إن القانون التجاري فرع من فروع القانون الخاص ظهر كقانون مستقل عن القانون المدني في نهاية القرن التاسع عشر، تحت تأثير الحاجة الاقتصادية و الرغبة في إفراد قانون يهتم بالتجار و بالأعمال التجارية .إن قواعد القانون التجاري تتطور مع مرور الزمن تماشيا مع تطورات الحياة الاقتصادية.

استلزم ظهور هذا الفرع القانوني ،نظرا  لتطبيقه على فئة التجار، إصدار نصوص صريحة لتطبيقها على هذه الفئة من الأشخاص و على فئة معينة من الأعمال ألا وهي الأعمال التجارية .

 


الدرس الأول يخص تعريف القانون التجاري

 

يعتبر القانون التجاري أحد فروع القانون الخاص، والذي يضم مجموعة القواعد القانونية التي تسري على طائفة من الأعمال التجارية وتسري أيضاً على طائفة من الأشخاص الذين يتصفون بكونهم تجار، فهو بذلك يختلف عن القانون المدني الذي يطبق على كافة الأعمال والمعاملات وينطبق على كافة الأفراد بغض النظر عن طبيعة مهنتهم أو النشاط الذي يقومون به.

لقد كان القانون التجاري في أصله عبارة عن مجموعة أعراف وتقاليد تنظمه، غير أنه ونظراً لأهمية التجارة في تنمية الدول في المجال الاقتصادي والاجتماعي وحتى في المجال السياسي، كان ولابد من وجود أطر قانونية تنظم النشاط التجاري، لأن عالم التجارة يتميز بخصائص تميزه عن المعاملات المدنية مثل السرعة والائتمان وسهولة الإجراءات.

ولقد نظم المشرع الجزائر النشاط التجاري بموجب الأمر رقم 75-59 المؤرخ في 26 سبتمبر1975 والمتضمن القانون التجاري، والذي شهد عدة تعديلات طرأت عليه، وآخرها ما يتعلق بالتجارة الالكترونية.

ولقد تم الاعتماد على مجموعة من المراجع المتنوعة لكتابة هذه مطبوعة في مقياس القانون التجاري السنة الثانية ليسانس جذع مشترك.

تحتوي المطبوعة على عشرة دروس، يمكن تصنيفها إلى ثلاث أجزاء، الجزء يتعلق بمدخل إلى القانون التجاري ويحتوي على درس واحد

أما الجزء الثاني هو نظرية الأعمال التجارية والذي يحتوي على ستة دروس

أما الجزء الثالث يحتوي على ثلاث دروس.

 

 

 

 

 

 

 

الدرس الأول: مدخل للقانون التجاري

سيتم التطرق إلى النقاط التالية

·      تعريف القانون التجاري وتمييزه عن باقي المصطلحات

·      نشأة القانون التجاري

·      خصائص القانون التجاري

·      مدى استقلالية القانون التجاري عن القانون المدني

·      نطاق تطبيق القانون التجاري

·      مصادر القانون التجاري

 

 

 

 

 

 

 

 

أولا: تعريف القانون التجاري وتمييزه عن باقي المصطلحات المشابهة له

 

1.   تعريف القانون التجاري: هو مجموعة القواعد القانونية المنظمة للأنشطة التجارية، والتي هي في جوهرها أنشطة اقتصادية، تتعلق بصفة أساسية بالصناعة والخدمات، ويتبع في شأنها طريق الإنتاج الرأسمالي.

يختلف مفهوم التجارة قانوناً عن معنى التجارة في علم الاقتصاد، التجارة في مفهومها الاقتصادي هي نشاط اقتصادي بعينه، يتمثل في تداول السلع والمنتجات بقصد تحقيق الربح، أما التجارة في القانون هي مجموعة من الأنشطة الاقتصادية التي يجمع بينها خصائص الإنتاج الرأسمالي وتخضع للقانون التجاري[1] وتشمل التجارة بمفهومها الاقتصادي وكذا الإنتاج الصناعي والخدمات.

وتتمثل الأنشطة التجارية ككل نشاط اقتصادي عنصران مادي وآخر شخصي ويتحدد العنصر المادي للأنشطة التجارية بالأعمال المكونة لنشاط تجاري، بينما يتحدد عنصرها الشخصي بمن يزاول النشاط، سواء كان محترفاً هذا النشاط أم لا.

يميل الفقه التجاري إلى تعريف القانون التجاري كقانون يحكم عناصر الأنشطة التجارية، أي الأعمال التجارية والتجار لقانون يحكم الأنشطة التجارية ذاتها.

2.   تمييز القانون التجاري عن المصطلحات المشابهة له:

·           تمييز القانون التجاري عن القانون الاقتصادي: من أجل التمييز بين المصطلحين لابد من تعريف القانون الاقتصادي والذي يقصد به مجموعة القواعد القانونية المنظمة لمختلف الأنشطة الاقتصادية أو القطاعات الاقتصادية الصناعة والزراعة والخدمات سواء تم هذا النشاط داخل الدولة أو خارجها، فهو بذلك أوسع من نطاق القانون التجاري، بيد أنه هناك من يره أن القانون التجاري هو نفسه القانون الاقتصادي لأن نطاق القانون التجاري يشمل كافة أوجه النشاط الاقتصادي، غير أنه توجد بعض الأنشطة الاقتصادية تخرج من نطاق القانون التجاري مثل الأنشطة الزراعية والمهن الحرة.

·      تمييز القانون التجاري عن قانون الأعمال: قانون الأعمال هي تسمية حديثة للقواعد التي تنظم البيئة التجارية وتشمل جملة من القواعد الحديثة التي تنظم مواضيع جديدة تعرفها البيئة التجارية كالقواعد الخاصة بالملكية الفكرية كقانون براءة الاختراع، العلامة التجارية الرسوم والنماذج الصناعية والقواعد الخاصة بالمعاملات المالية وقانون البورصة والقيم المنقولة والقواعد الخاصة بحماية المستهلك والمنافسة.

وبناءً على ما سبق فإن القانون التجاري بمفهومه التقليدي يعتبر أحد فروع قانون الأعمال إلى جانب قوانين أخرى كقانون النقد والقرض وقانون المنافسة وقانون حماية المستهلك.

 

ثانيا: نشأة القانون التجاري

عندما نتطرق إلى نشأة وتطور القانون التجاري لا نقصد بذلك البحث عن مجموعة القواعد القانونية التي تنظم الأعمال التجارية وكذا العلاقات بين التجار، وإنما البيئة التجارية والتي ظهرت منذ قدم الإنسان، فبعد كان في الحقبة البدائية يبحث فقط عن تلبية حاجاته المعيشية من أكل وشرب أصبح يعيش ضمن جماعات وأصبح يهتم بالزراعة والحرف، وشكل ذلك فائض في الإنتاج مما أدى إلى ظهور النشاط التجاري من خلال ظهور عدة عمليات تجارية من مقايضة السلع بسلع أخرى.

1.   العصور القديمة:

·      حضارة بلاد الرافدين: عرفت حضارة بلاد الرافدين التجارة نظراً لموقعها الاستراتيجي، حيث قام الأشوريون والكلدانيون بتعامل بالنقد والإقراض والإيداع وتعاملوا أيضاً بالصكوك، ولقد أشار تشريع حمورابي إلى أحكام الخاصة بالقرض بالفائدة وعقد الوديعة وعقد الشركة.

·      الحضارة الفنيقية: اهتمت هذه الحضارة أيضاً بالتجارة وخاصة في المجال البحري، ويرجع لهم الفضل في وضع نظرية الخسارة المشتركة بين مالك السفينة ومالكي السلع البضائع، ففي حالة إلقاء أحد الشاحنين بضاعته في البحر لانقاد السفينة من الغرق، فإن مالك السفينة وأصحاب البضائع البقية ملزمون بتعويضه[2].

·      الحضارة اليونانية: اعتمدت الحضارات الأوروبية وبالخصوص الحضارة اليونانية على الإنتاج الزراعي وأن مالك الأرض الزراعية هو ذو مكانة مرموقة وصاحب ثروة، وأما التجارة فكان ينظر إليها بشكل محتقر، ودليل على ذلك أقوال العلماء والفلاسفة، حيث كان يعتبر أرسطو التجارة من قبيل النشاط غير الطبيعي وبالتالي يجب إدانتها[3]، ومع ذلك عرفت هذه الحضارة نظام القرض المخاطرة الجسيمة وهي عبارة عن اتفاق بين مالك السفينة أو ربانها مع المقرض، على أن يقوم هذا الأخير بتقديم قرضاً للأول من أجل تجهيز السفينة وشراء البضائع، فإذا وصلت السفينة إلى الميناء سالمة فإن المقرض يستوفي مبلغ القرض مع فائدة مرتفعة، وفي حالة العكس يخسر المقرض مبلغ القرض، وكان يكيف هذا النظام على أنه تأمين بحري.[4]

·      الحضارة الرومانية: اشتهر الرومان بترفعهم عن التجارة باعتبارها من المهن التي لا تليق بهم، فمارستها طبقة العبيد والعتقاء، ولما ازدهرت وتوسعت التجارة وأصبح الأجانب يمارسون التجارة، وأما عن القواعد المنظمة للتجارة في هذه الحضارة فلقد وجدت ضمن قانون الشعوب (قانون الشعوب) وأهم الأنظمة التجارية التي عرفان الرومان نظام الخسارة المشتركة، ونظام القرض البحري المأخوذ من الإغريقيين والفينيقيين، ونظام الإفلاس والمحاسبة.

2.   العصور الوسطى: عند التكلم عن العصور الوسطى في أي موضوع كان، فإن بعض الباحثين يقتصرون بحثهم على أحداث التي ميزت أوربا في تلك الفترة دون التطرق إلى الحضارة الإسلامية وإلى ما جاءت به في مجال العبادات والمعاملات.

عرفت الحضارة الإسلامية التجارة والتي كانت معروفة عند العرب قبل مجيء الإسلام وأشار القرآن الكريم إلى رحلتي التي كانوا يقوموا بها قريش من رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة إلى الشام في فصل الصيف وهذا من أجل مزاولة التجارة.

ولقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء سوق خاص بالمسلمين بعد بناء المسجد، وتم وضع عدة قواعد في المعاملات الإسلامية كخيار الرؤية وتحريم الربا وعدم اكتناز الأموال ونظام الزكاة والقرض الحسن.

وأما بالنسبة لأوروبا هي كذلك ظهرت فيها التجارة بشكل محدود في بعض المدن الإيطالية، وكان النظام السائد في ذلك الوقت النظام الإقطاعي الذي اقتصر على الفلاحة وبعض الحرف اليدوية.

وإن المفهوم الحديث للقانون التجاري بدأ يتبلور بانتعاش حركة التجارة في المدن الإيطالية وبالخصوص في موانئها، حيث ظهر نظام الطوائف مع ظهور بعض الأسواق الأوروبية مثل سوق فرانكفورت بألمانيا وسق ليون بفرنسا، وكانت الأعراف التجارية المستمدة بعضها من التجار المسلمين هي التي تنظم النشاط التجاري[5]

3.   العصر الحديث  : بعد اكتشاف القارة الأمريكية وطريق رأس الرجاء الصالح وتحول التجارة ميدان التجارة من دول حوض البحر الأبيض المتوسط إلى الدول المطلة على بحر الشمال والمحيط الأطلسي، مع ظهور عدة أسواق ونشوء عدة شركات في مجال التجارة والاقتصاد والتي كان لها تأثير على المجال السياسي والاجتماعي للدول، والتي كانت تحتاج إلى المواد الأولية مع تسويق منتجاتها.

وبعد تزايد حجم التبادل التجاري كان ولابد من آلية تنظم المجال النقدي حيث نشأت عدة بنوك، وأمام الدور الهام للتجارة والتجار أدى إلى وضع تشريعات تنظم التجارة بدلاً من الأعراف التجارية، حيث كانت أول بوادر فر فرنسا في عهد لويس 14 الذي أصدر أمر ملكيا في سنة 1673 المتعلق بتنظيم التجارة البرية وتشمل الأوراق التجارية والشركات ونظام الإفلاس واختصاص المحاكم التجارية، وفي سنة 1681 تم إصدار أمراً يتعلق بتنظيم التجارة البحرية.

 وبعد قيام الثورة الفرنسية سنة 1789 وبناءً على مبادئها تم إلغاء نظام طوائف التجار وتم استبدالها بحرية التجارة والصناعة المنصوص عليها بموجب قانون صدر عام 1791 والذي كرس سيطرة طبقة البورجوازية على طبقة الأرستقراطيين أصحاب كبار ملاك الأراضي الزراعية.

ولقد قام نابليون بإصدار قانون خاص بالتجارة سنة 1807، وأما القانون المدني صدر قبله سنة 1804 والذي كان ينظم الثروة العقارية أما القانون التجاري فيتعلق بالثروة المنقولة ويوقم على أساس قواعد موضوعية فهو ينظم الأعمال التجارية لا الأشخاص [6]

ثالثا: خصائص القانون التجاري

للقانون التجاري خصائص تميزه عن باقي القوانين وبالخصوص القانون المدني، إذا يتميز بالسرعة والائتمان.

1.   السرعة: إن النشاط التجاري يرتكز على سرعة التعامل والابتعاد عن التعقيد والشكليات، فالعقود التي يبرمها التاجر كثيرة ومتتابعة، فهو يشتري السلعة من أجل تحقيق الربح ثم يقوم ببيعها، ومنه فإن العمليات التي يقوم بها تبنى على معيار التداول التي تتطلب السرعة.

