الترجمة:

ويُراد بها في المعاجم اللغوية العربية جملةُ معان، منها: التفسير، والإيضاح، والنقل. يقول ابن منظور: "التُّرْجمان والتَّرْجمان: المفسّر، وقد ترجمه وترجم عنه،... ويقال: قد ترجم كلامه، إذا فسره بلسان آخر"]. وجاء في "المعجم الوسيط": "ترجم الكلام: بينه ووضحه، وكم غيره وعنه: نقله من لغة إلى أخرى، ولفلان: ذكر ترجمته"

والترجمة في الاصطلاح النقدي – عموماً- هي نقل محتوى نص من لغة إلى أخرى]. وقد ورد في "معجم اللسانيات" الذي ألفه جون دوبْوا ورفاقُه ما يلي: "ترجمة [النص]؛ أي نقله من لغته الأم (لغة مصدر / Langue source) إلى لغة أخرى (لغة هَدَف / Langue cible)، مع مراعاة التكافُؤات السيميائية (أو الدلالية) والأسلوبية"

وتُقسَّم الترجمة إلى أنواع متعددة ومتنوعة تبعاً لتنوع المعايير والاعتبارات المعتمَدة في تقسيمها. وهذا الأمر عولج قديما وحديثا أيضا، ولدى العرب والعجم على حد سواءٍ. وقد ذكر صاحب الكشكول عن الصلاح الصفدي أن للترجمة في النقل طريقتين رئيستيْن؛ إحداهما طريقة يوحنّا بن البطريق وغيره، وتقوم على أساس أن يَنْظر المترجِم إلى كلمة من الكلمات اليونانية ومدلولها، فيجيء بمفردة من الكلمات العربية ترادفها مدلولا، فيثبتها، ويعامل الأخرى بالطريقة نفسِها، حتى يأتيَ على جملة ما يريد ترجمته... والطريقة الثانية هي طريقة حنين بن إسحاق والجوهري وأمثالهما، وتقتضي أن يأتي المترجم بالجملة الأجنبية فيحصّل دلالتها في ذهنه، ثم يعبر عنها في لغته بجملة تطابقها معنىً. ولا ريب في أن الطريقة الثانية أجود من الأولى وأنجع. ويقسم كاتفورد الترجمة باعتبار الإطلاق والتقييد إلى ترجمة كاملة، وترجمة مقيدة. ويرى أن الأولى تمس النص كاملا، والثانية تستدعي "أن يستبدل بمواد نص في (ل.م.)]ما يقابلها من مواد في مستوى واحد فقط؛ أي: ترجمة تنفذ على المستوى الصوتي أو الخطي، أو على أحد المستويين: القواعد أو المفردات المعجمية". ويقسم الأمريكي أوجين نايْدا (Eugène Nida) الترجمة إلى ضربين؛ ترجمة شكلية، وترجمة تأثيرية (أو ترجمة المعنى). ويتحدث فيناي (J. Vinay) ودارْبيلني (A. Darbelnet)، في كتابهما المشترك "Stylistique comparée du français et de l’anglais"، عن نوعين من الترجمة؛ أحدهما "الترجمة المتعددة"، ومعناها أن يترجم النص الواحد ترجمات عدة بتعدد المترجمين، وتباين طرق الترجمة. ويتمثل ثاني النوعين في "الترجمة المعكوسة"، ومعناها أن ينقل نص من لغة (أ) إلى لغة (ب)، ومن لغة (ب) إلى لغة (أ). ومن مزايا هذا النوع الترْجَمي التأكُّد من مدى دقة الترجمة، ومن أن كل عناصر النص قد تم نقلها بلا زيادة ولا نقصان. وتقسم الترجمة- بالنظر إلى مَنْ يقوم بها- إلى ترجمة بشرية، وترجمة آلية يضطلع بها الحاسِب الإلكتروني. وهي- باعتبار المعيار الزمني- إما فورية، وإما تعاقُبية. وهناك تقسيمات أخرى كثيرة في هذا الإطار.

ويُهِمنا في هذا المقال أن نعرّف ب"ترجمة المصطلح" بوصفها صورةً من صور النشاط الترجمي التي حظيت باحتفاء عديدٍ من الباحثين في الوقت الحاضر. وقد حدَّدها بعضُهم بأنها "تعويض (إبدال) مصطلح (تمثيل) من نص ينتمي إلى لغة ما بمصطلح آخر (معادل أو مقابل) من لغة أخرى"، ويقصد بها في الثقافة العربية "نقل المصطلح الأجنبي إلى اللغة العربية بمعناه لا بلفظه، فيتخيَّر المترجم من الألفاظ العربية ما يقابل معنى المصطلح الأجنبي".

ولتكون هذه الترجمة مستحسَنةً وجيدة، لا مناصَ من توفر جملة من الضوابط والشروط؛ من ذلك ضرورة أنْ يكون المترجم عارفا باللغة المصدر واللغة الهدف معاً، ووجوب ربط المصطلح المترجَم بالبنية الثقافية التي ظهر فيه، وينبغي للمترجم أن يحرص على ملاءمة المصطلح المنقول للغة المنقول إليها؛ اتّقاءَ نفور الناس منه، وضماناً لسيْرورته (بالسِّين) وتقبُّل الجمهور له. يقول المسدّي:"إن المصطلح النقدي تزداد حظوظ مقْبُوليته في التداخل والتأثير كلما توفرت فيه مقوِّمات المواءَمة الإبداعية، ويُشترَط في ترجمة المصطلح- كذلك- الأمانة، والدّقة... وعِلاوة على ما ذُكر، هناك شروط كثيرة تتصل بشخْص المترجِم. وقد أثبت محمد ديداوي في كتابه عن علم الترجمة عدداً منها.. وحتى تكون الترجمة العربية بهذه الصورة، والمترجِم العربي بهذا الشكل، فإنه من اللازم العمل على إعداد المترجمين العرب إعدادا علميا متكاملا؛ ليكونوا قادرين على الإسهام في نهضة أمتنا، والرُّقي بها في مدارج الحضارة. وقد نصَّ "المؤتمر العلمي الأول للمترجمين العرب"، الذي انعقد في بغداد أيام 28- 29- 30 مارس 1988، على هذا الإجراء الإعدادي في توصيته السادسة

تلكم- إذاً- بعضُ شروط الترجمة الجيدة، والتي تعد الميزان الذي يجب أن تُعرَض عليه الترجمات، قبل الإقرار بجودتها أو رداءتها. يقول محمد رشاد الحمزاوي في هذا الصدد:"فلا يمكن أن نقرّ على العموم وجود ترجمة صائبة وترجمة خاطئة، إلا إذا تقيّدنا بمعطياتٍ وقوانينَ جماعيةٍ، تستوجبها التجربة والتطبيق].. ورغم هذه الضوابط والجهود المبذولة في مضمار الترجمة، فإن الترجمة إلى العربية مازالت محدودة، وما زالت ثمة صعوباتٌ جمة تقف في طريقها وتعرقل سيرها. ومن هذه الصعوبات ما أشارت إليه الأستاذة نجاة المطوع في قولها: "إن الترجمة إلى العربية لا تزال تفتقر إلى البرامج على المستويين القطري والقومي، كما أنها لم تبن على دراسة الواقع الراهن بلغة التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والآفاق المستقْبَلية في الوطن العربي، ولم تتسع لتلبية متطلبات العصر، ودرجة النضج عند القارئ".