والاعتداء على أموال الغير، والأضرار المتسببة عن الحيوانات والأشياء. .


المقصود من هذه المحاضرات هو تعريف الطالب بتاريخ تطور القاعدة القانونية من حيث الزمان والمكان من خلال التعرض للمحاور التالية

أولا: التعرف على معنى النظام القانونية وذلك ببيان الألفاظ المركبة لهذا العنوان الكبير

ثانيا: بيان مراحل تطور القاعدة القانونية

ثالثا: بيان أسباب تطور القاعدة القانونية

رابعا: النظم القانونية في الحضارات القديمة

خامسا: النظم الإسلامية

مقدمة :

يميل الانسان إلى الاجتماع ويعتمد على غيره في تحصيل ضروريات حياته، ما يجعله يدخل في علاقات اجتماعية مختلفة، ويقوم بالعديد من المعاملات مع افراد المجتمع الذي يعيش معه، غير انّ اتصاف الانسان بالأنانية وحب الذات والطمع يجعل هذه العلاقات تتصف بالصراع والتناحر من أجل تلبية المصالح المتضاربة بين الأفراد. ولهذا كان لابد من وجود قانون كضرورة حتمية لتنظيم هذه المصالح وللموافقة بينها بشكل يحقق مصالح الأفراد من جهة ومصالح الجماعة ككل من جهة أخرى.

وعلى اعتبار أنّ القانون جاء لينظم المجتمعات، وهذه المجتمعات في تطور مستمر فإنّ القانون كذلك يتطور بتطورها، والقواعد القانونية المعاصرة تختلف اختلاف الأزمنة عن القواعد التقليدية القديمة، لذلك برزت الحاجة إلى دراسة تاريخ النظم القانونية

برنامج مقياس تاريخ النظم القانونية

المبحث الأول: نظرة تاريخية حول نشأة النظم القانونية و أهميتها

المطلب الأول: تعريف النظم القانونية

المطلب الثاني: نشاة النظم القانونية

المطلب الثالث: أهمية النظم القانونية

المبحث الثاني: النظم القانونية في حضارة بلاد الرافدين

المطلب الأول: المجموعات القانونية التي وصلت الينا غير كاملة

المطلب الثاني: النصوص القانونية التي وصلت الينا كاملة )قانون حمورابي)

المطلب الثالث: محتوى ومظاهر قانون حمورابي) تنظيم الاسرة  نظام الجرائم والعقوبات

المطلب الرابع: خصائص قانون حضارة بلاد الرافدين وعوامل تطوره

المبحث الثالث: النظم القانونية في حضارة مصر الفرعونية

المطلب الأول: نشأة وتطور الحضارة الفرعونية

المطلب الثاني: أشهر القوانين الفرعونية المصرية وبعض خصائصها

المبحث الرابع: النظم القانونية في حضارة اليونان

المطلب الأول: نشأة وتطور الحضارة الفرعونية

المطلب الثاني: أشهر القوانين الفرعونية المصرية وبعض خصائصها

المبحث الخامس: النظم القانونية في حضارة الرومان

المطلب الأول: ظهور وتطور المجموعات القانونية الرومانية

المطلب الثاني: تنوع مصادر القانون الروماني

المطلب الثالث: خصائص ومظاهر القوانين الرومانية نظام الاسرة والرق ونظام الاموال ونظام الجرائم والعقوبات

 المبحث السادس: النظم القانونية في الشريعة والحضارة الاسلامية


  •  تعرضنا لشرح البرنامج ثم بينا مفهوم تاريخ النظم
  •  وتعرضنا لمراحل نشأة القانون 

    نعرضنا لشرح البرنامج ثم بينا مراحل تطور القانون