ومن بين مظاهر السرعة في المعاملات التجارية هو وجود مبدأ حرية الإثبات على عكس في مجال المعاملات المدنية الإثبات مقيد بالكتابة إذا تجاوز المبلغ أكثر من 100.000.00دج، فطبقاً للمادة 30 من القانون التجاري الجزائري يثبت كل عقد تجاري بسندات رسمية وسندات عرفية وفاتورة مقبولة وبالرسائل وبالدفاتر التجارية والإثبات بالبينة أو بأية وسيلة أخرى إذا رأت المحكمة وجوب قبولها.

ومن بين مظاهر أخرى الاعتماد على عنصر السرعة في مجال النشاط التجاري عدم منح مهلة قضائية أو ما يمسى بنضرة إلى ميسرة لاستفاء الدين.

2.   الائتمان: إن العمليات التجارية تقوم في معظمها على عنصر الأجل، وإن التاجر قد لا تتوفر له السيولة في الحال، لذلك فهو يطلب من البائع منحه أجل أو مدة معينة لتسديد الثمن.

ومن بين مظاهر الائتمان هو التعامل بالأوراق التجارية كسفتجة مع وجود نظام الإفلاس والذي يقتضي في حالة توقف التاجر عن ديونه، فإنه يطبق عليه نظام الإفلاس والذي يعد في نفس الوقت ضمان للتجار للوفاء بالتزاماتهم المالية.

رابعاً: مدى استقلالية القانون التجاري عن القانون المدني

توجد علاقة وطيدة بين القانون التجاري مع القانون المدني باعتبار هذا الأخير الشريعة العامة لجميع التصرفات القانونية وأن القانون التجاري ما هو إلا استثناء من الأصل العام، حيث يعتمد القانون التجاري على القانون المدني في عدة تصرفات كعقد البيع وحق الملكية والحقوق العينية ولكن هذا لا يمنع من القول أن للقانون التجاري له أثر على المدني ومثال ذلك إضفاء الصفة التجارية على الأعمال المدنية التي يقوم بها التاجر والمتعلقة بنشاطه التجارية على أساس نظرية الأعمال التجارية بالتبعية، وكذلك إضفاء الصفة التجارية على نشاط الشركات التجارية حتى ولو كان نشاطها مدني.

وكنتيجة لما سبق، ظهر اتجاهين في مجال استقلالية القانون التجاري عن القانون المدني، اتجاه يقول بوحدة القانون التجاري مع القانون المدني واتجاه آخر ينادي باستقلالية القانون التجاري عن القانون المدني.

وحدة القانون الخاص: يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى اندماج القانون التجاري والقانون المدني ضمن القانون الخاص، حيث يطبق على جميع الأعمال والأشخاص دون التفرقة بين الأعمال التجارية والأعمال المدنية وحتى بين التاجر والشخص غير التاجر وحججهم في ذلك أن نشأة القانون التجاري ترجع إلى طائفة التجار وبإلغاء نظام الطوائف وظهور مبدأ حرية مزاولة النشاط التجاري وبالتالي لا وجود لطائفة التجار الذين يتميزون بعادات وأعراف خاصة بهم.

أم الحجة الثانية تتمثل في أن تطبيق أحكام القانون التجاري لا يقتصر فقط على التجار بل يمتد إلى غير التجار مثل التعامل بالأوراق التجارية وكذلك السندات.

وأما الحجة الثالثة أن المعاملات المدنية أكثر انسجاما مع أحكام القانون التجاري مثل ما يتعلق بالعقار حيث كان يعتبر عملية شراء العقار لإعادة بيعه يعد عمل مدني إلا أنه أصبح يعد عملا تجاريا.

وإن عنصر الائتمان لا يقتصر فقط على المعاملات التجارية بل أصبح يمتد  وخاصة بالنسبة للشركات المدنية، وكذلك عنصر الأجل في البيوع المدنية مثل البيع بالتقسيط لشراء السيارات والأجهزة الكهرومنزلية.

وهناك من ينادي بتطبيق نظام واحد الإعسار على جميع الأعمال سواء كانت مدنية أو تجارية وإعطاء مهلة قضائية للمعسر، وفي جانب يمكن تطبيق نظام الإفلاس على الأعمال المدنية والأعمال التجارية .

وكذلك يرى هذا الاتجاه أمكانية الاستفادة من مزايا قواعد القانون التجاري التي ترتكز على عنصر السرعة وسهولة الإجراءات وتطبيقها على المعاملات المدنية، ويمكن أيضاً إضفاء بعض القيود والشكليات المطبقة في القانون المدني وتطبيقها على المعاملات التجارية نظراً لأهميتها.

وتوجد بعض الدول تبنت هذا الاتجاه كولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا وإيطاليا [7]

استقلالية القانون التجاري: إن وحدة القانون التجاري مع القانون المدني وإن كانت تبدو سهلة التطبيق من الجانب النظري إلا أنه يصعب تطبيقها من الجانب العملي لأن أحكام القانون التجاري تقوم على أساس السرعة والائتمان وحرية الاثبات وبساطة الإجراءات، كما تقوم المعاملات التجارية على مبدأ التعامل بالظاهر الذي يعزز مبدأ الائتمان والثقة..

وحتى الدول التي طبقت نظام الوحدة أو ادماج القانونين نصت على أحكام خاصة بالمسائل التجارية وهو ما قامت به إنجلترا من سن نظام الإفلاس والشركات وكذلك وضعت إيطاليا نظام خاص بمسك الدفاتر التجارية والإفلاس[8] أما الاتجاه الثاني وهو السائد في معظم التشريعات هو استقلالية القانون التجاري عن باقي القوانين وبالخصوص القانون المدني لأن هذا الأخير له قواعد ومبادئ تختلف عن قواعد ومبادئ القانون التجاري.

وعليه فإن الاتجاه الغالب هو استقلالية القانون التجاري عن القانون المدني وهو ما تبنته أغلب التشريعات ومنها التشريع الجزائري الذي خصص قانون ينظم المسائل التجارية، ولكن هذه الاستقلالية لا تعني الاستغناء عن القانون المدني باعتباره المصدر الثاني بعد القانون التجاري.

 

خامساً:مصادر القانون التجاري

أشارت المادة الأولى مكرر من القانون التجاري الجزائري على مصادر القانون التجاري وتتمثل في التشريع ثم العرف، حيث يتكون التشريع حسب المادة من القانون التجاري والقانون المدني وفي حالة عدم وجود نص تشريعي نذهب إلى العرف والذي سماه المشرع بأعراف المهنة.

1.   التشريع: كما هو معروف أن التشريع هو المصدر الأول بالنسبة إلى المنظومة القانونية في الجزائر، ونفس الشيء ينطبق على مصادر القانون التجاري، حيث تقوم السلطة المختصة بوضع قواعد قانونية لتنظيم العلاقات داخل المجتمع، ويتميز بكونه يصدر في وثيقة رسمية ويكون مكتوب.

والتشريع يتمثل في القانون التجاري أولاً ثم القانون المدني ،وهو ما نصت عليه المادة الأولى مكرر من القانون التجاري.

·        القانون التجاري: يعتبر القانون التجاري رقم 75-59 المؤرخ في 26 سبتمبر1975 والمتضمن القانون التجاري[9] المصدر الأول لتطبيقه على المسائل التجارية وكذا القوانين والمراسيم التنظيمية التي جاءت مكملة ومتممة للقانون التجاري والتي وردت في متنه أو منفصلة عنه وكذا القوانين والمراسيم المساعدة له بالإضافة إلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتجارة.

ومجمل القول كل النصوص القانونية والتنظيمية التي جاءت لتنظيم النشاط التجاري تدخل ضمن نصوص أحكام القانون التجاري والذي يتكون من القانون التجاري بصفة رئيسية والذي يحتوي على خمس كتب؛

الكتاب الأول تطرق إلى التجارة بصفة عامة ومواده من 01 إلى 77.

الكتاب الثاني تضمن المحل التجاري ومواده من 78 إلى 214.

الكتاب الثالث تناول الإفلاس والتسوية القضائية ورد الاعتبار والتفليس وجرائم الإفلاس مواده من 215 إلى 388.

الكتاب الرابع تضمن السندات التجارية مواد من 389 إلى 543 مكرر24.

وآخر كتاب متعلق بالشركات التجارية مواده من 544 إلى 840

وأما القوانين والمراسيم التنظيمية والتي لها علاقة بتنظيم النشاط التجاري، نجد على سبيل المثال لا الحصر:

-              قانون يتعلق بالتجارة الالكترونية رقم 18-05 المؤرخ 10 ماي 2018.

-              قانون متعلق بشروط الأنشطة التجارية رقم 04-08 المؤرخ 14 أوت 2004.

-              المرسوم التنفيذي الذي يحدد كيفيات القيد والتعديل والشطب في السجل التجاري.

-      القانون المدني: هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين الأفراد، والتي جاءت بموجب الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 26 سبتمبر1975 والمتضمن القانون المدني[10] والذي يعتبر الشريعة العامة للقوانين فهو الأصل بالنسبة لجميع فروع القانون الخاص، حيث يختص بتنظيم كافة القواعد التي تتعلق بالأشخاص دون النظر إلى الشخص القائم بها ونوعية العلاقة وهي تقتصر تنظيم على المعاملات المالية دون العلاقات الأسرية فهي لها قانون خاص يسمى بقانون الأسرة وفي بعض التشريعات العربية يسمى بقانون الأحوال الشخصية ، ففي حالة عدم وجود نص تشريعي أو عدم وجود قانون آخر من القوانين الخاصة مثل القانون التجاري أو قانون العمل نطبق أحكام القانون المدني.

وبناءً عليه فإنه في حالة عدم وجود نص في القانون التجاري أو القوانين المتعلقة بالنشاط التجاري نلجأ إلى تطبيق نصوص القانون المدني.

2.  العرف: يعد العرف من أقدم مصادر القانون فهو عن مجموعة القوعاد التي تنشأ عن اعتياد الأفراد على إتباعها لفترة زمنية مع شعورهم بإلزامها قانوناً والمقصود بالعرف هنا ما تعلق بالنشاط التجاري والذي يمكن تسميته بالعرف التجاري وهو اطراد سلوك التجار على إتباع قاعدة معينة في معاملاتهم التجارية على نحو يولد لديهم اعتقاداً بإلزامها وضرورة احترامها [11] .

والعرف له ركنان الأول المادي يتمثل في قاعدة معينة يتبعها التجار في نشاطهم التجاري، وأما الركن الثاني هو شعور أو الاعتقاد بإلزامية هذه القاعدة[12].

وكما قلنا في السابق أن العرف هو أقدم مصادر القانون، لذلك فإن أغلب الأعراف والعادات التجارية تم تقنينها ضمن القانون التجاري، ومع ذلك مازال للعرف التجاري مكانة ضمن تنظيمه للنشاط التجاري.

مسألة تدرج مصادر القانون التجاري:

إن المادة الأولى مكرر فصلت في مسألة تدرج مصادر القانون التجاري، حيث ذكرت أن القانون التجاري يأتي في المرتبة الأولى ويعتبر المصدر الرئيسي والأول ثم يليه القانون المدني ثم يأتي العرف أو أعراف المهنة حسب تسمية المشرع الجزائري.

سادسا: نطاق تطبيق القانون التجاري

1.   النظرية الشخصية: تنظر هذه النظرية إلى الأشخاص الذين يحترفون النشاط التجاري وليس إلى طبيعة العمل، ومن أجل تطبيق نصوص القانون التجاري يجب البحث عن صفة القائم بالنشاط والشروط المتعلقة بصفة التاجر، والتي ترتكز أساساً على احتراف مهنة التجارة مع توافر شرط الأهلية وهذا بالنسبة للشخص الطبيعي وأما الشخص المعنوي فيكتب الصفة التجارية بعد قيده لدى السحل التجاري.

وتستند هذه النظرية أصولها على اعتبارات تاريخية لكون القانون التجاري مرتبط بفئة التجار أو محترفي التجار فهم الذين أوجدوا القواعد التي تنظم النشاط التجاري، ومختصر القول أن القانون التجاري هو قانون التجار وليس قانون الأعمال.

ولكن هذه النظرية انتقدت لأن التاجر قد يقوم بشراء الأشياء بغرض استهلاكها أي استعمالها شخصياً فمثلاً يشتري سيارة للاستعمال الشخصي، فهنا لا يعتبر عملاً تجارياً رغم الذي قام به تاجر وإنما يعتبر عملاً مدنياً وأيضاً يمكن لأشخاص غير التجار القيام بأعمال تجارية، برغم من أنه لا تتوفر فيهم الصفة التجارية لذلك ظهرت النظرية الموضوعية.

2.   النظرية الموضوعية: أساس هذه النظرية أن القانون التجاري هو قانون الأعمال التجارية التي تحدد ما هو القانون الذي يطبق فهي لا تنظر إلى صفة الشخص بل إلى العمل الذي قام به [13]، فالصفة التجارية يجب أن تثبت ابتداء للعمل ثم تنتقل إلى من يباشره على وجه الاحتراف.

رغم ايجابيات النظرية الموضوعية إلا أنه يوجد صعوبة في تحديد الأعمال التجارية وعدم استقرار الفقه على معيار واحد حيث ظهرت عدة معايير مثل معيار المضاربة معيار التداول ومعيار المقاولة.   

موقف المشرع الجزائري: حسب المادة الأولى من القانون التجاري والتي نصت " يعد تاجراً كل شخص طبيعي أو معنوي يباشر عملاً تجارياً ويتخذه مهنة معتادة له" .

وما قام به المشرع حسب المادة بتعداد مجموعة من الأعمال التجارية وأما المواد من 05 إلى المادة 12 فتطرقت إلى شروط اكتساب الصفة التجارية والالتزامات فإننا نقول أن المشرع الجزائري أخد بالنظريتين معاً.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الدرس الثاني: معايير العمل التجاري

 

إن أغلب التشريعات لم تضع تعريفاً للعمل التجاري بما في ذلك التشريع الجزائري، وبالرجوع إلى الفقه نجده لم يتفق على تعريف موحد، وهذا راجع لتعدد المعايير، معيار المضاربة ومعيار التداول ومعيار المشروع ومعيار الحرفة.

