تمهيد:
تعتبر التجارة أو الدولية من أقدم الاهتمامات الاقتصادية وازدادت أهميتها حتى أصبحت محددا رئيسيا في الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية للدول.والتجارة الخارجية هي المتغير الحاسم الذي بنيت على أساسه النظرية المركنتيلية وعليه:
1/ الإطار التاريخي للفكر الاقتصادي المركنتيلي:
ويتمثل في الظروف التي مهدت لبناء ونمو الفكر الاقتصادي التجاري حيث شهد القرن 15 و16 تحرر العبيد من سطوة النظام الاقطاعي في أوروبا،واتجه معظم المتحررين للعمل في التجارة،إلا أن النشاط الاقتصادي الداخلي لم يحقق لهم الغايات الاقتصادية والمكانة الاجتماعية الكبرى ولا السطوة السياسية في بلادهم.لذا أصبح التفكير لا بل انتقل العمل في الاطار الخارجي للدولة عن طريق التجارة الخارجية التي كانت تنمو بصورة متسارعة بحيث أدت تدريجيا إلى ثراء التجار وأدى هذا التحول إلى رفه أهمية التجار اقتصاديا وظهورهم كطبقة اجتماعية قوية لها مكانة.
2/ أسباب تطور التجارة الدولية:
- اتصال أوروبا بالمشرق الإسلامي المتقدم في تلك الفترة.
- اكتشاف طرق مواصلات بحرية جديدة مثل رأس الرجاء الصالح
- اكتشاف القارة الأمريكية الغنية بالذهب.
- تحالف الملك مع التجار للقضاء على سلطة الاقطاعيين والنبلاء والأمراء.
- فرض الملك لسلطة مركزية على سلطات الأمراء التي كانت تقوم في مراكز متعددة داخل الدولة.ومثلت هذه الحادثة الخطوة الأولى التي أدت إلى ظهور الدولة الأوروبية الحديثة التي تقوم على أساس قومي وتخضع لسلطة مركزية واحدة،ثم بروز القوميات العرقية وتفكك الإمبراطوريات الكبرى.
- إقامة التجاريين برسم سياسة للتجارة الخارجية مرتبطة بالاقتصاد القومي،والتي تخدم المصلحة القومية المتمثلة في أكبر ربح وأكثر ثراء.
- حركة النهضة الفكرية في أوروبا التي دعت إلى الصحوة الفكرية وفصل الدين على الدولة من خلال التحرر من سيطرة الكنيسة وبناء سلطة مدنية للملك أو للحكومة.
3/ التعريف بالمدرسة المركنتيلية:
يطلق مصطلح المركنتيلية/التجارية على مجموع الآراء والإجراءات الاقتصادية التي طبقها أنصار(الدولة القومية في معظم البلدان الأوروبية،في الفترة الممتدة من القرنين 15 و18،بهدف توفير فائض في الميزان التجاري للدولة،ويتمحور هذا المبدأ الاقتصادي حول أن غنى دولة ما يعتمد على امتلاك المعادن الثمينة،ويحدد الوسائل التي بواسطتها يمكن للدولة أن تمتلك تلك المعادن.عليه فالمركنتيلية تعني فعلا ممارسة التجارة بعقلية ضيقة،ورغبة جامحة في الربح،وهي النزعة الوطنية القوية لحماية الاقتصاد الوطني.
4/ أفكار ومبادئ المدرسة التجارية:
أ- مصدر القيمة/الثروة:
ساد لدى التجاريين أن البحث الاقتصادي يجب أن يستهدف الوصول إلى إثراء الدولة،واعتقدوا ان الطريق على ذلك لن يتحقق إلا من خلال زيادة المعدن النفيس للدولة.فالمعادن الثمينة عندهم،مصدر للثروة،ومعيار قياس قوة الدولة أو ثرائها هو حجم ما تمتلكه من الذهب والفضة،لذلك يرون أنه يتوجب على الدولة الحصول على أكبر كمية من المعادن النفيسة.
ب- الحماية الجمركية وتحقيق ميزان تجاري رابح كآلية لزيادة الثروة:
يمكن حسب التجاريين زيادة الثروة بأحد الأسلوبين:إما استثمار مناجم الذهب والفضة إذا كانت متوافرة في الدولة ومنع خروج هذين المعدنين من البلاد او تنشيط التجارة الخارجية وزيادة الصادرات وفرض الضرائب على الواردات(التسديد بالمعادن النفيسة) بهدف زيادة الحصول على النقود المعدنية.وعادة ما كان التجاريون يقولون :"إن بيع البضائع للآخرين يكون دائما أفضل من شراء البضائع من الآخرين"لأن البيع يحقق فائدة مؤكدة والشراء يجلب مضرة لا يمكن اجتنابها.وتحقيق هذا الهدف يتطلب:
- تشجيع الصادرات من المواد المصنعة ومنع استيراد السلع المنافسة للسلع الوطنية.
- إقامة شركات الملاحة وامتلاك أساطيل بحرية ضخمة للنقل والحرص على أن تكون عمليات النقل وطنية.
- توفير مواد أولية منافسة عن طريق إقامة مستعمرات خارج البلاد.
ج- تشجيع سياسات الاحتكار ومنع المنافسة:
دعى التجاريون إلى الاحتكار والتحكم الاحتكاري في الأسعار والمنتجات واحتكارهم التجارة الخارجية،فقامت الدولة بمنع الأجانب من التجارة في سلع معينة أو في مناطق معينة وقامت بتنظيم الصادرات الوطنية بطرق مباشرة مثلا قامت بريطانيا بسن قانون القمح لتحرم به استيراد أي نوع من الغلة إلا في حالات الشح الشديد وقانون الملاحة المزود بروابط جمركية بشكل يجعل من المستحيل أن تذهب تجارة مستعمراتها الهامة إلى الدول المنافسة.
د/ تأييد تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية:
ويكون ذلك عن طريق الرقابة الحكومية عن طريق سياسة الواردات وكبحها من خلال محاربة السلع الأجنبية لتسريبها للمعدن النفيس،وفرض ضرائب جمركية مرتفعة وحتى المنع المباشر لبعض السلع من الدخول،أما الصادرات فقد شجعت تصدير السلع المصنعة والعمل على كسب أسواق جديدة من البلدان المكتشفة حديثا والغنية بالمعادن النفيسة.وعندما تعجز بعض الصادرات عن المنافسة الخارجية فالدولة لا تتوانى عن مساعدتها مباشرة بتقديم معونة مالية.
ذ/ سياسة الأجور المنخفضة:
تنبه التجاريون إلى ضرورة تخفيض نفقة الإنتاج للسلع المصنعة الموجهة للتصدير لهذا دعوا إلى سياسة تخفيض الأجور من جهة لحث العمال على بذل جهد أكبر لرفع أجرهم.وبالتالي زيادة الإنتاج ومن جهة أخرى فإن الأجور المرتفعة تذهب لاشباع الحاجات الاستهلاكية للطبقة العاملة ما يؤدي إلى زيادة الاستهلاك.
ر/ سياسة السكان:
اتسمن نظرة المركنتيليين للسكان بطابع النداء لزيادة السكان،لأنهم مصدر قوة الدولة ومصدر للقوة العسكرية(المحاربين) واليد العاملة التي كلما زادت انخفض الأجر- معلم: قاصـــــدي فا يــــزة