توليد المصطلحات في اللغة العربية:
من المعلوم جداً أن الغربيين في اللحظة الحضارية الآنية "يستنبتون العلم بلغاتهم، ويخترعون المخترعات، ويمطرون العالم يوميا بمئات المصطلحات والألفاظ الجديدة" وأمام هذا الوضع، تجد اللغة العربية نفسَها مضطرّة إلى مواكبة هذا التطور العلمي، وهذه المبتكَرات اللغوية مصطلحياً؛ إذ إنها مطالبة - أكثر من أي وقت مضى – باللَّحاق بالركب الحضاري الغربي، وبمسايرة زخمه المصطلحي في شتّى الميادين المعرفية والعلمية. ولن يتحقق هذا الأمر إلا بقيام رجالات هذه اللغة بتوليد المصطلحات، لتسمية المفاهيم العلمية التي ترد عليهم من الغرب يوميا بأعداد هائلة. ويُطلَق على هذه العملية اسم "الوضع المصطلحي".
يعرِّف أبو البقاء الكفوي (ت 1094ه) الوضع بأنه "تعيين اللفظ للمعنى، بحيث يدل عليه من غير قرينة" و يتم بطرق وآليات متنوعة ومتعددة، من أهمها:
1/ – الاشتِقاق:
ولعل أشهر تعاريفه وأجودها قول ابن دحية في "شرح التسهيل": "الاشتقاق أخْذ صيغة من أخرى، مع اتفاقهما معنىً ومادة أصلية وهيأةَ تركيبٍ لها، ليُدَل بالثانية على معنى الأصل، بزيادة مفيدة، لأجلها اختلفا حروفا أو هيأة؛ كضارب من ضرب، وحذر من حذر"
فالاشتقاق – إذاً – نزْع لفظة من لفظة أخرى؛ وتسمى الأولى مشتقًّا؛ والثانية مشتقا منه. ويشترَط أن يكون بينهما تناسبٌ في اللفظ والمعنى معاً. وقد أثير نقاش حادٌّ بين علماء العربية حول أصل الاشتقاق؛ بحيث ذهب البِصريون إلى أن المصدر هو أصل الاشتقاق، في حين ذهب الكوفيون إلى أن الفعل هو أصل جميع المشتقات.
ويقسم علماء الصرف الاشتقاق إلى صغير، وكبير، وأكبر. فأما الاشتقاق الصغيرُ فيقتضي اتحاد المشتق والمشتق منه في الحروف وفي ترتيبها (مثل: كتب وكاتب)، وأما الاشتقاق الكبير[،فيقتضي اتحاد اللفظتين المشتقة والأصلية في الحروف دون الترتيب (مثل: جبذ وجذب)، وأما الاشتقاق الأكبر فهو صياغة كلمة من أخرى على أن تكونا متفقتيْن في أكثر الحروف لا في جميعها؛ ومن أمثلته "الجمع بين اللفظين المتعاقبين اللذين يقعان على معنيين متعاقبين كأزّ وهزّ، ونعق ونهق، مع الأخذ بعين الاعتبار ما يعكسه التباين اللفظي الطفيف من تباين معنوي طفيف" ويسمى الاشتقاق الأكبر في العربية كذلك "الإبدال" الذي أشار إليه أحمد بن فارس (ت 395 ه) بقوله: "ومن سنن العرب إبدال الحروف، وإقامة بعضها مقام بعض. ويقولون: مدحه ومدهه، وفرس رقل ورقن. وهو كثير مشهور قد ألف فيه العلماء..."،ويزعم علي القاسمي أن الاشتقاق الصغير هو"الأكثر إنتاجيةً وفاعلية في النمو المصطلحي" لدى العرب.
ويعد الاشتقاق من أكثر الآليات – وإن لم نقل أكثرها إطلاقاً – المعتمَدة في توليد المصطلح في اللغة العربية بوصفها لغة اشتقاقيةً بامتياز. وهو يسهم – بشكل كبير – في تطور هذه اللغة، وفي إثرائها بترْسانة مصطلحية هي في حاجة إليها للتعبير عن المفهومات الجديدة التي تَفِد عليها من الحضارات والثقافات الأخرى بكَميات مهمة جدا سنويا. وتكمن جمالية هذه الآلية التوليدية في كونها تحافظ على نقاء العربية، وتحْميها من الهَجين والدخيل اللغوييْن. لذا، فإنه عادة ما يَلجأ واضعو المصطلح العربي إلى هذه الوسيلة، حتى إذا لم تسعفهم ولم تمدَّهم بما يَبْغُون، انتقلوا إلى آليات أخرى.
- Teacher: hafida laami