أولا: نظريات معايير العمل التجاري

1.نظرية المضاربة: يتجه بعض الفقه الاعتماد على معيار المضاربة كمعيار للعمل التجاري ويقصد بالمضاربة السعي وراء تحقيق الربح أو هي وضع رأسمال معين في عمل بقصد الحصول على الربح من ورائه[14] ويعتبر هذا المعيار عبارة عن موقف نفسي لمن يقوم بممارسة العمل التجاري، فإذا كانت نية تحقيق الربح عن طريق المضاربة اعتبر هذا العمل عملاً تجارياً وأما في حالة العكس لا يعتبر عملا تجارياً.

رغم أن المضاربة تعتبر من خصائص العمل التجاري وينطبق على الكثير من الأعمال التجارية،غير أنه لا يمكن تطبيقه على جميع الأعمال التجارية، حيث توجد بعض الأعمال لا يسعى أصحابها إلى تحقيق الأرباح ومع ذلك تعتبر أعمالاً تجارية مثل الأعمال المتعلقة بالأوراق التجارية، وفي مقابل توجد بعض الأعمال تسعى إلى تحقيق الربح ولكنها لا تعتبر أعمالاً تجارية مثل نشاطات أصحاب المهن الحرة كالمحاماة والتوثيق.

2. نظرية التداول: ذهب بعض الفقهاء إلى اختيار التداول كمعيار للعمل التجاري، ويقصد بالتداول حركة السلع والنقود والأوراق التجارية، ويرى أصحاب هذه النظرية وعلى رأسهم الفقيه "تالير" إن العمل التجاري يقوم في جوهره على تداول السلع والبضائع من وقت خروجها من يد المنتج ووصولها إلى يد المستهلك، فكل عمل يرمي لتحريك الثروة ويساعد على تنشيط حركتها يعتبر أعمالا تجارية، وأما الأعمال التي تتناول الثروات وهي في حالة ركود واستقرار فتعتبر أعمالا مدنية. [15]

وعليه فإن جميع الأعمال وتقع بين المنتج الأول والمستهلك تعد أعمالاً تجارياً، فعندما يتم دفع المنتج إلى السوق ويتم تداوله فهنا يعد عملاً تجارياً، وإذا انتهى إلى استهلاكه فهنا يدخل في مرحلة السكون فنطبق عليه أحكام القانون المدني.

رغم الأساس المنطقي التي تقوم عليه النظرية، غير أنها لم تسلم من النقد، حيث أن هناك أعمالاً تصدر من المنتج الأول، ولكنها تعتبر أعمالاً تجارية مثل مشروع استخراج الثروات الطبيعة وكذلك منتجات المصانع رغم أن المصنع هو المنتج الأول، ولكن عمله ذو طبيعة تجارية، وكذلك تقوم بعض الجمعيات والتعاونيات بشراء السلع والبضائع وتوزيعها على المحتاجين بسعر التكلفة أو مجاناً، أي تقوم بتداول السلع ومع ذلك لا يعتبر عملها تجاري وإنما مدني.

3.   معيار المقاولة (المشروع) : يعتمد هذا المعيار على اعتبار كل الأعمال التي تتم في مشروع أو مقاولة تعد أعمالاً تجارية، ويقصد بالمشروع هو ممارسة العمل على سبيل الاحتراف أي التكرار العمل، وأن يكون في شكل منظم، وذلك من خلال تنظيم مسبق بتوفر الوسائل المادية والمالية والبشرية مثل رأس المال التجهيزات والعمال، ويجب تكرار العمل، فإذا كان هذا الأخير تم القيام به بشكل منفرد فلا يعتبر عملاً تجارياً، فالتكرار عنصر جوهري في أي مشروع.[16]

إن المنطق الاقتصادي يفرض أن يقوم صاحب المشروع بعمله لعدة مرات، فمن غير معقول توفير عوامل المشروع من رأس المال والعمال والتجهيزات من أجل القيام بالعمل مرة واحدة.

إن هذه النظرية تقتصر على بعض الأعمال التي يمكن إضفاء عليها الصفة التجارية إذا تمت في مشروع، غير أنه توجد بعض الأعمال كشراء منقول من أجل إعادة بيعه فإنه يعتبر عملاً تجارياًّ رغم أنه لم يتم في شكل مشروع فهو يعتبر من الأعمال التجارية المنفردة وبالتالي إن هذه النظرية أهملت طائفة مهمة من الأعمال التجارية وهي الأعمال التجارية المنفردة.

وكذلك توجد بعض الأعمال تتم في شكل مشروع غير أنها لا تعتبر أعمالاً تجارية وإنما أعمال مدنية مثل أعمال الحرف والصناعات التقليدية والأعمال الزراعية.

4.   معيار الحرفة: يرى أصحاب هذه النظرية وعلى رأسهم "جورج ريبير" أنه لتحديد الأعمال التجارية يجب أن تزاول ضمن الحرف التجارية[17].

حيث يتم استغلال العمل التجاري بطريقة ثابتة ومنظمة ومستمرة مع توفر مستلزمات الحرفة كوجود عنصر الاتصال بالعملاء والسمعة التجارية، أي عناصر المحل التجاري بصفة عامة، والتي من شأنها أن تضفي على الشخص القائم بها الصفة التجارية عكس المقاولة التي لا تضف على صحابها الصفة التجارية.

وعليه فإن هذا المعيار يستند على النظرية الذاتية لنطاق تطبيق القانون التجاري باعتباره قانون مهني، ولكن يلاحظ أن هذه النظرية أهملت الجانب الموضوعي للقانون التجاري والمتمثل في الأعمال التجارية، والتي يطبق عليها القانون التجاري بغض النظر عن الشخص القائم بها.

5.   نظرية السبب: أتى بهذه النظرية "ريفير" والذي يرى أن السبب هو الباعث الدافع إلى التعاقد والذي يطلق عليه بالنظرية الحديثة للسبب، وذلك يجب البحث عن الباعث الدافع للعمل، فإذا كان الغرض تجاري فالعمل هنا يعد عملا تجاريا، وأما إذا كان الباعث غير تجاري فهنا العمل يعتبر عمل مدني، ومن بين مظاهر تطبيق هذه النظرية نجد عملية شراء منقول أو عقار من أجل إعادة بيعها، فهنا نكون أمام عمل تجاري لأن السبب من وراء شراء المنقول أو العقار هو إعادة بيعه من أجل تحقيق الربح.

ولكن هذه النظرية من الصعب تطبيقها على أرض الواقع لأن معيار السبب هو عنصر معنوي، كذلك توجد بعض الأعمال لا نبحث فيها عن قصد القائم بها مثل الأعمال المتعلقة بالأوراق التجارية[18].

ثانيا: أهمية التفرقة بين العمل التجاري والعمل المدني

لتفعيل عنصر الائتمان والذي يعتبر أساس القانون التجاري حيث يزيد من ضمانات الدائن ويقسوا في الوقت على المدين في حالة عدم تنفيذ التزاماته.

1.   التضامن: إن التضامن في المسائل التجارية مفترض على عكس في المسائل المدنية فهو غير مفترض ولا يكون إلا باتفاق أو ينص عليه القانون.

إن التضامن المدينين تجاه الدائن في المعاملات التجارية يكون في حالة وجود أكثر من مدين واحد أي تعدد المدينين، فإذا وفى أحدهم بالدين يترتب عليه إبراء ذمة باقي المدينين ولا يمكن للمدين أن يدفع بالتجريد ولا بالتقسيم.

إن تضامن المدينين هي في أصلها قاعدة عرفية وتم تقنينها نظراً لأهميتها في مجال الائتمان ولا يمكن استبعادها إلا بنص صريح، ومن أمثلة التضامن بين المدينين نجد ما نصت عليه المادة 426 من القانون التجاري، حيث أشارت إلى التضامن بين الساحب والمظهرين والضامنين باعتبارهم مدينين لحامل السفتجة وذلك في إفلاس أو وفاة المسحوب عليه.

وكذلك نصت المادة 551/01 من القانون التجاري التي ذكرت أن للشركاء بالتضامن صفة التاجر وهم مسؤولون من غير تحديد وبالتضامن عن ديون الشركة.

أما في المسائل المدنية فإن التضامن بين المدينين غير مفترض ولا يكون إلا بنص صريح أو باتفاق بين المتعاقدين وهذا حسب المادة 217 من القانون المدني.

2.   الفوائد التأخيرية: توجد أنواع للفوائد فقد تكون قانونية أو اتفاقية أو مركبة وتحدد سعر الفائدة في المسائل التجارية ب5% وأما في المسائل المدنية فتقدر ب4% ويمكن الاتفاق على زيادة سعر الفائدة بشرط ألا تزيد عن 7%  إلا فيما يخص نشاط البنوك والمؤسسات المالية والذي يقوم البنك المركزي بتحديدها وهذا حسب التشريع المصري.

نجد أن المشرع الجزائري نص في المادة 454 من القانون المدني[19]على أن:" القرض بين الأشخاص يكن دائما بدون أجرو يقع باطلا كل نص يخالف ذلك".

المادة حرّمت التعامل بالفائدة في مجال تقديم القروض، حيث لا يمكن للمقرض أن يأخذ فائدة على تقديم القرض.

أما المادة 455 من نفس القانون أجازت التعامل بنظام الفائدة إذا تم ذلك أمام المؤسسات أو البنوك: " يجوز لمؤسسات القرض في حالة إيداع أموال لديها أن تمنح فائدة".

من خلال هاتين المادتين نرى أن المشرع الجزائري أجاز التعامل بالفائدة بالنسبة لمؤسسات القرض أخذا وعطاء، حيث يمكن للعملاء أخذ فائدة على أموالهم المودعة لدى المؤسسة وكذلك يجوز لهذه الأخيرة أخذ فائدة على منح القروض.

أما بالنسبة للفوائد التأخيرية، فلقد نصت المادة 186 من نفس القانون السابق:" إذا كان محل الإلزام بين الأفراد مبلغا من النقود عين مقدار وقت رفع الدعوى وتأخر المدني في الوفاء به، فيجب عليه أن يعوض للدائن الضرر اللاحق من هذا التأخير"[20].

فهنا المشرع تطرق إلى التعويض والذي يسمى بفوائد تأخيرية وهي تعتبر تعويض عن التأخير في تنفيذ التزام مالي بمبلغ من النقود عن الأجل المحدد لوفائه.

المشرع لم يحدد نسبة الفائدة ولكنه وضع شروطا لاستحقاقها[21]  والمتمثل في:

_أن يكون محل الإلزام مبلغا ماليا معلوم ومحدد المقدار، فإن كان المحل غير نقود فلا يجوز فيها الفوائد التأخيرية.

_ يجب رفع الدعوى للمطالبة بالفوائد التأخيرية  مع أصل الدين، فلا يكفي الاعتذار

للمطالبة به، ويحتسب مقدار الفوائد التأخيرية من يوم المطالبة القضائية.

_ لا يشترط إثبات الدائن للضرر فهو مقترض ما دام أن محل الإلزام مبلغ من النقود.

يقول الفقيه عبد الرزاق السنهوري بشأن الفوائد التأخيرية: هي ربا إن الربا مكروه في كل البلد ولدى كل العباد وعلى مر العصور كما يصفه الكثير من الفلاسفة وتحرمه كافة الأديان الصحيحة".

ويتم احتساب الفوائد التأخيرية بالنسبة للمسائل التجارية من يوم حلول أجل استحقاق الدين.

3.   المهلة القضائية: المهلة القضائية وهي قاعدة مأخوذة من الفقه الإسلامي والتي تسمى بنظرة إلى ميسرة.

ويقصد بالمهلة القضائية منح القاضي للمدين أجل معقول أو آجال ينفذ خلالها التزامه وتعرف أيضاً على أنها مهلة التنفيذ أو الأجل القضائي التي يمنحها القاضي للمدين عاتر الحظ حسن النية[22] ، وينص القانون المدني الجزائري على منح هذه المهلة من خلال المادة 281 الفقرة الثانية منه على جواز منح القاضي مهلة أو أجالا دون أن تتجاوز مدة سنة وهذا مراعاة للحالة الاقتصادية للمدين.

كما نصت المادة 119 من القانون المدني الفقرة الثانية على منح أجلا للمدين حسب الظروف.

بينما في المسائل التجارية فلا يمكن منح مهلة للمدين، ففي حالة توقفه عن الدفع فإن القاضي يطبق عليه أحكام المادة 215 وما يليها والمتعلقة بنظام الإفلاس.

ومن أجل تعزيز عنصر الائتمان في المعاملات التجارية، فالتاجر الدائن يحتاج إلى السيولة فلا يمكنه أن ينظر مدة زمنية قد تصل سنة مثل ما نص عليه القانون المدني، لأنه قد يكون هو أيضاً مدين لتاجر آخر وهذا ما يعرقل الحركة التجارية.

4.   نظام الإفلاس: نظام الإفلاس يطبق على فئة التجار فهو لا يسري إلا على من يحترف النشاط التجاري، ويقصد به تصفية أموال المدين التاجر المتوقف عن دفع ديونه التجارية من أجل قسمتها على جماعة الدائنين.

ولقد نظمه المشرع الجزائري ضمن القانون التجاري من المواد 215 إلى غاية المادة 388 ، حيث يتعين على كل تاجر توقف عن دفع أن يدلي بإقرار في مدة 15 يوما قصد افتتاح إجراءات التسوية القضائية أو الإفلاس، وعليه فإن إفلاس المدين التاجر لا يكون إلا بناءً على حكم قضائي وله الحجية المطلقة، فالمدين المفلس لا يعتبر مفلساً بالنسبة لدائنه فقط وإنما اتجاه عامة الناس.

 وعليه يجب نشر الحكم بكافة الوسائل المتاحة ،والتي نصت عليها المادة 228 من القانون التجاري، حيث يتم تسجيل الأحكام الصادرة بالتسوية القضائية أو شهر الإفلاس في السجل التجاري، وينشر الحكم لمدة 03 أشهر بقاعات جلسات المحكمة، ويتم نشره أيضاً لدى النشرة الرسمية للإعلانات القانونية، ويترتب عليه الحكم بإشهار الإفلاس، وتخلي المفلس عن إدارة أمواله أو التصرف فيها، مع تعيين الوكيل المتصرف القضائي الذي يقوم بإدارة أموال المدين المفلس من خلال القيام بالإجراءات التحفظية حماية لحقوق الدائنين، ويقوم أيضاً بجرد أموال المدين مع تسجيل الرهن العقاري لصالح جماعة الدائنين على جميع أموال المدين الحاضرة أو التي تؤول إليه مستقبلاً، مع وضع الميزانية في حالة عدم قيام المدين بإيداعها[23] 

ويمكن للمدين الاستفادة من التسوية القضائية باعتباره مفلس، وفي هذه الحالة لا تغل يده عن التصرف في أمواله و لا يحل محله الوكيل المتصرف القضائي، و إنما يساعده في إدارة أمواله حتى يتمكن من تنفيذ التزاماته تجاه الدائنين.

أما في المسائل المدنية وفي حالة توقف المدين عن الدفع فلا يحكم عليه بالإفلاس أو بالتسوية القضائية بل يطبق عليه نظام آخر والمتمثل في نظام الإعسار والذي يقصد به حالة المدين الذي تربو ديونه على أمواله، ويعول فيه على جميع ديون المدين، الحالة منها والمؤجلة، فإذا زادت قيمتها جميعاً على قيمة أمواله في وقت معين فهو معسر في هذا الوقت [24] ويعرف أيضاً على أنه زيادة ديون المدين التي عليه على الذمة المالية التي له، سواء كانت هذه الديون مستحقة الأداء فكان الإعسار قانوني أو مؤجلة الأداء فكان الإعسار فعلي، و لقد نص عليه القانون المدني الجزائري في عدة مواد من المادة 188 إلى المادة 202 .

إن المشرع الجزائري لم يقم بوضع نظام خاص بالإعسار كما فعله مع نظام الإفلاس ومع ذلك أشار إليه في المواد التي ذكرت سابقاً، ونظام الإعسار أقل شدة و قساوة من نظام الإفلاس لأن المدين في المسائل المدنية يحق له التصرف في أمواله ولكن مع ذلك قيد المشرع تصرفاته في حالة إثبات إعساره بوسائل لحماية الضمان العام مثل الدعوى غير المباشرة والدعوى البوليصة والدعوى الصورية وحق الحبس والحجز التحفظي.

 

 

 

 

الدرس الثالث :الأعمال التجارية المنفردة

قبل التطرق إلى الأعمال التجارية المنفردة لابد من الإشارة إلى أنواع الأعمال التجارية، حيث قام المشرع الجزائري بتعداد الأعمال التجارية في المواد 02،03،04 حيث صنفها إلى ثلاث أنواع الأعمال التجارية بحسب الموضوع والأعمال التجارية بحسب الشكل والأعمال التجارية بالتبعية، وأما بعض التشريعات العربية فلقد قسمت الأعمال التجارية إلى صنفين الأعمال التجارية بحسب الموضوع والأعمال التجارية بالتبعية.

وهناك من يقسم الأعمال التجارية إلى قسمين الأعمال التجارية بحسب نص القانون والأعمال التجارية بالقياس[25]، ومرد ذلك أنه لا يمكن تعداد وحصر كل الأعمال التجارية وتدوينها ضمن مواد في القانون التجاري، فهي واردة على سبيل المثال لا الحصر، كما أن العالم التجارة المرتبط بالجانب الاقتصادي الذي يتسم بتطور مستمر، ففي كل مرة تظهر أعمال تجارية جديدة.

وتوجد طائفة رابعة لم يتطرق إليها المشرع الجزائري وهي الأعمال المختلطة والتي تجمع بين العمل التجاري مع العمل المدني.

إن الأعمال التجارية بحسب الموضوع أو بطبيعتها أو كما يسميها جانب من الفقه الأعمال التجارية الأصلية، والتي نص عليها المشرع في المادة 02 من القانون التجاري، ولكن قد يثار تساؤل هل وردت الأعمال التجارية على سبيل الحصر؟

إن المشرع عندما قام بوضع هذه الأعمال ذكر فقط التي كانت موجودة في ذلك الوقت، وكما قولنا سابقاً أن عالم التجارة في تطور مستمر،حيث ظهرت عدة أعمال لا يمكن تصنيفها على أنها أعمالا مدنياً مثل ما يتعلق باستغلال برامج الإعلام الآلي وكذلك أعمال البث الفضائي عبر الأقمار الصناعية.

وبناءً على ما سبق فلا يمكن حصر كل الأعمال التجارية، وبالتالي الأعمال التجارية الواردة في نص المادة 02 من القانون التجاري هي واردة على سبيل المثال لا على سبيل الحصر.

إن الأعمال التجارية الواردة في المادة أعلاه يمكن تقسيمها إلى أعمال التجارية منفردة وأعمال تجارية في شكل مشروع والأعمال التجارية البحرية.

الأعمال المنفردة ومن خلال تسميتها يتضح لنا أنها تلك الأعمال التي تعتبر تجارية ولو قام بها الشخص مرة واحدة فهي لا تحتاج إلى القيام بها عدة مرات وتتمثل فيما يلي:

-       كل شراء للمنقولات لإعادة بيعها بعينها أو بعد تحويلها وشغلها.

-      كل شراء للعقارات لإعادة بيعها.

من خلال الفقرتين السابقتين والمتعلقتين بالأعمال التجارية المنفردة، تتفقان في عنصر مهم وهو الشراء من أجل البيع، الذي يعتبر أساس التعامل التجاري لكونه الصورة التقليدية للتجارة فالتاجر يقوم بشراء منقول أو عقار بغية بيعه بسعر أعلى لتحقيق الربح.

  ومن أجل اعتبرهما أعمالا تجارية يجب توفر الشروط التالية أو بالأحرى العناصر التالية:

عنصر الشراء: إن عملية الشراء تعتبر عنصر جوهري لاعتبار العمل تجاري، ويقصد بالشراء الحصول على المنقول أو العقار بعوض أو بمقابل، أو هي اقتناء الشيء بمقابل متفق عليه بين البائع والمشتري سواء كان نقدي أو عيني، ولا يعتبر تملك منقول أو عقار بدون مقابل مثل تملك عقار عن طريق الميراث أو الوصية أو الهبة[26] فلو باع البائع المنقول الذي اكتسبه عن طريق الميراث لا يعتبر عمله تجاري لأنه لم يسبقه عملية الشراء.

وبناءً على ما سبق تستبعد الأعمال التي لم يسبقها عملية الشراء، وتتمثل في الإنتاج الزراعي، الإنتاج الذهني، المهن الحرة.

الإنتاج الزراعي: الإنتاج الزراعي يعتبر عملا مدنياً وليس تجارياً، لأنه لم يسبقه عملية الشراء ولأن المحصول الزراعي يأتي من الطبيعة أي الأرض مباشرة، فعندما يبيع المزارع محصوله فهو عمله مدني، وحتى عندما يقوم بشراء الآلات والبذور والأسمدة فهذا أيضاً يعتبر عملاً مدنياً لأنه اشتراهم بقصد استغلالها في الزراعة وليس من أجل بيعها.

ولكن يبقى الإشكال في عمليات تحويل الإنتاج أو قام بشراء محصول من الغير قصد بيعه، فهنا نبحث عن النشاط الرئيسي كمعيار للتفريق بين العمل التجاري والعمل المدني، فبالنسبة لعملية تحويل الإنتاج إذا كان النشاط الرئيسي هو الإنتاج الزراعي وعملية تحويل المحصول نشاط ثانوي فهنا يبقى عمله مدني، وأما في حالة العكس فيكون عمله تجاري ويخضع لأحكام القانون التجاري وتشمل بما في ذلك الإنتاج الزراعي.

وأما بالنسبة لعملية شراء المحصول من الغير وإدماجه مع محصوله فهنا نأخذ بالنشاط الرئيسي وإلى الكمية الغالبة، فإذا كان الإنتاج الزراعي أكثر من المحصول الذي اشتراه فهنا عمله يعتبر مدني، وأما في حالة العكس فهنا نطبق القانون التجاري باعتباره عملاً تجارياً[27]، وللقاضي السلطة الواسعة في تقدير النشاط الرئيسي.

الإنتاج الذهني أو الفكري: يعتبر الإنتاج الذهني عملاً تجارياً لأنه لم يسبقه عملية الشراء، ويقصد به تلك الأعمال التي تنتج من أعمال الفكر والذهن مثل تأليف الكتاب، فلو قام المؤلف ببيع حقه لدار النشر فهنا عمله يعتبر عملا مدنياً حتى لو حقق أرباح، لأنه لم يسبقه عملية شراء ونفس الشيء ينطبق على الأعمال الذهنية الأخرى.

المهن الحرة: تقوم على استغلال ما اكتسب من علم وخبرة مثلاً في المجال القانوني أو الطبي أو المحاسبة من أجل تقديم خدمات للجمهور عن طريق ممارسة مهنة المحاماة أو الطب أو المحاسبة، إن هذه المهن تعتبر أعمالاً تجارية لأنها لم يسبقها عملية شراء وبالتالي تكيف على أنها أعمالاً مدنية[28].

وقد تتحول المهن الحرة إلى أعمال تجارية إذا كان النشاط الرئيسي يسبقه عملية شراء مثل ما يقوم به الطبيب من شراء الأجهزة الطبية ويقوم ببيعها للغير وكذلك إذا مارس نشاطه في إطار مشروع مثل فتح عيادة خاصة.

  عنصر الثاني: أن يرد على منقول أو عقار.

حسب المادة الثانية من القانون التجاري فإن عملية الشراء قد ترد على المنقول وأيضاً ترد على العقار، والذي كان في السابق يخضع للقانون المدني غير أنه أصبح عملاً تجارياً بسبب قيمته الباهظة والأرباح التي تكتسب من خلال بيعه، فهو مورد مالي هام في المجال التجاري.

لقد ذكر المشرع المنقول بصفة عامة ومعنى ذلك يشمل كل أنواع المنقول المادي مثل البضائع والسلع والآلات وأما المنقول المعنوي مثل الأسهم والسندات.

ويشمل أيضاً المنقول بحسب المآل والذي يكون في أصله عقار ثم يؤول أو يتحول إلى منقول مثل الثمار والأشجار.

ونفس الحكم ينطبق على العقار فهو كل شيء مستقر بحيزه وثابت فيه ولا يمكن نقله دون تلف كالمباني والأراضي، ويشمل أيضاً العقار بالتخصيص والذي في أصله منقول ولكن خصص لخدمة العقار كالآلات التي تخصص لخدمة الأرض.

العنصر الثالث: قصد إعادة بيعها

إن المشرع اكتفى بعملية البيع دون الإيجار على عكس التشريع المصري الذي أضاف إيجارها إلى جانب البيع، ولكنه اعتبر عملية إيجار العقارات عملاً تجارياً إذا تم في شكل مشروع أو مقاولة.

إن مصطلح قصد إعادة بيعها فهنا يفترض وجود نية البيع عند الشراء، فإذا كان القصد من وراء الشراء الاستعمال الشخصي فهنا يعد عملاُ مدنياً.

 

 

العنصر الرابع : قصد تحقيق الربح.

إن هذا الشرط لم يذكره المشرع وإنما أتى به الفقه، وهو يعتبر أساس عملية الشراء من أجل إعادة البيع، فمن غير منطقي تصور القيام بهذه العملية من دون تحقيق الربح.

وإن مسألة تحقيق الأرباح كنتيجة القيام بعملية شراء منقول أو عقار من أجل إعادة لا يمكن الأخذ بها لأن عالم التجارة يتضمن الربح والخسارة المهم هو توفر نية تحقيق الربح أثناء القيام بالعملية السابقة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الدرس الرابع :الأعمال التجارية في شكل مشروع

 

إن مزاولة الأعمال التجارية في شكل مقاولة أو مشروع يقوم على تكرار العمل بصورة مستمرة ومنتظمة تصل بالشخص إلى درجة احتراف هذا العمل، ويجب أن يكون هذا المشروع من خلال تنظيم والذي يقصد به مجموعة الوسائل المادية (الآلات المعدات والتجهيزات والمواد الأولية) بالإضافة إلى وسائل مالية وسائل بشرية، فإذا اقتصر المشروع على الشخص نفسه أو بمعاونة عدد محدود من العمال أو أفراد أسرته فإن أعماله تخرج من نطاق القانون التجاري باعتبارها أعمال حرفية، لأن الحرفيين يعتمدون في نشطهم أساساً على الجهد البدني وليس على الوسائل المادية والبشرية، وأما إذا كان يضارب على عمل غيره وعلى الوسائل المادية فهنا يعتبر عمله تجاري[29].

وتتمثل الأعمال التجارية في شكل مشروع في العمليات التالية:  

1.   العمليات المصرفية وعمليات الصرف أو سمسرة أو خاصة بالعمولة

العمليات المصرفية: هي تلك العمليات التي ترد على النقود والأوراق المالية والتجارية والائتمان، ويمكن تقسيمها إلى ثلاث أنواع عمليات الإيداع مثل عقد الوديعة وعقد إيجار الخزائن الحديدية، وأما النوع الثاني فيتضمن عمليات الائتمان مثل عقد القرض وعقد الاعتماد المستندي وعقد الكفالة والحسابات المصرفية، وأما النوع الثالث يتمثل في وسائل الدفع الالكتروني.

 ولقد نصت المادة 66 من الأمر 03-11 والمتعلق بقانون النقد والقرض[30] على العمليات المصرفية وهي تلقى الأموال من الجمهور وعمليات القرض، وكذا وسائل الدفع تحت تصرف الزبائن.

ولقد أضاف نظام رقم 20-02 المؤرخ في 15 مارس 2020 الذي يحدد العمليات البنكية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية وقواعد ممارستها من طرف البنوك والمؤسسات المالية[31]عمليات المصرفية الإسلامية والتي يمكن تقسيمها إلى عمليات الائتمان وتشمل عقد الوديعة بمختلف أنواعها وعقد القرض الحسن وأما عمليات التمويل الإسلامي فتتضمن عقد المرابحة وعقد المضاربة وعقد المشاركة وعقد الإجارة وعقد السلم وعقد الاستصناع.

إن عمليات المصرفية تقتصر فقط على البنوك والمؤسسات المالية وهو ما أكدته المادة 70 من الأمر 03-11 المشار إليه سابقاً.

2.   عمليات الصرف: تتمثل في تبادل العملات النقدية المختلفة، والصرف نوعان يدوي يقدم الصيرفي عملة معينة مقابل تسلم عملة أخرى في ذات المكان نظير عمولة، وأما النوع الثاني يتعلق بالصرف المسحوب حيث يتسلم الصيرفي العملة على أن يقدم عملة بديلة في بلد أجنبي.[32]

وتقوم بعملية الصرف البنوك وكذلك مكاتب الصرف أو ما يطلق عليها الصرافة ولكن لا توجد هذه المكاتب في الجزائر عكس دول الجوار.

3.   عملية السمسرة: هي عملية تقريب بين المتعاقدين وتسهيل تلاقي العرض والطلب والبحث عن شخص يقبل التعاقد، وسمسار لا يعتبر وكيلاً أو نائباً عن أحد طرفي العقد الأصلي، ويمكن أن يكون مكلفاً من أحد المتعاقدين أو كلهما، فالسمسار لا يبرم العقد بنفسه وإنما يكتفي بأن يخطر الطرفين بأن عروضهما قد تلاقت وأنهما على اتفاق بينهما.

يكون عمل السمسار بأجر مقابل الخدمة التي يقدمها والذي عادة ما يكون نسبة معينة من الصفقة [33] .

ومن الناحية العملية نرى أن عملية السمسرة تمارس بالخصوص في المجال البحري والتأمين؛

ففي المجال البحري يسمى السمسار البحري والذي أشار إليه المرسوم التنفيذي رقم 91-522 المؤرخ في 22 ديسمبر 1991 يحدد شروط ممارسة مهام وكيل السفينة ووكيل الحمولة والسمسار البحري[34] ويشترط في عمله لكي يعتبر عملاً تجارياً أن يمارس بشكل احتراف أي  في شكل مشروع، ودليل على ذلك ما نصت عليه المادة 03 من المرسوم التنفيذي السابق في إطار شروط ممارسة هذه المهنة، تصريح يشهد بامتلاك محل، وكشف توضيحي للمحل والتجهيزات، وهذا كله يدخل ضمن الوسائل المادية للمشروع.

ولقد نصت المادة 631 من القانون البحري الجزائري [35] " يعد سمساراً بحرياً كل شخص طبيعي أو معنوي يلتزم مقابل أجر وبموجب وكالة بالعمل كوسيط لإبرام عقود شراء السفن وبيعها وعقود الاستئجار والنقل البحري والعقود الأخرى تتعلق بالتجارة البحرية" ومعنى ذلك هو الذي يقوم بالتوسط بين أطراف العقود البحرية المختلفة والتقريب بين وجهات النظر تمهيداً لإبرامها بعد أن تعددت مجالات الاستثمار البحري سواء كان شخصاً طبيعياً أو معنوياً تابع للقانون الجزائري باستثناء مجال المحروقات[36].

وأما في مجال التأمين فنجد سمسار التأمين والذي عرفته المادة 258 من الأمر رقم 95-07 على أنه " سمسار التأمين شخص طبيعي أو معنوي، يمارس لحسابه الخاص مهنة التوسط بين طالبي التأمين وشركات التأمين بغرض اكتتاب عقد التأمين ويعد سمسار التأمين وكيلاً للمؤمن له و مسؤولاً اتجاهه"[37].

ويمارس سمسار التأمين مهنة التوسط بين طالبي التأمين وشركات التأمين بغرض اكتتاب عقد التأمين، كما يلزمه التشريع بأن يكون وكيلاً للمؤمن له على خلاف الوكيل العام الذي يشمل شركة التأمين في عقد التأمين.

ومن أجل ممارسة هذه المهنة لابد من الحصول على اعتماد ويتم نشره في الجريدة الرسمية مع تحديد صلاحياته.

4.   الوكالة بالعمولة: الوكيل بالعمولة هو من يتعاقد مع الغير باسمه الشخصي، فتنصرف إليه آثار العقد ويتحمل الالتزامات الناشئة عنه، فأساس الوكالة بالعمولة هو انعدام النيابة في التعاقد أي أن الوكيل بالعمولة يتعاقد مع الغير كالأصيل، فيبرم التصرف باسمه الشخصي ويلتزم بكل ما يتعلق بالعقد، ويكون في نفس الوقت ممثلاً لمصالح الموكل، ولذلك يقال أن الوكيل بالعمولة هو شخص ذو وجهين فهو يقابل الموكل بوجه وكيل يتلقى الأوامر والتعليمات منه، ثم يواجه الغير المتعاقد معه بوجه أصيل يلتزم باسمه ويكتسب الحقوق باسمه.[38]

إن الوكيل بالعمولة يستحق مقابل الصفقة التي يبرمها مع الغير أجر والتي تسمى بالعمولة وحتى وإن فشل في إبرام العقد مع الغير فإنه يأخذ مقابل جهده العمولة، وهي تعتبر عملاً تجارياً على وجه الاحتراف.

ومن التطبيقات العملية للوكالة بالعمولة نجد الوكيل بالعمولة للنقل، والذي عرفه المرسوم التنفيذي رقم 23-94 المؤرخ في 27 جوان 1994 المحدد لشروط ممارسة مهني وسيط الشحن ووكيل نقل البضائع وكيفياتها حيث نصت المادة 14 منه " كل شخص طبيعي أو معنوي يلتزم بنقل البضائع تحت مسؤوليته وباسمه الخاص لحساب زبون ما مع مراعاة الشروط التي حددها القانون التجاري".

3.   كل مقاولة لتأجير المنقولات أو العقارات: إذا تم مزاولة نشاط تأجير المنقولات أو العقارات في شكل مشروع، فإنها تعد عملاً تجارياً، وعليه فإذا تم تأجير المنقولات أو العقارات لمرة واحدة فلا يعد عملاً تجارياً ويجب أن يكون هذا المشروع في إطار منظم مع توفر العناصر المالية والمادية والبشرية، مثلا وفي مجال تأجير المنقولات نجد تأجير السيارات فهي تعتبر عملا تجارياً في شكل مشروع لأنه يفترض وجود مكتب مجهز مع وجود عدد من السيارات بالإضافة إلى وجود عمال، ونفس الشيء ينطبق على تأجير العقارات مثل تأجير الشقق.

4.   كل مقاولة للإنتاج أو التحويل أو الإصلاح: إن عمليات الإنتاج والتحويل والإصلاح تدخل ضمن المفهوم الواسع للصناعة، فعميلة الإنتاج لها علاقة مع عملية التحويل، إذ يقوم المصنع بتحويل المواد الأولية أو النصف المصنعة إلى سلع مصنوعة أي نكون أمام إنتاج مثل تحويل الحديد الخام إلى صلب أو تحويل القطن إلى  نسيج وأقمشة وتحويل الخشب إلى أثاث[39].

وقد تكون الصناعة عبارة عن عملية إصلاح الأشياء المصنعة من قبل أو تعديلها والتي تكون ضمن ورشات مثل ورشات لإصلاح السيارات وورش لإصلاح الآلات الكهربائية والأجهزة الالكترونية.

نلاحظ أن المشرع أغفل عملية تدخل ضمن الصناعة وهي عملية التركيب والتي أضحت تمارس بشكل واسع في مجال الصناعة الجزائرية.

5.   مقاولة للبناء أو الحفر أو لتمهيد الأرض: إن هذه المقاولة تتعلق بالأشغال العمومية، ويشرف عليها مقاول الذي يتعهد بإنشاء المباني وما يلحقها من الحفر وتمهيد الأرض، وكذلك التعديلات والترميمات.

إن مقاولة تشييد المباني لا تقتصر على المباني المعدة للسكن مثل العمارات بل يشمل أيضاً إنشاء الجسور وتعبيد الطرق وكافة المنشآت التي تدخل ضمن البناء، ولكي تعتبر هذه المقاولة تجارية يجب أن تتم في شكل منظم مع الوسائل المادية والمالية والبشرية مع تكرار العمل.

6.   مقاولة التوريد أو الخدمات: إن المشرع الجزائري أخطأ في صياغة هذا النوع من المقاولة، والأصح أن نقول كل مقاولة لتوريد البضائع أو الخدمات.

والثابت أن التوريد هو عبارة عن عقد يلتزم بموجبه شخص المقاول بالتوريد بتسليم أشياء معينة بصفة دورية منتظمة لشخص آخر، وذلك خلال فترة زمنية محددة مسبقاً مقابل حصوله على أجر[40] ، ومحل العقد قد يكون عبارة بضائع وسلع مثل توريد الإقامات الجامعية أو المستشفيات بالخبز واللحم والحليب، وقد يكون محل التوريد عبارة عن تقديم خدمة مثل توريد الكهرباء أو الغاز أو انترنت لأحد المؤسسات.

إن مقاولة التوريد يفترض فيها قيام المورد بسلسلة من العمليات تقديم البضائع أو الخدمات للمورد له.

7.   مقاولة لاستغلال المناجم أو المناجم السطحية أو مقالع الحجارة أو منتوجات الأرض الأخرى: إن هذه المقاولة تتعلق بعمليات استخراج المواد الأولية، والتي كانت تعتبر في السابق أعمال مدنية لأنها لم يسبقها عملية الشراء، ولكنها تعتبر أعمالاً تجارية إذا تمت في شكل مشروع باستغلال الآلات والعمال من أجل استخراج الثروة الطبيعية والتي تتمثل في المناجم والمحاجر ومنابع النفط والغاز وكل ما يستخرج من الأرض.

8.   مقاولة لاستغلال النقل أو الانتقال: قبل شرح هذه المقاولة يجب ضبط مصطلحي النقل والانتقال، فالأول يتعلق بنقل البضائع والسلع أما الثاني فيتعلق بانتقال الإنسان عبر وسائل النقل.

إن نقل السلع والبضائع إذا تم في شكل مشروع عن طريق توفير وسائل نقل متخصصة في نقل البضائع والسلع والتي عادة ما تؤسس في شكل شركات ذات مسؤولية محدودة، فإنها تعتبر أعمالاً تجارية.

وأما عن انتقال الإنسان عبر وسائل النقل المختلفة سواء النقل البري أو البحري أو الجوي والذي تقوم به مؤسسات مختصة في النقل، فهي تعبر أعمالا تجارية إذا تمت في شكل مشروع مثل مؤسسات للنقل البري بواسطة الحافلات أو السكك الحديدية.

9.   مقاولة لاستغلال الملاهي العمومية أو الإنتاج الفكري: إن مصطلح الملاهي له مفهوم واسع يشمل كل الأعمال التي تهدف لتسلية الجمهور مثل ألعاب التسلية والسرك والسينما فهذه الأعمال تعتبر أعمالاً تجارية إذا تمت في شكل مقاولة.

وأما مقاولة الإنتاج الفكري فيقصد به أعمال دور النشر التي تختص بنشر كل ما يتعلق بالإنتاج الفكري مثل تأليف الكتب وكذا نشر أعمال فنية ويتم ذلك عن طريق عقد بين دار النشر وصاحب المنتج الفكري. 

10.         مقاولة التأمينات: التأمين هو تعهد شخص يسمى المؤمن وغالباً ما يكون شركة بأن يؤدي إلى شخص آخر يسمى المؤمن له مبلغاً من المال عند تحقق الخطر المؤمن منه في مقابل قسط التأمين الدوري الذي يؤديه المؤمن له للمؤمن [41] .

11.         مقاولة لاستغلال المخازن العمومية : والتي تسمى أيضاً مقاولات الإيداع حسب تسمية المشرع المصري حيث يشمل نشاط هذه المقاولة تلقي المنقولات من الغير على سبيل الوديعة مقابل أجر، وتقوم هذه المخازن بحفظ البضائع وتصدر سندات التخزين تمثل البضائع المودعة ويمكن تداول سند التخزين أو رهنه[42].

ويشمل نشاط المخازن العمومية مخازن المحاصيل الزراعية والمخازن المتواجدة على مستوى الموانئ وتشمل أيضاً أماكن مستودع السيارات.

12.        مقاولة لبيع السلع الجديدة بالمزاد العلني بالجملة أو الأشياء المستعملة بالتجزئة:

هنا المشرع فرق بين بيع السلع الجديدة والمستعملة، فإذا تمت في شكل مشروع وكانت السلع جديدة وبيعت بالجملة فتعتبر أعمالا تجارية وأما إذا كانت السلع مستعملة يتم بعيها بالتجزئة ، وهذا النوع من المقاولة منتشر بكثرة في فرنسا.

13.         الأعمال البحرية التجارية: نص عليها المشرع في المادة الثانية من القانون التجاري وتتمثل في:

-      كل مقاولة لصنع أو شراء أو بيع وإعادة بيع السفن للملاحة البحرية.

-      كل شراء وبيع لعتاد أو مؤن للسفن.

-      كل تأجير أو اقتراض أو قرض بحري بالمغامرة.

-      كل عقود التأمين والعقود الأخرى المتعلقة بالتجارة البحرية.

-      كل الاتفاقيات والاتفاقات المتعلقة بأجور الطاقم وإيجارهم.

-      كل الرحلات البحرية

إن كل العمليات السابقة هي متعلقة بالملاحة البحرية والتي تعتبر السفينة أداة لها، عرفها القانون البحري في المادة 13 منه على أنها " تعتبر السفينة في عرف هذا القانون كل عمارة بحرية أو آلية عائمة تقوم بالملاحة البحرية، إما بوسيلتها الخاصة أو إما عن طريق قطرها بسفينة أخرى أو مخصصة لمثل هذه الملاحة"[43] وتكيف السفينة على أنها مال منقول ذو طبيعة خاصة يتميز بمركز قانون خاص [44].

إن عملية صنع أو بناء السفن تعد عملاً تجارياً بغض النظر عن القائم بها، وتقتضي عملية الصناعة شراء الأدوات ومع التعاقد مع المهندسين والعمال والفنيين ومنه يجب أنتكون في شكل مقاولة.

أما مقاولة شراء أو بيع وإعادة بيع السفن للملاحة البحرية هي كذلك تعد أعمالا تجارية في شكل مشروع.

أما عملية تأجير هي كذلك تعد أعمالا تجارية بالنسبة للمؤجر لأن المشرع ذكر فقط تأجير ولم يذكر استئجار [45]وأما باقي الأعمال البحرية تعد أعمالا تجارياً كالقروض البحرية وعقد التأمين البحري.

 

 

 

 

 

 

 

 

الدرس الخامس:الأعمال التجارية بحسب الشكل

 

الأعمال التجارية بحسب الشكل نصت عليها المادة 03 من القانون التجاري وتتمثل في:

-      التعامل بالسفتجة بين كل الأشخاص.

-      الشركات التجارية.

-      وكالات ومكاتب الأعمال مهما كان هدفها.

-      العمليات المتعلقة بالمحلات التجارية.

-      كل عقد تجاري يتعلق بالتجارة البحرية والجوية.

1.   التعامل بالسفتجة بن كل الأشخاص: السفتجة هي عبارة عن محرر أو سند تجاري يحرر وفق شكل معين، يتضمن أمر من الساحب إلى شخص آخر يسمى المسحوب عليه بأن يدفع مبلغ معين في مكان محدد وفي تاريخ محدد إلى شخص ثالث يسمى المستفيد [46] .

ويمكن تظهير السفتجة لطرف رابع والذي بدوره يظهرها لشخص آخر إلى أن تصل للمسحوب عليه في التاريخ المحدد في متن السفتجة، وتتضمن مجموعة من البيانات الالزامية والتي ذكرتها المادة 390 من القانون التجاري وتشمل ذكر تسمية السفتجة في متن السند، أمر غير معلق على قيد أو شرط بدفع مبلغ معين، اسم من يجب عليه الدفع المسحوب عليه، تاريخ الاستحقاق، المكان الذي يجب فيه الدفع، اسم من يجب الدفع له أو لأمره، بيان تاريخ إنشاء السفتجة ومكانه، توقيع من أصدر السفتجة الساحب.

وفي حالة عدم وجود أحد البيانات السابقة فإن السفتجة تعد باطلة، إلا ما يتعلق بعدم ذكر تاريخ الاستحقاق، فإنها تكون مستحقة الأداء لدى الإطلاع عليها، وإذا لم يذكر مكان المخصص للدفع، فإن المكان المبين بجانب اسم المسحوب عليه يعتبر مكان الدفع، وإذا لم يذكر مكان إنشائها فإنها تعتبر منشأة في المكان المبين بجانب اسم الساحب[47].

ومن الناحية العميلة نرى أن تعامل بالسفتجة من طرف التجار يكاد ينعدم، فهي مقتصرة على نشاط البنوك والمؤسسات المالية، ولقد قام بنك الجزائر بتوحيد صيغ السفتجات طبقاًّ للتعليمة رقم 01-2020 المؤرخة في 16 فبراير 2020 والمتعقلة بتقييس السفتجة والسند لأمر

ويتضمن التقييس حسب المادة الثالثة من التعليمة السابقة المواصفات المادية للسندات التجارية، الجزء المطبوع من النسخة الورقية للسندات التجارية الجزء الحامل للعلامات للنسخة الورقية للسندات التجارية وتشمل المواصفات المادية، النوعية والخصائص التقنية للورق ولون وطبيعة المطبوعات والقواعد الواجب مراعاتها فيما يتعلق بالإرسال.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

نموذج عن السفتجة الموحدة :

    

 

 

 

 

2.   الشركات التجارية:

تتمتع الشركات التجارية بالصفة التجارية بحسب الشكل أي عن طريق تأسيسها والذي يقصد به مجموعة العمليات القانونية والمادية التي يباشرها الشركاء والمساهمين المؤسسون من أجل قيام الشركة واكتساب الشخصية المعنوية [48].

وتماشياً مع ما نصت عليه المادة 549 من القانون التجاري تكتسب الشركات التجارية الشخصية المعنوية منذ قيدها في السجل التجاري، فبمفهوم المخالفة الشركات المدنية لا تكتسب الصفة التجارية بحسب الشكل.

ويوجد خمس أشكال للشركات التجارية والتي يمكن تقسيمها إلى نوعين شركات الأموال وشركات الأشخاص، وتمثل شركة المساهمة النموذج الأمثل لشركات الأموال لأنها تقوم على اعتبار مالي وتناسب المشروعات الاقتصادية الضخمة وذات رأس مال كبير، ويوجد أيضاً إلى جانب شركة المساهمة شركة التوصية بالأسهم وشركة ذات مسؤولية محدودة والتي تحتوي نوع آخر من الشركات شركة الشخص الواحد التي تؤسس من شخص واحد، إن شركة ذات المسؤولية المحدودة تناسب المشروعات الصغيرة والمتوسطة وهي تمثل نسبة كبيرة من حجم المؤسسات من حيث العدد، وهذا راجع لسهولة تأسيسها الامتيازات التي يتحصل عليها الشركاء.

أما بالنسبة لشركات الأشخاص فنجد شركة التضامن التي تعد النموذج الأمثل لشركات الأشخاص لكونها تقوم على اعتبار شخصي، وأن مسؤولية شركائها غير محدودة، لذلك الشركاء يكتسبون الصفة التجارية، وتوجد إلى جانب شركة التضامن شركة التوصية البسيطة والتي تحتوي على نوعين من الشركاء الموصون والمتضامنون.

 

 

 

 

نموذج عن عقد شركة ذات مسؤولية محدودة

مكتب عمـومي للتوثيـق

فـي:

* القانون الأساسي للشركـة ذات المسؤولية المحـدودة *

(ش.ذ.م.م ...............................)

SARL ………………………………….

 

حــضــــر

أولا/ السيـد: .............. بن ......... المولود في ...... من شهر ..... سنة ألف وتسعمائة ...........(.../..../.......) ب ......... شهادة ميلاده رقم ...... والساكن ............. نسخة من بطاقة تعريفه الوطنية رقم  ........ الصادرة عن دائرة بتاريخ .../.../.......، وهـو من جنسية جزائرية./ــــــــــــــ

ثانيا/السيـد: .............. بن ......... المولود في ...... من شهر ..... سنة ألف وتسعمائة ...........(.../..../.......) ب ......... شهادة ميلاده رقم ...... والساكن ............. نسخة من بطاقة تعريفه الوطنية رقم  ........ الصادرة عن دائرة بتاريخ .../.../.......، وهـو من جنسية جزائرية./ــــــــــــــ

اللذان أسسا كما سيأتي بيانه الهياكل القانونية للشركة ذات المسؤولية المحدودة واعتمادا على محضر الجمعية العامة التأسيسية المنعقدة بتاريخ: .../.../...... وقد بقيت نسخة منه محفوظة بأصل العقد حيث اتفقـا على إنشائها فيما بينهما كـالآتــي:/ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

البـــاب الأول

الشكـل -الموضوع- التسميـة- المقـر-المـدة

الـمـادة الأولـى: الـشــكــل:

تم بهذا العقـد تأسيس شركـة ذات المسؤولية المحدودة

الـمادة الثانيـة: الموضـــوع:

المـادة الـثــالـثـة: الـتسميــة:

تسمى هذه الشركة: الشركة ذات المسؤولية المحدودة: (ش.ذ.م.م ......................- SARL ..................................)./

المــادة الرابعـــة:  المـقـــــر:

المـــادة الخامسـة: المــــــدة:

البــــاب الثانـــــي

التقديمـات- رأس المـال- رفع وخفض رأس المـال

الـمادة السادسـة: التقديمـات:

01- السيد:

02- السيد:

مجموع التقديمات هي:

وذلك تحت طائلة بطلان العملية./ــــــــــــــــــــــــ

الـمـادة الـسابعـة: رأس المــال:

الـمـادة الثـامنـة: رفــع رأس المـــال:

المــادة التاسعـــة: خـفــض رأس المـــال:

البــــاب الثالـــث

تمثيل الأسهم - إحالة الأسهم - حقوق الشركاء - إقرار القانون الأ‏ساسي

المــادة العاشــرة: تمثيــل الأســـــهم:

المـادة الحـادية عـشـر: إحالــة الأسهــم:

المـادة الثانية عشــر: حقــوق الشـركـاء:

المـادة الثالـثـة عشـر: إقــرار القانـون الأساسي:

                                 البــــــاب الرابـــع

إدارة الشركة - تسمية المسيرين - إيداع الشركاء للأموال.‏

المـادة الرابعة عشـر: إدارة الشـركـــة:

المــادة الخامسة عشـر: تسـمـيـة الـمســير:

الـمـادة السادسة عـشر: إيـداع الشـركاء للأمــوال:

البـــاب الخامــــس

القرارات الجماعية -تعديل القانون الأساسي- حق الشركاء في الإطلاع -الحسابات الختامية

المـادة السابعة عشــر: القـرارات الجماعيـة:

المـادة الثـامنة عشـر: تعـديـل القانـون الأسـاسي:

المـادة التـاسعة عشــر: حـق الشركـاء في الإطـلاع:

‏المــادة العشـــــرون: الحسابـات الختاميـة:

البـــــاب الســـادس ‏

‏السنة المالية-الجرد-تخصيص وتوزيع الأرباح-دفع الأرباح

المـادة الواحـدة والعشـرون: السنــة الماليــة:

المـادة الثانيـة والعشـرون: الجـــــــرد:

المـادة الثالثـة والعشـرون: تخصيـص وتوزيـع الأربـاح:

المـادة الرابعـة والعشــرون: دفـــــــع الأربــاح:

يكون دفع الأرباح في المواعيد التي يحددها المسيرون سنويا وكل فائدة لم يطالب بها تسقط بالتقابل./ـــــــــــــــــــــــــــــــ

البــــاب الســـابع

الحل -التصفية-المنازعات -الإعلانات –المصاريف- تسمـية محافظ الحسابات

المـادة الخامسـة والعشـرون: الحــــــل:

الـمــادة السـادسة والعشـرون: الـتـصـفـيـة:

المادة السابعة والـعشـرون: المــنازعـــات:

المـادة الثامـن والعشـرون:الإعــلانـــات:

المـادة الـتاسعة والـعشـرون: الـمصـاريـف:

المــادة الثلاثـون: تسـمـية محافــظ الحسابات:

المـوطــــن

حـقـــوق الـتسجيـــل

إثبــاتا لمـا ذكـــــر

حـرر وانعقـد بمكتب الموثـق الموقـع أدنـاه./ـــــــــــــــ

فـي ................ مــن شـهــر ................./ــــــــــ

عــام ألفيــن ............... عشــر./ــــــــــــــــــ

وبعـد التـلاوة والشرح أبصـم الأطراف ووقعــوا مع المـوثـــق./ــ

المـــوثــــق

 

 

 

3.   وكالات ومكاتب الأعمال مهما كان هدفها: وهي تلك المكاتب والوكالات التي تقوم بأداء شؤون الغير مقابل أجر حسب الاتفاق ويتم تحديده مسبقاً فقد يكون عبارة عن مبلغ محدد أو نسبة مئوية من الصفقة[49].

وتكيف أعمال الوكالات والمكاتب على أنها أعمال توسط وتتنوع نشاطاتها من الإعلانات والإشهار ومكاتب السياحة ومكاتب إدارة الأعمال وتقديم الاستشارات بمختلف أنواعها، فتكتسب الصفة التجارية من خلال شكل إنشائها حتى لو كان عملها مدني، وإن الهدف خضوعها للقانون التجاري هو حماية للغير في حالة عدم الوفاء بالتزاماتها.

4.           العمليات المتعلقة بالمحلات التجارية: المحل التجاري هو مجموع أموال معنوية ومادية تخصص لمزاولة التجارة [50]ويتكون المحل التجاري حسب المادة 78 من القانون التجاري من عنصر الاتصال بالعملاء والشهرة التجارية بالإضافة إلى عنوان المحل والاسم التجاري والحق في الإيجار والمعدات والآلات والبضائع، وأما العمليات الواردة عليه من بيع وإيجار ورهن تعد أعمالا تجارية بحسب الشكل.

5.           كل عقد تجاري يتعلق بالتجارة البحرية والجوية: كل العقود المتعلقة بإنشاء السفن أو شرائها أو بيعها أو تأجيرها وعقد النقل وكذا عقد تأمينها والقروض المتعلقة بها تعد أعمالا تجارية بحسب الشكل.

أما بالنسبة للعقود المتعلقة بالتجارة الجوية كشراء الطائرات أو تجهيزها أو بيعها أو تأجيرها تعد أعمالا تجارية، وللتنويه أن العمليات المتعلقة بالتجارة الجوية لم يعتبرها المشرع أعمالا تجارية بحسب الموضوع.

 

 

 

الدرس السادس:الأعمال التجارية بالتبعية

 

نصت المادة الرابعة من القانون التجاري على طائفة أخرى وهي الأعمال التجارية بالتبعية وهي " الأعمال التي يقوم التاجر والمتعلقة بممارسة تجارته وحاجات متجره".

ويعرفها الفقه على أنها أعمال مدنية بطبيعتها ولكنها تعد أعمال تجارية بسبب صدورها من تاجر لحاجات تجارته وتبعيتها ومصدر تجارية هذه الأعمال ليس في طبيعتها وإنما في مهنة القائم بها، بمعنى أن المهنة هي التي تؤثر في الأعمال التابعة لها وتكسبها صفتها [51]

إن الأعمال التجارية هي من ابتكار القضاء الفرنسي ومضمونها أن هذه الأعمال في أصلها أعمالاً مدنية وقام بها التاجر بمناسبة أعماله التجارية، فهي تابعة لأعماله وتستند هذه النظرية على النظرية الذاتية للقانون التجاري.

1.   أساس النظرية

·      الأساس المنطقي: تستند هذه النظرية على أساس منطقي المبني على مبدأين وهما مبدأ الفرع يتبع الأصل ومبدأ النشاط وحدة لا يتجزأ، المبدأ الأول يتلخص في أعمال التاجر المدنية والتجارية تخضع لنظام قانوني واحد، وأن الأعمال التجارية المنصوص عليها في القانون التجاري تمثل الأنشطة التجارية، وأما الأعمال الأخرى المرتبطة بها التابعة له تطبق عليها أحكام القانون التجاري[52].

وأما المبدأ الثاني يتمثل في كون النشاط التجاري وحدة لا يتجزأ فلا يمكن أن تكون بعض الأعمال يطبق عليها القانون التجاري وأما الأعمال التي تكون متعلقة بها تطبق عليها أحكام القانون المدني، ومن أجل حماية الوضع الظاهر للتاجر فيمكن إضفاء الصفة التجارية على الأعمال المدنية التابعة لنشاطه[53].

·             الأساس القانوني: إن هذا الأساس استمد مصدره من القضاء الذي كان يعتبر كل الأعمال التي يقوم بها التاجر هي أعمال تجارية لأنها متعلقة بتجارته ومنه إضفاء الصفة التجارية على أعماله المدنية، فهي ترتكز على قرينة بسيطة مفادها كل ما يقوم به التاجر لحاجات تجارته هي أعمال تجارية، إن هذه القرينة قابل لإثبات العكس بكافة طرق الإثبات.

وكذلك تستمد هذه النظرية أساسها القانوني ما نصت عليه المادة الرابعة من القانون التجاري والاعتراف بها كأعمال تجارية، ولكن المشرع ذكر شرطين لاعتبارها أعمالا تجارية.

2.          شروط تطبيق نظرية الأعمال التجارية: فطبقاً للمادة الرابعة من القانون التجاري فإن شروط تطبيق هذه النظرية يجب توفر شرطين وهما صدورها من التاجر وأن تتعلق بممارسة نشاطه التجاري والمتعلقة بالتزامات بين التجار.

شرط الأول: يجب أن تصدر من التاجر، وهذا تأكيداً لما سبق إن هذه النظرية مستمدة من النظرية الذاتية أو الشخصية للقانون التجاري لكونها مرتبطة بشخص القائم بالتجارة وهو التاجر سواء كان شخص طبيعي أو معنوي يجب توفر الشروط المتعلقة بالتاجر، والتي تتمثل أساساً في شرط احتراف النشاط التجاري  وشرط الأهلية التجارية.

الشرط الثاني: يجب أن تكون هذه الأعمال متعقلة بالنشاط التجاري الذي يقوم به التاجر، فإذا كانت هذه النشاطات تتعلق بحياته الشخصية فلا يمكن اعتبارها أعمالاً تجارية بل يجب أن تتعلق بنشاطه التجاري مثل شراء سيارة نفعية لنقل السلع الخاصة بنشاطه التجاري فهنا العمل في أصله عمل مدني ولكنه اشترى السيارة من أجل نقل السلع المتعقلة بنشاطه التجاري وبالتالي يتم إضفاء عليها الصفة التجارية.  

 

 

3.   تطبيقات نظرية الأعمال التجارية بالتبعية:

في مجال العقود:

عقد الكفالة: يعتبر عقد الكفالة من عقود التبرع تطبق عليه أحكام القانون المدني مهما كان الشخص القائم بها ونوع الدين  وهذا طبقاً للمادة 651 من القانون المدني والتي نصت " تعتبر كفالة الدين التجاري عملاً مدنياً ولو كان الكفيل تاجراً" ولقد استثنت نفس المادة إذا كانت متعلقة بضمان الأوراق التجارية أو تظهيرها.

وتعتبر أيضا الكفالة المصرفية عملا تجارية طبقا للمادة الثانية من القانون التجاري بصفتها أحد العمليات التجارية التي يقوم بها البنك.

ويضاف استثناء آخر يتمثل في إضفاء الصفة التجارية في حالة إذا قام بها تاجر لمصلحة تجارته كأن يكفل تاجر الجملة تاجر التجزئة خشية تعرضه للإفلاس وفقدان أحد زبائنه الدائمين لتسويق بضائعه، فمن تاجر الجملة بقاء تاجر التجزئة يمارس نشاطه بدلاً من إفلاسه.

عقود العمل : قد يحتاج التاجر إلى استخدام عمال لمزاولة نشاطه التجاري، فيلجأ إلى ابرام عقود عمل مع المستخدمين، فهنا يعتبر العقد عمل مدني بالنسبة للعمال، بينما يعتبر عمل تجاري بالتبعية بالنسبة للتاجر لأنه استخدم العمال من أجل مزاولة نشاطه التجاري.

العقود الواردة على العقار: إن العمليات المتعلقة بالعقار هي في الأصل أعمال مدنية ولكن إذا تم إبرام هذه العقود، وكانت متعلقة بنشاط التاجر فإنها تعد أعمالا تجارية بالتبعية مثل تعاقد التاجر مع مقاول لترميم أو توسعة العقار الذي يمارس فيه التجارة.

الالتزامات غير التعاقدية: تطبق نظرية الأعمال التجارية بالتبعية في مجال الالتزامات غير التعاقدية أي فيما يتعلق بالمسؤولية التقصيرية والإثراء بلا سبب.

في مجال المسؤولية التقصيرية: القاعدة العامة في مجال قيام المسؤولية أن كل شخص ارتكب بخطئه وسبب ضرر للغير يلزم بالتعويض وهذا طبقاً للمادة 124 من القانون المدني، فإذا قام التاجر بأعمال المنافسة غير المشروعة كتخفيض الثمن قصد الإضرار بتاجر آخر منافس له، قام بتقليد الاسم التجاري فهنا تقوم المسؤولية التقصيرية فيبنى التعويض على أساس مخالفة التزام تجاري لأن الفعل غير المشروع تابع لنشاط التاجر أو ارتكبه من أجل نشاطه التجاري، وحتى أن التعويض في المسائل التجارية يكون أكبر من التعويض في المسائل المدنية.

في مجال الإثراء بلا سبب: الأعمال الناشئة عن الإثراء بلا سبب والمتعلقة بنشاط التاجر تعد هي أيضاً أعمالا تجارية بالتبعية، ففي مجال الدفع غير المستحق قد يقوم تاجر التجزئة بدفع مبلغ إضافي إلى تاجر الجملة فهنا ما زاد عن المبلغ الحقيقي يعد عملاً تجارية على أساس نظرية الأعمال التجارية بالتبعية أو أن يقوم شخص فضولي بإنقاذ المقر لمزاولة التجارة من الحريق أو المستودع أو المخزن فهذا يعد عملاً تجارياً بالتبعية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    

الدرس السابع: حول الأعمال المختلطة

 

الأعمال المختلطة والتي يسميها البعض الأعمال التجارية المختلطة وإن كانت هذه التسمية الأخيرة غير دقيقة لأنها لا تعتبر طائفة أو نوع من الأعمال التجارية، حيث يوجد فقط نوعين من الأعمال التجارية الأصلية وبالتبعية.

1. تعريف الأعمال المختلطة: إن المشرع لجزائري لم يتطرق إلى الأعمال المختلطة على عكس قانون التجارة المصري والذي عرفها في المادة 03 من القانون رقم 17 لسنة 1999 المتعلق بقانون التجارة المصري[54] والتي نصت " إذا كان العقد تجارياً بالنسبة إلى أحد طرفيه فلا تسري أحكام القانون التجاري إلا على التزامات هذا الطرف وحده وتسري على التزامات الطرف الآخر أحكام القانون المدني ما لم ينص القانون على غير ذلك" بينما عرفه الفقه  العمل المختلط هو العمل الذي يعد تجارياً بالنسبة إلى أحد طرفيه، بينما يعد مدنياً بالنسبة للطرف الآخر [55]ومعنى ذلك أن العمل المختلط يجمع بين العمل التجاري والعمل المدني وبالمثال يتضح لنا ماذا يقصد بهذه الأعمال كأن يقوم المستهلك بشراء حاجياته من تاجر التجزئة فهنا العمل بالنسبة للمستهلك المشتري يعد عملاً مدنياً بينما بالنسبة للتاجر التجزئة البائع يعد عملا تجارياًّ، وفي مثال آخر يقوم المزارع ببيع محصوله لتاجر الخضر، المزارع يعتبر عمله مدني أما تاجر الخضر فعمله تجاري.

وكذلك عند إبرام عقد نشر كتاب بين المؤلف ودار النشر،فهنا يعتبر عمل المؤلف ببيع مؤلفه لدار النشر عمل مدني، بينما عملية شراء حق التأليف من طرف دار النشر يعد عملاً تجارياً.

وتظهر أهمية دراسة الأعمال المختلطة في وقوع نزاع بين طرفي العقد الذي يجمع في طياته بين العمل التجاري والعمل المدني، وهنا نكون أمام إشكال ما هو القانون الواجب التطبيق، فإذا طبقنا القانون التجاري فنكون أهملنا حقوق الطرف المدني واستبعاد تطبيق القانون المدني، وأما إذا طبقنا القانون هذا الأخير فنكون قد استبعدنا تطبيق أحكام القانون التجاري، وبناءً عليه فما هو القانون الواجب التطبيق؟      

وبالرجوع إلى أحكام القانون الجزائري والفلسفة القانونية القائم عليها هو حماية الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية نرى أن التاجر يعد الطرف القوي في هذه العلاقة لأنه على دراية بأمور التجارة وحتى أنه لا يكتسب الصفة التجارية إلا إذا كان محترف للتجارة .

وفي هذا الصدد ظهر نظامين أو نظريتين، النظام الموحد والنظام المزدوج، فالنظام الموحد يقصد به تطبيق قانون واحد ولو كان أحد طرفي العقد يعتبر العمل بالنسبة إليه مدني والآخر عمل تجاري، فلا يمكن تجزئة العمل فمثلاً نطبق القانون التجاري على العمليات البنكية التي تعقدها البنوك مع زبائنها سواءً كانوا تجار أو غير تجار، وكذلك بالنسبة بالتعامل بالأوراق التجارية نطبق أحكام القانون التجاري حتى ولو كنا أما عمل مختلط .

وأما النظام المزدوج هو تطبيق قواعد القانون التجاري على الشخص الذي يعتبر العمل بالنسبة إليه عمل تجاري ونطبق أحكام القانون المدني على الشخص الذي يعتبر العمل بالنسبة إليه عمل مدني [56]أي إتباع قاعدة توزيع تطبيق القانونين التجاري والمدني وتظهر فيما يلي:

الاختصاص: يوجد نوعين من الاختصاص النوعي والإقليمي أو المحلي ، بالنسبة للاختصاص النوعي ترفع الدعوى إما أمام القسم المدني أو القسم التجاري، وبالرجوع إلى المبادئ العامة للقانون فإن الدين مطلوب وليس محمول ولذلك يتحدد الاختصاص بالنظر إلى صفة العمل بالنسبة للمدعى عليه، فإذا كان العمل مدني بالنسبة للمدعى عليه هنا يجب رفع الدعوى أمام القسم المدني، وأما في حالة إذا كانت صفة عمل المدعى علية تجاري فإن للمدعي المدني الاختيار بين القسم المدني أو القسم التجاري.

بالنسبة للاختصاص الإقليمي كذلك ترفع الدعوى أما محل إقامة المدعى عليه، فإذا الطرف المدني المدعى عليه ترفه الدعوى أمام محل إقامته، وأما إذا كان المدعى عليه تاجر فهنا أمام المدعى الطرف المدني الاختيار بين رفع الدعوى أمام محل إقامة المدعى علية أو محل إبرام العقد أو محل تنفيذ العقد.

غير أنه توجد استثناءات وضعها المشرع في المادة 40 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية [57]

 

-              ترفع الدعاوى في مواد الإفلاس أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان افتتاح التفليسة.

-              ترفع الدعاوى العقارية أو دعاوى الأشغال المتعلقة بالعقار أو دعاوى الإيجارات المتعلقة بالعقارات أمام المحكمة التي يقع العقار في دائرة اختصاصها.

الإثبات: إن قواعد الإثبات تختلف بين المسائل التجارية والمسائل المدنية، حيث أن الأولى تقوم على مبدأ حرية الإثبات وأما الثانية الإثبات فيها مقيد، فإذا وقع نزاع بين طرفين فإذا كان الطرف المدني يريد إثبات حقه في مواجهة الطرف التجاري فإنه يثبته بكافة طرق الإثبات أي يستند على مبدأ حرية الإثبات، وأما إذا أراد التاجر إثبات حقه في مواجهة الطرف المدني فإنه بطرق الإثبات المعروفة في القانون المدني ولا يمكنه أن يثبت حقه بكافة طرق الإثبات مثلا  إذا كان المبلغ المتنازع عليه يتجاوز 100.000.00 عليه أن يثبته فقط بالكتابة. 

الرهن والفوائد: إن تطبيق النظام الازدواج بالنسبة للرهن والفوائد أمر صعب لأنه لا يمكن تجزئة الرهن وحتى الفوائد، ومنه يستلزم تطبيق قانون واحد والمعيار الذي نعتمد عليه هو العبرة بصفة الدين بالنسبة للمدين، فإذا إن تجارياً نطبق القانون التجاري وأما إذا كان مدني نطبق القانون المدني [58].


- محمد دويدار، القانون التجاري، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية – مصر، 2015، ص07 [1]

[2]-باسم محمد صالح، القانون التجاري ( النظرية العامة، التاجر، العقود التجارية، العمليات المصرفية، القطاع التجاري الاشتراكي)، دار الحكمة ، بغداد – العراق، 1987،ص ص 3-4

 [3] - هاني محمد دويدار، القانون التجاري اللبناني، الجزء الأول، دار النهضة العربية، بيروت-لبنان، 1995،ص 09

- المرجع نفسه، ص 4[4]

[5]  - هاني محمد دويدار، القانون التجاري اللبناني، نفس المرجع السابق، ص 10

 [6]  - هاني محمد دويدار، القانون التجاري اللبناني ،نفس المرجع السابق، ص 12

[7] - سميحة القليوبي، الوسيط في شرح قانون التجارة المصري، الجزء الأول، دار النهضة العربية، القاهرة-مصر، 2012،ص12-13

[8]- نفس المرجع السابق، ص16

[9]- الأمر 75-59 المؤرخ في 20 رمضان 1395 الموافق 26 سبتمبر 1975 والمتضمن القانون التجاري المعدل والمتمم، ج ر، عدد 101، المؤرخة 19 ديسمبر 1975

[10] - الأمر 75-59 المؤرخ في 20 رمضان 1395 الموافق 26 سبتمبر 1975 والمتضمن القانون التجاري المعدل والمتمم، ج ر، عدد 101، المؤرخة 19 ديسمبر 1975

 - مصطفى كامل طه، القانون التجاري، الدار الجامعية، 1991، ص37[11]

[12]- حنان عبد العزيز مخلوف، مبادئ القانون التجاري، مطبوعة جامعية، كلية الحقوق، جامعة بنها، المستوى الثالث السداسي الأول، 2011 منشورة على الموقع  www.pdffactory.com www.pdffactory.com

[13]- حمد الله محمد حمد الله، الوسيط في القانون التجاري، دار النهضة العربية، القاهرة-مصر، 2008،ص ص 15-16

[14] - باسم محمد صالح، نفس المرجع السابق، ص33

[15] - عبد الرزاق جاجان وآخرون، المدخل غلى القانون التجاري ( الأعمال التجارية، التاجر، المتجر) مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية،كلية الحقوق، جامعة حلبن2008،ص58

[16] - حنان عبد العزيز مخلوف، نفس المرجع السابق، ص44

[17] - باسم محمد صالح، نفس المرجع السابق، ص36

 

[18] - باسم محمد صالح، نفس المرجع السابق، ص37

 

-الأمر 75-58 المؤرخ 26 سبتمبر1975 المتضمن القانون المدني المعدل والمتمم [19]

[20] - تقابل المادة 184 من القانون المدني الجزائري المادة 226 ق من القانون المدني المصري والتي تنص على:" إذا محل الإلزام مبلغ من النقود وكان معلوم المقدار وقت الطلب و تأخر المدين في الوفاء به، كان ملزما بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن تأخر الفوائد قدرها أربعة في المائة في المسائل المدني, و خمسة في المائة بالنسبة للمسائل التجارية، و تسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها، إ لم يحدد الاتفاق أو العرف التجاري تاريخا أخر ليسيرانها" نرى أن المادة 226 من قانون المصري هي تقريبا نفس المادة 186 من القانون المدني الجزائري، غير أن المشرع حدد نسبة الفوائد التأخيرية و المقدرة ب 4% في التعاملات المدنية و5% في المعاملات التجارية.

 

[21] - بلحاج العربي، أحكام الالتزامات في القانون المدني الجزائري(دراسة مقارنة)،الطبعة الثانية، دار هومة، الجزائر، 2015، ص242-243

- عبد الحكيم فوده، إنهاء القوة الملزمة للعقد،المكتب الجامعي الحديث، مصر 1993، ص454 [22]

[23]- راشدي سعيدة، محاضرات في الإفلاس والتسوية القضائية في القانون التجاري، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة بجاية، ص ص 36-37 https://elmouhami.com/wp-content/uploads/2019/03/Cours_RACHEDI-Saida.pdf

[24]- مرقس سليمان ، الوافي في شرح القانون المدني( أحكام الالتزام)، الجزء الثاني، المجلد الرابع، الطبعة الثانية،ص398

[25] - هاني دويدار، القانون التجاري التنظيم القانوني للتجارة  (الأعمال التجارية، التجار، الملكية التجارية)، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية-مصر، 2015،ص 34

- حمد الله محمد حمد الله، نفس المرجع السابق، ص66 [26]

- هاني دويدار، نفس المرجع السابق،ص ص 37-38 [27]

- [28]باسم محمد صالح، نفس المرجع السابق، ص ص 51-52

[29] - عصام حنفي محمود، القانون التجاري ( الأعمال التجارية، التاجر، المحل التجاري، شركات الأشخاص)، الجزء الأول، المستوى الأول، كلية الحقوق، جامعة بنها منشورة على الموقع www.pdffactory.com

[30] - الأمر رقم 03-11، المؤرخ في 27جمادى الثانية1424 ه الموافق 26 أوت 2003م، والمتضمن قانون النقد والقرض المعدل والمتمم، الجريدة الرسمية العدد 52، المؤرخة في 27 أوت 2003

[31] - نظام رقم 20-02 المؤرخ في 20 رجب 1441 الموافق 15 مارس 2020 الذي يحدد العمليات البنكية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية وقواعد ممارستها من طرف البنوك والمؤسسات المالية، ج ر ، عدد 16 المؤرخة 24 مارس 2020

[32]  - هاني دويدار، نفس المرجع السابق،ص 48   

[33]- علي البارودي، محمد فريد العريني، القانون التجاري ( العقود التجارية)، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية-مصر،2011،ص ص 34-35

[34] - المرسوم التنفيذي رقم 91-522 المؤرخ في 15 جمادى 1412 الموافق 22 ديسمبر 1991 يحدد شروط ممارسة مهام وكيل السفينة ووكيل الحمولة والسمسار البحري،ج ر، 68 المؤرخة 22 ديسمبر1991

[35] - أمر رقم 76-80 المؤرخ 29 شوال 1396 الموافق 23 أكتوبر 1976 المتضمن القانون البحري المعدل والمتمم ،ج ر، عدد29 المؤرخة 10 أبريل 1977

[36] - بن غالم بومدين و واعلي جمال، الأحكام العامة للسمسار البحري أو الوسيط البحري، المجلة الأكاديمية للبحوث القانونية والسياسية، جامعة عمار ثليجي الأغواط، عدد 02 ، المجلد 02 ، 2018،ص105 

[37] - الأمر رقم 95-07 المؤرخ في 23 شعبان 1415 الموافق 25 يناير 1995 المتعلق بالتأمينات ج ر، عدد 13

[38] - علي البارودي، محمد فريد العريني، نفس المرجع السابق، ص ص 50-51

- حمد الله محمد حمد الله، نفس المرجع السابق، ص84 [39]

[40] - حمد الله محمد حمد الله، نفس المرجع السابق، ص82[40]

[41] - نادية فوضل، نفس المرجع السابق، ص 100

[42] - هاني دويدار، نفس المرجع السابق،ص 55

[43] - أمر رقم 76-80 المؤرخ 29 شوال 1396 الموافق 23 أكتوبر 1976 المتضمن القانون البحري المعدل والمتمم ،ج ر، عدد29 المؤرخة 10 أبريل 1977 [43]

[44] - أريوط وسيلة، النظام القانوني للسفينة بوصفها أداة الملاحة البحرية، المجلة الجزائرية للقانون البحري والنقل، عدد 07، جامعة تلمسان، 2018،ص 361

[45] - حنان عبد العزيز مخلوف، نفس المرجع السابق،ص ص88-89

[46]- البقيرات عبد القادر، مبادئ القانون التجاري( الأعمال التجارية، نظرية التاجر، المحل التجاري، الشركات التجارية)،ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر،2015،ص33

- المادة 390 من القانون التجاري .[47]

- حنان عبد العزيز مخلوف، نفس المرجع السابق، ص82 [48]

[49]- نادية فضيل، القانون التجاري( الأعمال التجارية، التاجر، المحل التجاري)، ديوان المطيوعات الجامعية، الطبعة الحادية عشر، الجزائر 2011، ص133

- هاني دويدار، نفس المرجع السابق،ص 353[50]

[51] - مصطفى كمال طه، القانون التجاري ( الأعمال التجارية، التجار،المحل التجاري،الملكية الصناعية)، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية-مصر،1996،ص91

- هاني دويدار، نفس المرجع السابق،ص 130[52]

- حمد الله محمد حمد الله، نفس المرجع السابق، ص118[53]

- قانون رقم 17 لسنة 1999 المتضمن قانون التجارة المصري، ج ر ، عدد 19 (مكرر) ، المؤرخة في 17 ماي 1999[54]

- هاني دويدار، نفس المرجع السابق،ص 130[55]

- هاني دويدار، نفس المرجع السابق،ص 86[56]

-       [57] - الأمر رقم 08-09 المؤرخ في 18 صفر 1429 الموافق 25 فبراير2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجزائري،ج ر ،عدد 21 المؤرخة 23 أبريل 2008.

 

- البقيرات عبد القادر، نفس المرجع السابق،ص40 [58]


يعتبر القانون التجاري أحد فروع القانون الخاص، والذي يضم مجموعة القواعد القانونية التي تسري على طائفة من الأعمال التجارية وتسري أيضاً على طائفة من الأشخاص الذين يتصفون بكونهم تجار، فهو بذلك يختلف عن القانون المدني الذي يطبق على كافة الأعمال والمعاملات وينطبق على كافة الأفراد بغض النظر عن طبيعة مهنتهم أو النشاط الذي يقومون به.

لقد كان القانون التجاري في أصله عبارة عن مجموعة أعراف وتقاليد تنظمه، غير أنه ونظراً لأهمية التجارة في تنمية الدول في المجال الاقتصادي والاجتماعي وحتى في المجال السياسي، كان ولابد من وجود أطر قانونية تنظم النشاط التجاري، لأن عالم التجارة يتميز بخصائص تميزه عن المعاملات المدنية مثل السرعة والائتمان وسهولة الإجراءات.

ولقد نظم المشرع الجزائر النشاط التجاري بموجب الأمر رقم 75-59 المؤرخ في 26 سبتمبر1975 والمتضمن القانون التجاري، والذي شهد عدة تعديلات طرأت عليه، وآخرها ما يتعلق بالتجارة الالكترونية.

ولقد تم الاعتماد على مجموعة من المراجع المتنوعة لكتابة هذه مطبوعة في مقياس القانون التجاري السنة الثانية ليسانس جذع مشترك.

تحتوي المطبوعة على عشرة دروس، يمكن تصنيفها إلى ثلاث أجزاء، الجزء يتعلق بمدخل إلى القانون التجاري ويحتوي على درس واحد

أما الجزء الثاني هو نظرية الأعمال التجارية والذي يحتوي على ستة دروس

أما الجزء الثالث يحتوي على ثلاث دروس.


يتضمن الدرس تعريف القانون التجاري

يتضمن هذا الدرس الكلام عن المبادئ التي يقوم عليها القانون التجاري

یحمل القانون التجاري في طیاته مفهومان القانوني من جهة والاقتصادي من جهة أخرى، فالمفهوم الاقتصادي یتمثل في التداول وتوزیع الثروات، في حین المفهوم القانوني للتجارة أوسع ، حیث یتضمن تداول الثروات التي یقوم بها التجار وكذا الأعمال التجاریة والإنتاجیة والصناعیة .

   إن التطور المستمر للتجارة أدى إلى تطور الأحكام التي تنظم هذه المعاملات سواء اتخذ هذا التنظیم شكل عرف أو قانون...، فالقانون التجاري ولید البیئة التجاریة لكنه لم یظهر كقانون مستقل یتمیز بقواعد خاصة به إلا في عصر قریب تحت تأثیر الضرورات العملیة والحاجة الاقتصادیة الملحة التي اتسمت بها الحیاة العصریة ، الأمر الذي أدى إلى إخضاع فئة معینة من الأعمال طائفة وهي الأعمال التجاریة وطائفة من الأشخاص وهم التجار، لأحكام هذا القانون .

یعتبر القانون التجاري فرع من فروع القانون الخاص یشمل على قواعد قانونیة تحكم

مجموعة من الأشخاص تدعى التجار ومجموعة من الأعمال تدعى الأعمال التجاریة، ونظرا

لاتساع مفهوم القانون التجاري في العصر الحاضر یطلق علیه البعض اصطلاح "قانون الأعمال"